قدّم عدد من اليهود الـمتذمرين من وضع الـمجلس الـملّي طلباً إلى وزارة الداخلية للترخيص لهم بإنشاء مجلس قومي «يسهر على مصالـحهم الطائفية.»
الـخبر بسيط، وفي ظاهره أنه شيء عادي جداً. وبديهي أنّ إيجاد مؤسسة تعنى بشؤون بعض الـمذاهب أو الطوائف شيء عادي أو من طبيعة الـحال.
والـحقيقة أنّ الأمر ليس بهذه الدرجة من البساطة وليس من الأمور العادية التي لا تستوقف النظر. خصوصاً ونحن نعيش في طور نهضة قومية رفعت الإحساس القومي إلى درجة عالية، وولدت تنبهاً شديداً للشؤون القومية، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية والأدبية وكل لون له مساس بالقومية وحياة الأمة.
الظاهر من هذا الـخبر أنّ جماعة من اليهود البيروتيين غير راضين عن أعمال السيد فارحي رئيس الـمجلس الـملّي، وأنّ هذه الـجماعة رأت بعد إمعان النظر أن تنتفض على الـمجلس الـملّي وتشكل مجلساً آخر لا يكون تـحت سيطرة فارحي. ويضمن لهذه الـجماعة حقوقها الـملّية.
عند هذا الـحد الظاهري تنتهي البساطة اليهودية.
أما الباطن في اقتراح الـجماعة اليهودية الـمتذمرة فهو إنشاء «مجلس إسرائيلي قومي» في لبنان، وهنا تبتدىء الـحيلة اليهودية، وهي حيلة شيطانية تستر أغراضاً أهمها تـحويل الـملّة الإسرائيلية في لبنان إلى جماعة قومية ترتبط بالوكالة اليهودية في فلسطين، وتكون مركزاً لأعمال الدعاوة اليهودية القومية التي تـحاول الامتداد في طول سورية وعرضها وعاملاً على جعل جوّ لبنان صالـحاً لهذه الدعاوة.
لا يوجد لبناني يريد أن يعترض على شؤون اليهود الـملّية وأحوال معتقداتهم الـخاصة. ولكن لا يوجد لبناني واحد يقبل أن يجري تساهل في أمر نشوء قوميات غريبة في لبنان.
فإذا كان اليهود يريدون حقيقة غرضاً ملّياً بحتاً، فلا وجه لإيجاد صباغ قومي لهذا الغرض. أما إذا كانوا يريدون ستر أغراض قومية بستار الـخلافات الـملّية فنحن نريد من وزارة الداخلية أن تتروى في هذا الأمر وأن تصون كرامة اللبنانيين وحقوقهم.
وإذا كان اليهود لا يقصدون من مشروعهم القومي شيئاً يهودياً صِرْفاً، فالقومية في لبنان والشام وفلسطين واحدة وهي لا ملّية ولا طائفية.
الـحقيقة أنه كيفما قلبنا مسألة مشروع «الـمجلس الإسرائيلي القومي» لا نـجد وجهاً لتبريره. ونـجد كل مبرر لتحذير الرأي العام من هذه الـحيل اليهودية.
يكفينا ما نلاقي من فكرة الوطن القومي لليهود في الـجنوب. ولا تسمح حالة الدولة اللبنانية بتفسخ أكثر من التفسخ الـموجود.
يـمكن اليهود أن ينشئوا مجلساً ملّياً أو طائفياً آخر. أما طلب إنشاء مجلس قومي لليهود في لبنان فتجاوزٌ لا تقبل به الكرامة اللبنانية.