حضرة السيد رفيق الـحلبي الـمحترم،
وردني تـحريركم اليوم وقد سرّني جداً القسم الأول منه فهو كلامكم كما أعهدكم، أما القسم الثاني فقد دهشت لعبارته ولهجته غير الـمنتظرتيـن. فإنكم قد كلّفتم وضع عضوين من الأعضاء موضع الـمفاضلة وحكمتم للواحد وحكمتم على الآخر، فجعلتم من مسألة نظامية بحتة موضوعاً شخصياً في حين أننا في أشد الـحاجة إلى نفي الـمسائل الشخصية من «الـحق»(1) ومن مجموعنا عموماً. فليس عند القائد العام شخص أفضل من شخص، ولا فرد أَحَبُّ من الآخر، وهو لا يقرّ تدبيراً إلا لضرورة وسبب جوهري، ولا أخالكم تنكرون أنّ الـحزم ضرورة قصوى لـمثل الـمسؤولية التي نتحملها.
ولو أنكم طلبتم إيضاح بعض الـمسائل الإدارية والنظامية التي حدثت مؤخراً لكان أفضل من إطلاق الـحكم استناداً إلى التخميـن أو إلى معلومات ناقصة. وإني أوضح لكم بعض ما حدث وأسبابه بصورة شخصية حرصاً على روح التعاون والإخلاص التي يجب أن تبقى معنا دائماً وتـجاه جميع الصعوبات، داخلية كانت أو خارجية.
الـحقيقة، كما تعلمون، أنّ السيد شفيق شرتوني قد قَبِلَ، ككل فرد آخر في نفس منزلة كل الأعضاء، وحضر الاجتماع العام واطّلع على القانون والتقرير. ثم إنّ السيد الـمذكور اجتمع إليّ عدة اجتماعات أخبرني في بعضها أنّ الـحزب الذي كان قد ألّفه لا يزال سائراً، وأنه يحضر الاجتماعات، وأنّ لديه في بيروت نحواً من مئتي عضو ونحو ثلثمائة في الداخلية، وعدة أحاديث أخرى. فسألت السيد شرتوني إذا كان يـمكن الـحصول على قوة مئتي شخص في بيروت لبعض الـمسائل فلم يقل إنه يتمكن من ذلك،بل قال إنّ الـمسألة صعبة ولكن لا يستحيل تدبير هذا العدد في الـمستقبل، وليس شيء مستحيلاً.
ثم طلبت من السيد الـمذكور أن يصلنا بخيرة الرجال ذوي النفوذ في جماعته، فذكر لي أنه يعتمد كثيراً على السيد نـجيب حلاوة وأنه يجب أن يقدّمه لي لأراه. وفي الـموعد الـمضروب قدم السيد شرتوني برفقة السيد حلاوة وشخص آخر.
وإسم هذا الشخص السيد محمد الباشا. وفي اجتماعي بهم علمت أنّ السيد شرتوني كان قد باح للسيد حلاوة بكل شيء، وباح للسيد محمد الباشا بوجود حزب هو الآن في حضرة رئيسه. فرأيت هذا التصرف شاذاً لم يراعَ فيه القَسَم ولا النظام. فالإتيان بشخص غريب وتعريفه إلى رئيس حزب قبل أن يكون ذلك الرئيس أو هيئة الـحزب عالـمة به أمر شاذ فعلاً، لم يقدم عليه حتى الآن عضو واحد من الأعضاء القدماء والـجدد، حتى ولا ذاك الذي لا يحق له أن يكون متمرناً وتلميذاً عند السيد شرتوني.
ولو كانت الـمسألة مسألة شخصية لكان الإغضاء عن مثل هذا التصرف أجدر، ولكن الـمسألة مسألة سلامة حزب ومبدأ وأرواح، أنتم في عدادها، وهذه الـمسؤولية ليست شيئاً هيناً. ومع ذلك كله فإني لم أشك في إخلاص السيد شرتوني، وإني أدافع عنه كما أدافع عن غيره من الأعضاء، ولكنني رأيت أن آخذ الأمر بالتؤدة فلا نخطو خطوة ثانية إلا بعد التبصر.
للجنة الـمركزية الإدارية في بيروت أن تقبل السيدين حلاوة والباشا عضوين، وأن يتوجه بعض الأعضاء مع السيدين شرتوني وحلاوة إلى بعض مناطق الـجبل.
أما لـماذا يجب على السيد شرتوني أن يكون متصلاً بالسيد فؤاد خوري فذلك لأن السيد الـمذكور هو الآن سكرتير اللجنة الـمركزية الـموقتة، ولأنه أقدم في العضوية، ولأنه قد أدى خدمات غير قليلة، ولأنّ بعض التنظيمات الإدارية الأخرى، التي يـمكنكم أن تطّلعوا عليها فيما بعد، قضت بذلك. ولـمّا كانت الـمسألة ليست مسألة شخصية بل نظامية، فلا يضير السيد شرتوني شيئاً أن يسير بـموجب النظام ويبرهن على أنه لا تهمّه إلا الـخدمة الـمجرّدة، ومتى أدى السيد شرتوني خدماته فالقيادة العامة لا تبخسه حقه. وأما أنّ القيادة العامة قد أبدت حزماً وروية فيما يتعلق بخطوات جديدة، فهو مـما يجب أن يسرّكم ويسرّ السيد شرتوني أيضاً، لأنه يدل على سهر القيادة على سلامة الـحزب.
وأما مسألة مئات الأعضاء في الـجبل فإذا كان السيد شرتوني واثقاً من نفوذه وزعامته لها فلا بأس في أي زمن يكون انضمامها ما زالت الـمسألة مسألة أيام قلائل، خصوصاً والـخطأ كان من جانبه، وأما إذا كان نفوذه عندها غير متين فذلك يعني أننا نحن سنقوم بعملية اكتساب هذا العدد، كما نحن قائمون به فعلاً الآن. وعلى كل حال فالسيد شرتوني عضو منا وله عندنا نفس الـمقام الذي للآخرين، لا أكثر ولا أقل، والـحكمة تقضي بأن تكون أعمالنا نظامية، وأن ننزه أعمالنا وكتلتنا عن كل ما قد يجلب التنافس الشخصي.
فلا يضير السيد شرتوني مطلقاً أن يكون السيد فؤاد خوري قد سبقه إلى الانضمام إلى الـحزب، وسبقه إلى الوقوف على نظامه، وسبقه إلى تقديـم خدماته. ومتى قدّم السيد شرتوني خدماته فسيجدنا ناظرين إليها بـما تستحقه من الاهتمام. وأنتم تعلمون أنّ مبدأ القائد العام هو أنه ليس عضو أفضل من الآخر، فليس فلان أفضل منكم مهما ادعى ذلك، وليس فلان أفضل من فلان. ولكن أعمال العضو تضعه حيث يجدر به. ونحن الآن لا نزال في طور تأسيس واختبار، ومجال العمل لا يزال أمام كل عضو. وإنّ الوقت جزء من النظام. فلنعطِ كل فرد فرصة ووقتاً ليقدّم نتيجة عمله.
وإذا كانت فضيلة التضحية موجودة في قلب كل واحد منا، فعلى كل واحد أن يطلب ذلك في نفسه، وإلا فإن التنافس الشخصي يصبح آفة قاضية.
إني لا أشك أبداً في غيرتكم وعملكم، بل إني أترقب نتائج حسنة على يدكم. وإذا كان السيد ر. خ [رجا خولي]، الـمتغيب [حالياً]، قد كتب إليكم بإيعاز مني لافتاً نظركم إلى وجوب الـحيطة والتؤدة، فما ذلك إلا مبالغة في الـحرص على قضية الأمة والوطن. ولا يخفى عليكم أن لا مصلحة شخصية في شيء من ذلك. وكلمتي الأخيرة هي أني أنسى القضية الشخصية التي ذكرتـموها، وأطلب منكم أن تنسوا بدوركم. وعسى أن يثمر جهادنا خيراً.
وإننا نترقب ورود أخباركم بنضج الأعمال عندكم.
إقبلوا سلامي القومي.
(1) كانت تستعمل في مرحلة العمل السري للدلالة على «الـحزب القومي».