حضرة الـمذياع العام والـمفوض لسان باولو، (1)
تسلمت كتابكم الـمسهب الـمؤرخ في 2 سبتمبر/أيلول الـجاري، ثم تسلمت اليوم رسالتكم الأخيرة الـمؤرخة في 6 سبتمبر/أيلول الـجاري. وكنت أتوقع أن أرى في الأخيرة ذكر وصول كتابي الأخير إليكم، وكتاب إلى الرفيق إدوار سعاده يتعلق بـمهمة معهودة إليه، ولكن الرسالة لم تشر إلى شيء من ذلك. فعسى أن يكون مجرّد سهو.
التنظيم: بعد وصول كتابكم الـمسهب الـمذكور أولاً والـمشتمل على أخبار الاجتماع التمهيدي، فكرت في الكتابة إليكم في الـحال لـحل بعض الـمسائل الـمختصة بأشخاص، ولكني وجدت أنّ رسالتي لن تصل في الوقت الـمناسب، أي قبل انعقاد الاجتماع الثاني، ولذلك فضلت الانتظار ريثما يأتي كتاب منكم فيه أخبار جديدة. والآن يـمكنّي معالـجة الـمسألة من الـموقف الأخير:
الهيئة الإدارية: قد تشكلت بـما يناسب الـحالة وإني أثبّت الـموظفيـن في وظائفهم فيمكنكم تبليغهم ذلك ودعوتهم في الـحال إلى عقد جلسة يصير فيها التثبيت. فترأسون الـجلسة، التي لا يحضرها غير الـموظفيـن، وتبلّغون الـموظفيـن تثبيتهم، بعد افتتاح الـجلسة وقوفاً باسم سورية وسعاده، بأن تقرأوا عليهم العبارة الأولى من هذه الفقرة التي فيها خبر تثبيتهم من قبلي. ثم تلفتون نظر الـموظفيـن إلى أهمية الثقة التي وضعت فيهم، وإلى خطورة مسؤوليتهم النظامية في هذا الطور التأسيسي، وإلى دقة الـموقف في البيئة التي سيعملون فيها. وتذكّرونهم بأني أريد أن أرى فيهم رجال العقلية الـجديدة، وليس نسخاً طبق الأصل عن مظاهر العهد البائد. ويكون ذلك بعد أن تأخذوا من كل منهم قسم وظيفته، الذي يصير حالاً بعد تبليغهم التثبيت. ثم تعلنون للهيئة وجوب التقيد بالقانون والتعليمات بعقد الـجلسات الأسبوعية وأخذ الوقائع.
أوافق على تأليف لـجنة إذاعية مكتومة تقوم بتوسيع نطاق الإذاعة والقيام بـما لا يتمكن من القيام به الـمذيع، الذي قد يجد صعوبة في لغته العربية وقد يحتاج إلى اختبارات جديدة. وألفت نظركم إلى أنّ الـمسائل الإذاعية تقع ضمن اختصاصكم كمذياع عام وكناظر للإذاعة في منفذية مينس، فيجب أن توجهوا إليها عناية خاصة وتـمدوا الـمذيع بالتوجيهات التي ترونها مناسبة والإرشادات الـمفيدة.
بعد وضع دواليب الـمديرية على الـخطوط في سان باولو يـمكنكم إعداد رحلة إذاعية - تنظيمية إلى سنطس. ومنذ مدة كتبت إلى الرفيق نقولا [ريشا] بك وكتب إليه الرفيق [جبران] مسوح أيضاً. فإذا أمكن تنظيم مديرية هناك يصير درس إنشاء منفذية لسان باولو.
الدستور: إنّ الأصل الدستور، أو الدستور بالذات، والـمراسيم الدستورية لم تتناول غير الشؤون الأساسية وإيجاد الـمؤسسات للأغراض الإدارية الأساسية. أما النظام أو القانون الداخلي فقد جمعت مواد كثيرة منه في الوطن، ولم نتمكن من طبعه بسبب ظروف الـجهاد. ولسد هذا الفراغ جرت القاعدة باعتماد مصدرين: العرف والاجتهاد العملي، كلما خلت التعليمات أو لم يـمكن الـحصول عليها. وسأسد حاجة الـمديرية الـجديدة بإعطاء التعليمات التالية التي يـمكنكم الاستفادة منها لشؤون منفذية مينس.
الـخزانة: بما أنّ الـمال الـمجبى هو لـخزانة الـحزب العامة، وبـما أنّ الـمديرية ليست جمعية قائمة بنفسها، مستقلة بـماليتها لم تكن هنالك حاجة لإنشاء خزانة، فالـمال الـمجبى لا يجوز لهيئة الـمديرية التصرف ببارة منه، بل يرسل إلى الـخزانة العامة بواسطة ناظر مالية الـمنفذية التابعة لها الـمديرية كل شهر حالـما تتم جباية الشهر، كما هو مبيـن في القانون الـمالي (مواد 25 و26) وفي الـمرسوم عدد 3، مادة 9. وهذه الـمادة الأخيرة تـجعل للمحصل، وليس للجابي، شبه وظيفة خازن لشؤون مالية الـمديرية التي يجب أن تـحصل موازنتها على موافقة هيئة الـمنفذية، لكي تكون النفقات التي ستصرفها الـمديرية تـحت ضابط ناظر مالية الـمنفذية، حرصاً على وحدة الـجباية الـمركزية والـمحلية، وعلى العدل في توزيع الضرائب والفوائد. ولكن متى صار هنالك منفذية فيجوز إنشاء خزانة لها تكون تـحت إشراف ناظر الـمالية كما تكون الـخزانة العامة تـحت إشراف عميد الـمالية. وحينئذٍ تعود كل مديرية إلى خزانة الـمنفذية لسحب النفقات الـمعيّنة لها. ولـمّا تعيّـن كيفية أوامر الصرف في الـمديريات لأنها تركت للاختبار. ولكن يـمكن أن يصير ذلك بإمضاء الـمدير مع إمضاء موظف هيئة الـمديرية الذي يصير الصرف أو الإنفاق بواسطته لـمتطلبات وظيفته. فإذا وجدتـم العمل في سان باولو يحتاج إلى خزانة بسبب ما يـمكن جمعه للأغراض الـمحلية، وبسبب عدم إمكان إرسال ما يتجمع إلى الـخارج في الـحال، فيمكن أن تقترحوا تعييـن خازن بصورة استثنائية في هذه الظروف. ولكن في كل حال يجب الـحصول على موافقة مرجع أعلى على مساق النفقة الـمالية والوجوه التي ستنفق فيها، لأنّ الـمراجع العليا قد ترى ضرورة اختصار الـمساق والنفقة في مديريةٍ ما ليحوّل قسم من الـمال لتغطيه ما هو أهم في ناحية أخرى. هذا فيما يختص بالأموال الـمحلية، أما الـجباية العامة فترسل كلها كل شهر إلى الـخزانة العامة (في الظروف الـحاضرة إلى مكتب الزعيم).
النظام الداخلي: بـما أنّ هذا النظام لـمّا يوضع نهائياً أو يطبع، فيمكن الاستناد إلى الـمصادر الدستورية لتعييـن تصرّف الأعضاء ومسؤولياتهم ففي القَسَم والـمادة الثامنة من الدستور مصادر يـمكن اعتمادها. فالاجتماعات مثلاً، واجبة بديهياً، وكل من لا يحضر الاجتماعات بغير ترخيص رسمي يعدّ مخالفاً وينظر في أمره، وكل متخلف عن واجباته الـمالية كذلك. ولا يجوز أن يخالف عضو سياسة الـحزب، ولا أن يعصى الأوامر، وهو واضح في القَسَم. تبقى مسألة كيفية الإدخال. وفي هذه صدرت إذاعات من عمدة الداخلية فيها تعليمات صريحة ولا نسخة عندي منها. ولكن يـمكن اتخـاذ هـذه القاعـدة: كل عضـو له حـق الإذاعـة لـحزبه. فهو «حق طبيعـي» له ومن أجلـه ارتبط ويدخـل فيه الدفـاع عن العقيـدة وعن سمعـة الـحزب وما شاكـل. ولكن إذاعتـه تختلـف عن الـموظف للإذاعـة بـأنهـا ليست اختصاصيـة تكنيكيـة ولا تـجري على منهاج منظم في صلاحيات ومسؤوليات. فإذا بلغ الأمر أنّ أحـد الأعضاء أقنع شخصاً بصحة عقيدة الـحزب وصحة نظامه حتى أظهر رغبة في الانضمام، فالواجب على العضو أن يقدّم إسم الشخص إلى هيئة الـمديرية بواسطة الناموس أو إلى الـمدير رأساً، الذي يتوجب عليه طرح أمر رغبة الشخص على بساط البحث في جلسة الهيئة، وبعد أن يسمع من أعضاء الهيئة ملاحظاتهم وآرائهم يبتّ في الأمر، فإما يجيز إدخاله في الـحال أو يعيّـن عضواً أو أكثر لدرسه أو يؤجل أمره أو يرفض قبوله رفضاً معللاً بالأسباب، ويدوّن كل ذلك في وقائع الـجلسة. وفي حالة قبول ترشيح شخص للدخول يحيل الـمدير أمر إدخاله إلى لـجنة الإدخال التي يعيّنها الـمدير للقيام بهذا العمل وقوامها ثلاثة أشخاص، رئيس يفحص الطالب هل يريد الدخول عن عقيدة صحيحة، وهل هو مستعد لقبول النظام وشدّته والتضحية في سبيل القضية وطاعة الأوامر؟ ثم يحلفه اليميـن ويحيله على ناموس اللجنة فيسجل إسمه ويأخذ إمضاءه وبصمة إصبعه فيحيله الرئيس إلى وكيل الـجباية فيسجل إسمه في بطاقة أو دفتر للمالية ويقبض منه في الـحال اشتراك الشهر الأول. وبعد تـمام العمل يبلّغ رئيس لـجنة الإدخال الـمدير النتيجة ويقدم العضو الـجديد إلى الـمدير أو الناموس ويلحق بالـمديرية فيحضر الاجتماعات ويـمارس حقوقه وواجباته. وهنالك أشخاص يـمكن إدخالهم بصورة استثنائية من فوق، فالـمذياع العام له حق الإدخال وحده حيث لا يوجد إدارة أو أعضاء، أو لأسباب تتعلق بتعليمات خاصة، وبوجود شاهد آخر من الأعضاء حيث يـمكن ذلك. والأعضاء السرييـن يصير إدخالهم عن غير طريق الـمديرية وبدون علم هيئة الـمديرية أو أعضائها. ويحق للمدير أيضاً إدخال أشخاص بعد أخذ رأي أعضاء هيئة مديريته وبحضور شهود ولأسباب استثنائية كعجلة سفر أو أية حالة خاصة.
الاتصال الدبلوماتي: بلّغوا السيد إسكندر الـمرّ أنه لا مانع عندي من مقابلة السفير هنا، بشرط أن تكون أجريت الأمور التمهيدية بواسطة من هم موضع ثقة عند الـجانب الآخر، وأن يبدي السفير هنا رغبة واستعداداً لذلك، وأن يكون تهيأ ولو بعض التهيؤ لنوع القضية. والذي أخشاه أنّ الذين تعتمدهم السفارة هنا من السورييـن هم من طبقة لا تصلح لشيء غير الفساد والتخريب. وبلّغوا السيد الـمرّ أيضاً أن يبلّغ حضرة القنصل هناك أننا نفضّل الاتصال مع الـمفوضيـن البريطانييـن رأساً وبدون علاقة في الـحاضر مع ديغول وعماله. إذ مهما تكن صفة ديغول الشرعية تـجاه بريطانية، فهو ليس موجوداً في شمال سورية إلا بقوّتها، وحتى الآن لا يـمكن الـحزب الاعتراف بشرعية شخصيته وإدارته.
ومع صواب نظرة حضرة القنصل في أنّ لـجنة ما قد لا يكون من شأنها التغلب على كل شيء فوجود اتصال أولي بهذه الصفة يـمهّد الطريق لإبلاغ الـمراجع الـمختصة رغبة التفاهم والاتفاق والتعاون، فتأخذ علماً بها بواسطة الأقنية الـموثوقة ويكون ذلك أدعى إلى الثقة وتبادل الاحترام.
السيدين بندقي: بعد أن تدفعوا لهذين السيدين القسط الأخير يحسن أن تلوموهما بلهجة غير عنيفة، وتظهروا لهما اعتقادكم بأنهما لم يحسنا صنعاً بقطع علاقتهما بالـحزب الذي أقسما يـميـن الإخلاص له، وبعدم متابعة الاتصال بالزعيم الذي كان يرغب في تقرّبهما. وإنكم ترون أنه يجب أن لا يدفع الآخرون ثمن أغلاطهما. وإنكم تتمنون أن يعودوا إلى الـحقيقة وأنّ الأمور تصير أحسن في الـمستقبل. وتكتفون بذلك وفيه كفاية وقد قُضي الأمر.
تأسفت لـما ألمّ بكم، وأرجو أن يزول ألـمكم سريعاً، وأن يصحبكم التوفيق. بلّغوا تهنئتي للموظفيـن وسلامي لهم وللرفقاء العامليـن.
بعد: إذا وجدتـم صعوبة دمج الرفقاء: وديع عبدالـمسيح، إلياس بخعازي، سليم معلوف، في الروحية العامة فيحسن فصلهم عن جسم الـمديرية بطريقة لطيفة كأن تظهروا اقتناعاً بصواب نظرة الرفيق عبدالـمسيح لقسم من القومييـن، على الأقل، وأنكم تريدون القيام بتجربة رأيه لتروا هل ينجح أكثر فتكلفونه الانصراف في الوقت الـحاضر مع الذين هم من نوع نظرته وعقليته لتأليف لـجنة تسعى لـجمع الـمال وإنشاء علاقات حسنة مع التجار وغير ذلك. وهكذا تفعلون بكل من تشتبهون أنه ليس مع روحية العمل القومي الصحيح الـمنظم. ولتحيى سورية.