رفيقي العزيز وليم بحليس،
تسلمت كتابك الأخير هذا الصباح، أي بعد 24 ساعة على الـميعاد الـمنتظم. وكنت قد استبطأت أخبارك فكتبت أمس إلى أخي إدوار أستطلعه. أجيبك في الـحال قبل أن تصرفني عن ذلك الشؤون الأخرى.
إدارة الـجريدة: إنّ الأغلاط السابقة واللاحقة في إدارة سورية الـجديدة لا تصلح اليوم سوى أنها اختبار يجب درسه وتـمحيصه لتحصيل فائدة منه للمستقبل. ولعل من أهم ما يجب ملاحظته هو فقدان الترابط بين الـجريدة والـحركة فلم تسيرا يداً بيد. وكان الـمجهود الذي بذلته في الـجريدة لا يسمح لك بـمواصلة الـمساعي لتنظيم أمور الـحركة، فلم يكن هنالك ترابط نظامي بين القومييـن ينشط مساعيهم ويشركهم، ولو بقدر قليل، في بعض الـمسؤوليات أو الـمشاريع الـمفيدة. وأكرر هنا أنه لا يوجد شيء يغني عن الاجتماعات الـمنتظمة. وسأقتصر على اللجنة الإدارية.
تقول في كتابك «إنّ مجلس الـجريدة كان ولا يزال على اتصال دائم بي وعلى معرفة كلية بجميع حوادث الـجريدة.« والذي أراه أنّ هذا التعبير لا ينطبق على الواقع ولا يصح استعماله. فالـمجلس لم يكن موجوداً عملياً ولذلك لا يصح الكـلام عليه بهذه الصفـة. تريد أن تقول إنّ الأشخاص الذين عُيّنوا لتشكيل لـجنة الإدارة العملية كانوا على اتصال إفرادي دائم بك. هذا صحيح ويعبّر عن الواقع. وهناك فرق كبير جداً بين الاستعماليـن، فأعضاء لـجنة أو مجلس لا يكوّنون لـجنة أو مجلساً إلا إذا عقدوا جلسات نظامية مستمرة ينظرون فيها في الأمور العارضة بصورة رسمية تدوّن فيها مناقشاتهم وآراؤهم، ويوحدون نظرياتهم وأعمالهم، ويضعون خطة لـمعالجة الـموقف يقتسمون تنفيذها فيما بينهم ويوحدون مساعيهم فيها. فإذا لم يفعلوا ذلك لم تكن لهم شخصية شرعية أو معنوية واحدة ولا يـمكن التكلم عنهم بصفتهم هيئة واحدة. وما الفرق الذي حدث بين وجودهم كرفقاء غيورين ووجودهم كأعضاء لـجنة مسؤولة؟ مـما لا شك فيه أنّ تعيينهم حدث لإكسابهم صفة فـوق صفة مجرّد رفقاء غيورين يدلي كل واحد منهم برأي اعتباطي في محله التجاري أو في السوق أو على التلفون، فلا يكون درساً كاملاً في جلسة يصير فيها درس هذه الآراء ومبلغ فائدتها والوصول إلى تقرير نهج أو عمل لاستدراك ما يتوقع حدوثه. ولا خلاف في أنه لو كانت اللجنة تـجتمع في جلسات نظامية تعيّـن فيها لكل جلسة موضوعاً خاصاً للبحث والتقرير بشأنه، أي ما يسمّونه ordem do dia، لكانت رأت من زمان وجوب عمل ما ترى الآن وجوب عمله.
هذا في ما يختص بالـمجلس كهيئة. أما اعتبار اتصالك بالأفراد الـمعينيـن اتصالاً بالـمجلس، فليس في محله، ولا يجعل لك أية فائدة يصح الاستناد إليها. فأنت تـحدّث الرفيق [إلياس] الفاخوري، مثلاً، على التلفون أو في محله أو في إدارة الـجريدة فتشكو إليه الصعوبات وتطلعه على العقد الـمالية، فيقول لك إنّ رأيي كذا وكذا، وتكتفي بالتداول بينك وبينه، ويكتفي هو بإعطائك رأيه الأخير. ثم تنتقل إلى التحدث مع الرفيق غالب صفدي فيجري معه مثل ما جرى مع الفاخوري، ولكن الـمسائل الـمطلوب حلّها بقيت حيث هي وبقيت وحدك تواجه الأمر. وأنت تـحتاج إلى شيء أكثر من رأي فلان ورأي فلان. أنت تـحتـاج إلى هيئة تدرس وتتناقش وتقرر في الأخير القيام بهذا الـمسعى أو ذاك، ويتقاسم أفرادها أجـزاء الـمسعى فيـأخذ كل واحد منهم نصيبـاً يقوم هو به. فيـأخـذ فـلان على نفسـه الـمخـابـرة مع الأشخاص فلان وفلان، ويأخذ فلان على نفسه مقابلة فلان وفلان والاتصال بفلان وفلان، ويأخذ الآخر على نفسه تهيئة هذا الأمر أو ذاك. وفي آخر الأسبوع يعودون إلى الاجتمـاع فيقفـون على ما تـم من مسـاعيهم وما لم يتم وعلى الـحـالـة في صـورتهـا الـجـديـدة، فيعودون إلى التناقش والدرس لتعديل الـخطة أو لطرق أبواب جديدة فيرتأون أن تعاد الكرّة على فلان أو فلان وتأييد الـمقابلة أو الـمراسلة بإشراك فلان مع فـلان ليذهب معه لعند فلان أو ليكتب هـو أيضاً إلى فلان، الخ. وهذا أمر لا يـمكن التوصل إليه بالـمقابـلات الإفـراديـة التي لا يشعر فيها الـمرء بأنه مسؤول بالاشتراك مع أعضاء اللجنة الآخرين عن الوصول إلى حـل للمسألـة الـمعروضة، ولذلك يترتب عليه الاجتمـاع بهم والبقاء في الاجتماع وتكرار الاجتماعات لتقليب الأمور على وجوه كثيرة إلى أن يحصل التوفيق إلى الـحل. إنّ الـمحادثات الإفرادية لا مسؤولية فيها ولا شعور بالـمسؤولية ولا تعطي القضايا شكلها الـجدي. وما يحدث في الاجتماع من انبثاق أفكار وآراء جديدة على ضوء الـمناقشات وتقليب الأمور على ألف وجه قلّما يحدث في الـمحادثات الإفرادية. ولو كانت لأنّ غيرة الأعضاء الـمعيّنيـن على القضيـة معروفـة عنـدي، ولأني أعلم أنهم لا يتأخرون عن الـمساعــدة برأي أو أمر من غير أن يكونوا أعضاء لجنة. فتعيينهم أعضاء لجنة هو للوصول إلى نتائج لا تـحصل إلا باجتماعاتهم هيئة جدية، تشعر بالـمسؤولية ويتضافر أعضاؤها على إعطاء قراراتها صفة مجموعية تكون لها هيبة وتأثير وتعطي نتائج مرغوبة. ولو أنك طلبت من أعضاء الـمجلس القيام بوظائفهم وعقد جلسات نظامية وفعلوا، لكنت وجدت أموراً كثيرة تغيرت، ولرأيت فرقاً كبيراً بين الآراء الفردية وبين الـمناقشات الـجدية في جلسة.
إنّ إهمال أعضاء الـمجلس هذه الواجبات قد ألغى وجود الـمجلس وألغى الفائدة منه. إنّ إنشاء الـمجالس هو دائماً لغاية لا تتم إلا بها، ولا حاجة لأن يكون ذلك في علم الـجميع. فبعض الأفراد لا يعرفون هذه الـمسائل التكنيكية. وليس مطلوباً منهم أن يعرفوها، ولذلك يوجد شيء يسمونه النظام. فمتى تـمم كل إنسان واجباته النظامية الـمعينة تـحصل نتائج لا يراها، منذ البدء، كل الأفراد وقد لا يراها غير [الذين] أوجدوا الـمؤسسات وعيّنوا الوظائف، فالفرد ليس مسؤولاً عن معرفة صحة هذا النظام أو عدم صحته ومبلغ فائدته، بل عن تقيّده به وتتميم واجباته. والذين لا يتممون الواجبات التي أضعها عليهم لأغراض قد لا يشتركون معي في معرفة فائدتها يضعوني في حالة لا تـمكنّي من تـحمل أية مسؤولة مادية أو معنوية لـخيبة الأعمال ووقوف المشاريع.
إني أعطيك وجهة نظري وموقفي ليس لأضع عليك الـمسؤولية أو لأنحي عليك باللائمة، بل لأجعلك واقفاً على الاتـجاه الصحيح. ولقد كان على اللجنة أن تتابع أعمالها بنظام، كما أشرت عليها، وأن تضع لي التقارير الربعية التي تطلعني على جلية الـموقف من جميع نواحيه، وعلى ما قامت به اللجنة والتدابير التي اتخذتها، وأن تخابرني كلما رأت موجباً لكي أشير إليها وأعطيها توجيهات تعينها على إتـمام مهمتها. ولكنها لم تفعل شيئاً من ذلك، لأنّ لا خبرة لأعضائها على ما يظهر في الأعمال النظامية، واكتفت بالـمراسلة بيني وبينك. وهكذا قضت اللجنة على ذاتها وأبطلت وجودها، فأنا لا يسعني اعتبارها موجودة. ولو كان لها وجود حقيقي لـما كانت تركت الشر يتفاقم إلى هذه الدرجة، ولكانت أسرعت إلى تلافي الـمسألة قبل الآن.
مساعدتي: تسألني الكتابة إلى الرفيق فؤاد لطف الله في أمر الـجريدة. وقد كنت عوّلت على الكتابة إليه في غير هذا الأمر. ولكني لن أكتب إليه بسرعة ولن أعرض لـمسألة الـجريدة والدين فوراً ولا مباشرة، لأنّ ذلك قد يحط من قدر الزعامة عنده ومن قيمة كلام الزعيم ويؤثر على روحيته من حيث لا يدري، فنخسر من حيث نريد الربح. فإنّ آخر مرة كتبت إليه كانت لأجل تكليفه تأميـن صدور الـجريدة وقد وعدني بأن يفعل «حتى يصدر آخر عدد». وأنا لا أريد أن أطالبه بهذا الوعد لأنه إذا لم يتذكره من تلقاء نفسه فالـمطالبة توقره وتنفّره وتـحط مكانة الـمنظمة في قلبه.
جورج بندقي: إني أقدّر موقف هذا الرفيق تقديراً كبيراً، وسيأتي يوم يكون تقديره بصفة رسمية في موقف لا يخفى فيه التقدير. وإني عندما كتبت إليك مشيراً باعتبار جواب فؤاد وتوفيق بندقي لك بوقف طبع الـجريدة الـحد الذي يجب أن تقف عنده كل معاملة بنيت إشارتي على موقف السيدين بندقي الذي لم أقف في ما روى لي منه على جميع التفاصيل الـمتعلقة بـموقفهما من الرفيق جورج وما يـمكن أن ينفّذاه بحقه. فقد ظننت أنهما يريدان الاكتفاء بتوقيف طبع الـجريدة في مطبعتهما، لأنهما «لا يهمهما الـمال أو الـخسارة الـمالية». ولكن إذا كان الرفيق جورج يتضرر فعلاً فيجب فعل كل مـمكن لدفع الضرر عنه وعدم الـمجازفة بـموقفه. أما مسألة السماح بإصدار الـجريدة باسمه فهذه لن يتخلى إبنا عمه عنها حتى بعد دفع آخر فلس لهما، فهما لن يغفرا له خروجه على إرادتهما.
التنظيم: إنّ توقيف التنظيم كل هذه الـمدة من أجل «تصفية الـحسابات والأمور الـماضية» ليس له نتيجة غير نتيجة سوء. إنّ درس الأفراد ضروري. ولكن مهما بالغ الإنسان في الدرس فهو لا يصل إلى النتيجة الأخيرة إلا بعد الاختبار. فهناك أفراد لا تظهر كل حقيقتهم إلا في الاختبار ضمن النظام. وهنالك أفراد مختبرون وإخلاصهم معروف ولا شك فيه. فلماذا لا يبدأ التنظيم على أساسهم؟
إني عرفت أنه لا يـمكن الاعتماد عملياً على [إلياس] بخعازي وأمثاله. ولكن لا ننسى أنّ الذين يفهمون العقائد والـحركات فهماً صحيحاً هم قلائل بين السورييـن، على أنه متى تـم التنظيم وسارت الاجتماعات بنظام والتأم الشمل، فحينئذٍ يـمكن تـحسين روحية الكثيرين بواسطة الـخطب والـمواضيع التي تطرح للدرس والأحاديث القومية الـمتبادلة. فليس أقتل للروحية من قلة الاجتماعات التي توحي الـخمول، وليس أحط لـمنزلة الـحزب في قلوب ضعيفي الثقافة والروحية من انعدام الاجتماعات والـمظاهر القوية. وهذه القاعدة تسري على جميع الشعوب فالاجتماعات والـمظاهر هي التي تخلق العصبية عند العامة. ولذلك كانت ترسل السلطة الفرنسية دباباتها وفرقها الـمسلحة لـمنع تـجمعات الـحزب السوري القومي وتظاهراته لكي لا يدب الـحماس إلى قلب الشعب.
إنّ وديع عبدالـمسيح كان يراسلني وكانت له غيرة على القضية. إنـما هو من مدرسة التفكير العتيقة، وأنا أتـمكن من التأثير عليه. وهو كان حاقداً على رجال الرابطة ولا يطيق عماد ولكن له علاقـة حسنة مع أولاد الـخـوري أخوة غطـاس. فإذا كان قد تغيّـر الآن فيكون من قلة اجتماع القومييـن فيكون اتصاله بأعداء الـمنظمة القومية أكثر من اتصاله بالقومييـن فيؤثرون عليه، والقوميون قد فقدوا اتصالهم به، ولذلك لا يتمكنون من إزالة التأثير السيّئ. وفي تاريخ الـحزب قد جرى شيء كثير من ذلك، ليس فقط لـمن هم في درجة ثقافة وديع عبدالـمسيح، بل لـمن هم في درجة ثقافة الأستاذ جورج حكيم أحد مدرّسي الاقتصاد في الـجامعة الأميركانية، الذي عاد أخيراً إلى الصفوف القومية وسجن للمرة الثانية مع آخر من سجنوا في قضية الـحزب. فهذا الشاب الذي أُخرج أيضاً في الـحقوق كان من أشد العامليـن للحزب، وكان أول عميد مالية وسجن معي في السجن الأول. ولكنه وحيد لأهله فضغطوا عليه وصحته ضعيفة. وضغطت عليه إدارة الـجامعة كما ضغطت على غيره من الأساتذة فتراجع عن العمل مع من تراجع، وكانت حجته أنّ ذلك سيكون موقتاً ريثما ينال شهادته كأستاذ في الـحقوق فلا تعود تهمّه الـجامعة، إذ يستطيع أن يتعاطى الـمحاماة كمهنة حرة. فبقي قومياً ولكنه بَعُدَ عن الأعمال ومجراها وعن الاجتماعات القومية التي كانت تـحت مراقبة شديدة في بيروت. وسجنت أنا وبعض الأعوان للمرة الثانية ثم الـمرة الثالثة. وفي هذه الأثناء لاحظت أنّ التباعد بين الرفيق حكيم والأعمال الـحزبية أخذ في توليد شبه هوة، خصوصاً لأنّ انقطاع الأستاذ حكيم عن الاجتماعات القومية لم يتبعه انقطاعه عن الاجتماعات مع اللاقومييـن وأعداء الـحركـة القوميـة ومنهم عدد من أسـاتـذة الـجامعة. وانتهى به الأمـر إلـى موقف غريب كـدت أصـدر قـراراً بطـرده من الـحـزب لأجلـه. فقد كتبت مقالـة[1] في النهضة أبيـّن فيها أنّ الـحرب الأهلية الإسبانية ليست حرباً بين مبدأين بل بين وحدتيـن من الـمصالح، من الوجهة الإنترنـاسيونيـة، وإن تكن حربـا مبدئية من الوجهة الداخلية وأنّ مناصرة الفئتيـن الـمتحاربتيـن أساسها الـمصالح لا العقائد، كما يظهر سطحياً. فألقى الرفيق حكيم محاضرة بعد أيام، في الـجامعة يقول فيها إنّ الـحرب حرب عقائد ومبادىء لا حرب مصالح. وكانت له أفكار اشتراكية سابقة عاودته وكاد ينقلب على الـحزب. وإني أؤكد أنه لو لم ينقطع عن الاجتماعات والاشتراك في الأعمال القومية لـما كان تورط هذا التورط، إذ كان في الإمكان حينئذٍ تعطيل انحرافه وتأثيرات خصوم الـحركة عليه. وقد دهشت حين رأيت اسمه واسم الرفيق الـمحامي زكريا اللبابيدي في عداد الـمقبوض عليهم لوضعهم الـمناشير القومية وتوزيعها. والظاهر أنّ تطورات الـحرب أرته صحة نظر قيادة الـحزب فعاد إلى العمل القومي. فإذا كان هذا نتيجة إهمال مـمارسة الـحياة القومية النظامية والاجتماعية، على شاب في ثقافة الأستاذ جورج حكيم فلا يكون كثيراً أن يحدث أكثر من ذلك للذين هم في درجة وديع عبدالـمسيح الثقافية، ولا ننسى أنّ الـحركة القومية تبث روحاً جديدة لم تكن موجودة من قبل. فنحن يجب أن نصبر على الأمور وأن نعالج الـمسائل بحكمة ودرس. وإلا فإننا نخسر جميع الطيبي القلب الذين لم يحصلوا على ثقافة وتربية عقائدية، وهم الأغلبية. نحن مهمتنا التربية في الدرجة الأولى. ولو كان الـجميع أو الأكثرية يفهمون القضايا فهماً صحيحاً بسرعة لـما كنا الآن في هذا الـموقف. ولكننا يجب أن نتغلب على الصعاب لا أن ندع الصعاب تتغلب علينا. إذا كان من الصعب جمع جميع القومييـن دفعة واحدة فلا أقلّ من جمع فئة، مهما كانت قليلة، من الشباب أمثال إميل بندقي وإدوار سعاده، وإن لم يكونوا أكثر من اثنين أو ثلاثة، في شبه مديرية أو لـجنة للشباب تسير في أعمالها موقتاً بهذه الصفـة، ولكن بطريقة نظامية واجتماعات موقوتة حتمية لها، أو يصير لها منهاج عمل في كيفية بث الدعوة بين الشباب ودرس الأشخاص. فيكون هذا التشكيل نواة لنمو فرع صغير. ثم يصير تنظيم فئة من الـمتقدميـن نوعاً في السن فتتألف منهم نواة أخرى، فتحضر أنت اجتماع هؤلاء مرة في الأسبوع أو كل 15 يوماً، بينما هم يجتمعون بـمواظبة كل أسبوع مرة، وتـحضر اجتماع أولئك كل أسبوع أو كل أسبوعيـن مرة. وتطلب من كل فئة أن تعرض عليك نتيجة أعمالها وأن تضع تقريراً بها كل شهر أو شهرين. ويصير البحث ضمن هذه الاجتماعات عن فلان وفليتان، وعن هذه الـمسألة وتلك، وهذا الـمقال أو ذاك، فيبدأ التضامن وشعور الـجميع بأنهم جسم واحد تسري فيه روح واحدة وتسيطر عليه عقلية واحدة بالتمازج.
هذه هي الطريق الوحيدة والصحيحة لنهوض الـحزب في سان باولو وفي كل مكان. وبعد أن يتمازج الأعضاء ويتعارفوا ويجري الاختبار الأول، تدرس الوضعية من جديد وتعطى حلولاً جديدة. هذه هي القاعدة الطبيعية فكل شيء يتطور تطوراً وينمو نـمواً، إذا كان كائناً حياً، ولا شيء يوجد كما هو في حالة واحدة إلا العدم. وكيف تريد أن يرتفع تقدير الأفراد العادييـن للحزب عن مستوى جمعية بسيطة وهم لا يرون منه ما يجعلهم يحسون غير ذلك. أما الـمقالات في الـجرائد فليست كافية لإعطاء التأثير الـمطلوب. العمل الإفرادي، أي مع الأفراد، هو الأساس. وفي بدء عهد الـحزب كنت أسير بنفسي أحياناً كثيرة مسافات تـحت الـمطر لأجلب عضواً إلى اجتماع تأخر عنه. وكنت آخذ الفرد، كما يأخذ الـمعماري الـحجر، فأصرف ساعات وساعات في إفهامه الأمور والعقيدة التي أضرب لها ألف مثل ومثل، وأستمر على ذلك حتى أشعر أنه أصبح صالـحاً ليوضع في الـمدماك. وإذا كانت قد رسخت العقيدة فبفضل هذه التربية الإفرادية أولاً. ولم أكن أترك شخصاً يسقط إلا بعد قطع الأمل منه أو لعدم وجود وقت أو إمكانية لإنقاذه.
دَيْن فؤاد: سأكتب إلى الرفيق فؤاد لطف الله، بالبريد العادي. وأعتقد أنه يـمكن تأجيل دفع ما يستحق له ثم أعود فأكتب إليه بالتنازل عنه.
معنوية الـجريدة: إذا انحلت الأزمة وأمكن إصدار عددين، أو أكثر أو أقل، من الـجريدة فيمكن كتابة كلمة في هذا الصدد تقول فيها إنّ الـجريدة توقفت، لأنها كانت رتبت كل شيء على أساس أن تقف في آخر يوليو/تـموز نزولاً عند أمر منع الصحف بلغات غير برازيلية. فلما صدرت الـمهلة الـجديدة لـمدة شهر لم يـمكن الـجريدة وهي تختلف في طرق أعمالها ومعاملاتها عن بقية الصحف، اتخاذ التدابير اللازمة لـمواجهة الـحالة الـجديدة بالسرعة الـمطلوبة، فخسرنـا نحو أسبوعيـن وكنا نود ألا نخسرهما مع علمنا بأنّ الـمنـع نافـذ لا محالة في ختام الـمهلة الـجديدة.
ولتكن الكلمة رصينة وليس فيها أي اعتبار لشائعات ضائقة الـجريدة الـمالية أو لـما يدور على الألسن.
معاملاتي: قد نلت ما أريد من الـمعاملات القانونية فأصبحت إقامتي في الأرجنتيـن شرعية برخصة رسمية حسب الأصول، واكتسبت صفة «مقيم في الأرجنتيـن» بعد أن كنت بصفة «سائح انتهت مدته».
وسأبـدأ السؤال والفحص عن إمكانية انتقالي لنزهة في البرازيل. من غير الالتجاء إلى القنصلية الفرنسيـة، فإذا وجـدت مركب رحـلات speursâo لا يحتـاج معـه المـرء لـجواز سفـر وتكفي فيه تذكرة الهوية الـمعطاة من الـحكومة الأرجنتينية فلا شك أسافر فيه. وسأدرس إمكانية السفر نهراً إلى «كورمبا ماطو غرصّو» إذا أمكنك أنت والـمنفّذ والناموس وبعض الرفقاء أمثال لطف الله وصفدي ويوسف غانـم موافاتي إلى هناك للاجتماع بكم. وإلا فسأطلب أن يوافيني اثنان أو ثلاثة منكم أو أن يأتي أحدكم لـمقابلتي هنا وأخذ ما يجب من التعليمات.
ليكن التوفيق معك. ولتحيى سورية.