الرفيق العزيز رشيد شكور،
كان سفري من سان باولو يوم الأحد في 14 الـجاري بدلاً من يوم السبت كما كنت أظن، وقد أسفت لأنك لم تـحضر السبت كما كنت تقصد، لأني كنت أريد أن أحدثك وأطلعك على التوجيهات التي وضعتها لـ سورية الـجديدة وإدارتها الكتابية، وأن أهنئك بالـمهمة التي انتدبت لها في الكتابة والتحرير، ومهما يكن من شيء، فإنّ ما فاتني هناك لن يفوتني هنا. فإني أثبت هنا تهنئتي إياك متمنياً لك النجاح في العمل الكبير الذي وضع على عاتقك. وبهذه الـمناسبة ألفت نظرك إلى خطورة الـمهمة وخطرها، إذ لا تتعلق بشخصك أو بالـمؤسسة الصحفية التي تعمل فيها بقدر ما هي متعلقة بـمصير قضية أمة بأسرها في اتـجاه منظمتها القومية الدقيقة. ولذلك فإني أوصيك بأن لا تعلق أهمية كبيرة على التقدير الشعبي لعملك، لأنه قد لا يكون هو التقدير الصحيح. وبأن تتوجه دائماً إلى مصدر التوجيهات الذي له مقاييسه وتقديراته الـخاصة التي يتوقف العمل القومي التحريري عليها. إنّ الـمنهاج والتوجيهات الرئيسية التي وضعتها لـ سورية الـجديدة لم توضع بصورة كتابية رسمية لضيق الوقت. وإني أثبتها هنا وأطلب أن تتقيد بها بناءً على العقد وعلى ما بلغت.
الغرض من إنشاء سورية الـجديدة: إنّ الغرض من إنشاء سورية الـجديدة كان واضحاً كل الوضوح، وكنت أنت حاضراً، وبناءً على هذا الغرض يترتب التقيد بـما يلي:
1 - يفسح الـمجال الأكبر والأول لرسائل الوطن التي هي أهم الأخبار في منهاج الـجريدة، وللمقالات التي تأتي عن الـمصدر الرئيسي ودوائره، أو التي يشير بها هذا الـمصدر ودوائره.
2 - بناءً عليه تخصص الصفحة الأولى لـمقتطفات من رسائل الوطن تتناول أهم أخبارها، وأهم أخبارها في منهاج الـجريدة هو ما كان في صدد الـحركة القومية، وللمعلومات الـمفيدة، وبعض الـمقالات الـخارجة عن الكتابة الرسمية.
3 - تخصص الصفحتان الثانية والثالثة لبريد الوطن الـجوي، وكذلك نصف الصفحة السابعة أو أكثر من نصفها.
4- تخصص الصفحة الرابعة وقسم من الـخامسة للمقالات الرئيسية التي تـحمل التوجيه الفكري في القضية القومية والـمسائل العارضة.
5 - بناءً على البند الرابع لا يكون لـ سورية الـجديدة «مقالات افتتاحية» بل مقالات رئيسية تنشر فقط تـحت «رأي سورية الـجديدة».
6 - مهمة متسلم الكتابة في سورية الـجديدة هي:
أ - الـمحافظة على منهاج الـجريدة والتقيد بالتوجيهات الـمصدرية أو الـمرجعية بكل دقة.
ب - كتابة مقال رئيسي واحد في أهم نقطة مبدأية أو حادث أو أمر بـما يتفق مع التوجيهات، والتعليق بـمقالات قصيرة عن الـحوادث الهامّة والثنوية، ودراسة البرقيات اليومية وتلخيصها في صورة عامة شاملة واضحة تعطي القارىء صورة صحيحة عن الـموقف العام كما هو لا عن جزئيات متناثرة منه.
ج - يوضع الـمقال الرئيسي لـمتسلم الكتابة في أول قسم من «رأي سورية الـجديدة»، إلا إذا كان هنالك مقال لزعيم النهضة أو لدائرة عليا وهذا يوضع أولاً، وبعده يـمكن وضع مقال الكاتب الـمتسلم. ويـمكن الـمتسلم، في حالة عدم وجود مقال هام من الـمرجع، أن يفضّل وضع مقال يرده من رفيق غيور ويراه جديراً بصدر الرأي، وتقرير ذلك عائد إلى الـمتسلم نفسه.
ملاحظة وحيدة: متسلم الكتابة والتحرير في سورية الـجديدة مقيد بالتوجيهات ومسؤول لدى مرجعه بناءً على الاعتبارات التالية: لقد وصل إليّ اليوم العدد الـحادي عشر من سورية الـجديدة وبعد تصفحه لاحظت أنه لا ينطبق كل الانطباق على الـمنهاج والتوجيهات وعلى نظام الأعداد الأولى، إنه ليس العدد الوحيد الذي خرج على نظام الكتابة في ابتداع «الافتتاحية» التي هي تقليد لنوع من الصحافة لم ترد سورية الـجديدة منذ البدء الالتجاء إليه. وهذا الابتداع الذي أبديت ملاحظاتي عليه لـمدير شؤون الـجريدة أكثر من مرة يُوجِد تضارباً مع الـمقالات الرئيسية من حيث نظام ترتيبها، وأهميتها ويحمل على استنتاج وجود مزاحمة في الأهمية بيـن الافتتاحيات، التي هي في عرف الذين تعوّدوا هذا النوع من الترتيب الصحفي، أهم مقالة في الصحيفة، والـمقالات الـمنشورة تـحت «رأي سورية الـجديدة» الذي يقصد منه أن يكون كلمة الـجريدة الرسمية وأهم ما يكتب فيها. ومن الوجهة الداخلية يـمكن اعتبار هذا الابتداع مظهراً لانشقاق الصحيفة بين كلمتيـن رسميتيـن متزاحمتيـن، كلمة الكاتب (الـمحرر) وكلمة مرجعه التوجيهي. وإني أفضّل ألا توجد الـجريدة مطلقاً بهذا الشكل وهذا الـمنهاج. وبناءً عليه أطلب التقيد بالـمنهاج في هذا الصدد.
لاحظت أيضاً في هذا العدد أنّ التعليق الذي بلغ مدى مقالة ونشر بعد «الافتتاحية» الـمبجلة قد تـجاوز الاعتدال في الاتـجاه السياسي الذي نتجهه. وهذا التجاوز يحرج موقف الـمصدر التوجيهي ويعرقل تخطيطه الـمقبل. وهذا التجاوز ظاهر في هذه العبارة «بيد أنّ هتلر لم يقع في هذا الفخ فأنقذ السلام العالـمي من الـخطر» إنّ هذا التعبير هو أبعد كثيراً عن التوجيهات الشفوية التي أخذتها حين أخذت مسودات العدد الأول. ومع أنّ هذا الابتعاد جاء بطريق النقل فليس من الـمستحسن تكراره أو اتباعه.
بناءً عليه أطلب منك أن تتقيد من الوجهة السياسية بـما يلي: إنّ خطتنا في الـحالة السياسية الـحاضرة ليست خطة الانتصار الـمطلق الأعمى لأحد الفريقيـن، بل خطة الـميل الـمتحفظ الـحافظ خط الرجعة. والـحركة السورية القومية تريد ألا ترتـمي في أحضان أية قوة خارجية. وربح تأييدها في السياسة الإنترناسيونية يجب أن يكون له وزنه وثمنه. وهذه الـمسألة مختصة بالـمصدر التوجيهي. وأطلب منك التقيد الشديد بهذا التوجيه، يـمكننا إظهار جهنمية الـجانب الذي نحاربه من غير أن نصبغ على الـجانب الآخر صفة الـملائكة.
لاحظت أيضاً أنّ الأخبار التي وردت من الوطن ونشر قسم منها في العدد العاشر قد أهمل نشر القسم الباقي منها وهو أهم قسم، لأنه يتضمن إذاعة من منفّذ عام في الـحزب السوري القومي وإذاعة أو بلاغاً مركزياً من الـحزب وكنت قد أشرت على مدير شؤون الـجريدة بنشر هذه الأخبار في الصفحة الأولى من العدد الـحادي عشر، ولست أفهم لـماذا أُهمِلَت إشارتي، وهذه الـمسألة هي رئيسية وخطيرة من جهة الـمصدر التوجيهي الذي يريد أن يعرف إذا كانت توجيهاته فعلية أو إسمية ويريد أن يعرف ذلك بسرعة كلية. وبهذه الـمناسبة أعيد التوجيهات عينها وهي وجوب نشر إذاعات الـحزب الرسمية، لأنه إذا كانت سورية الـجديدة لا تنشرها، فما هو اللوم الذي يقع على الصحف الأخرى.
أقف في الكتابة الآن عند هذا الـحد من حيث الأساس العملي وأضيف كلمة أخرى تتناول ملاحظة على ما ورد في الافتتاحية من مديح لعهد الإمبراطورية الرومانية، الأمر الذي يخالف الواقع. فالإمبراطورية الرومانية كانت في بعض عهودها العظمى تقيم عدلها الإمبراطوري على شيء من الـمناقب الـحميدة، ولكنها لم تكن قط في أول عهدها «عنوان الـحرية والعدل والديـموقراطية، الخ. » ولكن الـمقالة في مجملها حسنة الاتـجاه مصيبة في معالـجتها الأمر.
أكرر تهنئتي لك بـما تقوم به، وأطلب منك أن تقرأ هذا الكتاب أكثر من مرة، وأن تتمعن في التوجيهات وتتفهمها جيداً، فهي ليست آراء أو وجهة نظر شخصية بل اتـجاه خطة عامة. وسأكون مسروراً جداً بـملاحظتي أثر هذا الكتاب في الـجريدة، وأطلب أن تـجيبني بسرعة بالبريد الـجوي بأنك قد أخذت علماً بـمضمونه وستعمل بـما يقتضيه، وأتـمنى لك التوفيق لـخدمة القضية القومية، ولتحيى سورية.
بعد: لاحظت أنه لم يكن لزوم لنشر مقالة تتضمن رأي ف. ك. أو غير هذه الأحرف التي لا أدري ولا الـمنجّم يدري ما هي أهميتها. ولا لنشر «فسطان الفرنساوية» تـحت «رأي سورية الـجديدة» لأنها حشو كثير وليس لها قيمة إلا الطعن، وهي بعد ليست سوى تعليق على خبر جرى التعليق عليه في نصه وكان التعليق كافياً، وكم كان الأحرى أن يـملأ مكان هذين الـمقاليـن بأخبار الـحركة القومية التي يجب أن يعرف الناس عنها أكثر مـما يعرفون عما ينشر في الإشارة عن اتفاق بعض آراء كاتب مع رأي كاتب الافتتاحية. إنّ الاستشهاد قد يجوز في بعض الـحالات بالوقائع لا بأقوال كاتب يرجّح أن تكون هي نفسها موضع شك كبير.
كذلك أشير بالتقليل من أخبار اليهود فعامود أو عامودان على الأكثر كافيان في هذا الباب. «فلا يكون الإكثار عنهم رافعاً لأهميتهم، الـمهم فضح ألاعيبهم لشعبنا. »
لا يجوز قسمة الـمقالات الرئيسية ونقل أجزاء منها إلى صفحات أخرى مهما كان السبب. إذا كان لأحد رأي فإني أكون مسروراً جداً لتلقّي آراء الرفقاء والنظر فيها، ولكني لا أريد أي خلل في التوجيهات والتعليمات.