الرفيق العزيز نعمان ضو،
وصل كتابك الأخير وأنا غائب في خوخوي، حيث زرت الرفقاء ووثقت أواصر إيـمانهم وقويت معنوياتهم، وعملت عملاً تـجارياً لا بأس به، فبعت كميات معتدلة وكوّنت زبائن، وعدت راضياً عن رحلتي.
تذكر أنّ كتابي الأخير إليك لم يؤرخ وهذا قد حدث لي مؤخراً أكثر من مرة وهو ناشىء عن السرعة في الكتابة وتنقّل الفكر. وهكذا كتابك الأخير الـمذكور هو أيضاً بلا تاريخ فلا بأس. أمّا أني أغفلت ذكر كتبك السابقة فذلك لضيق الوقت عن العودة إلى كل منها، ولأنّ كتابي إليك يعني ضمناً أنّ رسائلك وصلت، كما وصلت هدية التيـن والزبيب ولم يتسنَّ لي أن أشكر لك إرسالها.
إقتراحك، يا رفيقي وصديقي، ليس وهماً ولا مؤسساً على شيء من الوهم، عند كل جماعة حية مستيقظة الوجدان القومي. ولكن الـجيل السوري الـحاضر، وخصوصاً السورييـن في هذه البلاد، ليسوا، في الغالب الغالب، على شيء من الـمناقب والوعي القومي. والاختبارات الـماضية كلها تـجعل الثقة قليلة جداً بالعمل الـمجموعي.
وما عنيته في صدد التبرعات الـماضية هو عمومي لا خصوصي، وبنوع خاص أشير إلى مشروع الـمطبعة الذي بعد ستة أشهر ودعاوة في الـجريدة ومراسلات خصوصية وغير ذلك لم يجمع إلا ما يقارب - 1.600 أو 2000 فاس، ثم مات لأنّ تبرعات بوينُس آيرس كانت صفراً، وتبرعات كوردبة التي تسجلت على الورق لم تبلغ مبلغاً يذكر ولم يجمع سوى بعض ما اكتتب به. وسلسلة التبرعات الـخائبة طويلة جداً وكلها تـجعل الاتكال على مثلها غير حكيم. فأنت تقتدر أن تعتمد على نفسك وأن تتجول وتعمل كثيراً، ولكن روحية الـجماعة لا يُركن إليها. لائحة التبرعات التي وضعتها أنت وعملت عليها هي عندي وتراكم الأشغال والـمفاجآت حالت دون إعطائها حقها من الاهتمام.
التجارة: إذا توفقت هذه السنة فالتعويض حاصل، وأظن، مع كل ما ينتظر حدوثه من اضطراب الأسواق بسبب حالة الـحرب وقرب انتهائها، أني موفق هذه السنة. مـما لا شك فيه أنّ العداوات والدعاوى تؤخرني قليلاً ولكن لا أعتقد أنها تتمكن [.....] سيري ومنع تقدمي. إنّ دعوى الـمدعو إبراهيم الكردي لن تكلفني كثيراً كما كان يتوقع الأعداء. فأنا قد رافعت حتى الآن عن نفسي بدون توكيل محام يتقاضى تعويضاً، وقد استلحقت محامياً مؤخراً للإرشاد في مواضع القانون ولن يأخذ كثيراً.
وقد أجريت وسيلة تعفيني من الضرائب والرسوم في الـمرافعة، فما عدا بعض أوراق في بدء الدعوى، لم تكلفني العرائض والتقارير شيئاً. والدعوى، جميع رجال القانون يقولون إنه يستحيل أن أخسرها، ومتى انتهت يكون قد زال هذا الـحجر من الطريق.
إنّ نتيجة سفرتي إلى خوخوي جعلتني أتـمكن من سد الفراغ اللازم سده في هذا الشهر. ولذلك لا حاجة الآن لتكليفك أمراً لم أشك في أنك مستعد له. فإذا حصلت حاجة في الـمستقبل أخبرك.
في خوخوي حدثت الرفيق سعيد جرجس سمعان، وهو من أحسن الرفقاء روحية، في ما يجري في توكومان، ومن باب الاحتياط سألته إذا كان يتقدم لشراء محلي، إذا دعت الـحاجة، ليبيعه بدوره إلى زوجتي فقال إنه مستعد لكل ما يـمكنه فعله. وفي حديثي معه قلت له إنّ هذا أمر لا أحدّث فيه غيره وغير الرفيق ضو وإطلاع الرفيق ناصيف. هذا الاحتياط يكون لازماً حين اقتراب الـحكم في الدعوى، حتى إذا حدث تلاعب في الـحكم البدائي يكون الـمحل في مأمن من الغوائل. كان يـمكنني تـحويل الـمحل لإسم قرينتي رأساً، ولكن وجود الدعوى يدعو إلى اتّخاذ تدابير دقيقة.
فيحسن أن يصير التحويل بأن أبيع إلى شخص ثالث وهذا الثالث يعود ويبيع إلى زوجتي، أي أنّ عقود البيع تـجري في آن واحد مع اختلاف التاريخ. ولا ثقة لي بأحد غيرك وغير الرفيق سعيد جرجس [سمعان]. فإذا دعت الـحاجة لهذا الأمر فعلته من باب الاحتياط.
بعد غد أسافر إلى بوينُس آيرس لأعمالي التجارية وللنظر في حالة الرفقاء. وقد أقلقني تأخر صدور الزوبعة مع أنّ الـمواد موجودة قبل أواخر الشهر الـماضي، وأنّ الرفيق [إبراهيم] الأفيوني أكد لي أنّ في حوزته ما يكفي لإصدار عددين. ولكن في آخر كتاب أرسلت إعلاناً جديداً [نشر في العدد 84 ص 7] ليوضع في الـجريدة وفيه يذاع أنه بـما أنّ الرفيق أفيوني سيتجول لأعمال تـجارية تعود الاشتراكات إلى صاحب الـجريدة وعنوانه كذا في توكومان. لم يأتني جواب على كتابي الأخير والزوبعة لم تصدر!!!
من بوينُس آيرس أرسل إليك أسعار الورق الـمطلوب. والظاهر أنك سهوت عن إرسال الأسعار التي وصلت إليك من راضي في كتابك وكان يفيدني أن أطّلع عليها فإذا [.....] الأسعار الـمذكورة بسرعة إلى بوينُس آيرس فأرسلها باسمي إلى محل ابن حمّي جورج الـمير Paraguay No 402 في تلك الـمدينة. سأبقى هناك على الأرجح حتى السادس من فبراير/شباط القادم.
مسألة الرفيق قلبقجي، أبلغتك منها وجهها الظاهر. ولكني أقول إنّ الرفيق قلبقجي حسن النية، ولكن أعماله كانت قليلة الاستقرار. وهو قال لي إنه يدفع حين تسلّم البضاعة، وبعد إطلاعه على ما ورد في كتابك سألته عن كيفية الدفع فقال «عندما تأتي الوسقة الثانية يكون ذهب ثمن الأولى»، فسألته هل يعني الدفع يكون بعد بيع العنب أم قبله، فلم يكن جوابه واضحاً، ولكن قال إنه متفق مع شخص لم يشأ أن يعرّفني اسمه في البدء، وأنّ هذا الشخص هو صاحب الـمال، فقلت له أن يطلعك على كل شيء وعلى اسم شريكه، لأنّ وجه الـمسألة الآن مختلف عن وجهتها الأولى، فوعد ثم قال لي أمس إنه كتب إليك وإنه أطلعك على اسم شريكه، وإنه يدعى محمد سراي الدين أو سري الدين.
أنا كتبت إليك نظراً لإلـحاحه هو، وليس لأني مقتنع بـمقدرة الرفيق قلبقجي وحسن تقديره. وإشارتي السابقة إلى وساطتي هي من باب الاحتياط ضد مزج الأمور القومية بالـمسائل التجارية، وفي التجارة يجب الأخذ بنظرة عملية بحتة ورفع العاطفة القومية عنها.
أرجو أن يبلغك كتابي وأنت والعائلة بخير. سلامي وسلام عائلتي لكم. ولتحيى سورية.
بعد: كتابك إلى الـمدعو جبران مسوح يجعله يعرف حدّه.