(ذكرنا في عدد سابق الـحفلة التي أقيمت على شرف زعيم النهضة القومية الاجتماعية من قبل الإدارة الـحزبية الـمركزية في منزل الأمين بشير فاخوري. ووضعنا سياقها ووعدنا بنشر كلمة الزعيم التي أجاب بها على خطب القوميين الاجتماعيين في الـحفلة. وها نحن نبرّ بالوعد وننشر في ما يلي خطبة الزعيم الروحية القومية التي لعباراتها علاقة وثيقة بسير الـخطب، وبالروحية القومية الاجتماعية الـممتازة التي سيطرت على الـحفلة، وتـجب الإشارة إلى أنّ الأمين عبد الـمسيح التقطها أثناء الـحفلة وسجلها):
إنها وحدة الروح. ووحدة الروح هي شخصية الأمة الـحية. فإذا قلنا إننا قد أصبحنا أمة حية، نقول ذلك لأنه قد أصبحت لنا وحدة الروح.
وحدة الروح شيء بعيد عن إدراكه الـمائتون من أجيالنا الـمتدهـورة. وحدة الروح شيء لم يعد إلى قلوب الـمائتين سبيل له.
ولكن لو دعونا الأموات لينظروا ويسمعوا لـحدث شيء مخيف جداً للأموات أو الـمائتين، لـحدث شيء مخيف جداً لهم. وهذا الشيء هو أن ينساقوا في هذه الروح، وأن تدبَّ الروح فيهم وأن يحيوا.
من كان يظن في هذه البلاد أنه يـمكن أن يتكلم عدد كبير من طوائف متعددة في هذه البلاد، كانت إلى هذه الساعة أمـماً مستقلة، بينهم السني والشيعي والـماروني والأرثوذكسي والدرزي وغيرهم على اختلاف الـمذاهب ـ أن يتكلم عدد من هذه الطوائف ناطقين بلسان واحد ومعبرين عن حقيقة واحدة وسائرين إلى غاية واحدة هي حقيقة الأمة وغايتها العظمى إلى تـحقيق مثلها العليا السامية.
هذه الـحقيقة التي يريدها الـمتألـمون بلا إيـمان لا توشك أن تصبح فاعلة إلا ويهربون منها: إذا حدثت هذه الـحقيقة التي يرغب فيها قليلو الإيـمان، ويخشون أن تـحدث، حدثت لهم نكبة عظيمة. لأن قليل الإيـمان لا ثقة له بنفسه، لا ثقة له بوعيه، لا ثقة له بتفكيره أو بقدرته. إذا رأى يخاف أن يصدّق وإذا سمع يخاف أن يصدّق. يخاف على نفسه من قومه ومن الكون. يخاف من الـحقيقة والـخائف لا يـمكن أن يسير إلى تـحقيق شيء في العالم. بل يلتف به خوفه ويحدد له أفق الكون ويحدد له مدى الـحياة. يقصره تقلصه فيتقلص ليفنى في ذاته نائحاً،، شاتـماً الكون، لأنه لا يقدر أن يعيش فيه حياً مؤمناً بنفسه، بشعبه، بحقيقة حياته.
هذه هي مصيبتنا مع الشعب الذي يحيط بنا.
إيـمان وسط شكوك. حياة وسط تدهور في هاوية الـموت.
في أول الدعوة كنا نصطدم بهذه الأسئلة:
هل يـمكن أن يتم شيء مـما نقول؟
جميل ما نقول لكننا لا نصدق. لا نؤمن. لأنهم لـخوفهم لا يؤمنون حتى بعد أن يروا.
نحن اليوم لا نقدم للناس نظريات في الـحياة.
نحن اليوم نقدم للناس أمة حية، تتحرك، تتكلم، تتعاطى، تأخذ وتعطي، تـحتكّ بالكون حولها؛ ومع ذلك لا يصدّقون.
نقول لهم الطوائف أصبحت كياناً قومياً واحداً، فقط.
تعالوا الـمسوهم وانظروهم واستقروا بوجودهم؛ ولكن »لا نصدّق« هذا ما يقولون. »إنّ شيئاً من هذا لا يكون«.
الـخائف الـمتوجل مصيره مصير واحد. هو للتعاسة والفناء. إنه يخاف مخاوفه، ولكنه لا يقدر على العيش بدونها فيخاف أن تطير مخاوفه.
ونقول لهم إنّ الأمور التي تخـافونها هي التي نعمل على مـلاشـاتها ولكننا لا نحصر عمل الـملاشاة في بقعة واحدة، بل نعمل لـملاشاتها في كل نطاق هذه الأمة، حتى تتلاشى من الأمة كلها.
ولكن هو الـخوف... »لا نصدّق«... »لا نؤمن«.
ولكننا نحن الذين آمنا وصدّقنا، نسير لا تعرقلنا الـمخاوف، ولا تعوقنا قوة الـمخاوف التي هي قوة عنيفة عنيدة. قوة، لـخوفها، تقوم بأعمال جنونية، إلى حدّ أنها تُقدِم على قتل الروح الـمحيي لو أمكنها.
مع ذلك سرنا مؤمنين نتلقى اللطمات من الـخائفين من أبناء أمتنا، نتلقاها كما يتلقى الطبيب لطمات عليل يريد أن يداويه من علة تـملكت به ويأبى أن يتداوى.
وحدة الروح وحدة روح عظيمة في هذه، التي هذا الاجتماع الصغير ليس إلا مظهراً من مظاهرها قد سارت وتغلغلت في صميم الأمة على الرغم من الـخائفين.
تعمل ليس لنطاقها الـمحدود، بل لنطاق الأمة بكاملها.
وإذا كان لأصدقاء كرئيس وزارة سابق ونواب حاضرين وسابقين فضل في تشجيع التقدم إلى هذه النهضة الـمحيية، فلست أقول مع الأمين [عبد الله] قبرصي إنهم يُخرجون النهضة القومية الاجتماعية من نطاقها، بل العكس، إنهم يُدخلون ما خرج عن نطاق هذه الروح الـحقة.
إننا مبدأ حياة فاعل. إذا كان قد عبّر عنه الرفيق [محمد يوسف] حمود بصور التراكم فلست أظنه تراكماً بالـمعنى الصحيح، بل تراكم ما يأتي على الروح.
نحن لسنـا في الـحياة أكواماً متراكمة بل نحن قوة حية فاعلة. نحن نُحدث التراكم ولا نحدث بالتراكم. ولذلك يـمكننا أن نقول مع الدكتورة مي سعاده »إنّ لنا اليوم ولنا الغد«.
بهذه الروح نحن هذه النهضة التي يعجب الناس لسر بقائها واستمرارها ونـموها وتعاظم شأنها.
إنه سر يجمع الـحياة ولا يفرق الـحياة.
إننا نريد جمع حياة هذه الأمة حتى ولو كان بالرغم عن بعضها لأن في إرغامهم لرفعاً لهم لا وضعاً.
هذه الروح قد شقَّت طريقها من تـحت مطابق الاستعمار، شقَّت طريقها من تـحت مطابق عقلية رجعية وضعف نفساني حتى اليوم.
بهذه الروح التي شقَّت طريقها، من هذه الساعة تعطي برهاناً لا قبل لدفعه على أنها سائرة لتحقيق النصر الأخير الذي نريد أن يشترك فيه حتى الذين لطمونا.
لسنا بالذين عن حمل اللطمات عاجزين بل نحملها ونسير.
نسير مثبتين سيرنا في التاريخ الذي لا ينعدم.
ونحن إذ أدركنا ـ كما عبّر الدكتور [عبد الله] سعاده ـ إذ ندرك التاريخ لنبني التاريخ نبرهن على أننا أصبحنا أمة فاعلة في التاريخ.
لذلك يـمكن أن نقول إننا أمة منتصرة حقاً.
قد انتصرنا انتصارات كثيرة غير منظورة وانتصارات كثيرة منظورة، وسيكون لانتصارنا الأخير مشهد ينظر إليه العالم أجمع.