رفيقي العزيز،
منذ نحو ثلاثة أيام وضعت رسالة إليك في البريد آمل أن تكون وصلت. الآن تسلمت كتابك الأخير الـمؤرخ في 6 أكتوبر/تشرين الأول الـحاضر. والآن أجيبك بسرعة نظراً لأهمية موضوع ترتيب حفلة الرفيق الشهيد [محمد] سعيد العاص[1]. أولاً. اتفقتم على إعطاء الاحتفال بذكرى فقيدنا القومي الاجتماعي العزيز صبغة دينية بدلاً من الصبغة القومية، فقرر الذين اجتمعوا في الدرجة الأولى إجراء الـحفلة في صالون «الـجامعة الإسلامية» لأنهم رأوا «أنّ الـمرحوم كان مسلماً». نحن كلنا مسلمون وهذا قد أظهرته في مقالات «جنون الـخلود» وسأظهره بصورة قوية في أول مناسبة. ولكن الـمسائل الدينية شيء وعقيدتنا القومية الاجتماعية وقضيتنا الـمقدسة شيء آخر. من جهة نهضتنا، لم يكن فقيدنا محمدياً ولا نصرانياً، بل سورياً قومياً اجتماعياً. وبهذه الصفة السامية نشعر أننا فقدناه، وأننا نريد إحياء ذكره وعمله. لذلك لا أرى مناسباً طلب صالون «الـجامعة الإسلامية» لهذا السبب. والأنسب إجراء الاحتفال في أي صالون لا صبغة دينية له. وإذا كان لا بد من طلب صالون الـجمعية الـمذكورة لغير الأسباب الدينية كتعذّر الوصول إلى صالون آخر فيمكن إجراء ذلك. ويحسن أن تشكّلوا لـجنة باسم «اللجنة الإدارية الـموقتة لفرع «الـجمعية السورية الثقافية» في توكومان» وتطلبوا الصالون بهذا الاسم.
أما كيفية إجراء ذلك بصفة مشروعة، فيمكنكم تسجيل محضر بالإسبانية لاجتماع عقد بدعوة من رهط منكم اتفقوا على إجراء الدعوة بقصد عرض فكرة تأسيس فرع لـ «الـجمعية السورية الثقافية» الـمتمركزة في بوينُس آيرس، وتثبتون في هذا الـمحضر أنّ الـحاضرين، الـمدوّنة أسماؤهم وإمضاءاتهم أدناه، قد رحّبوا بالفكرة وقرروا قبولها وتأسيس الفرع وانتخبوا فلاناً وفلاناً وفلاناً هيئة إدارية موقتة لتنفيذ القرار، والقيام بالعمل ومخابرة مركز بوينُس آيرس ليمدّها بالقانون والـمعلومات اللازمة. متى تـمّ تسجيل هذا الـمحضر، أي تدوينه، في دفتر وقائع يكون فرع الـجمعية الثقافية قد أصبح موجوداً بالفعل ويـمكنه القيام بجميع الـحركات الاجتماعية والثقافية بهذا الإسم. ولا لزوم لأكثر من ذلك الآن. والـجمعية الـمركزية هنا قد فعلت ذلك وهي قائمة بهذه الصفة الآن ريثما تتهيأ أسباب طلب الشخصية الشرعية. وبعد تدوين الـمحضر الـمذكور يـمكنكم أن تنشروا في الصحف الـمحلية هناك أنه جرى الاجتماع الـمذكور الذي تقرر فيه تأسيس الفرع فيصبح الفرع معروفاً عند السورييـن والأرجنتينييـن.
ثانياً: بـما أنّ احتفالنا بذكرى فقيدنا ليس احتفالاً دينياً، لا يحسن تلاوة عشر من القرآن، على العادة الدينية، لئلا يطلب الـمسيحيون أن يصير تلاوة عشر من الإنـجيل للذين يفقدون من النصارى، ولا يكون في ذلك خير. إننا قد فصلنا بين أعمال الدولة وأعمال الدين، ويجب أن لا نخرج على مبادئنا وقواعدنا. وبـما أنّ احتفالنا هذا هو قومي، فيجب أن يبرز بصورة قومية خالصة. ويحسن جداً ويحبّذ أن تقرأ بضع فقرات من تعاليم شرح الـمبادىء ويـمكن اختيار ما يناسب الـمقام من شروح الـمبدأ الرابع والـمبدأ الـخامس والـمبدأ الثامن من الـمبادىء الأساسية، وبعض فقرات الـمبادىء الإصلاحية. فتدرسون الـموضوع وتختارون ما يناسب الـمقام ويعقب ذلك أقوال الـخطباء التي تكون متناسبة مع معاني التعاليم الـمقروءة بعض فقراتها.
ثالثاً ورابعاً: جيد ما قررتـموه من دعوة الـجالية والسماح لـمن يريد الانضمام إلى الـخطباء القومييـن، بشرط أن يكون خطابه قومياً وإيقافه إذا خرج عن القصد القومي أو الردّ عليه.
الرفيق نعمان ضو خاطبني تلفونياً هذا الصباح، وسيكون هنا غداً عند الظهر. إنه يجيء في وقت مناسب لاكتساح الـجماعات هنا.
قاوموا أقوال الرجعييـن في الأوساط الـمحمدية بإظهار كذبهم وتلاعبهم بالقرآن، وليس فقط بإظهار عدائهم للمبدأ القومي. إني قد أظهرت في «جنون الـخلود» فساد دعوى الذين يقولون إنه لا يجوز تولية نصراني أو غيره على جماعة محمدية. وقد أوردت بعض الآيات الصريحة من القرآن أهمها من سورة الـممتحنة: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أنّ تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب الـمقسطيـن. إنـما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالـمون»[2]. وهاتان الآيتــان تعنيان عدم قبول ولاية من يحارب الـمحمدييـن ويقاومهم فقط. أما الذين لا يفعلون ذلك فقد أجاز الله في القرآن للمحمدييـن توليتهم. ثم إنّ الزعيم بـما أنه رسول القومية إلى جميع أبناء الأمة بلا فارق مذهبي فهو ليس نصرانياً ولا محمدياً ولا درزياً، بل هو من الـجميع وللجميع. ويجب أن تـمنعوا التكلم عن الزعيم بصفة نصراني أو غيره.
أكتبوا الآيتيـن القرآنيتيـن وانشروهما بين الـمحمدييـن، وقولوا لهم إنّ الذين يدعونهم إلى الشقاق حيث لا شقاق يكفرون بالقرآن، ويريدون أن يضلّوا الـمؤمنيـن. ولتحيى سورية.
حاشية: مرسل إليك 3 نسخ من الـمبادىء على حدة. ومع هذا عدة بطاقات.
[1] ولد سنة 1889 في حماة وتخرّج من الكلية الـحربية في اسطنبول سنة 1907. شارك في حرب البلقان، كان من كبار قادة الثورة العربية الكبرى، التحق بثورة الشيخ صالح العلي في جبال العلويين وبعدها بثورة إبراهيم هنانو في أقضية حلب ضد العدوان الفرنسي. غادر إلى عمان وعُيّن برتبة عقيد في الـجيش الأردني. عاد إلى الشام عقب نشوب الثورة السورية الكبرى سنة 1925 واشترك في بعض الـمعارك في جبل العرب والغوطة. إنضم إلى الثورة في فلسطين سنة 1936 برفقة عبدالقادر الـحسيني واستُشهد في معركة الـخضر في 6 تشرين الأول من نفس العام.له كتيب في حرب العصابات وأساليب الثورة صادر عن دار فكر للأبحاث والنشر.
رثاه كثيرون منهم أمين الريحان الذي سمّاه «فارس الثورات»، وكان العاص عضواً في الـحزب السوري القومي ويعتبره الـحزب من كبار وأوائل شهدائه، وله نصب في قرية الـخضر.