حضرة الـمنفّذ العام الـمحترم
سلام سوري قومي،
وضعت في مطلع هذا الأسبوع كتاباً قصيراً، أرفقته بـمقال طويل، هو الـحلقة الأولى من سلسلة مقالات تكذّب تكذيباً باتاً كل ما ادّعاه ذلك الـمنافق الكبير الـمدعو جبران مسوح في دفاعه عن جرمه، الذي لم يكن سوى دفاع أقبح من الـجريـمة عينها التي ارتكبها لـما أورد فيه من الاختلاقات الغريبة الفاضحة كل طيات نفسه الـخبيثة.
وقد أوردت في الـمقال الـمذكور تصريحات يجب أن تضبط بدقة. ولم يتسع الوقت لأعيد النظر في ذاك الـمقال وأقرأه كله، لذلك أكلّفكم أخذ جميع الاحتياطات لإخراج الـمقال مضبوطاً. وألفت الآن النظر إلى بعض العبارات: يوجد عبارة تخبر عن طريقة التصرف التي يعبّر عنها الأميركان بقولهم: أطلق رصاصك أولاً ثم جادل.
فقد أتبعتها بالقول: «وقد يكون جبران مسوح حلّها بأسلوبه العامي، الخ.» فيجب الانتباه إلى وجود جملة «وقد يكون» أو «يـمكن أن يكون». ثم بعد هذه الفقرة يوجد أخرى تبتدىء هكذا: «إختلس ثم ادّعِ أنّ الزعيم مبذّر، الخ.» فهذه الـجملة يجب أن تكون هكذا: «إحتل واغدر وافسق ثم ادّعِ أنّ الزعيم، الخ.»
في مطلع الأسبوع القادم، أي بعد أيام قليلة، أرسل إليكم بقية مواد العدد 4.
كتابكم الـمؤرخ في 12 ديسمبر/كانون الأول الـحاضر اشتمل على اقتراح قدّمه الرفيق نعمان ضو ولاقى استحسان جميع الرفقاء في بوينُس آيرس، وسئلتم من قبل حضرة رئيس «الـجمعية السورية الثقافية» الرفيق خليل الشيخ والرفيق نعمان ضو رفعه إليّ.
الاقتراح الـمذكور يحتوي فكرة لم تـجد قط موضعاً مكيناً في تفكير القومييـن، أي صيانة مركز الزعيم وحرمته. وقد جرت محاولات من بضع سنوات لتأميـن موارد الزعيم من القومييـن، وكان في عدادهم آنئذٍ بعض الـمقتدرين مادياً، ولاقت هذه الـمحاولات استحساناً وتـحبيذاً في بادىء الأمر، ولكنها لم تعمّر ونتيجتها كانت جزئية، ضعيفة، ولم يتمكن الزعيم من الارتياح إلى شيء منها وهي بطبيعتها، ونظراً لـحالة السورييـن النفسية، بدلاً من أن تصون مركز الزعيم، عرّضته أكثر فأكثر للقيل والقال بين الرفقاء وأضعفته في نفوسهم، لأنّ الذين صاروا يدفعون أخذوا ينظرون إلى أنفسهم كأنهم عماد الزعيم، وكأنّ الزعيم محتاج إليهم. فنقضت في نفوسهم حرمة الطاعة وزرعت بذور التمرد.
الفكرة في أساسها جميلة ولكنها لم تطبق في الـماضي، وليس يعلم أحد كم يكون مبلغ نـجاحها في الـمستقبل، ولا يحسن أن يسرع الزعيم إلى نقض محله التجاري والاعتماد على الآمال في جماعة ينقصها الثبات والإيـمان والأخلاق، مع كل التحسن الذي اكتسبته بتأثير التعاليم القومية الإصلاحية فيها.
إنّ تأمين مركز الزعيم وحياته يحتاج إلى أكثر من هذه الفكر - إلى أشياء أو تعهدات أكيدة محسوسة - أما الزوبعة والعمل الصحافي فلي فيهما خبرة طويلة. ولا سمح الله أن تكون مهنة حياتي الصحافة في الوسط السوري في الأرجنتيـن وأتدلى إلى حيث يوجد أمثال جورج عساف وجبران الطرابلسي وعبداللطيف الـخشن، وأصير أتـجول في البلاد لأجمع الاشتراكات وأطرق الأبواب لأجل ذلك.
إنها، في كل حال، عاطفة جميلة تدل على حياة، ولكني لا أراها مرتكزة على قاعدة عملية. ولذلك لا أجد فيها ما يحملني على قبول العمل بها، بل أفضّل عليها أن أجد من بعض الرفقاء ما يساعد على تقوية محلي التجاري بعد الصدمة التي أصابته بخيانة الـمدعو جبران مسوح، فهذا أفضل لتعزيز الزعيم وحرمته فلا يحتاج للاتكال على أحد من الناس. ومتى قوي الـمحل التجاري - وهو سائر الآن نحو هذه النتيجة - صار في إمكان الزعيم أن يعود ويصير مساعِداً من الوجهة الـمادية أيضاً، بدلاً من أن يكون مساعَداً، والفرق بين هاتيـن الـحالتيـن هو الذي يوجد الفرق في مركز الزعيم.
إنّ حالة الـمحل الداخلية قد تـحسنت كثيراً عما كانت عليه حين اكتشاف مبلغ تلاعب الـمدعو جبران مسوح، ولكن ثلاثة أشهر الصيف في توكومان هي أشهر جمود تـجارياً، خصوصاً لأصناف الورق التي يقلّ كثيراً طلبها بوقوف الـمدارس، ولكن متى ابتدأت الـمدارس في شهر مارس/آذار فحركة الـمبيع تدور بسرعة وسيكون لـمحلي شأن في الـحركة التجارية هنا.
أتـمنى أن لا يكون أثر تأويل الـمدعو جبران مسوح الفاسد لنظريات الزعيم التجارية. إنّ التنظيم القليل لسياسة الـمحل الذي تـمكنت من إدخاله على الرغم من اعتراضات مسوح جعل الـمحل ناجحاً، ولولا الاختلاسات لكان الـمحل زاد رأسماله هذه السنة بدلاً من أن يطير. وإذا كان هذا الذي أظهر كل ذلك «التفاني» في سبيل الزعيم والقضية يأتي مثل هذا الغدر الفظيع، فماذا يجب أن ينتظر أو لا ينتظر للزعيم في الاستقبال؟
لولا خيانة جبران مسوح لكنت اليوم مرتاح البال، وفي حالة تسمح لي بتوجيه عناية أكبر إلى الـمسائل القومية والـحزبية، ولكني أقدر أن أصير في هذه الـحالة قريباً. إنّ الظروف الـحاضرة - ظروف الـحرب - تـجلب أخطاراً للتجارة ولكني محترس من هذا القبيل، وعسى أن لا تـحدث أضراراً جديدة في الـمستقبل. وإذا تأخر انتهاء الـحرب سنة أخرى أو ستة أشهر فيكون الـمحل قد صار في حالة تـمكنه من مواجهة الـحوادث الـمقبلة.
أشكر جميع الذين اهتموا بـمسألة الزعيم ومركزه، وأتـمنى أن يصير التفكير العملي في القومييـن عاملاً يوجههم إلى لمّ جموعهم وتأييد سلطتهم.
ليصل سلامي القومي إلى جميع الرفقاء العامليـن في نطاق منفذيتكم، ولتحيى سورية.
بعد: أطلب أيضاً التنبه إلى نص عبارة أخرى في أول إحدى الفقرات التي تقول: «أما الزعيم فلم يضطرب لاضطراب الكون لأنه اعتاد رؤية هذه الأمور، ولأنه يعلم أنه لن يحدث طوفان ما دام في الوجود قوس قزح.»