حضرة مدير مديرية توكومان،
أمامي كتاباك الأخيران الـمؤرخان في 15 أبريل/نيسان و19 أبريل/نيسان فأجيبك عليهما بالترتيب:
الرفيق نـجيب ندره: إنّ الوظيفة التي يحملها هذا الرفيق ومركزه الشخصي يجعلان البتّ في أمره ضرورياً ومستعجلاً، لأنّ تقلقل روحيته مع وجوده في وظيفته ينتقل بالعدوى إلى الصفوف ويحدث ضرراً روحياً عاماً. وهذا الضرر قد حصل من موقفه، وموقف غيره، والأمر أصبح خطيراً. وإني أفضل اعتبار من كان هذا شأنه عضواً محبذاً غير مسؤول نظامياً وإدارياً، على اعتباره عضواً كاملاً مسؤولاً مفسداً للروحية وعابثاً بالنظام والدستور ومبدأ السلطة القومية.
موقفك: تقول في كتابك 15 أبريل/نيسان إنك «عندما يوجبه النظام» وهذا القول غير كاف لـمحو التهمة الـموجهة إلى الإدارة الـحزبية في كتابك الـمؤرخ في فبراير/شباط الـماضي، ولا لإيجاد الاقتناع عند الإدارة بأنّ عقيدتك بالنظام هي عند الدرجة الـمطلوبة من كل عضو قومي، فضلاً عن كل مسؤول. ونص كلامك الوارد في الكتاب الـمذكور هو هكذا: «وقد صرت أعتقد أخيراً أنّ النظام الـموضوع للأعضاء الـمقيميـن في سورية غير مـمكن تطبيقه هنا بدون تعديل تقتضيه نفسية الـمقيميـن هنا التي كوّنتها الظروف الـمحيطة بهم. وقد وجدت هذه الطاعة الـمفروضة يتجاوز مداها حدود الـحرية الشخصية. فعلى هذا الاعتقاد لم أعد صالـحاً لـحمل أعباء وظيفة تنفيذية مسؤولة، فأستقيل منها، أما كفرد فلا أزال مؤمناً بالـمبادىء السورية القومية مطيعـاً إلا ما يتعارض مع حقوقي الفردية»، ومع أني كتبت إليك مطولاً حول هذه النقاط فلم أحصل على جواب، وآسف جداً أن أعلم أنّ كتابي الـمذكور لم يصل إليك كما تقول. ففيه قلت إنه لا يـمكن اعتبار من يعتقد هذا الاعتقاد ويخرج على اليميـن والنظام الـحزبيين ويضع هذه الشروط، عضواً في الـحزب السوري القومي. فالعضو في الـحزب السوري القومي هو الذي يطيع قوانيـن الـحزب الـمسنونة ويعمل بـموجب نظامه السائر على الـجميع، وليس من يجعل نفسه فوق النظام والقانون ليطيع ما يراه هو متفقاً مع «حقوقه الفردية»، وليعصَ ما يراه هو متعارضاً مع «حقوقه الفردية». وأعتقد أني كتبت أكثر من كتاب واحد وكتابي إليك الـمرسل مسجلاً، جواباً على كتابك الشبه تقرير الـمؤرخ في 29 يناير/كانون الثاني الـماضي، فيه أيضاً تفاصيل كثيرة من هذا النوع. وفي كتابي الذي تفيدني أنه لم يصل إليك، وهو مؤرخ في 11 فبراير/شباط الـماضي، قبول لاستعفائك مع طلب بقائك موقتاً على رأس الـمديرية إلى أن أكون قد توصلت إلى تعييـن عضو آخر. وهذا أقلّ ما يـمكن فعله من الوجهة النظامية والقانونية بعد موقفك الـماضي الذي انتهى بتصريحك الـمشار إليه في 5 فبراير/شباط الـماضي. والـمعلومات التي عندي تدل على وجود اتفاق بالآراء والنظر بينك وبين الرفيق ندره قد يكون نتيجة محادثات كثيرة بينكما. فهو أيضاً يقول إنّ النظام غير صالح للمقيميـن في أميركة، وهذه الأفكار قد تسربت بالعدوى إلى أعضاء آخرين تـجعل العمل معهم على أساس هذه الروحية شيئاً مقرفاً.
فالـمطلوب منك الآن، فيما يتعلق بتصريحك الـماضي، هو: إعطاء تصريح آخر تسحب فيه كل الكلام الذي قلته في كتابك الـمؤرخ في 5 فبراير/شباط الـماضي، وتعلن أنك لا تـجد في الطاعة لدستور الـحزب وسلطة الزعيم الـمقررة في صلب الدستور ما «يتجاوز مداه حدود الـحرية الشخصية»، وأنك مستعد لإطاعة القوانيـن الـحزبية والأوامر العليا بدون أي تـحفظ شخصي لعدم وجود أي سبب لهذا التحفظ. وإذا لم تشأ إعطاء هذا التصريح فيكون مطلوباً منك أن تصرّ على ما قلته سابقاً، وأن توضح كيفية «تـجاوز الطاعة حدود الـحرية الشخصية»، وأن تعيّـن حادثاً جرى فيه هذا التجاوز. فالـمسألة خطيرة جداً، لأنها تـمسّ مبادىء نظام الـحزب ودستوره وتتعلق بالروحية العامة، فلا يـمكن من الوجهة النظامية السكوت عليها.
مسألة الرفيق جبران مسوح: في كتابـك الأخـير الـمؤرخ في 19 أبريل/نيسان تعـرض فيه أنّ «روح النظام لم تراعَ» وأنّ الـمخلّ بالنظام هو الرفيق الـمذيع جبران مسوح. فحسب ما وصفت لي الـحادث أرى أنّ الرفيق مسوح لم يتمشَّ على الطريقـة النظامية الـمتبعة في فـروع الـحزب الـمنظمة. ولكني أجد نفسي تـجاه حالة مختلة اختلالاً واسعاً في توكومان. ولذلك أعتقد أنّ الـمسألـة ليست مسألـة إخـلال الرفيق مسوح بالنظام، بل مسألـة وجـود مديـرية توكومان في حالة اختلال وشلل وتفسخ روحي. فالاجتماعات النظامية كانت معطلة، والإدارة إسماً لغير مسمى، والـحركة الـحزبية لتوسيع نطاق الـحركة وإيصال الـحزب إلى مناطق جديدة جامدة جموداً تاماً. ولم يقف الأمر عند هذا الـحد، بل إنّ إدارة توكومان، الـمعيّنة بـمرسوم من الزعيم والـمسؤولة تـجاهه، ابتدأت تعصى أوامر الزعيم، وتـجاهر بوجـوب العصيان ونقض الدستور القومي، مستعملة الثقة التي منحها إيـاهـا الزعيم، لتنفذ الأوامـر والقرارات العليا بدقة ضد الزعيم وقراراته وسلطته، حتى أنّ الاجتماعات العموميـة التي تعقد بالاستنـاد إلى هذه السلطـة صارت تستخدم لبث روح التمرد عليها، وعدم الـمبالاة بها من غير مراعاة للقسـم الذي أدّاه كل عضو، أو إصغاء لصوت الشرف القومي وتبكيت الضمير. وجد الرفيق جبران مسوح أنّ النظام محتقر ومعدوم في مديرية توكومان، ووجد الـجمود مستولياً على الفرع هناك. وبصورة واضحة أو غامضة وجد الرفيق مسوح، وأنت من أحسن العارفيـن بـمزاجه، أنّ الـمديرية التي خرقت النظام من فوق ليست جديرة بضبط النظام من تـحت. صار الرفيق مسوح تلميذاً لأساتذة توكومان في خرق النظام، مع فارق واحد كبير هو أنّ خرق مسوح النظام الـمخروق كان من أجل تتميم يـمينه وقسمه للسهر على مصلحة الـحزب ونظامه وطاعة الزعيم الذي هو مصدر السلطتيـن التشريعية والتنفيذية والـحرص على تنفيذ كل أمر من أوامره، في حيـن أنّ الذين خرقوا النظام قبله خرقوه حانثيـن بيمينهم، ولعصيان السلطة الدستورية للزعيم، ولعدم الانقياد لقيادته، وهو الذي أنشأ الـحزب وأوصله إلى مرتبته الـحالية، لا هم.
وإني أقول لك إنّ الرفيق جبران مسوح متألم جداً مـما وصلت إليه حالة توكومان، وأصبح شبه فاقد الثقة بك وبرجال الإدارة الآخرين. وهذه خيبة عظيمة له بعد أن كانت ثقته بك وبـمن معك في الإدارة كبيرة، حتى أنه كان دائماً يقول للزعيم «سترى ماذا سيفعل مديرنا في توكومان. ولو كان يوجد بضعة أشخاص مثل مديرنا لكنّا نكتسح الـجالية في مدة وجيزة» وغير ذلك.
إذا كان الـمذيع مسوح لم يراعِ الطريقة النظامية في أمر من الأمور، فذلك قليل عليه، ويجب عليك أن تشكر العناية معي على أنه لم يذهب إلى أبعد من هذا الـحد.
والذي أراه أنّ أمر مسوح لا يصلحه غير إصلاح أموركم في توكومان. والذي أراه أنك تخطىء إلى نفسك بخسارتك ثقة الرفيق مسوح الذي كان يضمر لك من الـحب والتقدير ما لا يحسن بك أن تطوي كشحاً عليه. وطريق العودة إلى الثقة لا تزال مفتوحة أمامكم جميعاً. وأنت تعلم أنّ ما قام به الرفيق جبران مسوح إنـما هو تـمرد على جمودكم وخمولكم. فإذا مدحت غيرته ووافقته على وجوب التشمير عن ساعد الـجد ربحت كل قلب هذا الرجل الكبير.
تقول إنك «لا تنكر جهوده وتضحياته وعمله من حيث الإذاعة» وإنه «أبعد عنا الفئة العاقلة»، فأقول لك إنّ قولك الأول يقصر كثيراً عن التقدير الـحقيقي لعمل الرفيق مسوح، وقولك الثاني لا يعيّـن غير الافتراض ولا يتناول غير نقطة جدلية، وسأسألك من هم هؤلاء الفئة العاقلة الذين صاروا «أعداء لنا» بسبب الرفيق جبران مسوح.
إني أرى، أيها الرفيق العزيز، أنّ روحية الثقة التامة والتضامن الثابت هو أساس النظام، وأطلب منك، ومن جميع الرفقاء، أن تعودوا إلى هذه الروحية إذا كنتم تريدون أن تكونوا جديرين بالانتماء إلى الـحزب السوري القومي وحمل شعاره والعمل بـمبادئه.
واقبل سلامي القومي.