الرفيق العزيز جورج بندقي،
تسلمت يوم الإثنيـن رزمة تتضمن عشرين نسخة من سورية الـجديدة بالطيارة. ولو أنّ هذا العدد أو بعضه وردني منذ أسبوع وفيه بلاغا مكتب الزعيم لكان أعطى نتيجة أفضل بكثير.
كنت أتوقع أن أتسلم مع هذه الرزمة كتاباً منك تعتذر فيه من الزعيم عن الغلط الذي صدر منك، وأنت تقصد عملاً حسناً، وسببه عدم الـخبرة وعدم فهم دقة النظام في هذه الشؤون. ولكنك قد تكون تنتظر مني أنا اعتذاراً إليك على اللهجة التي خاطبتك بها، ذلك لأنّ الزعامة والأمر والطاعة والصلاحيات والـمسؤوليات هذه أمور ضائعة بيـن «الإحساسات» السريعة الانشعاب، وفوضى النظام الذي لم تـمكنّي حالتي الصحية، حيـن كنت في البرازيل، من إعطائكم دروساً فيه.
والذي أراه أنّ تساهلك في تقدير خطورة الـمسؤولية ناتـج عن لغة الـمخاطبة الرسمية التي تستعملها معي، فهي لغة الرفقة والصحبة، لا لغة الـمسؤول تـجاه السائل. إنها سهلة وتـحمل، بالتدريج على الاستهتار وعدم التعمق، ومع أنّ نظرتك ليست، في الأصل، من هذا النوع، فيجب ألا ننسى تأثير العادة ونوع الـحياة والتصرف. ولذلك أطلب منك أن تستعمل اللغة الرسمية في جميع الـمراسلات الدائرة على الأعمال والـمسؤوليات. والاصطلاح النظامي للغة الـمخاطبة مع الزعيم هو أن يوجه الكتاب إلى «مولاي الزعيم» ويكون بأسلوب التفخيم وبصيغة الـجمع فتقول «أنتم، أوامركم السامية، ومعاليكم، الخ.» هذه صيغة الـمخابرات الرسمية.
وكنت من قبل قد حبذت استعمال صيغة الـمخابرة الودية الشخصية بدون تكليف وبدون مراعاة الأصول الرسمية، ولكن هذا الأسلوب لا يجوز استعماله في الرسائل الرسمية والعملية، فيجب الاحتفاظ به إلى حيـن تريد مخاطبتي في أفكارك وآمالك وأميالك وشعورك، ولكن يجب تـجنبه في الـمراسلات الـمختصة بالشؤون الـمقررة والنظامية، فهذه يجب العودة فيها إلى الأسلوب الرسمي لأنّ الـمخاطبة حينئذٍ تكون مع الزعيم، رأس الدولة القومية، في الوظائف والترتيبات العائدة إليه الـمسؤولية عنها.
إنّ تصرّفك في أمر البلاغيـن، جعلك كأنك موكول إليك مشاركة الزعيم في التقديرات والاستنتاجات، ومن جهة أخرى يدل على أنك لا تقدّر الدقة في أوامر الزعيم، وتتصور فيه بعض الغموض وبعض التساهل في مسؤولياته. وهذا شيء يـمسّ الزعيم مباشرة. ولذلك يجب أن تتعلم هذه القاعدة: إنّ كل أمر يريد الزعيم تنفيذه لا يترك مجالاً للالتباس فيه، ولا يترك أمر تنفيذه لاستنتاجات الرفقاء أو الـمأمورين. فلو كنت أريد تأجيل نشر البلاغيـن لـما أبقيت لك مجالاً للشك في ذلك باعتبارك غير مسؤول عن تنفيذ ما لم يأتك أمر صريح به، ولكنت جعلت عبارة البرقية هكذا: «أجّلوا نشر البلاغيـن، أرسلوا نسخة بالبريد الـجوي» ولكن عبارة البرقية الأولى كانت هكذا: «أخبروني وصول البلاغيـن، أرسلوا نسخاً بالبريد الـجوي.» وهذه العبارة لا تعني شيئاً غير ما هو واضح في نصها، ولا تعني مطلقاً توقيف التنفيذ. فكان يجب إخباري بوصول البلاغيـن وإرسال نسخ، فقط لا غير. وكلمة نسخ لا تعني ما فسرتها بها، فأنت قد أرسلت إليّ نسخة واحدة للبلاغيـن وسميتها «نسخاً»، ونسخة واحدة للبلاغيـن لا يـمكن أن تعتبر نسخاً. فالنسخ يقصد منها التكرار لا عدد الـمواد الـمشتملة عليها النسخة الواحدة.
هذا اختبار لك عسى أن تستفيد منه، وقد كلفني أنا انزعاجاً شديداً نظراً للظروف التي تـجهلها أنت.
والآن، ليخبرني أحد عندكم بنتيجة ما نشر، ويـمكن نبش قبر أحد القومييـن الأموات هناك ليقوم ويكتب إليّ شيئاً، وبعد ذلك يـمكنه أن يعود إلى قبره بسلام.
عسى أن تكون بصحة جيدة وموفقاً. ولتحيى سورية.
بعد: رأيت أن أضيف، ختاماً للقسم الأخير من سلسلة الـمقالات بعنوان «الشهرة على حساب الـحزب السوري القومي» الـمتعلقة بزكي قنصل، أي على ختام الـمقالة الثالثة والأخيرة هذه الـجملة:
أما قول زكي قنصل إنّ الأدب «يجب أن يكون فوق الـمعتقدات البشرية وفوق الـمصطلحات الأرضية» فأسخف ما يـمكن أن يتصوره عقل بشري اعتيادي كعقل زكي قنصل، وهذا النوع من التفكير هو حماقة ليس بعدها حماقة، ومصيبة من أكبر مصائبنا في الأدب والأساليب الفكرية.
وقد رأيت الآن أن أجعل الاسم الـمذيل بها سلسلة الـمقالات هكذا: «أعذر من أنذر» بدلاً من «منذر معذور» فانتبه لهذا.
إلى الـمدير:
يـمكنك قسمة هذا الاستئناف للبحث الذي أرسلت إليك مقالته الأولى منـذ أسبوع إلى قسميـن: يكون القسم الأول تـحت رقم 2 للدلالة على أنه الـمقالة الثانية والقسم الثاني بالعنوان نفسه تـحت رقم 3 حيث وضعت له هذه العلامة في منتصف الصفحة الـخطية الـخامسة.
لا أذكر إذا كنت قد وضعت على الـمقالة الأولى الاسم الـمستعار الذي اخترته، فإذا لم أكن قد وضعته هناك فليوضع في آخر البحث فقط أي في آخر الـمقالة الثالثة. وقد أتابع هذا البحث وأعرض «لأدباء» آخرين وغيرهم من طلاب الشهرة.