حضرة عضوي اللجنة الـمفوضة،
وردني كتابان: الواحد موقّع من أعضاء مجلس إدارة سورية الـجديدة الـمكلفيـن مباشرة الأعمال التمهيدية والضرورية قبل صدور الـمرسوم، والثاني من عضو اللجنة الـمفوضة الرفيق إلياس بخعازي. وإني أجيب اللجنة هنا على الكتاب الأول:
جميل صفدي: إنّ ما ارتآه الـمكلفون تشكيل الـمجلس الإداري في صدد هذا الشخص ينطبق على التعليمات الأولى التي أرسلتها إلى اللجنة التنفيذية بواسطة الوكيل العام لـمكتب عبر الـحدود. وقد ذكر هذا الانطباق عضو اللجنة الرفيق إلياس بخعازي في كتابه الـمذكور فوق. ولقد كانت إرادتي الاقتصار على هذا التدبير بينما تؤخذ الإجراءات الداخلية التي تؤمن قطع علاقة هذا الشخص بأعمال الـحركة، ولكن وردتني أخبار فيما بعد وبعضها من مدير شؤون سورية الـجديدة تفيد أنّ هذا الشخص قد وسّع اتصالاته وراسل بعض شخصيات الـحركة القومية. وطلب نسخاً من كتابي نشوء الأمـم وتسلّم عدداً منها.وهذا يدل على حركة واسعة يقوم بها يخشى أن تـجلب أضراراً كبيرة إذا كانت لهذا الشخص مآرب جاسوسية. وحالـما وردني خبر مدير شؤون سورية الـجديدة في هذا الصدد، وأنه أرسل فطلب تـحويل إرسال نشوء الأمـم إلى إدارة الـجريدة كتبت إليه أشير عليه بلفت نظر مراسل سورية الـجديدة في الوطن إلى الشكوك التي لـمكتب الزعيم بهذا الشخص، وأنا بدوري اتخذت التدابير الـممكنة لتبليغ الـمركز في بيروت هذا الأمر، ولكن الرفيق جورج [بندقي] لم يجبني عما إذا كان نفّذ ما طلبته منه، وطريقة مكتب الزعيم أمينة ولكنها بطيئة. ولهذا السبب ولـمّا لم تكتب إليّ اللجنة الـمفوضة في صدد هذا الشخص غير قيامها بتبليغ الأعضاء ما أوعزت به وهو غير كاف رأيت أنه يجب اتخاذ تدبير حاسم في صدده.
إني أستصوب رأي أعضاء الـمجلس الـمنطبق على تعليماتي الأولى. ولكني أطلب من اللجنة الـمفوضة الاهتمام الـجدي بتبليغ بعض الشخصيات والأوساط التي لها اتصال أو تـحبيذ للحركة القومية أنّ هذا الشخص غير مكلف بشيء من الزعيم. ثم إنّ اللجنة مكلفة تبليغي ما اتخذته من التدابير ونفذته من الـخطط، لتحصل القناعة عندي أنّ ما قامت به كاف لوضع حد لـحركات هذا الشخص الكثيرة. فلا يكفي اللجنة أن تنفّذ وتهمل إعطاء بيان أو تقرير بـما قامت به، ليحصل الاطمئنان لدى الـمراجع العليا أنّ اللجنة الـمفوضة ساهرة وأنّ تدابيرها فعالة. ومـما يجب الانتباه له هو أنه لهذا الشخص أخت متزوجة في ولاية غوياز تقدر على مساعدته بقصد أو بغير قصد على جمع أموال في تلك الـمنطقة، أو إكساب أخوتها صفة تساعدهم على القيام بأمور شاذة أو ضارة. وقد تؤثر هي على السيد جاد سلمون ليساعدها في ما تريد. فيجب الاتصال بهذا الرجل الذي زارني في فندق اسبلناده برفقة صديقي الدكتور عبده جزرة وإفهامه الـموقف، وبالاختصار يجب أن تفكر اللجنة في كل شيء، وتهتم لكل أمر، فلا تبقى حاجة للالتجاء إلى تشهير أو أي أمر علني.
بقي أن ألاحظ أنّ أمر جميل صفدي ومخابرة مكتب الزعيم بشأنه هما من الأمور الإدارية التي يجب أن تنحصر في اللجنة التنفيذية فقط، فلا يجوز أن يشترك معها أعضاء هيئة أخرى فيها. يحق للجنة أن تستشير أعضاء هيئة أخرى ولكنها هي تقرر، لأنه ليس من صلاحيات أعضاء مجلس إدارة سورية الـجديدة بحث مسألة جميل من وجهة التدابير الـحزبية. ولكن من صلاحيته إبداء رأيه في ما يتعلق بالـجريدة من هذه الـمسألة لـمكتب الزعيم رأساً أو أن يتخذ قرارات في هذا الشأن.
الرفيق رشيد شكور: إني مطّلع على حماس هذا الرفيق واندفاعه القديـم وإخلاصه في اندفاعه. وأعلم أنّ كثيراً من الـحماس القديـم، غير الواضح الأهداف وغير الـمنظم، لا يفيد حركتنا القومية إلا إذا فعلت فيه التعاليم القومية الـجديدة، واكتسب النفسية القومية الصحيحة، وقد تبيّـن من عمل الرفيق شكور أنه حتى الآن لم يكتسب سوى ما هو قليل وسطحي، وهنالك أدلة على أنه يعتقد أنّ التعاليم القومية النفسية والفكرية وجدت ليتعلمها غيره لا هو وأنه هو يعرف ما يخوّله تعديلها، كما ظهر من حديثه في الاجتماع التمهيدي لـ سورية الـجديدة في بيت الرفيقيـن فؤاد [بندقي] وتوفيق [بندقي]، فهو لا يريد أن يقبل نظرية الزعيم التاريخية الـجديدة التي تقلب النظريات الـمعروفة حتى الآن عن سورية وتاريخها، ويريد فوق ذلك أن يظل متقيداً بالنظريات الأجنبية الكلاسيكية وبعض استنتاجاته الشخصية. واعتقاده وإرادته هذان يرميان إلى نقض الاتـجاه القومي ويعاكسان هذا الاتـجاه، ويبلبلان التفكير القومي الذي أنفقت كل حياتي ومواهبي لتأسيسه تأسيساً جديداً نقياً موحداً. وقد قلت لرشيد إنه لا مانع عندي، أو عند مراجع الـحزب العليا، أن يكون لبعض الأعضاء نظريات خاصة في الشؤون التاريخية أو الثقافية. ولكن هذه النظريات تظل خاصة، إذا لم تتبناها مراجع الـحزب الـمختصة، ولا يـمكن تعميمها بصورة تـحمل طابع الـحزب أو تدل ضمناً على موافقته. فلا مانع عند الدوائر العليا أن يؤلف الرفيق شكور كتاباً في تاريخ سورية يتضمن نظرياته، ولكن بعد صدور الكتاب ستتناقش فيه الـمراجع الثقافية وتبدي رأيها فيه. فإذا رأته مخالفاً للتعاليم القومية، فإنها تـمنع القومييـن من شرائه، وتعلن أنه لا يعبّر عن رأي النهضة القومية. وقد يتضمن الكتاب اختلافاً فكرياً - روحياً يحمل القومييـن على اعتبار صاحبه غير قومي وقطع صلاتهم به. وأنا، شخصياً، لا مانع عندي من قيام أفراد سورييـن «بنهضات» جديدة يقودونها بتفكيرهم الـمستقل، ولكني بصفتي زعيم الـحزب السوري القومي لا أقبل ولا أجيز نشوء تضارب نظري في أساسنا التاريخي وأساس ثقافتنا القومية الـجديدة. وهنالك جهة أخرى، وهي عدم صلاح الرفيق شكور لـمعالـجة القضايا السياسية، وعدم فهمه فلسفة نظام الـحزب فهماً دقيقاً، وعدم فهمه الزعيم وشخصيته. فهو لا يظهر أنه مؤمن بالزعيم، وأنه يرجع إلى تعاليمه، ويستدل من بعض كتاباته أنه يعدّ الزعيم هيئة نظامية فقط أو دستورية، وهذا مخالف للواقع، وقد يؤدي إلى إضعاف ثقة القومييـن بالزعيم وإيـمانهم به ومحبة التعلم منه والتعويل على تعاليمه. ولو أنّ الرفيق شكور كان في متناول الـمجلس الأعلى أو مجلس العمد للإشراف مباشرة على أعماله، لوجد نفسه في موقف حرج جداً. ولكني أنا تساهلت كثيراً في أمره لعلاقتي الشخصية في هذا الـموضوع. ولكن مراجع الـحزب التي رافقت الزعيم في إنشائه وتعليمه وقيادته لا تتساهل مطلقاً في هذا الأمر الـخطير، لأنّ عليه يتوقف نـجاح الـحركة القومية، كما كان العامل الأعظم في نـجاحها حتى الآن، ولأنه يتعلق بشعور القومييـن عامة وإيـمانهم. ولقد كان من وراء عدم فهم الرفيق شكور سياسة الـحزب السوري القومي وخروجه على التوجيهات التي أرسلتها إليه تكراراً، أنّ جريدة صوت الأحرار البيروتية قامت بحملة على الـحزب متهمة إياه تهماً عديدة باطلة، مستشهدة بفقرات من مقالات محرر سورية الـجديدة الـخارجة على التوجيهات الـمرسلة إليه. فهو بنظرياته الـخاصة وبصفته غير مسؤول يعرّض الـحزب السوري القومي كله لـمشاكل نحن بغنى عنها. فمسألة كتابة وتـحرير سورية الـجديدة باعتبارها لسان حال النهضة القومية ليست مسألة شخصية تتعلق بشخصي أو بشخص الـمحرر، بل مسألة خطيرة لها علاقة بعمل الـمنظمة القومية وحركاتها. ويذكر أحدكما العضو الرفيق توما [توما] ما قلته في هذا الصدد في اجتماعي الأخير بالرفيق فؤاد [بندقي] في البستان حول هذه القضية. فقد أبديت رغبتي في استقدام محرر من الوطن وعدم ارتياحي إلى إمكان الرفيق شكور تـمثيل الـحركة القومية من الوجهة الإذاعية العامة أو من الوجهة السياسية. ولا يـمكن التعويض عما تـحتاج إليه الـحركة القومية بصفات مطاطة وغير مقيدة أو مضبوطة كالوطنية والغيرة والـحمية وما شاكل. وإذا كنت أريد تنحية الرفيق شكور عن وظيفة الـمحرر، فهذا لا يعني أني أريد إقصاءه عن صفوف القومييـن أو عن الـحركة الكتابية بالـمرّة، بل إني أريد ألا يبقى هو مـمثلاً الـحركة الإذاعية وسياسة الـحزب، ولكنه يقدر أن يكتب مقالات أدبية قومية كعادته تنشر له بعد موافقة الـمحرر الـمختار عليها، فيتدرج في التوجيه النظري القومي وفي فهم الاتـجاه السياسي للحزب، ويتمكن من العمل ببطء وإمعان، فيخرج عمله أنضج وأحسن، وبعد ذلك قد يتطور إلى حد يسمح له بإعطائه مركزاً أوسع. وهذه هي القاعدة التي تتبعها الـمنظمة القومية، ولم يكن تعييـن الرفيق شكور في وظيفة محرر جريدة النهضة القومية الوحيدة إلا من باب حكم الظروف. وإذا كان هو لا يتمكن من القيام بالوظيفة كما تريد الإدارة العليا فيكون من عجز الرأي الإبقاء على حالة غير مفيدة أو مضرة بناءً على اعتبارات شخصية. والرفيق القومي الـمخلص الذي يذيب شخصيته في شخصية الـمنظمة القومية يقبل أن يضعه زعيمه في الـمركز الذي يراه أفْيد للحركة، فلا يناقش ولا يجادل ولا يتطلع إلى مشاركة الزعيم في إدارته. وقد كتبت لرشيد وبعض الرفاق أبيّـن لهم أنه لا يصير الـمرء سورياً قومياً بـمجرّد تسجيل اسمه بين أعضاء الـحزب السوري القومي، وأنه على الرفيق شكور أن يعرف الفرق بين رأيه الـخاص في السياسة والتاريخ والثقافة القومية، ورأي الـمنظمة القومية الرسمي الذي لا جدال فيه. وهذا ما لم يفهمه الرفيق شكور. ولـمّا كانت سلامة وحدة روحية الـحركة القومية، وسلامة وحدة فكرها واتـجاهها، أمراً أساسياً جوهرياً فإنّ مسألة تـحرير سورية الـجديدة يجب أن تخضع للاعتبارات الأساسية وإلا أصبح أمر الـحركة فوضى، إذ هنالك مئات ومئات من الـمخرَّجيـن من الـجامعات والـمثقفيـن الذين لو شاء كل منهم أن يعتدّ بنفسه وبعلمه، كما يفعل رشيد، لوقعت الـحركة القومية في فوضى تقضي عليها.
بناءً عليه، وبناءً على رأي أعضاء مجلس إدارة سورية الـجديدة، أقرر أن يبلّغ الرفيق رشيد شكور بواسطة اللجنة الـمفوضة، وبعدها بواسطة مجلس إدارة سورية الـجديدة أنّ تعيينه كان تعييناً موقتاً في وظيفة محرر للجريدة القومية. وأنه يجب الآن أن يقتصر على كتابة ملخص البرقيات والأخبار الـمحلية ومقالة زراعية قصيرة. وفيما سوى ذلك يـمكنه نشر بعض مقالات من دراسته الـمتروية، ولكن دائماً بإمضائه أو بتوقيع مستعار لكي تظل لها صفتها الـخاصة. وإني لا أتبنى مقالاته السياسية أو الثقافية، ولا يـمكنّي التساهل في أمر الكتابة السياسية أو العقائدية، ولا أجوز أن يتحمل الـحزب السوري القومي مسؤولية نظرياته وآرائه السياسية. ولذلك لم تعد له صفة رئيس تـحرير أو مدير كتابة وتـحرير، بل صفة كاتب متخصص في تلخيص البرقيات الأسبوعية وكتابة الأخبار الـمحلية والاحتفاظ بـمنهاج تبويب الـجريدة. أما الـمقالات الرئيسية فحيـن لا تكون من قلمي، أو من قلم الوكيل العام لـمكتب عبر الـحدود، توضع مقالات مدير شعبة سورية الـجديدة في الوطن في باب «رأي سورية الـجديدة»، والـمقالات أو التعاليق الـمستحسنة من الـمراسليـن. ولا ينشر تـحت «رأي سورية الـجديدة» غير مقالات من غير هذه الـمصادر حتى إشعار آخر. وليس يضر الرفيق شكور أو يقلل من أهميته أنه ليس صحافياً سياسياً، وأنه كاتب أديب فقط. وهو إذا تخصص في هذا الباب وأخذ بالنظرية العلمية التاريخية الـمثبتة في نشوء الأمـم فقد يخرج أديباً قومياً جيداً، وحينئذٍ يصبح في إمكاني تأييد كتاباته. فيجب عليه، إذن، أن يجتهد في الدرس والاستفادة بدلاً من أن يعتقد أنه يعرف كل شيء، وأنه لا يحتاج إلى تعليم جديد.
ويجب أن يبلّغ بوضوح أني أنتظر منه تصرفاً قومياً صحيحاً وفهماً جديداً، خصوصاً في ما يتعلق بالـموقف والـمسؤولية، وإلا كان شاذاً وخارجاً عن حدود النظام والطاعة، ولا يعود يـمكنني الاعتماد عليه. والـحركة القومية تـحتاج إلى قدوة في النظام والطاعة أكثر مـما تـحتاج إلى نظريات وتصورات خصوصية متفرقة.
أطلب من اللجنة الـمفوضة أن تبلّغ مجلس إدارة سورية الـجديدة كتابة أني أوقفت تشهير جميل صفدي بناءً على أنّ اللجنة الـمفوضة ستتخذ جميع التدابير لتعطيل مفاسده في أوساط الـجالية، ويقتصر التبليغ في هذه الـمسألة على هذه النقطة. وأن تبلّغ اللجنة الـمفوضة مجلس إدارة سورية الـجديدة تعليماتي فيما يختص بالرفيق رشيد شكور مع نسخة مـما كتبته في هذه الرسالة بشأنه، ليستنير الـمجلس الإداري ويتخذ ما يراه مناسباً لتنفيذ هذه التعليمات ضمن روح الـجرأة والاستقامة والـحرص على النظام والصراحة التي يجب أن تعلو على الاعتبارات الشخصية أو الـخصوصية وفي الظروف التي يفضّلها. ويجب أن يكون واضحاً أنّ الـحزب السوري القومي قد قطع كل علاقة بـمناورات الـجمعيات التقليدية، وأنّ أعماله الهامّة لا تسمح بصرف وقت كثير من الـمجادلات ودرس الاعتبارات الشخصية.
في البريد القادم سأرسل الـمرسوم القاضي بتعييـن أعضاء مجلس إدارة سورية الـجديدة رسمياً تثبيتاً للإشعار الأولي بتعيينهم، وبتعييـن صلاحيات الـمجلس التي يسير على ضوئها من أجل سلامة وحدة العمل والإدارة.
وأطلب من اللجنة الـمفوضة تبليغ أعضاء مجلس إدارة سورية الـجديدة تهنئتي لهم على عملهم النظامي، وفهمهم الـموقف والاستعداد لتحمل مسؤولياتهم والاضطلاع بأعباء ما ألقيته عليهم. ولتحيى سورية.