عزيزي نصوح،
بعد إرسال كتابي إليك بالبريد الـجوي الأخير كثر تفكيري حول الصراع بيـن الصلاح والشر، وقد حلمت أمس حلماً غريباً رأيت أن أروي لك قصته. فقد رأيت في منامي أنّ جماعة رأت الفساد يعم البلاد فاجتمعت على محاربته وجعل الصلاح سائداً. وأنشأت هذه الـجماعة حزباً. أما الفساد فكان له شركات تعمل لتأييد دولته وابتدأت هاتان القوتان تتصارعان. فما إن أحست شركات الشر بنشوء حزب الصلاح حتى أخذت الـمؤامرات السرية تدبّر لإهلاك هذا الـحزب. واتفق أن انخرط في سلك جماعة الصلاح رجل من أهل السوء باشا في الـخديعة والنميمة. فبعد الاحتكاكات الأولى بين جماعة الـخير وجماعة الشر، تـحركت في رجل السوء عوامل الانحطاط الأصلي فباع نفسه لشركات الفساد وظل يتظاهر بالصلاح ليكيد لـجماعته سرّاً. ولـمّا كانت جماعة الصلاح تعدّه واحداً منها ولم يكن أظهر في السابق شيئاً من طويته السيئة لم تشك به وسلّمت إليه شيئاً كثيراً من أسرارها. ولكن أعمال هذه الـجماعة أخذت تسوء في الـمدة الأخيرة وأصبحت في مأزق حرج. فخططها التي كان يتحتم نـجاحها كانت تصاب بالشلل، فتعود الـجماعة إلى فحص الـخطط ودرسها فتجدها محكمة غير قابلة الفشل، ولكن لا يصبح الصباح حتى تفاجأ بحركة جديدة من جانب شركات الفساد تعطل هذه الـخطط. وقد سبب هذا الأمر نكبات عظيمة وقاست جماعة الصلاح الأهوال. وأخيراً تنبه واحد من جماعة الصلاح إلى هذا السيّئ الـمندس بينهم واكتشف سوء طويته وبعض أعماله الأثيمة. فحالاً اجتمع ثلاثة رجال من أهل الصلاح وتداولوا في الأمر. فقال واحد، يؤنب السيّئ ويقصى. وقال الثاني، بل يقتل غيلة ونـمشي في جنازته، إذ يكون قد سقط في سبيل الواجب. وقال الثالث، بل يرسل إليه واحد يراه في الطريق وحده فيدعوه لـمقابلة أحد الـمسؤوليـن في الـحال ولا يترك له مجالاً للاتصال بأحد، وعند مجيئه يقبض عليه وينقل سراً في الليل إلى مكان معيّـن، ويكون فاقد الوعي فيصحو ليجد هيئة محكمة مهيبة جالسة لتحاكمه، فتوجه إليه تهمة خيانة الـجماعة وإيقاعها في يد شركات الفساد وإعطائها جميع معلومات الـحركة، فإذا أنكر يحرج مركزه بالسؤالات ثم يعذب حتى يعترف بكل شيء، وحينئذٍ تـحكم عليه الـمحكمة بالإعدام فيقتل رمياً بالـمسدس وتخفى جثته في مكان لا يـمكن الاهتداء إليه. وكان وجه أحد الثلاثة يشبه وجه القائم في الساحل الشمالي، ووجه الثاني كوجه رئيس الدائرة التنفيذية في الـمكتب الـمختص، ووجه الثالث وديعاً. وفيما الثلاثة لا يزالون يقلبون الـمسألة والقائلان بالعقاب الأقصى يشددان بوجوب قطع دابر الشر من جماعة الصلاح على الـخصوص، وأنّ الإجراءات الضعيفة الناقصة لا تفيد شيئاً، استفقت من حلمي، وقد فكرت كثيراً في هذه الرؤيا الغريبة وما هي علاقتها بالـحوادث الـجارية. فما رأيك وما رأي الثلاثة في هذه الـمسألة أو هذا اللغز؟ ولـماذا يجب أن أرى هذا الـحلم الآن؟ وأنا أعتقد أنّ الـمسألة تافهة فولع سيجارة بهذه الورقة!