كانت مرحلة الانتخابات الأخيرة محكاً للأخلاق الـحزبية وامتحاناً للأحزاب الناشئة في وطننا.
ومن بين جميع الأحزاب التي توالدت على أثر ظهور الـحزب السوري القومي، نـجد أنّ هذا الـحزب كان الوحيد الذي اتخذ موقفاً سياسياً عاماً تقيدت به جميع فروعه على طول الـخط.
وقد ظهر من هذا التقيد أنّ الـحزب قد انتصر انتصاراً نهائياً على العنعنات الشخصية والـحزازات الـمحلية، وولد شعوراً بالـمسؤولية العامة قوياً، وطبّق أعمال التربية السياسية التي شرع بها [منذ] بدء نشوئه تطبيقاً عاماً. وتـمكن بهذا التطبيق العملي من إجراء الاختبار العام الأول لنظام صفوفه ومتانة عقيدة أعضائه. فكانت النتيجة ما حدّث به أحد أركان عمدة إذاعة هذا الـحزب مخبرنا السياسي ونشرته النهضة في عدد أمس.
إعترف أحد أركان إذاعة الـحزب السوري القومي بأن الـحزب قد سجل في عملية الانتخابات مئتي حادثة خروج على النظام، بعضها عائد إلى بعض الشيوعيين الذين تـمكنوا في فترة الاضطرابات التي تعرّض لها الـحزب من الاندساس في صفوفه. والبعض الآخر عائد إلى الضعف الشخصي في الأعضاء الـمارقين. فبعض هؤلاء تعرضوا لتأثير أشخاص ذوي مصلحة وبعضهم انقاد إلى الاعتبارات العائلية والبعض الآخر طغت عليه النفعية في هذه الظروف الـمغرية.
إنّ ما صرح به أحد موظفي عمدة الإذاعة في الـحزب السوري القومي يفوق كثيراً الـمعلومات التي تسربت إلى الرأي العام عن حوادث عدم التقيد بتعليمات الـحزب، وهذا التصريح يجعلنا نقدّر كل التقدير الثقة الكبيرة التي لهذا الـحزب بـمبادئه ونظامه ووحدته السياسية. وهو دليل على أنّ هذه الـحوادث لا تؤثر في مجموعه أي تأثير سيّىء.
والذي نراه من تصرف هذا الـحزب أنه واثق كل الثقة من نـجاح قضيته القومية ومساعيه. فالإجراءات التي اتخذها في عدة مواقف، برهنت عن اتـجاه صحيح، وأدت إلى انتصار الـمبدأ الـمجموعي على الـمبدأ الفردي. وإذا كان هذا الانتصار ليس تاماً مئة بالـمئة من الوجهة العددية فهو تام مئة بالـمئة من وجهة الكيان الـحزبي والشخصية الـحزبية.
إنّ الذين لـمّا يُصهروا في مبادىء الـمصلحة القومية، التي يقول بها الـحزب السوري القومي، ولم يتمكنوا من إذابة شخصياتهم الفردية في شخصية الـحزب العامة، ولم يتمكنوا من التغلب على إغراء الـمنفعة الفردية الـمستعجلة، لم يتمكنوا من اكتساب صفة السوري القومي الصحيحة. وعدم اكتسابهم هذه الصفة تـجعلهم عديـمي التأثير على حياة الـحزب وأفراده الذين ارتقى إحساسهم ووجدانهم حتى أنهم أصبحوا سريعي التمييز بين من يـمكنهم أن يركنوا إليهم ومن يجب أن يشكّوا بكمال حزبيتهم ومتانة عقيدتهم، ولهذا السبب نـجد أنّ جميع حوادث الطرد والانسحاب من الـحزب السوري القومي لم تتمكن من إيجاد صدع واحد في صفوف الـحزب الـمتراصة الـمتينة. أما الذين حاولوا أن يوجدوا لأنفسهم قضايا شخصية ضمن الـحزب، فقد كان انتصار الـحزب على محاولاتهم انتصاراً باهراً، مع أنهم حاولوا أن يلبسوا أغراضهم الـخاصة لباساً براقاً من الـمبادىء والـمصالح العامة.
أما انصياع أعضاء الـحزب لأوامر الـمركز في الـمواقف السياسية، مع أنّ هذه الأوامر كانت في كثير من الأحيان معاكسة لبعض الرغبات الـخاصة الـمتولدة من روح البيئة ومنافع الظروف فنجاح للأمة يجب أن يُسجَّل للحزب السوري القومي بـمداد الفخر. فقد انتصر الـحزب بهذا الـموقف على الـميعان الذي كان صفة عامة في الأمة وأوجد للإرادة العامة حرمتها في ضمير كل فرد من أفراده.
أما الأحزاب الأخرى فإنها ما كادت تقترب من الامتحان حتى شعرت بفقدها الـمزايا الـحزبية والـمبادىء الـمؤلفة القلوب وفقدها الإرادة العامة. ولذلك فضلت أن تترك لأعضائها حرية اتـجاهاتهم فما أمكنها أن تقف موقفاً حزبياً عاماً.
كثير من الناس دخلوا الـحزب السوري القومي أو اتصلوا به ليسخّروه لأغراضهم. ولكن البعض منهم اصطدموا بصلابة الـحزب ومتانة إدارته فانخذلوا ورجعوا على أعقابهم خائبين. والبعض الآخر كان في نفسه بقية طيبة من الكرامة الشخصية فسحرته مبادىء الـحزب ونظامه ووجد فيه حياة أمله القومي فصار سورياً قومياً متين العقيدة شديد الإخلاص لـحزبه وقطع صلته بالرغبات والـمنافع الـخصوصية.
وقد أوجد الـحزب السوري القومي الأخلاق القومية الصحيحة والأخلاق الـحزبية الصحيحة. والفرق بينه وبين الأحزاب التي حاولت تقليده أنه نظام حياة اجتماعية سياسية واحدة. أما الأحزاب الأخرى فركام تتجمع وتندثر.