طالع قراء سورية الـجديدة في الصفحة الأولى من العدد التاسع والعشرين، صورة الكتاب الذي أرسله السيد بهيج الـخطيب بصفته رئيس مجلس الـمديرين في الدولة الشامية، التي تقلصت حتى عادت إلى تلك الصورة الكاريكاتورية التي كانت لدولة دمشق على عهد السيّىء الذكر حقي بك العظم[1]، إلى بهيج الـخطيب بصفته مدير الداخلية في هذه الدولة الزرية. وطالعوا التعليق الذي كتبه مراسلنا في دمشق على الكتاب الـمذكور.
وإذا كان القرّاء قد نسوا هذا الكتاب أو مضمونه فلا بد لنا من تذكيرهم به. فهو يطلب تأليف لـجنة برئاسة محافظ مدينة دمشق، تـجمع التبرعات من الشعب لإيواء السوريين، الذين تخلت عنهم حكومة »الكتلة الوطنية« وعن حقوقهم في لواء الإسكندرونة لقاء »وعد« من فرنسة بتقرير معاهدة مع دولة الشام، والذين اضطروا، بعد تقرير مصير لواء الإسكندرونة بالقوة من قبل الدولتين الفرنسية والتركية، إلى مغادرة اللواء وترك أملاكهم فيه هرباً من الضغط التركي والتوغل في داخلية سورية وهم هؤلاء السوريون الذين يسميهم بهيج الـخطيب العامل لـحساب فرنسة »لاجئين«.
ذكرنـا هذا الكتاب وأسلوبه وعبارته والغرض من وضعه بالتدابير الـماضية التي قـامت بها عناصر »الكتلة الوطنية« ورجالاتها والدكتور [عبدالرحمن] شهبندر[2] وجماعته ولا تختلف بطبيعتها في شيء، عن طبيعة هذا التدبير الذي يقوم به بهيج الـخطيب من أجل سوريي لواء الإسكندرونة ومصيرهم. فلقد اهتم رجال »الكتلة الوطنية« بجمع التبرعات لـمساعدة سكان لواء الإسكندرونة واهتم الدكتور شهبندر أيضاً بجمع التبرعات لهؤلاء السكان. وكان هذا العمل كل ما اهتمت هذه العناصر بالقيام به. ثم أسدل الستار على هذه »الـمشاريع الوطنية« العظيمة فلا عرف الشعب شيئاً راهناً عن كميات التبرعات التي جمعت ولا عن نوع الـمساعدة التي قدمت لسكان لواء الإسكندرونة ولا عن النتائج الراهنة التي حصلت من هذه »الـمساعدة«.
متى نظرنا في عمل بهيج الـخطيب وأعمال الدكتور شهبندر وجماعته وأعمال جماعة »الكتلة الوطنية«، تبيّن لنا أنها من نوع واحد، وأنها تسير على أسلوب واحد وفاقاً لنفسية واحدة. ولا يختلف هؤلاء الكتليون والشهبندريون عن بهيج الـخطيب إلا بأنهم ينادون بالوطنية وبـمحاربة الفرنسيين »على عقال« وبأن بهيج الـخطيب لم يحلف بالله على محاربة الفرنسيين على عقال وأنه لا ينادي بالوطنية وأنه وقح إلى حد لا يحتاج عنده إلى وضع براقع من هذه »الوطنية« على وجهه.
كم هو الفرق عظيماً بين هذه »الأعمال« والأعمال التي قام بها الـحزب السوري القومي في سبيل لواء الإسكندرونة وسكانه، فلقد اهتم الـحزب السوري القومي بالـمحافظة على سلامة وحدة الوطن السوري وبالإبقاء على لواء الإسكندرونة ضمن حدود الوطن، وبـمنع وقوع ما وقع مـما آل إلى تشريد السوريين من هذا اللواء الغني، الذي كان يجب بذل الغالي والرخيص في سبيل الاحتفاظ به. فهو عبارة عن أراضي من أخصب الأراضي الزراعية وفيه سهل بالقرب من إنطاكية يعرف بسهل العمق إذا جفف بالطرق العصرية تـحول إلى أهراء تكفي جميع سكان سورية الطبيعية. لم يتمكن الـحزب السوري القومي من تنفيذ خطته لأنه وجد نفسه تـجاه معارضة الدولة الـمنتدبة ومعارضة »الكتلة الوطنية« ومعارضة الشهبندريين وكل هؤلاء الأخيرين وقفوا موقف الـمعارضة هذا متسترين بستائر من الوطنية الزائفة مؤولين الـحقائق للشعب الذي انخدع بهم في وقت غفلته حين لم يكن قد ظهر الـحزب السوري القومي ولم تكن قد انتشرت تعاليمه.
ومهما يكن من شيء، فالفرق ظاهر لكل مبصر فاهم بين نوع اهتمام الـحزب السوري القومي بـمسألة لواء الإسكندرونة وهو اهتمام من يعرف ما يريد ويقف لـحماية حقه الأساسي، غير مستعد لقبول ما تقرره الإرادات الأجنبية، ونوع اهتمام هؤلاء »الوطنيين« الذين ربيت نفوسهم على قبول كل أمر واقع وتكييف أنفسهم لكل حالة، فيهتمون بترقيع كل حالة سيئة يجرّ البلاد إليها هذا الوهن الـمعنوي وهذا الفساد الروحي الذي أنشأ نفسية لا تثبت لأمر صعب ولا تـجابه أمراً يتطلب عزيـمة صادقة ونفسية قوية الـمعنوية سامية الـمناقب.
العمل على ترقيع الـحالات والتكيف بـما ينطبق على كل أمر واقع هو »العمل الوطني« العظيم الذي تفهمه نفسية أغرقت في مثالب النفسية الشرقية. نفسية الكتل والتحزبات. أما النفسية السورية القومية فتريد شيئاً غير الترقيع وتعمل لتنفيذ إرادتها بكل عزيـمة صادقة. إنها تريد ما يليق بـمقامها وما تراه مثالاً أعلى لها، فتسعى لتحقيقه وتبذل كل مرتخص وغال في سبيل تـحقيقه، فلا تكل ولا تني ولا تقبل حلاً وسطاً، فإما بلوغ الغاية وإما لا شيء من هذه الـحالات الـمتهرِّئَة التي يفضلها الـموت.
الـحركة السورية القومية تهتم بتحقيق وحدة الأمة وتـجنيد رجالها وتدريبهم وبحماية الـمصالح السورية القومية وتنميتها والدفاع عن سلامة وحدة الوطن وإعداد العدة لإعادة ما سلبته الإرادات الأجنبية من أراضيه. وهي تترك »للوطنيين« وغير الوطنيين جمع التبرعات لترقيع حالة يائسة والتصرف بهذه التبرعات.
النفسية السورية القومية هي نفسية الانتصار. أما النفسية اللاقومية فهي نفسية التوفيق بين الـمجد والذل وبئس التوفيق!
[1] حقي العظم (1865-1955) سياسي سوري، كان حاكماً على دولة دمشق من 1920-1922 ثم رئيساً للحكومة السورية بين 1932 و1934. تولى رئاسة مجلس الشورى ثلاث مرات آخرها من عام 1934 وحتى 1938 حين تقاعد
[2] طبيب وسياسي وكاتب سوري. ساهم مساهمة كبيرة في الثورة السورية الكبرى. ولد عام 1879 واغتيل عام 1940. جمع مقالاته في كتاب بعنوان «القضايا العربية الكبرى» وكتاب مذكرات الشهبندر.ساهم مع الكتلة الوطنية هو وجماعته في جمع التبرعات التي لم يعرف ماذا أفادت ولا ما حل بها. وكما الكتلة الوطنية لم يقم بأي عمل يفيد مسألة الإسكندرونة.