من الـحقائق الـمثبتة في الـمقالات السابقة يتضح جلياً كيف ذهبت الدماء السورية التي سفكت في سبيل وحدة الأمة واستقلالها هدراً.
آلاف القتلى الذين سقطوا في الـمعارك، ومئات البيوت التي تهدمت في دمشق وغيرها إبّان القتال، وكثير من التضحيات الغالية التي قدمها الشعب. كل هذه الـمجهودات العظيمة النبيلة الدالة على طيب عنصر الأمة، تصبح الآن شيئاً هزيلاً حقيراً لا يساوي أكثر من ابتسامة باردة يفترّ عنها ثغر كتلوي متأنق جالس في كرسي الـحكم أو الإدارة!
ما أخزى هذه النتيجة يوصل الكتلويون الأمة إليها بعد جهاد نحو عشرين سنة!
كـان الكتلويون يتوقعون أن يتمكنوا دائماً من ضبط الصحافة وكتمان هذه الـحقيقة الـمخجلة الـمثيرة عن الشعب. فلما رأوا أنّ الصحافة لم تعد كلها مأجورة وأنّ هنالك جرائد كـ النهضة تخدم القضية القومية بنزاهة وتـجرّد وفاقاً لقاعدة أساسية ومبادىء صريحة لا تتملق ولا تـحابي، أسقط في أيديهم ومنوا بخيبة شديدة، وعمدوا إلى آخر سلاح لهم هو سلاح الفصل التام بين لبنان والشام. فبعد أن ابتدأوا بفرض الضرائب على البضائع اللبنانية أصدروا قراراً يـمنعون به جريدة النهضة من دخول منطقة الشام، ظانين أنهم بهذه الوسيلة يحولون بين الشعب والـحقيقة وبين النهضة والشعب. ولكن النهضة تدخل وستظل تدخل مناطق الشام، لأن القوة التي تسيّر النهضة هي غير ما عهد الكتلويون!
تبيّن جلياً أنّ الكتلويين قد تـحوّلوا إلى مجرّد آلات صماء تـحركهم الـمطامع الأجنبية. فهم في موقفهم الـمزري قد وضعوا الأمة إلى درك ملؤه الهوان، إذ لم يعد لها كلمة مسموعة أو حرمة تـجاه الغرباء. ولذلك أصبحوا يخشون جداً استيقاظ الأمة وتنبهها للحالة السيئة التي أوصلوها إليها.
على أنـه مهما كانت الوسائل التي يتخذها الكتلويون لذرّ الرماد في العيون فالضغط ليس إلا دليلاً على وجود تيار يخشونه وقوة يرهبونها. ومتى كان الأمر كذلك فجميع التدابير ليست سوى مسكّنات موقتة، لأن كل إدارة تقوم على مبدأ أنّ الـحكم غاية لا وسيلة إدارة تـحمل سمّها في ترياقها.
والـحقيقة أنّ الـحكم لرجال »الكتلة الوطنية« لا يـمكن أن يكون غير غاية، لأنه إذا كان وسيلة فما هي الغاية التي يريد حكم الكتلة بلوغها؟
إنّ كل حكومة يـمكنها أن تدّعي أنها موجودة لـخدمة خير الشعب وترقية أحواله. ولكن مثل هذه الكلمات الـمطاطة لا تعني شيئاً. وقد بلغنا من مصدر موثوق أنّ رئيس الوزارة الشامية السيد جميل مردم نفسه أعلن للزعيم في مقابلة جرت بينهما الصيف الـماضي في صوفر، بـمناسبة اجتماع الـمصالح الـمشتركة على مسمع رهط من أعضاء الـحزب القومي والأصدقاء، أنّ »الكتلة الوطنية« لم تضع أي برنامج اجتماعي - اقتصـادي - سياسي وأنه إذا كانت لها مهمة فهي في نظره »قد انتهت« بالـمعاهدة. فإذا كانت »الكتلة الوطنية« ليست بذات برنامج يعالج مشاكل الأمة الداخلية والـخارجية ويدل نصه على فهمه لهذه الـمشاكل والقضايا، فما هي النتيجة التي يـمكن أن ينتظرها الشعب من حكم الكتلة؟
يقال إنّ »الكتلـة الوطنية« تقصد أن تضع مبادىء وبرنامجاً. ونحن نقول إنّ مَنْ لا قضية واضحة له ولا هدف يقصد إليه ولا مبادىء عرف بها لا يـمكنه أن يوجد مبادىء ويعيّن برنامجاً وإذا فعل ما ظاهره يدل على شيء من ذلك كان من نوع هذه الستائر الـملونة التي توضع لتبهر الأعين وتخفي الـحقيقة الـمؤلـمة القائمة وراءها!
إنّ الشعب قد تنبه والقضية القومية تـمتد وتقوى. ومهما طال أمر الذين يعملون لغاية الـحكم فهو لن يطول كثيراً.