في الأوقات العصيبة التي تـحيط بأمة من الأمـم، خصوصاً متى كانت هذه الأمة في بدء تكوين حياتها السياسية، تتجه أنظار الـمخلصين لـحياة الأمة وتقدمها ومطالبها العليا نحو الـحاجة الأولية التي هي حاجة جمع كلمة الأمة، وجعل الوحدة القومية النقطة الابتدائية لكل عمل. فالوحدة القومية هي جوهر حياة الأمة والضمان الأساسي لبقاء شخصيتها وحيويتها.
والأمـة السوريـة اليـوم هي في وقـت من هـذه الأوقات العصيبة فهي تـحاول النهوض وسيف ديـمقليس معلق فوق رأسها بخيط عنكبوت لا يدري أحد متى ينقطع ويهوي السيف عليها.
في هذا الـوقت العصيب والدعاوات الأجنبية من كل جهة ولون تتغلغل في أوساط الشعب والـحاجة إلى العقيدة القومية التي تصد هذه الدعاوات وتـحافظ على شخصية الأمة وروحيتها تزيد وتتعاظم، تسلّم الكتلويون الإقطاعيون الـحكم في الشام وتسلّم الإقطاعيون والرأسماليون الـحكم في لبنان. وسياسة واحدة سيطرت على هذه الطبقة الإقطاعية - الرأسمالية الـحاكمة هي سياسة الـخضوع لأغراض الرأسمال الأجنبي وتـمكين الأجانب الطامعين من موارد البلاد وثروة الشعب، لقاء عمولة يتلقونها من أجل هذه الـخدمة.
في هـذا الـوقت ظهـر الـحزب السوري القومي من صميم الأمة حاملاً لها عقيدتها القومية الـممثلة نفسية الأمة التي أصبحت مركز الـجاذبية والبرج الـحصين الذي لا يـمكن الدعاوات الأجنبية، أيان كان مصدرها ومهما كان نوعها، أن تقتحمه أو أن تستولي عليه. فانتعشت آمال الأمة ولاح فجر نهضتها فهلع قلب الرأسمال الأجنبي، وقلقت الدول الطامعة التي رأت في الـحزب السوري القومي قوة العقيدة ومتانة النظام، وأدركت أنّ حال الأمة السورية قد تغيرت بفضل هذا الـحزب ومقدرة رجاله الـموهوبين. وفي الوقت عينه هلعت قلوب الكتلويين الاستغلاليين الذين رفعوا بتبجحهم الوطنية التي هي أول واجب لكل فرد من أفراد الـمجتمع السوري إلى مرتبة امتياز سياسي يضجّون به ويصخبون. فقامت الدعاوات الأجنبيـة تـحارب الـحزب السـوري القومي مباشرة وبواسطة عملائها، وقامت »الكتلة الوطنيـة« تنتصـر للدعـاوات الأجنبيـة والأغراض الأجنبيـة التي يظهر أنها قد اتفقـت معها على حسـاب الأمة.
طال تبجح الكتلويين بـ »العهد الـجديد« الذي هو عهدهم السيِّىء الطالع. أما الشعب فقد أصيب بخيبة أمل عظيمة، ذلك أنه كان للشعب قبل تسلّم »الوطنيين« زمام الـحكم أمل بالوطنيين وبحكمهم الذي رجا أن ينقذه من الهوان الذي حلَّ به ومن الـجور الاقتصادي الذي سد عليه سبل التقدم. فلما تسلم الكتلويون الـحكم وباشروا عهد »الاستقلال« إذا بالأمور تصير من سيِّىء إلى أسوأ.
تبيّن للشعب جلياً في »عهد الكتلة« أنّ الـحكم هو غاية لا وسيلة. وتبيّن له أيضاً أنّ الكتلة، منذ صارت حاكمة أصبحت عدوة العقيدة القومية وعدوة القضية القومية وعدوة الـحزب القومي الذي قام يوحد الأمة في مبادىء لها كل مـمكنات التوحيد.
وتبيـّن للشعـب أيضاً أنّ الـمصالـح الأجنبيـة أصبحـت بعد الـمعاهـدة الكتلويـة أقوى مـما كانت عليه قبلها. فالكتلة قد عملت بالإرادات الأجنبية ونزلت عند رغبتها وأصبحت هي تعمل على تـجزئة الأمة والوطن بعد أن كانت تدّعي أنها تريد وحدتهما. وهي قبلت الطغيان التركي في الإسكندرونة وعملت بسياسة تفريق الشعب شيعاً متخاصمة حتى يظل حكمها قوياً في حين أنّ الأمة تصبح ضعيفة لا قِبَل لها بالوقوف ضد التيارات الأجنبية العاملة على قتل معنوياتها.
أصبحت »الكتلة الوطنية« أجنبية أكثر من الأجانب وصارت قضية الأمة عندها قضية مساومات على مصالح خصوصية، حتى أنها أصبحت أشد عداوة للنهضة القومية من أية دولة أجنبية طامعة.
هكذا تـمد الكتلة يدها إلى الأتراك الـمهاجمين الطاغين على حدودنا. هكذا تضع الكتلة حد السيف بين الشام ولبنان بعد أن كانت تقلق راحة الأرض والسماء بأنها تريد الوحدة السورية. هكذا تفرق الكتلة الشعب وتقضي على التطور الفكري السياسي، هكذا تقتل »الكتلة الوطنية« معنويات الأمة.
بعد أن تقف، أيها القارىء العزيز، على هذه الـحقيقة الأليمة تسائل نفسك، كما نسائل نحن أنفسنا:
مـا هـو الفـرق بين »الكتلة الوطنية« والأجانب العاملين على تـمزيق شمل الأمة وقتل معنوياتها؟