إلى الرفيق يعقوب ناصيف
خوخوي
أيها الرفيق العزيز،
لم تـمنعني كثرة الأعمال من الكتابة إليك، بل كثرة الـمشاكل والهموم التي ولّدها لي من وقفت نفسي على محبتهم في الـحق. وإنك قد سمعت أخباراً غريبة عن توكومان وحوادثها، منذ [مدة] والآن كن مستعداً لتسمع ما هو أغرب بكثير من كل ما تقدم.
إنّ الـمدعو إبراهيم الكردي قد خسرني بجهله وتشبثه بالانتفاع مني بطريقة لا صلة لها بالـحق، ولكنه لم يسرقني ولم يقدر على الاحتيال عليّ، ويـمكن الظن أنه لم يكن يقصد إلا التشبّث بحالة معاشية. ولكن من سرقني واحتال عليّ وخسّرني رأسمالي وأتعابي وأتعاب زوجتي مدة سبعة أشهر لم يكن أحداً غير من نعتُّه، تنشيطاً له ورفعاً لـمنزلته، «بالكاتب القومي الكبير» جبران مسوح.
دخل الـمذكور شريكاً معي بعمله فقط، وأنا صاحب الرأسمال، ومع ذلك جعلته مساوياً لنفسي في استعمال إسم الشركة والتصرف في شؤون الـمحل، وقام على الـمستعرض (الـمسترادور) وعلى صندوق الـمبيع، وجعل محل إقامته داخل الـمحل، وكان متسلماً الـمفاتيح. فاحتال أولاً وأخذ مالاً من الصندوق ووضعه في الـمصرف باسمه الـخاص، وكذب عليّ في عدة مسائل، وحالـما عادت زوجتي من بوينُس آيرس باشرت، على الرغم منه، إجراء تقويـم للمحل فوجدت أنّ الرأسمال وكل الأرباح مفقودة!!
تـجاه هذه الـحالة الفظيعة عرض عليَّ الـمدعو جبران مسوح أحد وجهيـن لـحل الـمسألة: إما أن آخذ الـمحل بخسائره، وإما أن آخذ بضاعة بـما يوازي مالي على الـمحل، وأخسر أتعابي وأتعاب زوجتي وكل الـجهد في تأسيس الـمحل وتعريفه وإيجاد زبائن له. قلت له إني أفضّل البقاء في الـمحل ولكن يشاركني بنصف الـخسائر أو شيء منها، على الأقل، فرفض بتاتاً!
الـمال الذي سرقه ليكوِّن رأسمالاً يكاد يكون مؤكداً أنه في يد الـمدعوة نبيهة الشيخ أنطكلي التي يذاع في كل توكومان أنها خليلته وأنه ما ترك زوجته إلا ليتعلق بها!
إنّ جبران مسوح اليوم في حالة ثورة شهوات وجهل غريب فادح، وقد أصدرت مرسوماً بتجريده من جميع الـحقوق الـمدنية والسياسية، فيجب على جميع السورييـن القومييـن العامليـن لتأييد الـمبادىء والـمناقب الشريفة الـمتميزة بها نهضتنا الإعراض بالكلية عن ذاك الـخائن الغادر، الذي كان أكبر واسطة وسبب في ترغيبي «باختراع» الكردي و«شخصيته»، ثم صار أكبر مزاحم للكردي على الاحتيال عليّ والغدر بي.
كل هذا الإجرام العظيم الذي ارتكبه الـمدعو جبران مسوح هو جزائي وجزاء زوجتي منه على ما قمنا به نحوه من إكرام وتعزيز، وعلى إنقاذنا حياته من الـموت. هكذا يعرف الوفاء هذا الـمرائي الذي جعل همه الإصغاء إلى أحاديثي ليأخذ أفكاري ويكتبها للناس كأنها أفكاره، وكان آخر ما كتبه من هذا القبيل «صلاة الإنكليزي»() التي هي خلاصة حديث تشريحي أدليت به إليه في صدد نفسية الإنكليز وكيفية نظرهم إلى العالم وشؤونه. وإلا فجبران مسوح عاجز جداً بنفسه عن الوصول بتفكيره الـخاص إلى النظرة التي ظهرت في «الصلاة» الـمذكورة. وهو يدرك ذلك وتبريراً لنفسه قال لي، بينما هو يسرقني، «إنّ كل الأفكار في هذه «الصلاة» هي منك وليس لي فيها إلا أسلوبي»، هو قال لي ذلك ولكنه لم يقله للناس!
ماذا تريد، أيها الرفيق العزيز، أن يكون موضعاً للتصديق والثقة عندي بعدما أنزله بي جبران مسوح. وإذا كان هذا الشخص، الذي أقلق راحة الأرض والسماء تبجحاً «بالشرف والضمير والـحق والعدل» التي يصفها كلمات جذابة لـحياز القبول عند القُراء وليس عن معرفة بشيء منها، يفعل بي هكذا ويكون هذا جزاء إنقاذه من الـموت والعطف عليه والإكرام، فماذا يجب أن أنتظر بعد؟
إنّ انكشاف حقيقة هذا النذل الغادر كان ضرورياً جداً، فليذهب إلى الهاوية التي لا يستحق سواها.
ليعلم الرفقاء الغيورون في خوخوي هذه الـحقيقة الـمرّة والعبرة الـمؤلمة، والآن أقول كلمة في صدد ما أرسلته إليّ في كتابك الأخير: إني لا أرى فائدة في معالـجة العراك السياسي والاجتماعي بالقصائـد. وأوافق على رأيـك بتناول الـمدعو خالد أديب الذي أرجّح أنه هو صاحب تلك الشتائم والتهجمات التي انتقدتها أنت في مقالاتك الأخيرة ونسبتها إلى الـمدعو سيف الدين رحال. فعد إليه وإلى أمثاله بـما في نفسك. إنّ موقفك من مسألة «تبرعات» الرفقاء هو موقف جميل سامٍ وفيه رفع للمعنويات. فالنظر إلى الواجب بهذه النظرة العالية يجعل النفوس أقوى وأسمى مـما كانت عليه.
سلامي القومي لك وللرفقاء في خوخوي. ولتحيى سورية.
بعد: إنّ النتائج التي توصلت إليها في ما أشرحه في هذا الكتاب مبنية على حقائق، وإنّ الـمحل كان يصرّف بضائع ويربح أرباحاً معتدلة لا تسمح بهذه الـخسائر، ولا بأية خسارة على الإطلاق، ثم ظهر مؤخراً تلاعب بالدفاتر وإخفاء فواتير وغير ذلك!