إلى الرفيق الـمجاهد نعمان ضو
كوسيته - سان خوان
رفيقي العزيز،
سررت كثيراً بكتابك الأخير الـمؤرخ في 14 أغسطس/آب الـماضي، وكذلك سررت بـمقالك(1) في الزوبعة.
إنّ هوشة الهائشيـن للكردي قد اضمحلت والكلاب والثعالب قد تفرقت، ولكن بقيت أفاعٍ تـحت القش والتبـن.
من الأفاعي التي ظهر أنها من أخبث الأنواع وشرّها الـمدعو كامل عواد. هذا الشخص ارتكب في الـماضي، حين كان لا يزال «رفيقاً»، أغلاطاً ونقائص إدارية وروحية كبيرة، ولـمّا حاسبته عليها أظهر مكابرة وعناداً وأخذ يدسّ بيـن الرفقاء ضد الزعيم، وهو مسؤول، إلى حدّ بعيد، عن إفساد روحية إبن الرفيق جبران مسوح وعن تشجيع زوجة الرفيق جبران ضده. وانتهى أمر ذاك الشخص بالـحنث بيمينه وطلب «الانسحاب من النظام»، وقصد بذلك أن يخرج من الـمسؤولية والنظام ويُبقي معه صفة «الرفيق» ذي العقيدة ويتمتع بامتيازاتها وحقوقها مهملاً متطلباتها وواجباتها.
وقد تناولت الزوبعة بعض دسائسه من غير أن تذكر اسمه، فهو صاحب ذلك القول الـخسيس الذي جعلته الزوبعة عنوان أحد دروسها، وهو «دفعنا وما شفنا شي» (أنظر ج 6 ص 387).
هذا الشخص لـجأ أخيراً إلى النفاق. فلما جئت توكومان في نوفمبر/تشرين الثاني الـماضي والـحزب فيها يكثر عدده وترتفع معنوياته، جاء الـمدعو كامل عواد يزورني ويسلّم عليّ، ثم يدعوني إلى نزهة في ضاحية قريبة في الـجبل. ولكن لـمّا عدت الـمرّة الثانية في ديسمبر/كانون الأول وحصل تقدير لبقائي هنا لأبدأ صناعة، تلكأ الرجل فصار يكتفي بتحيتي في الشارع فقط. ولـمّا قدمت بعائلتي وأخذت منزلاً لم يأتِ للسلام أو للتهنئة.
وكان بلغني في سفرتي الأولى من الـمدعو حنا شمّا أنّ كامل عواد قال له إنّ الزعيم «أخذ من عنده مسدساً كان تركه في إحدى الغرف حين كان الزعيم ضيفه سنة 1939 ولم يردّه»!! وعندما جرى حادث الأثيم [إبراهيم] الكردي وشاع الـخبر في المدينة، بواسطة الكردي نفسه، أنّ الشرطة تستدعيني للتحقيق، وتضخم هذا الـخبر كثيراً، صار كامل عواد وأخوه الذي مات بعد ذلك بنحو ثلاثة أسابيع فقط يـمرّان قصداً أمام مركز الشرطة باعتزاز وشماتة!! ثم أرسل هذا الناقص الـمدعو حنا شمّا ليعرض عليّ استعداده «للدخول في الصلح بيني وبين الكردي»!!
لم يطل الأمر على حادث الكردي، فما هي إلا أيام قلائل حتى أصيب أخوه الـمدعو ميخائيل بانفجار مرارته وأرسلوه إلى كوردبة برفقة طبيب. ولكن لم يـمنع الـموت عنه علاج. ولـما حانت منيّته وأشرف على الهلاك صار يقول لأخيه عيسى، الذي كان قربه، «إشتريني، يا أخي، بيعوا كل شيء واشتروني»! وميخائيل الـمذكور كان خائناً وعديـم الشرف، فهو أقبل على الـحزب مع الـمقبليـن سنة 1939 وتقدّم بطلب الدخول. ولكنه حلف اليميـن في الصباح ونقضها في الـمساء.
لم يثبت يوماً كاملاً! وفيما بعد وقف الرفيق جبران مسوح معه مرة في محله وأخوته وأخذ يذكّره بالوطن والشرف والكرامة القومية، فأجابه مشيراً إلى بضاعة الـمحل: «شوف، يا جبران، هادا الوطن وهادا الشرف وهادا العز»!!
عندما مات هذا النذل وجلبوا جثته إلى توكومان وأقيم له مأتـم على نسبة ماله، لم أكترث ولم أحضر عزاء ولا دفناً. والرفيق مسوح وقف هذا الـموقف أيضاً. وبلغت الـحماقـة بكامل عواد أن يتوقع حضوري لإعطاء الـميت قدراً لا يستحقه ولتعزيته، ولإعطاء البضاعة والـمال الأهمية التي يعطيها الذين خلوا من كل شيء آخر. فلما ساء فأله انفجر به حقده.
فقصد مرشد دلّول وأخذ يدسّ عنده تلفيق «سرقتي» مسدسه من بيته. ورأى الرفيق قلبقجي فطلب محادثته وقال له «الزعيم استعار من مدة مسدساً ولم يرجعه إليّ فإني أطلبه الآن.» وجاء إليّ الرفيق قلبقجي بهذا الطلب فأفهمته ما يقصد النذل بهذا القول الكبير والكذب العظيم، وهو أن يطعن في شخصية الزعيم عند القومييـن الثابتيـن، منتهزاً فرصة إشاعات حادث الكردي ليرمي صنّارته في الـماء العكر. قلت لأحمد فوزي:
أتظن أنت أني فعلاً استعرت مسدساً من كامل عواد أو من غيره؟ إسأله، متى كانت استعارتي ولأي سبب؟ فإنّ من يستعير شيئاً تكون له حاجة به، فما كانت حاجتي إلى مسدس عواد؟ ثم زدت:
قل لذاك الكذاب إنّ كل ما أملك هو من فيئه وكل ما فوقي وما تحتي هو مستعار منه، فأنا مستعد أن أعطيه كل ما عندي ولكن لي شرط واحد: يوجد عند كامل عواد نسخة من مؤلفي نشوء الأمـم وفي أول الكتاب ورقة عليها توقيع بخطي فأنا أريد هذه الورقة فقط. فحمل كلامي إليه فقال النذل:
«الكتاب هدية من الزعيم كاتب لي بخطه عليه» فقال له أحمد: إنه لا يطلب الكتاب بل الورقة التي عليها توقيعه فقط. أخيراً أذعن الـماكر وسلّم النسخة الـمذكورة ورددت إليه مسدساً كان رجاني أن أقبله هدية منه، بعد أن تـمنّعت أولاً ذاكراً أني لم أشعر قط بحاجة إلى حماية نفسي بـمسدس أو بحمل مسدس.
أي عمل أحط، أعَمَل الكردي الأثيم أم عمل كامل عواد اللئيم؟
إنّ الـحق يعلو ولم تتمكن الأفعال الشائنة الصادرة عن نفوس مليئة بالـمثالب من حجب شمس الـحقيقة. والـمعنويات ترتفع في توكومان من جديد، وذوو النفوس الضعيفة التي استرسلت في تيار الإفساد يطلبون الآن العودة ويحومون، ومنهم مرشد دلول الذي أدرك أنه قد عاد إلى انزوائه وخموله بتخلّيه عن واجب الشرف ومقتضيات النظام.
والآن شيء عن التجارة. في كتابك الأخير تذكر لي مثابرتك على الاهتمام بأعمالي التجارية وتطلب مساطر. إنّ بضاعة أصحاب الـمطابع معروفة وهي غلافات وأوراق كتب وأوراق فواتير وما يسمونه Papel oboa, papel tapa وأسعار هذه الأشياء هي بالنسبة إلى كمياتها. فالسعر بالكدسة resma شيء وبالـمئة ورقة شيء آخر. فما هي البضاعة التي يطلبها من حادثتهم، وهل هم أصحاب مطابع كبيرة تشتري بالـجملة بكميات، أم أصحاب مطابع صغيرة يشترون نتفاً قليلة كلما احتاجوا إلى طبعة لزبون؟
إني أعدّ خطة بعيدة وسيكون لنا مكتب في بوينُس آيرس ويمكن، منذ الآن، أن نشحن من هنا ومن بوينُس آيرس.
الورق الذي تـحتاجون إليه للفاكهة كالتفاح والعنب، أرسل إليك نـموذجيـن منه ونقدر أن نبيعه بسعر 8.20 $ للكدسة (la resma) وبعضه يأتي 400 ورقة كاملة في الكدسة وبعضه يأتي 380 ورقة، فما كان 400 ورقة يجب أن يكون عدده تقريبياً، والألوان متعددة. ونظراً لتمرجح الأسعار كثيراً في هذه الأيام فهذا السعر يحسب أنه لمدة 15 يوماً، وبعدها نعطي أسعاراً جديدة.
أود أن تكون وأهلك وجميع أفراد عائلتك بخير. جولييت وصفية هما الآن في بوينُس آيرس وستعودان في آخر الأسبوع، ومحتمل أن تصحبهما حماتي لتقضي وقتاً معنا.
سلامي لكم جميعاً وأتـمنى لك أحسن التوفيق. ولتحيى سورية.
(1) مقالة «حق الأمة فوق الأشخاص ومجدها قبل الوظائف». نشرت في الزوبعة، العدد 80 ، 1943/9/4.