الرفيق الـمجاهد نعمان يوسف ضو
كوسيتي - سان خوان
رفيقي العزيز،
تسلمت كتابك الأخير قبل سفري إلى بوينُس آيرس، الشهر الـماضي، ولم أعجب لقلقك الذي تثيره في نفسك الكبيرة شمائلك العالية. وقد وددت أن أكتب إليك من بوينُس آيرس فلم تـمكني الظروف والدوافع الـملحّة من تـحقيق رغبتي. وبعد عودتي التي كانت في 25 يوليو/تـموز كنت مضطراً لاقتحام الـميدان التجاري بنفسي نظراً للروح العدائية التي أظهرتها أوساط نزالتنا نحوي. وقد فزت في اقتحامي بنتائج لا يرغبها لي الـحساد ولا أصحاب النفاق والفساد.
إنّ الـحوادث التي تلت حادث [إبراهيم] الكردي لم تكن ذات عواقب. وقد خمدت الآن أنفاس تلك الضجة الشائنة التي أثارها أهل الغايات الصغيرة والنكايات القبيحة، وعض ذوو الـمفاسد أصابع الندم على خيبة أملهم بإمكان استغلال قباحة الكردي أكثر مـما استغلوها.
وكثيرون أدركوا الآن أنّ الكردي، على بساطته، ليس سوى محتال مراوغ في مظهر إنسان مطاوع. إنّ قصصه وذيول حادثه كانت كثيرة، ولكنها على كثرتها لا تستحق الذكر والاهتمام لانحصارها في قال وقيل ومساعي لم تنتج غير الإخفاق. أما حادث غدره عينه فهو حتى الآن معلق في يد القضاء، والريح ليست جارية في الـجهة التي يرغب فيها الكردي، ففي أوائل الشهر الـماضي بعد طلب القاضي تكرار إفادة كل منا صدر أمره بالقبض على الكردي وإيداعه السجن. والظاهر أنّ ضمير الكردي الـمضطرب جعله يخشى مثل هذا الأمر ويتوقعه فكان يتنسم الأخبار، وبلغه قرار القاضي فلم يلبِّ الطلب للحضور إلا بعد أن دبر مع شريكه في الاحتيال الأجنبي الـمدعو كارلس باقي مسألة الكفالة الشخصية وهو الآن حرّ بفضل هذه الكفالة.
الـمؤسف في كل ما جرى حول حادث الكردي ليس أمر الكردي نفسه، بل أمر الـمجموع السوري في توكومان الذي ما كاد حادث الكردي يظهر حتى تلقفه تلقف الكرة وهاج وماج وانقلبت السحن، فكنت لا ترى إلا أفواهاً مكشرة عن أنياب الغدر وعيوناً مزورة. ولكني لم أعاملها إلا بالاحتقار اللائق بها، فكنت أسير بينها وهي تدور حولي كما تدور الكلاب حول أسد، تكشر عن أنيابها وتود أن تنهشه ولكنها لا تـجسر على الوقوف في وجهه.
والغريب غير الـمستغرب ما أصاب الذين انضموا مؤخراً إلى صفوفنا، ومنعتهم حداثة عهدهم بالفكرة والنظام القومييـن من معرفة واجبهم. فقد أصغى أكثرهم إلى الـمفسدين والتفوا حولهم، والذين كانوا أمناء وغيورين استنكروا فعلة الكردي وتهامسوا في أمر تأديبه، أفسدهم موقف الـمخاتل مرشد دلول الذي كنت عيّنته مديراً في أول زيارة بناءً على شهادة بعض الرفقاء ولم يكن جديراً بوظيفته ولا بـما هو دونها.
زعزع صفوف القومييـن الاجتماعييـن ما كان واقعاً بينهم من تنافر بعد حادث الكردي وأثناء غيابي في بوينُس آيرس في شهر مارس/آذار الـماضي. ولكن الضجة قد خمدت أنفاسها كما قلت، وبعض القومييـن الاجتماعييـن الذين انخدعوا عادوا وأعلنوا انخداعهم وطلبوا الـمعذرة.
ومـما يستحق الذكر أنّ فرداً واحداً هنا من الرفقاء كان له موقف شريف يسجل له هو الرفيق الـمدّرب، الضابط السابق أحمد فوزي قلبقجي. هذا وقف وحده في وجه الكردي وجماعة الكردي ودعا الكردي للخروج ليقاتله فجبـن الوغد ولم يفعل. وقد التقاه الكردي مرة فقال له أن يكون في جانبه والـخائنيـن معه فكان جواب الرفيق قلبقجي: «إذا أمكنك أن تزحزح هذا الـجدار من مكانه زحزحتني عن موقفي، بل قد تقدر على زعزعة هذا الـجدار ولا تقدر على زعزعتي.» فقال له الكردي: «يا خائن الله والرسول! أتترك ابن دينك وتقف مع غير الـمسلم.» فأجابه الرفيق: «يا جاهل! إنّ ديني لا يأمرني بخيانة زعيمي بل بالإخلاص له، وما أنت إلا خائن وجاهل فدعك من هذا الأمر!»
إنني قد ابتدأت أتـمكن من الـموضوع التجاري، وقد أجريت صفقات جيدة في بوينُس آيرس، وشققت طريقاً إلى الزبائن هنا. وأعتقد أنه إذا لم تـجرِ زعزعة قوية في السوق بعد قليل بسبب انتظار سقوط ألـمانية فسيسجل آخر السنة نـجاحاً ما لـمحلنا.
هدية الزيتون كانت من أجمل ما فرحنا به وتلذذنا بـمأكله، فالزيتون من رموز بلادنا الـجميلة. أرجو أن تكون وعائلتك بخير كما أنا وعائلتي. جولييت وصفية تشتركان معي في السلام لك وللعائلة الكريـمة. ولتحيى سورية.