أيها الرفيق العزيز،
إطّلعت هذا الصباح على كتابك الوارد مسجلاً إلى الرفيق جبران مسوح، ووقع في نفسي موقعاً عالياً ما تـحركت به نفوس الرفقاء في خوخوي من الإخلاص والعزم والثبات التي هي صفات تـجعل من اتصف بها في مصاف الأحرار الذين يستند إليهم في الشدائد، فأهنىء رفقاء خوخوي بهذه السجايا العالية.
سررت بـما أجمعتم عليه وقررتـموه لأنه يدل على نظر صحيح مستقيم في الأمور، وأول قرار من قراراتكم الـمذكور في كتابك هو الأساسي الـمعنوي، أما القراران الثاني والثالث فهما موضع نظر وشك في نتائجهما. القرار الثاني هو الرجاء أن يسعى الرفيق جبران مسوح لإعادة أكبر عدد مـمكن من الرفقاء الشاذين إلى ما كانوا عليه من مظهر النظام وخدمة القضية واحترام الزعيم. فليعلم الرفقاء في خوخوي أنّ الرفيق جبران لم يدخر سعياً أو وسعاً في وعظ الضاليـن.
ولكن أمراض هذا الـجيل لا تشفى بالوعظ، وأحياناً يأتي السعي وراء الشاذين بعكس النتيجة الـمرغوبة. الأمور مرهونة بأوقاتها. وما فك الصفوف هنا ليس حادث [إبراهيم] الكردي القبيح، إذ لم يكن يجتمع قبل الـحادث الـمذكور اجتماعاً قومياً نظامياً سوى رهط لا يجاوزون الاثني عشر والباقون كانوا خارجيـن. والسعي لـجلبهم كان يزيد غرورهم وإعجابهم بأنفسهم. ولكن لكل حالة طبيعية خاصة بها ومجرى الأمور يجب أن يكون على طبائعها.
وبعض الرفقاء الذين لم يتورطوا من قبول إدعاءات الكردي قد تنبهوا مؤخراً إلى خطر الشذوذ، والتخلي عن النظام، واستيقظوا للواجب. ومتى اتضحت أكاذيب الكردي فسيبوء بالـخجل والـخزي الذين أسرعوا إلى الانخداع به والتخلي عن الزعيم في هذا الموقف.
القرار الثالث هو القائل بوجوب قيام الـحزب في هذه الـجمهورية بـما يقوم بـمعاش الزعيم بسعة وبصدور «الزوبعة بانتظام»، الخ. هذا قرار يـمكن أن تدرسوا كيفية تطبيقه على أنفسكم باعتبار أنه صادر عنكم. ولكن الـمسألة التي ابتغى القرار حلها هي أكثر تعقداً مـما يظن، ومن الـحسابات الافتراضية البسيطة التي وردت في كتابك، أيها الرفيق العزيز، أنها مسألة عولـجت بطرق كثيرة منذ وصل الزعيم إلى هذه الـجمهورية الفضية الكريـمة، ولكنها استعصت على جميع الـمحاولات والـحلول. فأكثر الرفقاء في هذه البلاد هم من ضعيفي الـماديات والثقافة، ومعنى الواجب عندهم ضعيف يتلاشى تـجاه أول صعوبة هزيلة.
ولرفع معنوياتهم يحتاج إلى مال يفي بتحريك قوة إذاعية كبيرة، ولا سبيل لأخذ هذا الـمال منهم. ومرة فكر الرفيق جبران مسوح في فرض واجبات مادية خصوصية على الرفقاء الـجيدي الـحالة الـمادية، فتعهد جميعهم في توكومان، ولكن بعد الشهر الثاني أو الثالث ابتدأوا يتململون من دفع عشرة فاس أو خمسة في الشهر! وفي مديريات بوينُس آيرس كانت الـجباية الـمنتظمة لا تشمل النصف وأحياناً لا تتم إلا في مدة ثلاثة أو أربعة أو ستة أشهر مع نقص في الـمطلوب! والأعذار كثيرة! هذه الـحالة وعجز الفروع الأخرى في أميركانية والـمكسيك عن إمداد مكتب الزعيم بكميات محسوسة ومبالغ منتظمة أضعف مركز الزعامة القومية الاجتماعية وقوّتها، حتى صارت شخصية الزعيم عرضة لكل عابر سبيل ولانتقاد كل فضولي وصار كل حي ابن بي يقول «كنت مع الزعيم، وقال كذا ، وقلت له كذا، وأراه مخطئاً في كذا، الخ.» والـحالة الـمعاشية كانت دائماً في اضطراب ومدعاة للقلق، ويجب القول إنه لولا مساعدة زوجتي بعملها كموظفة بلدية في بوينُس آيرس للتحليلات الكيموية في بعض مستشفياتها، لكان مركز الزعامة تعرّض لأكثر مـما تعرّض له، وقد جاهدت زوجتي حتى ساءت صحتها وبحّ صوتي وأنهكت قواي في معالـجة العقول الـجامدة والنفوس السقيمة.
وأخيراً وجدت أنه يجب الاعتماد على عملي الـخاص لـحفظ قواي ومركزي. فلاحت فرصة الصناعة، وأنا لست خبيراً بها، فاعتمدت على رجل كان قد صار «رفيقاً» يتظاهر بالغيرة على القضية والزعيم، واقترضت من ابن حمي مالاً للصناعة ومكّنته منه، وأخيراً خانني الرجل وهاجمني في الدار التي استأجرتها وجعلته ضيفاً عليّ فيها.
ولكني لم أسقط كما كان يتوقع الأعداء، لأني كنت قد قدّرت الأمور واتفقت مع الرفيق جبران مسوح على الشركة في تـجارة الورق والقراطيس والأقلام والدفاتر وتوابعها. وعملنا الآن يقوى شهراً بعد شهر ويتقدم إلى النجاح، ولا خوف عليه لأنه يقوم على ثقة متناهية وصفاء تام وإخلاص كلي. وأعتقد أنّ نـجاح هذا الـمحل هو الضمان الوحيد لصيانة كرامة الزعيم وشخصيته وإنقاذه من حالة كونه تـحت رحمة تقلبات عواطف الذين ينخرطون في صفوف العمل القومي الاجتماعي، يرضون عليه فينعم برضاهم ويسخطون عليه فيشقى بسخطهم!
إنّ عملي التجاري لا يُغني عن قيام السورييـن القومييـن الاجتماعييـن بواجباتهم، وأن يعملوا ليجعلوا قيادتهم غير محتاجة إلى التجارة أو الصناعة. ولكن كم يتحقق من هذه الأمنية؟ وأين نقطة الابتداء؟
أوافق على انتخابكم وأثبّت أصحاب الوظائف في وظائفهم، وأتـمنى لكم النجاح التّام في مساعيكم لنجاح حركتنا العظيمة وفلاح أمتنا الكريـمة. سلامي القومي لكم جميعاً. ولتحيى سورية.
بعد: ليست هذه أول عاصفة تـمرّ بي في هذه البلاد النائية. فأنت تذكر عواصف بوينُس آيرس حين قامت قيامة الـخونة «وخلعوا» الزعيم وانفرط عقد الصفوف. ولن يكون نصيب العاصفة الأخيرة أفضل من التي تقدمتها.