إن من يطلع على كامل النتاج الفكري لأنطون سعاده، يتبيّن له أن كتاباته في الشأن الأدبي لم تـحظ بالاهتمام الذي تستحقه فعلاً. وقد انعكس ذلك في قلة الدراسات التي تتناول هذا الـجانب، وإن كنا بدأنا نشهد حراكاً معقولاً في هذه الناحية.

يقول الدكتور ربيعة أبي فاضل أن كتابه »أنطون سعاده الناقد والأديب الـمهجري» (بيروت 1996) جاء ليسد ثغرة تـجاهلها النقاد. وهو خطوة مهمة في الاتـجاه الـمطلوب، إذ يعرض لآراء سعاده في صراع القديـم والـحديث، وعلاقة الشعر بالـمثل العليا، وطبيعة الإلتزام في الأدب، إضافة إلى اللغة والتربية الإجتماعية..وغيرها.

أما دراسة الدكتور رامز حوراني »النقد الأدبي ومنطلقاته الفكرية في فلسفة أنطون سعاده» (1998) فتعالج ارتباط نظريات سعاده الأدبية بـمنطلقات أفكاره الفلسفية. ويضم الكتاب فصلاً خاصاً للحديث عن أهم الأدباء الذين فعلت فيهم النظرة الفلسفية والأدبية التي أطلقها سعاده، وهناك فصل آخر يعرض لبعض الآراء النقدية التي تتناول فكر سعاده.

فيما يطرح الدكتور لؤي زيتوني في كتابه »التأسيس للحداثة» في كتاب »الصراع الفكري» (بيروت 2009) سؤالاً جوهرياً، بعد أن نشأ خلاف بين بعض الأعلام في الشعر الـحديث ونقده، حول منشأ الـحداثة. وهذا السؤال هو، هل سبقت الشعر الـحديث في مجتمعنا رؤيا جديدة للوجود، ومرجع آخر غير الـمرجع الغربي، نابع من عمق تراثنا وبيئتنا؟ وفي الإجابة يُبرز الدكتور زيتوني شخصية خارجة عن الوسط الأدبي الـمعروف، وهي شخصية أنطون سعاده، كواضع لرؤيا جديدة للحياة والكون والفن أسّست القاعدة الراقية لـحداثة شعرية تؤدي دورها العالـمي. هنا تـحضرنا رسالة سعاده إلى وليم بحليس بتاريخ 31-3-1941 حيث يقول له:»...وأعتقد أن هذه السلسلة (جنون الـخلود) ستعطي الـمفكرين وشباب النهضة القومية الاجتماعية وجماعة الـمتنورين مقاييس جديدة للقيم الشعرية...».

وباستثناء هذه الكتب الثلاثة، لا نـجد سوى عدد محدود من الـمقالات والأبحاث السريعة التي تركز عادة على نقاط جزئية. ونشير هنا إلى أطروحة دكتوراه أعدّها الدكتور الراحل محمد معتوق بجامعة لندن حول النواحي الأدبية عند سعاده، لكنها لم تنشر بعد، ولم تترجم إلى العربية.

ولعل توزع الـمادة الأدبية في مجمل مؤلفات سعاده هو الذي حدّ من إمكانية التعمق في دراسة منطلقاته في الأدب والنقد الأدبي على حد سواء.والأمر نفسه ينطبق على الـموضوعات الأخرى، ومنها: الـمسألة اللبنانية، والـمسألة الفلسطينية، والعروبة والإقتصاد...وغيرها.

ولذلك عملت »مؤسسة سعاده للثقافة» على تصنيف مؤلفات سعاده حسب موضوعاتها، تسهيلاً للرجوع إليها من قبل الباحثين والـمهتمين. ومن الـمتوقع أن تصل هذه الـمصنفات إلى أربعة عشر كتاباً.

والـجديد في هذا الـمشروع تصنيفات تغطي: التنظيم الإداري، التربية القومية، مسألة الإسكندرون، النقد الأدبي. وكل كتاب منها مدعّم بالوثائق والـملاحق التي تضيء على خلفيات الـموضوع.

كما أوردنا رسائل وجهها سعاده إلى مسؤولين حزبيين وكتّاب في جريدة »سورية الـجديدة» الصادرة في البرازيل، حاملة إليهم تعليماته الدقيقة. ولم يسبق أن تطرق أحد إلى الـمحتويات الأدبية والصحافية التي شدّد علها سعاده، واعتبرها جزءاً أساسياً من منظومته الفكرية والأدبية القومية. وبهذا يكون قد توافر للقراء والباحثين الـمهتمين دليل مرجعي لا غنى عنه لكل من يريد دراسة مساهمات سعاده الأدبية والنقدية.

ملاحظة: نقلت الهوامش لكثرتها إلى آخر الكتاب ونُظّمت بالتسلسل الأبجدي.