رفيقي العزيز نعمان ضو،
كنت أفكر في الكتابة إليك. وفي هذا الصباح خرجت باكراً من البيت متوجهاً إلى متجر الورق الذي صار شركة بيني وبين الرفيق جبران مسوح، في الطريق التقيت ببعض الـمعارف، ولـما بلغت الـمحل التجاري أخبرني جبران أنّ الرفيقة جولييت، زوجتي، تلفنت تقول إنّ الرفيق نعمان خاطب البيت سائلاً عن حال الزعيم لأنه بلغه أنه موقوف لـحادث جرى.
من أغرب الـمستغربات للمتمدنيـن في هذا العصر أن يتوقف الزعيم، ولو إسمياً فقط، بسبب نذالة بعض الـملتفيـن حواليه. إنه فرد أحسنت إليه وجعلته شريكي في التجارة مدة محدودة وأجريت عليه الـمال وأنقذته من حالة الفاقة، وبعد أن أمضى إلغاء العقد التجاري بيني وبينه أبقيته في الـمحل الـمستأجر للصناعة، ووصلته بأكثر مـما يلزم لنفقته الضرورية ووعدته بإعطائه عملاً ثابتاً في الـمصنع إذا ابتدأت الصناعة.
وبعد كل هذه الـحسنات له بدت من الرجل دلائل عدم الاستقامة والـمخادعة في أثناء مساومة تـجارية مع مستخرج «mica» من معدنه. فأنّبت الـمحسَن إليه وأظهرت له أني آويته وكسوته ليس من أجل أن يعترض أشغالي ويضر أعمالي. وأخذت منه مفتاح مدخل غرفة الـمكتب التجاري وتركت له حرية الدخول إلى غرفته من الباب الكبير.
بعد قليل أتى الرجل إلى متجر الورق حيث كنت مع الرفيق جبران مسوّح نضبط البضائع التي وردتنا من بوينُس آيرس. وكان حاضراً يعاوننا الرفيق إلياس أنطكلي. كان ذلك بعد ظهر الـخميس في 18 مايو/أيار الـماضي وهو يوم عيد ديني والسوق مقفل بعد الظهر. دخل الرجل وصار يتذمر ويظهر عدم الرضى، فأبنت له حقيقة حاله وإنكاره جميل الـمحسِن إليه الذي يشاركه وليس في يده شيء يستحق الشركة، لأنّ ما كان يدّعيه من اختراع ظهر أنه غير صحيح، ورفضت دائرة امتيازات الاختراع في بوينُس آيرس الاعتراف بأنّ الـمزيج الذي يقدّمه ذاك الرجل، هو اختراع، وهذا هو السبب في فسخي الشركة معه. وبعد كلام طويل قال الرجل إنه سيغادر الـمكان، واتفقت معه على أن أدفع له أجرة غرفة شهراً ويدفع له الرفيق جبران أجرة شهر آخر من باب الـمساعدة.
الرجل هو إبراهيم الكردي لا غيره الذي كتبت إليك شيئاً مـما بيني وبينه. والظاهر أنّ هذا الرجل الـمعتاد الـجسارة والتطاول، الذي يبلغني الآن أنه ذو سوابق، والذي يستند إلى صداقة بعض رجال الأحزاب الأرجنتينية الـماضية تعمّد الشر. ففي صباح اليوم التالي عندما عرّجت، في طريقي إلى متجر الورق، على الـمحل في شارع مايفو لأتفقّد الـمراسلات وأرى كيف أصبح الكردي وجدت باب الـمكتب مسنداً من الداخل وثقب القفل محشواً بـمواد لا تسمح بفتح الباب. فكرت في دعوة أحد الشرطة، ولكن الشفقة أخذتني على الرجل وقلت في نفسي لعله وضع هذه الـحواجز في ساعة غضب قبل أن قابلني أمام مسوح وأنطكلي ولم يكن له وقت في الليل لإزالتها.
فطرقت الباب الكبير مرتيـن. والظاهر أنّ الشرير كان يتلصلص ليرى هل أنا وحدي، فلما تيقن من ذلك فتح الباب بسرعة، وبينما أنا أهمّ بالدخول مدّ الأثيم يديه وأمسك بحلتي وجذبني إلى الداخل، وتـمكن بغدره من طرحي في الأرض مقفلاً الباب وراءه وواضعاً مزلاجه التحتاني في ثقب الأرض. وأقبل عليّ يتوعد ويقول إنه سيقتلني إن لم أدعه يبقى في الـمكان يفعل ما يشاء، الخ. ولكن دهشة الشرير صارت أعظم من دهشتي حيـن رفعت رجلي ونفضته ونهضت واقفاً على رجليَّ مستعداً للدفاع.
ولـمّا هاجمني ثانية تـمكنت من التخلص من حلتي (الـجاكيت) بعد أن تقطعت بعض أزرارها. وفي هذه الأثناء تـمكن الرجل من تطويق خصري بيديه فلففت ذراعي الأيـمن حول عنقه والأيسر تـحت إبطه الأيـمن، فصار قياده في قبضتي وكل قوّته وضخامة جثته لم يفده شيئاً في محاولاته، فجررته إلى الباب جر الثور ورفعت الـمزلاج بقدمي اليسرى وفتحت الباب بيدي اليسرى وأخرجته إلى الشارع طالباً أن أنادي شرطياً في دائرة الشرطة القريبة. فحاول الشرير بكل قوّته إعادتي إلى الداخل وتعلّق بقميصي فانـمزق في يده. ولـما لم يكن قصدي صرعه توجهت إلى مركز الشرطة على مرأى من الـحارس على الباب. ولـما طلبت تدخّل رجال الأمن سألوا عن الـحادث، فلما عرفوا أنه مع الكردي أخذوا في التطويل. ولشدة مكر الـخبيث وتعمّده الشر دخل بعد خيبته إلى داخل الدار وجرح يده مسيلاً بعض قطرات دم وادّعى أني جرحته، وهذا ساعده على الاتفاق وإعطاء الـحجة لتوقيفي مدة أربعة أيام!! ومع أنه توقيف إسميّ، لأني لم أبت ولا ليلة واحدة إلا في بيتي ولم آكل إلا في بيتي، فهو توقيف قانوني. وهذا أغرب حوادث التوقيف التي بلغت معرفتي.
الأمر، من الوجهة القانونية، بسيط والأدلة على فساد إدعاءات الكردي متوفرة وتقرير الطبيب القانوني يقول إنّ الـجرح هو خدوش ليست حاصلة من مدية أو سلاح وليست في قتال من هذا النوع. وقد اجتهدت دائرة الشرطة في تعطيل بعض الأدلة على تعمّده الإجرام، ولكن الأدلة التي لا يـمكن نفيها كلها في جانبي.
يبقى أمر تصفية إلغاء الشركة قانونياً لأنّ العقد الذي أمضيناه في هذا الصدد كان خصوصياً. وقد وضعت الـمسألة في يد محام نزيه قدير، وقد أكد لي أنّ حقوقي كلها مصونة وأنّ الرجل لا حق له. وأول ما سنجريه هو إخراجي وإياه من الـمحل الـمستأجر للصناعة، نظراً لأنّ الإجار كان باسمي واسمه كشخصيـن وليس كشركة تـجارية، ومتى صار [...] مأوى ومعاش، وسيبتدىء يعرف قيمة النعمة [...] كان بدء نهاية أمره وبعد ذلك يقدّم الباقي من الأوراق اللازمة لنقض الشركة تـجاه السجل التجاري.
أغرب الغرائب أنّ الـجماعة السورية هنا ومنها كل الذين ادّعوا القومية، إلا جبران مسوح ونديـم عاقل وأحمد قلبقجي، صدّقوا ادعاءات الأثيم أني هضمت حقوقه وأني سجلت اختراعه باسمي وأنه يجب أن تكون له حقوق في صناعة سأقوم بها بنفسي على غير الأساس الذي قدّمه ومزيج مختلف عن مزيجه.
إنّ الـحق سيزهق الباطل. وأعداء الزعيم الذين حاولوا وسيحاولون استغلال هذا الـحادث للتشنيع سيجدون سهام الـحقيقة في نحورهم. إنه حادث من جملة حوادث إنكار الـجميل التي تعترض سير الزعيم إلى الأمام، ولكن غباره سيرتد في وجوه الذين أثاروه.
أنا والعائلة بخير، وشؤوني التجارية مع جبران تتوثق، وفي هذين اليوميـن سنتمّ عقد الشركة التجارية بيني وبينه، التي باشرنا إعلانها وتبليغ عملائنا إنشاءها واسمها هو «سعاده ومسوح» للإتـجار بالورق والدفاتر وما شاكل. ومسألة الصناعة ستظل قيد الدرس والتمهيد، وإذا وجدت أنّ الرأسمال سوف لا يكفي بعد الـخسائر والنفقات التي جعلني الشرير الكردي أكابدها، فسأؤجلها إلى فرصة أخرى.
أتـمنى أن تكون وعائلتك بخير، وأفيدك أنّ هدية التفاح وكذلك هدية العنب قد وصلت وجرى لنا بها السرور الذي وددته.
جولييت وصفية تشتركان معي في إهدائك وقرينتك وبقية أفراد العائلة السلام. ولتحيى سورية.