أيها الرفقاء الـمدرسون،
إنها الـمرة الأولى التي نـجتمع فيها في هذا الـمؤتـمر، تضمنا زوبعة الـحرية والواجب والنظام والقوة، لنتبصر في الـمهمة الـخطيرة الـموضوعة في عنق الـمعلم القومي الاجتمـاعي، في الأهـداف التي نرمي إليها والغايـات التي نتـوخى تـحقيقها بواسطة التدريس والتعليم.
تعلمون أنّ النهضة السورية القومية الاجتماعيـة تعني تغيير اتـجاه الأمة السورية من فوضى الانحطاط إلى نظام النهوض. من مصير الاضمحلال إلى مصير الوجود الـحي، العامل، بوعي كامل، لأغراض الـحياة الـجيدة ومقاصد النفس القومية الكبرى. وتعلمون أنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي يحمل رسالة القومية الصحيحة إلى الأمة السورية ورسالة الـحياة القومية الاجتماعية وفلسفتها الـمدرحية إلى الأمة السورية وإلى الأمـم جميعاً. فالنهضة السورية القومية الاجتماعية، إذن، هي حدث تاريخي خطير، هي أعظم الأحداث التاريخية التي مرت بهذه الأمة شأناً، بلا استثناء. وإذا نظرنا في مهمة الـحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحمل رسالة النهضة السورية القومية الاجتماعية وجدنا أنها أشق مهمة ظهرت في تاريخ أية أمة من الأمـم. فليس، ولم يك قط، للفوضى التي تتخبط فيها الأمة السورية مثيل، ولم يبلغ الفساد في أمة من الأمـم، في أي وقت من الأوقات، مبلغه في أمتنا إلى هذا الوقت.
بهذه الـمناسبة، أريد أن أبرز نقطة يجب أن تصير واضحة في تفكير الـمفكرين السورييـن القومييـن الاجتماعييـن، لأنهـا سبب من أهم أسباب التخبط النفسي والعملي، ألا وهي: خلو مجتمعنا القومي، مدة أجيال وقرون طويلة، من مؤسسات قومية بالـمعنى الصحيح ومن تقاليد قومية عامة يصح الاستناد إليها. فالتقاليد القومية الـجيدة، القديـمة، كانت مبعثرة ومنسية، والـمؤسسات، التي لم يكن غيرها قبل نشوء الـمنظمة القومية الاجتماعية ومؤسساتها، هي مؤسسات لا تصلح بالـمرّة ولا يصح اعتماد أية مؤسسة منها نقطة ارتكاز، أو انطلاق، في عمل البناء القومي الاجتماعي. فلا الكنيسة أو الـجامع أو الـخلوة (باعتبارها مؤسسة الرابطة الدينية)، ولا العشيرة ولا الطائفة ولا الإقطاع ولا شيء من هذه الـمؤسسات الأولية يصلح لشيء من مبادىء الـحياة الـجديدة ـ الـحياة القومية الاجتماعية. ولست أستثني من هذه الـمؤسسات مؤسسة العائلـة ـ البيت ـ فالعائلة عندنا هي مؤسسة دينية، طائفية لا مؤسسة قومية عامة. فالـزواج والإرث وقضاياهما الـحقوقية تصير على قاعدة الطائفة أولاً وعلى قاعدة الـجذع الديني ثانياً ولا تصير على قاعدة الأمة مطلقاً. الشرع كله ديني أو طائفي وليس قومياً عاماً. وفي هذه الـحالة لا يجد عضو الدولة (Citizen, Citoyen) حقاً عاماً يستند إليه ويساوي بينه وبين جميع مواطنيه. وفيها يكمن سرّ من أعظم أسرار القضايا أو الـمشاكل النفسية ـ الاجتماعية ـ الـحقوقية.
ليست مشكلة الـمؤسسات، على فداحة أضرارها وعظم ما تسببه من صعوبات لعمل النهوض والبناء القوميين الاجتماعيين، الـمشكلة الوحيدة التي كان على النهضة السورية القومية الاجتماعية أن تـجابهها وتعالـجها وتتغلب عليها. ولكنها كانت ولا تزال الـمشكلة الأولى العنيدة الـمعقدة التي رأت الـحركة السورية القومية الاجتماعية أنها تصد أولى خطواتها وتعرقل بادىء أعمالها.
إنّ جميع النهضات والـحركات الكبيرة الـمعاصرة التي رأيناها تـحقق نـجاحاً سريعاً نسبياً، ويبلغ بعضها حد الروعة الـمدهشة كالـحركة الألـمانية التي سمّيت، غلطاً، الـحركة الاشتراكية القومية الألـمانية وكان يجب أن تسمّى الـحركة السلالية الـجرمانية الارية الاختصاصية، لم تصل إلى ما وصلت إليه بـما سهلت لها بلوغه الـمؤسسات التي كانت موجودة وكان لها تقاليد فاعلة صالـحة للأعمال الإنشائية العظيمة. فقد كان للألـمان قوميتهم، التي هي عن أساس عظيم، ومنظمة الدولة الألـمانية الـمركزية الـموحدة، وإن لم تشتمل بادىء ذي بدء على دولة النمسة، وكانت لهم مؤسسة الـجيش العظيمة ذات التقاليد الـحربية العالية وكانت لهم مؤسسات العلم والتوجيه الفكري الروحي وكانت لهم فلسفاتهم القومية والسياسية. وبالاختصار كانت لهم جميع قواعد النهوض والبناء، بل كان لهم بناء مؤثل موثق استطاعوا أن يعطوه شكلاً جديداً وقوة جديدة وأن يضيفوا إليها هيكلاً بنائياً جديداً.
وكذلك النهضة الإيطالية الـمدعوة الفاشستية، التي تقدمت النهضة الألـمانية وأعطتها الكثير من الأمثلة والنظرات، قامت على وحدة إيطالية قومية وعلى نظرة ماتزيني القومية الروحية وعلى مؤسسة الـجيش الإيطالي ومؤسسات الثقافة وقواعد أخرى.
ولم تخـلُ نهضـة من نهضات أمـم متـأخرة جـداً عن مستوى الثقافة الألـمانية وقواعد بنائها من مؤسسات صالـحة للاستمرار الـمجدي ولـحمل دفقة حياة جديدة فالفولييـن (البولونييـن) الذين قادهم فلسودسكي إلى الـحرية والاستقلال والقوة كانت لهم قوميتهم واعتزازهم ومؤسساتهم الاجتماعية والروحية والـحربية. وإذا كانوا قد خسـروا معظم ما حصَّلوه بقيادة فلسودسكي، فلأنهم لم يتمكنـوا من تطويـر مؤسسـات تقليدية قديـمة غير صالـحة للحياة الـجديدة كالإقطاع وغيره. والأتراك لم يستطع مصطفى كمال إحـداث نهضتهم الـجديدة التي يتوسعون فيها على حساب أمتنا وقوميتنا، إلا بالاعتماد على أهم مؤسسة تركية تـمكنت من الاحتفاظ بنظامها وتقاليدها الصالـحة للبقاء، ألا وهي مؤسسة الـجيش التركي، وعلى ما خلفته جمعية «تركية الفتاة» من تفكير وخطط.
إذا حسبنا ما كان لنا نحن من قواعد للنهوض والبناء بالنسبة لـما كان عند غيرنا وجدنا أننا ابتدأنا من درجة الصفر. فقوميتنا كانت مجهولة لنا وأصولها تفككت وتبعثرت من قرون بعيدة ولم أجد، يوم ابتدأت تخطيطي البنائي، مؤسسة واحدة في أمتنا صالـحة للارتكاز في عمل النهوض والبناء القوميين الاجتماعيين. كان عليَّ أن أضع قواعد الـحياة القومية وفلسفة الـحياة القومية الاجتماعية، وأن أشرّع للمنظمة القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 دولة الشعب السوري الاجتماعية الـمستقلة الـحقوق والواجبات العامة وأن أؤسس الـمؤسسات الـجديدة الصالـحة للحياة الـجديدة التي نريدها ولـمثلها العليا. إلى مثل هذا العمل لم تـحتج نهضة واحدة من النهضات الـمعاصرة في أية أمة من الأمـم. فإذا قلنا إنّ عملنا الإنشائي العظيم يفوق في خطورته وروعته عمل أية نهضة أخرى في التاريخ لم يكن قولنا إلا إعلان الـحقيقة السليمة والواقع الصحيح اللذين يـملآن صدورنا اعتزازاً وافتخاراً.
نحن الآن، في هذا الـمؤتـمر الأول للمدرسين والطلبة، نتابع أعمالنا التأسيسية العظيمة التي لنا اليقيـن أنها تنقذ أمتنا كلها، كما أنقذت مجموعنا القومي الاجتماعي، من الـخراب والفوضى. وقد رأيت الاقتصار على ذكر صعوبة انعدام الـمؤسسات الصالـحة لقيام بناء الـحياة القومية الاجتماعية الـجديدة، لأن الـموقف ليس موقف الدخول في صلب هذا الـموضوع دخولاً أرغب فيه في محله ووقته، فلست بـمتناول التهدم النفسي وانعدام القيم وفوضى الـمناقب وانحطاط الأخلاق، وما تضعه هذه الآفات من صعوبات هائلة في طريق سيرنا نحو مصير جديد لأمتنا ـ مصير الـحرية والواجب والنظام والقوة.
من هذه النظرة العجلى على الصعوبات والـمشاكل الضخمة، الـمعقدة التي اعترضت وتعترض سير النهضة السورية القومية الاجتماعية، ندرك، إذا كان لنا شيء من قوة التصور، مبلغ خطر الـمهمة الـملقاة على الزعامة القومية الاجتماعية وعلى جميع العامليـن الذين أقسموا للعقيدة والنظام السوريين القوميين الاجتماعيين، وبصورة خاصة على الذين يتولون تدريس الأحداث وتدريبهم وإرشادهم من السوريين القوميين الاجتماعيين. ولإيضاح خطر مهمة الـمربّي، الـمدرس أريد أن أتناول بعض القضايا الـمختصة بهذه الناحية من العمل القومي الاجتماعي.
إنّ أول خطوة كان يجب على الـحركة السورية القومية الاجتماعية القيام بها لتتقدم، هي تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية والغاية الرامية إليها، لأنها هي الـحقيقة الأساسية التي بها نوجد شعباً وأمة ولها نعمل. كل عمل آخر من سياسة وتنظيم لا فائدة منه بدونها ولا يجدي القيام به إن لم يكن متفرعاً عنها وعائداً إليها. إنها محور الـحياة والفكر الأساسي، فكل عمل يجب أن يدور عليها، ولذلك كان الغرض الأساسي من الـحركة السورية القومية الاجتماعية جعلها عامة ومنتصرة في الأمة السورية وحيثما أمكن تـحقيق رسالتها الاجتماعية وفلسفتها الـمدرحية. ولقد ظن بعض الـمغرورين أنّ العمل العقدي الأساسي كالبحث في الأمة وقوميتها وحقيقتها وأهدافها، أمر يـمكن الاستغناء عنه والاستعاضة عنه بالـمساومات السياسية الـمطوحة بالعقيدة القومية الاجتماعية وغاية هذه الـحركة العظيمة فكادت القضية الـمقدسة تسقط من أساسها وابتدأ الـميعان والفوضى يهددان الـحركة بالتفكك العام، فلما كان من وراء عودتي من غيبتي عودة الـحركة إلى العقيدة والغاية قضي على الـميعان والفوضى وعادت الـحيوية إلى الـحركة وعاودتها روح البطولة والـمثالية الأولى. فتعلمون الآن بالاختبار في أي مهوى سحيق تسقط الـحركات والأمـم التي تفقد عقائدها ومقاصدها.
قلت إنّ الـخطـوة الأولى التي كان علينا أن نخطـوها لتسير الـحركة السورية القومية الاجتماعية، هي تعليم العقيدة القومية الاجتماعية والغاية الرامية إليها. فهل كان سهلاً هذا العمل؟ ـ إني وجدت صعوبة كبيرة في تعليم عدد من الأشخاص لا يزيد على أربعة أو خمسة بين 1930 و 1932 تعليماً أولياً غير راسخ. ثم وجدت صعوبة كبيرة في تعليم عدد بلغ نحو عشرة أو خمسة عشر شخصاً في آخر ربيع سنة 1932، وفي سنة أخرى بلغ عدد تلامذة العقيدة نحو ثلاثين شخصاً. ويجب أن أقول إنهم لم يستوعبوا، كلهم، العقيدة كما يجب ولم يتمكن إلا القليل منهم من أن يكونوا تلامذة ناجحين ومعلمين لها. مع عظم الصعوبة التي وجدتها في توليد الـحركة السورية القومية الاجتماعية فإن الصعوبة ازدادت عندما ابتدأت هذه الـحركة تـحتكّ بأوساط غرست فيها اعتقادات متنافرة تسد منافذ الوعي القومي على أصحابها. إنّ نشأة اللامبالاة التي نشأها الكثير من شعبنا مضافاً إليها انعدام الـمقاصد القومية، كانت، في حد ذاتها، صعوبة عظيمة في وجه توليد الـحركة القومية الاجتماعية. ولكن هذه الصعوبة تتضاءل أمام صعوبة الاعتقادات الكسيحة، الـمشوّهة الفكر، التي تغرس في الناشئة بعناية فائقة، في مؤسسات تربوية وتدريسية أنشئت لأغراض معاكسة للوعي القومي وللنهضة القومية الاجتماعية. كلما اتصلنا بـمخرّجين من مدارس دينية ذات أغراض اجتماعية وسياسية خاصة، كمدارس اليسوعيين والبروتستانت والأرثوذكس، ومدارس الشيع الـمحمدية وغيرها، شعرنا حالاً أننا أمام جبهات نفسية تتصدى للتعاليم القومية الاجتماعية محاولة منعها من الانتشار والتقدم، ليس فقط في ناحية القومية أو النظرة الفلسفية إلى الـحياة والكون والفن، بل أيضاً في الـميدان السياسي الداخلي والـخارجي.
يتضح لنا من هذا الاستعراض الـموجز، أنّ القضية الأولى التي تواجه العقيدة القومية الاجتماعية هي قضية التربية والتثقيف، قضية الصراع الـمميت بين تاريخ حديث وتواريخ دخيلة مستمرة ـ قضية الصراع الفاصل بين نفسية فتية تنظر إلى الـحياة والكون والفن نظرة جديدة ونفسيات شائخة اعتادت النظر إلى شؤون الـحياة والكون ضمن الـحدود الـمغلقة التي تكونت فيها. فقضية الصراع العقائدي الذي أثارته الـحركة السورية القومية الاجتماعية بتعاليمها الـجديدة هي قضية صراع ثقافي تعليمي بين مبادىء الـحياة الـجديدة ومبادىء الـحياة الـجامدة.
إنّ أخذنا الصراع من درجة الـمخرجين والـمثقفين في الـمدارس الدينية السياسية والـمدارس الأجنبية الذين تكون نفسياتهم قد تكونت ضمن عوامل مدارسهم وبيئاتهم الاجتماعية، يبقينا، يقيناً، خارج صلب الـمعركة العقائدية الثقافية. إنّ صلب الـمعركة ليس مع الذين انتهى تكوينهم النفسي على خطط منافية للعقيدة القومية الاجتماعية وللنفسية التي تتطلبها، بل في العمل مع الذين هم في طور التكوين النفسي، إنّ صلب الـمعركة هو في تثقيف نفسية الأحداث ومعارفهم في البيت وفي الـمدرسة الابتدائية والـمدرسة الثانوية. وتستمر الـمعركة العقائدية ما وراء ذلك.
لم يهمل صاحب الرسالة القومية الاجتماعية الـمدرحية هذه القضية الثقافية الـخطيرة، بل، بالعكس، أولاها عناية خاصة، إذ جعل في صلب قسم العقيدة ـ قسم العضوية ـ نص أن يتخذ القومي الاجتماعي الـمبادىء القومية الاجتماعية «إيـماناً له ولعائلته وشعاراً لبيته» فجعل كل أب قومي اجتماعي وكل أم قومية اجتماعية مربياً، مرشداً، مثقفاً الأولاد في الدرجة الأولى في التعاليم القومية الاجتماعية. على أنّ الأب والأم قد لا يكونان، بالنظر إلى مستوى الـمعارف والثقافة الـحاضر في شعبنا، عارفين بالأصول والقواعد الهامة في تربية الأحداث وتوجيههم، فلا تكون لتربيتهم النتائج الـمطلوبة، خصوصاً حين تكون الـمدارس التي يرسلان أبناءهما إليها غير قومية اجتماعيـة أو مخالفة للعقيدة القوميـة الاجتماعيـة. وما دامت الفاعليـة التثقيفـة تسير ضمن هذه الـحدود التي تشل كل مجهود، فإن الصراع التثقيفي يعطي نتائج معاكسة للأهداف السورية القومية الاجتماعية.
في هذه الـحالة تبرز لنا بوضوح أهمية الـمدرس والـمربي القومي الاجتماعي الـمنصرف إلى التدريس والتربية والإرشاد. فإذا كان تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية وغاية الـحركة السورية القومية الاجتماعية هو أول عمل أساسي من أعمال هذه الـحركة العظيمة، كان الـمدرس القومي الاجتماعي أول جندي في معركة العقيدة القومية الاجتماعية. إنه جندي خط الهجوم الأول الذي عليه أن يدخل صلب الـمعركة ويحـارب لإنقـاذ نفـوس الأحـداث من العقائـد الغريبـة أو الـمتأخرة وإدخال العقيدة القومية الاجتماعية،الـمحررة،البانية إليها. فهل فَقِهَ الـمدرس، الـمثقَّف القومي الاجتماعي مهمته الأساسية الـخطيرة؟
هذا السؤال أطرحه الآن ولا أنتظر جواباً عليه إلا النتائج الناصعة في التخطيط والتحقيق. ولكنـه ســؤال يجـب أن يطرحــه على نفســه كل مدرس ومربٍ قومي اجتماعي حيّ الوجدان شاعر بخطورة الـمهمة التي تكلفه القيام بها عقيدته في مهنته، في اختصاصه.
إنهـا لـمهمـة خطيـرة القيـام على تربيـة الأحـداث وتلقينهـم العلم الصحيح وإرشادهم إلى الـحقيقة، وإنه لامتياز عظيم أن يكون الـمرء مربياً سورياً قومياً اجتماعياً. فالـمعلم السوري القومي الاجتماعي الـحقيقي هو الذي يشعر أنه يحمل رسالة النهضة السورية القومية الاجتماعية الـمقدسة إلى النشء الذي تتحرك فيه قوة حياة الأمة الـجديدة، وبقدر إيـمانه هو بهذه الرسالة وبقدر ما تكون نفسه متقدة بحرارة فاعليتها يكون نشاطه في العمل لها وولعه بتلقينها للأحداث في قصص من تاريخ الأمة القديـم ومن تاريـخ النهضـة القوميـة الاجتماعيـة الذي هو تاريـخ الأمـة السوريـة الـحديث، وفي أمثلة في مناقبية النهضة وفي الأخلاق التي ترسم خططها تعاليمها وقدوة البطولة والاستقـامـة والثقة بالنفس واعتماد الـحق ومقاومة الباطل وتعزيز الـجمال والنبل، وسحق القبح واللؤم. لكي يقدر أن يكون الـمدرس معلماً الـحقائق والفضائل القومية الاجتماعية يجب أن يكون هو نفسه عاملاً بـمناقبية النهضة وسالكاً سلوكيتها، فيكون قدوة حية يرى الأولاد في تصرفـه في كـل أمـر صغيـر أو كبيـر مثـل الـحريـة والواجب والنظام والقوة ـ مثل كل ما تشتمل عليه هذه الـمبادىء من خير وحقيقة وجمال وسموّ ـ فتعشق نفوسهم هذه الـمبادىء وتستنير بهدى التعاليم والـمعرفة الصحيحة فينشأون جيلاً جديداً، قوياً، خالصاً من أدران حياة الذل والقناعة بالباطل، سالكاً في طريق حياة الـحرية والواجب والنظام والقوة.
لا يكون الـمربي الـمنشّىء عاملاً بـمناقبية الـحرية والواجب والنظام والقوة، حين ينزل بـمهمته العالية القيمة إلى درك مهنة كسبية للمعاش ويضحي بأثمن قيم الـحياة وبشرفه وحقيقته ومعتقده في سبيل معاش من مؤسسة أجنبية أو رجعية يلقي كل همّه الكسبي عليه ويرتاح في كسله وقعوده عن الـمجد والعز، ويظهر بكل جلاء أن لا همّ له غير همّ الـمعاش وأنّ همّ الـمقاصد النبيلة في الـحياة قد مات في قلبه من زمان فهو لا يراود نفسه في حلم ولا يخطر له في بال. ولا يكون الـمعلم القومي الاجتماعي معلماً حين يرى الأولاد تنحصر نفوسهم الصافية في قوالب الـحياة الـخالية من الـمعاني السامية وتتخبط عقولهم في تيارات الـمناهج الغريبة عن حقيقتهم وحقهم، فلا يهمّه أن يراهم يتدهورون في مهاوي الانحلال القومي والـمثالب النفسية، ولا يهمه إلا أن يقبض مرتبه الـمعاشي لقاء تسميم نفوس الأحداث بالـمناهج الفاسدة. كلا. لا يكون الـمدرس معلماً قومياً اجتماعياً صحيحاً إلا حين يرى مهمته القومية الاجتماعية أعلى قـدراً في نفسه من مهنته الكسبية. بهذا الـمقياس يجب أن يقيس الـمدرّس القومي الاجتماعي نفسه حين يحاول الإجابة على السؤال الذي طرحته، وهو: هل يفقه مهمته الأساسية الـخطيرة؟ إنّ معركة التثقيف لا تزال في بدئها. إنها جبهة من جبهات حرب العقائد الكبرى. إنها حربنا الـمقدسة.
إنّ قوة الـحزب السوري القومي الاجتماعي التي أحرزت له كل الانتصارات الباهرة هي قوّته الروحية ـ قوة نظامه العقدي. وإنّ الانتصار الأخير الذي أحرزناه آخر الصيف الـماضي كان بفضل هذه القوة. فقد اضمحل النظام العسكري الذي كنت قد أنشأته قبل سفري واختلّ النظام الإداري اختلالاً واسعاً، ولكن العقيدة الصحيحة هي التي أنقذت الـموقف وجعلت من القوميين الاجتماعيين جنوداً يقاتلون تـحت علم الزوبعة بترتيب أو بغير ترتيب. إنّ روح النهضة هو هذه القوة الفاعلة الغالبة.
إذا كنا قد اضطررنا إلى الـحرب بغير ترتيب أحياناً فإن من العجز أن نحسب الاضطرار قاعدة فنبقى بلا ترتيب: فالـحرب بلا ترتيب ولا تخطيط هي حرب عمياء شديدة الـخطر لا يقدم عليها الـخبير إلا مكرهاً. ونحن لا نريد الـحرب كرهاً، مفروضة علينا، بل مفروضة منا لإدراك الغاية التي نحارب في سبيل تـحقيقها. وإذا كان عملنا يعني بناء مجتمع جديد فلا أخال البناء يكون بلا نظام ولا ترتيب.
إنّ حرب العقـائـد التي أعلنّاهـا نحن حيـن أعلنّـا تعاليمنـا السوريـة القومية الاجتماعية تتطلب منا جعل قضية الثقافية في مقدمة القضايا التي يجب أن نوليها اهتماماً خاصاً، وأن نخطط لها الـخطط ونرتب الصفوف. ولذلك رأيت جمع الـمتخصصين في التدريس والتربية والتثقيف منا في مؤتـمر تدرس فيه مناهج التدريس، في جميع الـمناطق السورية، ويوضع فيه تصميم منهج التدريس والتثقيف السوري القومي الاجتماعي، ورأيت أن يكون للمعلمين القوميين الاجتماعيين مؤتـمر سنوي يعقد كل سنة في فصل الصيف، تقدم في كل مؤتـمر تقارير عن تطبيق الـمنهج السوري القومي الاجتماعي والنتائج الـحاصلة وملاحظات واقتراحات ودراسات تفيد الغاية التي نتوخاها، وينتهي كل مؤتـمر بوضع اقتراحات وإرشادات وتوصيات نهائية تتخذ على ضوء الدراسات والاقتراحات الـمقدمة من أعضاء الـمؤتـمر.
إني أرى أنّ أعمال الـمؤتـمر الداخلية يجب أن تتناول:
1 ـ درس وضعية أولاد السوريين القوميين الاجتماعيين في الـمدارس اللاقومية اجتماعيـة واقتـراح أفضـل الوسـائـل للعنـايـة بهـم وتهذيبهـم في الثقـافـة السـوريـة القومية الاجتماعية.
2 ـ درس وضعية الناشئة السورية ووسائل تـحريرها من قيود الـمناهج الرجعية أو الأجنبية التي تعلمها عكس حقيقتها وتبقيها في جهل قوميتها ونفسيتها الاجتماعية.
3 ـ درس حالة الأدب الـمخصص للأحداث ووسائل سد النقص الكبير في هذه الناحية الهامّة.
4 ـ درس مختـلـف الـمنـاهـج الـمقـررة فـي وزارات الـمعـارف فـي الـدويـلات السورية ووضع خطط للتغلب على ما فيها من نقص علمي وانحراف في الاتـجاه، خصوصاً في ما يختص بفرعي التاريخ والـجغرافية.
5 ـ الاهتمـام بنفسيـة الأحـداث وتـربيتهـا في الفضـائـل السـوريـة القومية الاجتماعية.
6 ـ الاهتمام بالتأليف والترجمة في نواحي التدريس الـمتنوعة.
7 ـ الاهتمام بإيجاد الـمدرسة القومية الاجتماعية.
إنّ أبناءنا هم استمرار حياتنا واستمرار الـمبادىء التي تعبّر عن حقيقتنا. وإنّ الغرض الأساسي من هذا الـمؤتـمر هو تخطيط تثقيف الأحداث بالثقافة السورية القومية الاجتماعية.
إذا ربحنا الأحداث ربحنا معركة العقائد ومعركة الـمصير القومي كله. فهدف مؤتـمر الـمعلّمين السوريين القوميين الاجتماعيين السنوي هو: ربح الأحداث للنهضة السورية القومية الاجتماعية التي تشق طريق حياة جديدة للأمة السورية.