إلى حضرة عميد الإذاعة والثقافة، الرفيق فايز صايغ،
حضرة العميد الـمحترم،
أهنئكم بعودتكم سالـماً معافى من رحلتكم إلى منفذية الشاطىء الذهبي وإني أنتظر الوقوف على تقريركم وأعمالكم الإذاعية هناك لأبدي تقديري.
بعد مرور أيام قليلة على سفركم استردت الـحكومة اللبنانية مذكرة التوقيف التي كانت قد طلبت إصدارها ضدي على الطريقة التي وردت في بلاغ عمدة الإذاعة. وهكذا انتهت تلك الـمشادة العنيفة بين الـحزب والـحكومة اللبنانية. ومنذ التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الـماضي صار يـمكنني أن أستأنف القيادة الإنشائية التعميرية في الـحركة القومية الاجتماعية التي اضطرتني الظروف الـمعاكسة إلى البقاء بعيداً عنها تسع سنوات في الـمغترب وسبعة أشهر في الـمشادة مع الـحكومة اللبنانية.
كان همي الأول، بعد اجتياز تلك الـمرحلة الاستثنائية الـملأى بالـحوادث الغريبة وبعد تطهير الـحزب من أخبث مؤامرة وخيانة تعرض لهما منذ نشأته إلى اليوم، أن أنظر في سلامة العقيدة القومية الاجتماعية وفلسفة نهضتنا الاجتماعية وفي وحدة نظر الـحركة القومية الاجتماعية إلى الـحياة والكون والفن، وأن أضبط التوجيه الفكري في الـحركة بـما ينطبق على العقيدة القومية الاجتماعية التي نشأت منها الـحركة القومية الاجتماعية لتحقيق مثلها العليا وأهدافها.
إنّ اطلاعي، وأنا بعد في الأرجنتين، على بيانكم «الأساسي» لعمدة الثقافة، منشوراً في العدد الأول من مجلة [نشرة] عمدة الثقافة، ثم وقوفي عليه بصورة أكمل منذ نحو شهرين ونيف، منشوراً في العدد الـخامس من النشرة الـحزبية الدورية التي كانت تصدر عن عمدة الإذاعة، ثم اطلاعي مؤخراً، منذ نحو عشرين يوماً تقريباً، على نسخة من البيان الـمذكور كما قُدِّم في الـمجلس الأعلى، أظهر لي أنكم اعتمدتـم قواعد للفكر والاتـجاه غير قواعد النهضة القومية الاجتماعية وأوّلتم غايتها ونظامها ومركز عمدة الثقافة فيها بـما لا ينطبق على عقيدتها وغرض عمدة الثقافة الـمؤسسة لها. وقد اطلعتم على بعض ملاحظاتي الأولى على بيانكم الـمذكور، التي أبديتها للرفيق غسان تويني ولـخصتها في الكتاب الذي أرسلته من الأرجنتين إلى الـمطرود نعمة ثابت وهو بعد رئيساً للمجلس الأعلى غير الدستوري الذي تشكّل في غيابي.
وقد عنيت في الـمدة الأخيرة بعد شعوري بالاتـجاه نحو السلم بالوقوف على ما نشأ في غيابي، ضمن الـحركة أو في الأدب الـمتداول في أوساطها، من أدب وتيارات فكرية جديدة. فقرأت في كتابكم البعث القومي ووجدت، لدهشتي، أنه ما خلا بحث «الأمة - جوهرها - مقوماتها - خصائصها» الـمبني على نشوء الأمـم والـمستمد منه، وبحث «النظام الـجديد - الـمجتمع الـجديد» الـمنسجم مع اتـجاه الـحركة القومية الاجتماعية، وما خلا بعض فقرات في معظم الكتاب لها هذا الانسجام، فإن الأبحاث الرئيسية الـمثبتة في الكتاب التي تتناول الأساس العقائدي الاجتماعي - فلسفة الـحركة القومية الاجتماعية - تعاليمها الأساسية، مبنية على عقيدة غير عقيدتها - على عقيدة مناقضة لها.
إنّ الأبحاث الـمذكورة واتـجاه نشاطكم الأدبي والإذاعي تـحمل، كلها، نظرة برديايف[1] وكركيغارد[2] إلى الإنسان والـمسائل الإنسانية. ونظرة كركيغارد وبرديايف الشخصية الفردية، التي ترى الشخصية الفردية الـجوهر والغاية والتي تترجمون عنها في الهدف بقولكم «إنّ شخصية الإنسان (الفرد) ونـموها هي غاية الـمجتمع الرئيسية» أي أنّ الـمجتمع ليس سوى واسطة لهذه الغاية، وبقولكم إنه لـخطأ القول بشخصية للمجتمع وإنّ الـمجتمع «عدد من البشر ليس إلا»، هي نظرة مناقضة كل الـمناقضة لنظرة سعاده التي بها نشأت الـحركة القومية الاجتماعية وعلى خططها تسير.
إنّ ترجمة النظرة البرديايفية أو الكركيغاردية إلى العربية وتعريف الفكر السوري إليها قد لا يكون شيئاً يوجب الاعتراض. ولكن يوجب التدخل والتوقيف محاولة إحلال النظرة الشخصية الفردية الـمذكورة محل التعاليم القومية الاجتماعية ونظرة النهضة القومية
الاجتماعية واستخدام أجهزة الـحركة القومية الإذاعية لبثّها بدلاً من تعاليم الـحركة نفسها التي نشأت تلك الأجهزة لها خصيصاً والتي تدور على محور الـمجتمع وليس على محور الفرد أو الشخصية.
لسـت بـداخل هنا في أسـاس النظـرة الكركيغاردية أو البرديايفية الـمنعوتة بالوجودية أو الكيانية. إذ ليس هذا الكتاب مجال مثل هذا البحث. ولكني أريد هنا أن ألفت نظركم إلى أنّ من واجباتي الأولية عدم إجازة التناقض التعليمي والتوجيهي في صلب الـحركة وقيادتها وعدم السماح بتشعب النظرة إلى الكون في هذه الـحركة أو بلبلة تفكيرها.
إنّ اجتهادكم الشخصي في تعليم النظرة البرديايفية من مراكز الـحزب العالية التي وصلتم إليها يدل على أنكم لم تهتموا بدرس العقيدة القومية الاجتماعية ونظرتها ولم تأخذوا بعين الاعتبار أنّ الـحركة نشأت على عقيدة أي فلسفة اجتماعية كاملة موجودة في الـمبادىء وفي كتابات الـمعلم وشروحه في كتبه وخطبه ومحاضراته وأحاديثه وفي قدوته. وإنّ الواجب الطبيعي لهذه الـحركة تثبيت عقيدتها وانتصارها ككل حركة في العالم تقوم بتعاليم أساسية.
هذه الـحقيقة الأساسية لا تتضارب مطلقاً مع مبدأ الـحرية الذي يعني إجازة انحياز كل أصحاب عقيدة ما بعضهم إلى بعض للسعي لتحقيق عقيدتهم ولا يعني مطلقاً وجوب إجازة العمل ضمن نطاق العقيدة الواحدة لعقيدة غيرها مخالفة لها أو رامية إلى هدمها.
إنّ البيان الـخطي الذي قدمتموه إليّ قبل سفركم إلى منفذية الشاطىء الذهبي عن أعمال عمدة الإذاعة لم يشتمل إلا على بيان بعض الأعمال الدورية أو الشكلية ولم يتعرض لشيء من الأساس وتفاصيله ولا من القضايا والنتائج الـحاصلة، أعني النتائج الإذاعية للنظرة القومية الاجتماعية ورفع مستوى فهم هذه النظرة على أصولها ووجهها الصحيح في مجموع القوميين الاجتماعيين. لذلك لست على بصيرة من الـمرامي والنتائج الإذاعية الروحية والفكرية لنشاط عمدة الإذاعة التي تقومون عليها.
ولـما كان استمراركم في العمل على رأس بعض الأجهزة الإدارية العليا على أساس نظرة الفلسفة الشخصية الفردية الـمخالفة لنظرة الفلسفة القومية الاجتماعية يعرّض الـحركة القومية الاجتماعية إلى التبلبل والتفسخ بتأثير عدد كبير أو قليل من الأعضاء بتعاليم الـمدرسة الكركيغاردية - البرديايفية من غير أي تنبيه للهدف الأخير الذي ترمي إليه ولـمخالفته لهدف الـحركة القومية الاجتماعية الأخير، وبسبب إهمال شرح تعاليم نهضتهم، فإني أطلب منكم إعادة النظر في اتـجاهكم الفلسفي وعملكم الإذاعي والإدلاء إليّ بـموقفكم من العقيدة القومية الاجتماعية واعتباراتها الأساسية وبأهداف عملكم الإذاعي.
في هذه الأثنـاء، وإلى حين النظر الأخير في بيـانكم، أطلب منكم التقيد في كتابكم وتوجيهاتكم الإذاعية بما يلي:
1 - تـرك التوجيه بأية طريقة وبكل الطرق، إلى التعـاليم الكركيغارديـة - البرديايفية التي لم تعرض على مجالس الـحزب وعلى الزعيم للنظر والبتّ فيها.
2 - الاقتصار على الإذاعات عن الـحركة القومية الاجتماعية وما يـمكن اعتباره معبّراً عن حقيقتها أو موقفها بكل ما في هاتين اللفظتين من معنى.
وإني مستعد لـمباحثتكم شخصياً في جميع الأصول الفكرية التي تساعدكم على إعادة نظركم في اتـجاهاتكم الشخصية ضمن الـحركة القومية الاجتماعية وفي مسؤولياتها، وفي جميع القضايا التي يـمكن أن تكون موضع قلق لتفكيركم.
وإني أعتقد أنّ مصيركم في الـحركة القومية الاجتماعية يجب أن يكون غير مصير الاهتمام بقضية الشخصية الفردية التي تبقى شخصية بحتة مهما عممت، ونحن في مجال قضية الـمجتمع وليس قضية الفرد أو الشخصية الفردية.
وتفضلوا بقبول سلامي القومي ولتحيى سورية.