أيها القوميون الاجتماعيون،
إنّ هذا اليوم هو أسعد يوم رأيته في حياتي حتى اليوم، إذ أعود بعد نحو تسع سنوات اغتراب عنكم، لأنضم إلى هذه الـجموع النامية، التي تـمثّل أمة أبت أن يكون قبر التاريخ محلاً لها في الـحياة. بعد خمس عشرة سنة من جهاد نظامي عزّ نظيره في العالم كله، نقف اليوم أمة حية حرة منتصرة، منتصرة على الإرادات الأجنبية التي أرادت أن تبقيها مـمزقة بين الطوائف والـمذاهب الدينية التي مرجعها سماء واحدة، أتت تعاليمنا القومية ديناً جديداً واحداً موحداً ليرفع هذه الأمة إليها، إلى الـخلود فيها.
اليوم تخفق أعلام لنا وليس إلى جانبها أعلام أجنبية محتلة تخفق. وإذا كانت أعلامنا هي وحدها تخفق اليوم فيعود الفضل في ذلك إلى تعاليمكم، إلى إيـمانكم، إلى عملكم وإلى جهادكم الـموحد.
نحن اليوم في حالة استقلال لا نظن أنه الـحدّ الأخير لتقدمنا في الـحياة، هو خطوة من هذه الـخطوات التي تبتدئها هذه الأمة العظيمة الـجبارة، وهي خطوة هامة، أعود فأقول إنّ الفضل في اتخاذها يعود إلى عملكم وجهادكم الـمنظم.
أنتم لستم كالفئات الأخرى التي جاهدت وعملت جهاداً اعتباطياً متنافراً بعضه مع بعض، ولم يكن عملكم في الساعة الهينة من تاريخ هذا الاستقلال. إنّ عملكم لم يكن انتهازياً، لم يكن تـحت حماية الـحراب البريطانية، كما أنه في الـماضي لم يكن تـحت حماية الـحراب الألـمانية أو الروسية أو غيرها.
أنتم ناضلتم عن هذه الأمة وحيدين وأنقذتـم شرف الأمة وحيدين، يوم كان رجالكم قائدو النهضة في السجون مكبّلين ولكن رؤوسهم ظلت مرتفعة وإرادتهم ثابتة وعزيـمتهم صادقة لا يحنون هاماً ولا يتراجعون قيد شعرة عن الـمطالب العليا التي وقفنا النفس عليها. وأنتم كنتم أمل الأمة الصادق لم تتخلوا عن قيادتكم لا يوم كانت في السجون ولا يوم كانت وتكون في ساحة الـجهاد، في ساحة القتال الفعلي كلما دعت الـحاجة إلى ذلك.
في وحدتكم وجهادكم الـمنفرد، حين كانت ترتفع من فئات الأمة الأخرى أصوات تـمدح الأجنبي وتـحمده وتعلّم الشعب أن يحني هامه لـمدافعه وطياراته وحرابه، أنقذتـم شرف الأمة! إنّ موقفكم في ذلك الوقت العصيب هو هو موقف الأمة لا غيره.
هذه هي أعظم حقيقة لهذا الاستقلال، لهذه الـخطوة الأولى التي نقول إنّ خطوات أخرى ستعقبها إلى أن تنال الأمة الأمل الأخير الذي ترمي إليه.
إنّ من انتصاراتكم أيضاً انتصاركم على جميع الإشاعات التي أوعز الأجنبي الـمحتل بها وجارته نفوس مريضة في هذا الشعب. اليوم وقبل اليوم وفي كل ساعة من وجودكم يعرف الـملأ أنكم لستم، كما أشاع الأجنبي وأشاع الذين تبعوا الأجنبي، أعداء للبنان والكيان اللبناني الذي يريده الشعب اللبناني.
إنّ عملكم القومي كان أصدق تعبير عن إرادة الأمة في لبنان وفي الشام، وفي فلسطين وفي شرقي الأردن وفي ما بين النهرين.
الكيان اللبناني.. وما هو الكيان اللبناني؟ أهو قالب من حديد يوضع فيه الفكر في لبنان لكي يضمحل في نفسه، أم هو دائرة ضمان لينطلق الفكر منها يعمم الإخاء في الأمة، يعمم الاتـحاد، ويوحّد الصفوف، ويجمع الأمة كلها على مستقبل لا نحيد عنه قيد شعرة.
ماذا يريد اللبنانيون من كيانهم؟ أن يكون فيه النور وأن يكون ما حوله محاطاً بالظلمة؟ إذا كان في لبنان نور فحقُّ هذا النور أن يـمتد في سورية الطبيعية كلها.
أنرضى نحن في لبنان أن يكون عندنا نور وأن لا يشترك في هذا النور جميع أبناء أمتنا؟ كلا! هذا هو الكيان اللبناني وهذا هو التعبير الصادق عمّا في النفس اللبنانية من سموّ ومن مرام خطيرة، تدل على نفس خطيرة جبارة. كل ما سوى ذلك هو باطل لا يـمثّل لبنان ولا يـمثّل إرادة الشعب اللبناني على الإطلاق.
إنّ الكيان اللبناني هو وقف على إرادة الشعب اللبناني. وقد أثبت الـحزب في جميع مواقفه أنه يضع إرادة الشعب فوق كل اعتبار في هذا الصدد. وإنّ تعاون الـحزب مع الـحكومات اللبنانية في جميع ما يتعلق بـمسائل السيادة حتى حين لا يكون راضياً عن سياستها الداخلية، لهو دليل قاطع على أنّ الـحزب لا يريد أن يفرض على الشعب اللبناني شيئاً فرضاً.
وكان انتصاركم أيضاً على إشاعة أخرى باطلة، وهي أنّ القوميين الاجتماعيين هم أعداء العرب والعروبة. إذا كان في العالم عروبة حقيقية صميمة فهي عروبة الـحزب القومي الاجتماعي.
ما هي هذه الـجامعة العربية التي تـمثّل العالم العربي اليوم؟ أهي فكرة العروبيين الـخياليين الوهميين الذين يريدون إمبراطورية عربية ووحدة قومية عربية؟ أم هي تطبيق ما نادى به حزبكم من إيجاد جبهة من الأمـم العربية تكون سداً ضد الـمطامع الأجنبية الاستعمارية، وقوة يكون لها وزن في إقرار الـمسائل السياسية الكبرى وتكون الوسيلة الفعالة لتحقيق إرادات هذه الأمـم كلها. الـجامعة العربية اليوم هي تـحقيق لـما نادى به الـحزب القومي الاجتماعي، فكنا نحن أصحاب العروبة الـحقيقيين وكان غيرنا أصحاب العروبة الباطلة. وبعد فنحن جبهة العالم العربي ونحن صدره ونحن سيفه ونحن ترسه.
إننا قد انتصرنا على الدولة الـمحتلة في هذا الـجزء، انتصرنا على احتلالها العسكري وانتصرنا أيضاً على ما هو أدهى من مدافعها وسلاحها الناري، على جميع الأباطيل التي رمت إلى تنفير الشعب من قضية الشعب. كم مرة سمعتم ما رمي الـحزب القومي الاجتماعي به من عمل لـمصالح دول أجنبية. فقد عيّنوا لكم هذه الدول بالضبط فقالوا إنها إيطالية وإنها ألـمانية وإنهما مشتركتان. وكان في هذه البلاد احتلال لهاتين الدولتين، احتلال بـمعاهدة مع فرنسة، وكانت لـجنتاهما في هذه البلاد - فهل تدخلت هاتان اللجنتان في مصير أركان الـحزب القومي الاجتماعي الـمسجونين من قِبَل الدولة الـمتعاقدة مع ألـمانية وإيطالية؟ لم يكن شيء من هذا قط! إنكم أنتم الفئة الوحيدة التي عملت بإرادة الأمة وحدها، غير مستندة إلى حراب الأجنبي من أي نوع. وها صفوف الأمة التي كانت مبعدة عنكم بالدعايات الفاسدة تدرك اليوم هذه الـحقيقة، وإنها معكم، لأنكم أنتم تنقذون شرفها في أحرج الـمواقف.
أيها القوميون الاجتماعيون،
أريد أن أمثّل لكم، تـمثيلاً يشبه الـحقيقة، حالة الاستقلال الذي نحن فيه. أريد أن أخاطبكم بتشابيه السجن. وإذا لم يكن كثيرون منكم قد دخلوا السجون ليعرفوا التشابيه التي أُوردها فلعلّ الكثيرين منكم قد عرفوا شيئاً بالسماع.
في حالة الاستقلال الـحاضرة خرجت الأمة من «القواويش» التي كانت فيها. خرجت الأمة من الـحبوس في داخل البناية التي أعدّها لها الاستعمار، ولكنها حتى الآن لا تزال ضمن السور الكبير الذي يحيط ببنايات السجن. نحن الآن خارج القواويش ولكننا لا نزال ضمن السور. الأبواب مفتوحة، التي إلى الداخل، أما التي إلى الـخارج فلا يزال عليها السجانون وهم دائماً منا في الغالب.
هذه هي حالة الاستقلال التي نحن فيها، غيرنا يريد أن يبتهج بها، غيرنا يريد أن يكون كالطفل في يوم العيد قد أتوا له بثياب مزركشة أزرارها لامعة، بعضها بشكل قائد قوى جيوش البر، وبعضها بشكل أمير بحر، وبعضها بشكل قائد طيران، ولكنها بالـحقيقة ألبسة ليس إلا. غيرنا يريد للأمة هذا الـمصير، أما نحن فلا تخدعنا الظواهر ولن نقصد في الـحياة لعباً.
أيها القوميون الاجتماعيون،
إنّ جهادنا يستمر، ويجب أن تذكروا دائماً أنّ فلسطين السورية، أنّ هذا الـجناح الـجنوبي، مهدد تهديداً خطراً جداً. إنّ إرادة القوميين الاجتماعيين هي إنقاذ فلسطين من الـمطامع اليهودية ومشتركاتها.
ولعلكم ستسمعون من سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الـخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات.
وأعود فأقول إنّ هذه الكيانات يجب أن لا تكون حبوساً للأمة، بل معاقل تتحصن فيها الأمة وتتحفز للوثوب منها على الطامعين في حقوقها.
إنّ كلمتي إليكم أيها القوميون الاجتماعيون هي العودة إلى ساحة الـجهاد.
أيها القوميون الاجتماعيون،
كنت أود أن يتسع الوقت لأصافح كلاً منكم، كل واحد بـمفرده وأتعرف إليه، ولكن الوقت ضيق. وهذا الوقت لا يكفي، ولكن عزيـمتي اليوم، كما كانت في الـماضي، أن أقصد مناطقكم وأزوركم فيها.