تدخل الزوبعة عامها الرابع، الذي تبتدئه بهذا العدد، مجتازة ثلاث مراحل توفرت فيها الـمعارك الفكرية، ومتغلّبة على صعوبات جمة ناشئة من عقلية الـجيل السوري الـحاضر وحالة النزالة السورية في الأرجنتين الاجتماعية والروحية والنفسية الـخاصة بالسوريين الـمغتربين والعادات التي اكتسبوها.
إذا استعرضنا أعداد الزوبعة، منذ بدء صدورها إلى اليوم، وجدنا أنّ العراك الفكري الداخلي بين عقيدة الـحركة السورية القومية الاجتماعية وغايتها ومراميها من جهة، وعقائد الرجعة والتأخر وفوضى التفكك والشقاق والاستهزاء وعدم الاكتراث من جهة أخرى، كان عنيفاً بقدر ما كان رائعاً.
وإذا تقصّينا الـحالة النفسية في الأوساط التي انتشرت فيها هذه الـجريدة أدركنا أنه قد حصل فيها تغيُّر أساسي، جوهري في تهيؤها الروحي ونظرتها إلى الـحياة وشؤونها وفي مناقبها وأخلاقها وطرق تفكيرها.
إنّ العمل الإذاعي - الثقافي السوري القومي الاجتماعي في الـمغترب بالصحف التي أنشأها وبالـمطبوعات التي نشرها، وبصورة خاصة، بـ الزوبعة التي وجدت في معظم أوقات سيرها تـحت توجيهات الزعيم نفسه في الـمسائل التوجيهية الأساسية، قد نـجح نـجاحاً كبيراً وغيّر حالة نفسية كانت من أدعى الـحالات إلى أسف مفكري النهضة السورية القومية الاجتماعية ودعاة الوعي القومي. فأصبح مـمكناً التأكيد أنّ فهماً جديداً وإدراكاً جديداً لقضايانا القومية ومشاكلها الـمختلفة ولأحوالنا الاجتماعية والسياسية قد حلاّ محل الدعاوات الرجعية والتعصبات العمياء، الـجاهلة والانقياد لتأثير الشعوذات الغريبة.
مقاييس جديدة حلّت محلّ الـمقاييس القديـمة غير الصالـحة لعهد جديد. كل شيء صار ذا قيمة جديدة غير التي كانت له: الـحرية، الـحق، الوطنية، الـحب، الشعر، الدين، البطولة، الرجولة، الـخير العام، السياسة، الاجتماع، الـمناقب، الأخلاق، الشرف، الغنى، الفقر، العز، الذل، القومية، الـجنسية، إلخ.
من مزايا هذه الـمقاييس الـجديدة أنها مضبوطة ذات قاعدة واحدة ودرجات متناسبة، وأنها تـحافظ على قاعدتها وشكلها في كل مكان وجدت فيه أو وصلت إليه. إنها ذات طبيعة واحدة في كل بيئة. فلن تـجدها في الـمغترب غير ما هي في الوطن، ولا في الأرجنتين غير ما هي في البرازيل، ولا في الـمكسيك غير ما هي في أميركانية. وبهذه الـمقاييس العامة الـمضبوطة بضابط رسمي وجدت في سورية وفي أوساط الـمهاجرين هذه الظاهرة الاجتماعية الـخطيرة التي تسمى: الرأي العام والإرادة العامة. رأي عام واحد لـجميع السوريين القوميين الاجتماعيين من جميع ملل سورية وطوائفها وإرادة عامة واحدة. لا جدال ولا مـماحكة ولا سفسطات ولا تردد عند الذين هضمتهم العقيدة الـجديدة. وعملية الصهر دائبة دائمة حتى تضمحل الـمتباينات جميعها ولا يبقى إلا التنوع الـمتجانس الذي يشكل وحدة أعضاء ومؤسسات وفروع ومواهب ومزايا تعمل بـمقاييس واحدة وتـجري بأساليب متنوعة إلى غرض عام واحد هو: القضية السورية القومية الاجتماعية الـمقدسة.
هذا العمل ليس شيئاً قليلاً ولا هيناً. إنه عمل عظيم على غاية الـخطورة. إنه عمل تغيير نفسية أمة بأسرها وإنشاء تاريخ جديد. إنه عمل إيجاد أمة جديدة من شعب قديـم!
وليس قليلاً ولا هيناً هذا القسم منه الذي تقوم به الـحركة السورية القومية الاجتماعية في أوساط السوريين عبر الـحدود. والسوريون عبر الـحدود هم أجزاء من قوى الأمة السورية، كما عرّفهم الزعيم وكما يدل عليه قدوم الزعيم إليهم بنفسه ليدعوهم إلى العقيدة القومية الاجتماعية وليعطيهم نصيباً في حركة البعث القومي.
إنّ ما بذل من الـمجهود في تذليل الصعوبات الكثيرة التي واجهتها حركتنا في الـمغترب، تبرره النتائج الـمحسوسة الـحاصلة، التي وصفناها آنفاً. والزوبعة تفتخر بجهـادها الكبير في الأعوام الثلاثة التي مرت وبتغلبها على جميع الصعوبات والـمقاومات الـمقصودة التي وجّهتها عناصر الرجعة ضد الـمبادىء والـمقاييس التي تذيعها هذه الـجريدة.
ويسرّ إدارة الزوبعة أن ترى إدراك أهمية عملها يـمتد في أوساط الـحركة حتى أنّ كثيرين أصبحوا يهتمون لتقدمها ويفكرون به جدياً وعمليّاً. وإذا كان قد تأخر تنفيذ الـمجهود في بعض هذه الأوساط فلغلط نظامي أو إداري فقط وليس لأي سبب روحي أو اعتقادي. وهذا التضامن الروحي هو في أساس البناء الـجديد الذي نشيده.
إنّ كلمة الزوبعة في مطلع هذا العام هي كلمة الأمر العامة في النهضة القومية الاجتماعية: الإيـمان والعمل.
بالإيـمان والعمل نقوم، وبالإيـمان والعمل ننتصر.