رفيقي العزيز جبران،
تسلمت اليوم رسالتيـن منك في وقت واحد وهما مؤرختان في 16 و18 فبراير/شباط الـحاضر. من الأولى فهمت أنّ الرفيق [إبراهيم] كردي متأكد من نـجاح عملية صنع الألواح ذات الأقنية بواسطة الضغط بالطريقة التي جربها. فإذا كانت النتائج العملية تبرهن على أنّ جميع تقديرات إبراهيم واختباراته مضبوطة وصالـحة فإنّ جميع القضايا الأخرى تهون.
مـما لا شك فيه أنّ الآراء الـمتعددة التي وقفت عليها من أشخاص لهم معرفة وخبرة في نوع صناعتنا جعلتني أشك في دقة ضبط تقديرات الرفيق كردي الصناعية، خصوصاً وأنّ تـجاربه كلها لم تـجرِ في القوالب الـحديدية التي يجب صنعها، ولذلك يـمكن أن تتعرض تقديراته لـخسارة بعض قوّتها أو متانتها بعد تـجربة القوالب والآلات الأكثر دقة وأقوى ضغطاً.
قد وصلت الآن إلى أكثر ما أردت الوقوف عليه في الـمدة القصيرة التي قضيتها هنا. وقد كان همي موجهاً: أولاً، إلى الاستيثاق من صحة الطريقة التي ارتآها الرفيق كردي، وثانياً، إلى معرفة أماكن الآلات وأثمانها وأهمها الآلة الضاغظة. وهذه قد أعطيتكما تفصيلاً عنها في كتابي الأخير الذي وضعته منذ يوميـن في البريد الـجوي. هذا فضلاً عن انشغالي مدة غير يسيرة في مسألة طلب الامتياز التي كانت معركة عنيفة سببت لي كثيراً من القلق وحملتني على ما لا أحب وعرّضتني لـمواقف حرجة، وعن تهيئة انتقال البيت وترتيب شؤون الزوبعة وغير ذلك.
أظن أنه سيمكنني معرفة شيء عن سير قضية تسجيل الاختراع في هذا الأسبوع وأريد أن أطمئن من هذه الـجهة قبل سفري. ثم إني سأذهب بعد غد، أو غداً إذا أمكن، إلى صاحب الـمصنع هنا الذي عرض الـمضغطة الـمائية (الهدرولية) لأسأله تفاصيل أخرى عن الآلة التي عرض عليّ صنعها. والأرجح أني سوف لا أوصي على شيء من هذا القبيل قبل سفري وبحثي مع إبراهيم. وسأسأل صاحب الـمصنع عن أسعاره للقوالب الـمصبوبة من حديد.
ثم سأهتم بشراء موتور بقوة نحو 25 أو 20 حصاناً. وآلة مازجة، ويجب أن أقول إنه فاتني شراء آلة جيدة للمزج، حسب ظني، لأني لم أكن متأكداً من نوع الآلة الـمازجة التي نحتاج إليها، خصوصاً وأني قدّرت أنّ الـمزج الـجيد هو شرط أساسي لـحصول نتاج جيد. وبعد اطلاعي على نوع الطاحنة الـمازجة وغيرها أصبحت أميل إلى الاعتقاد أننا نحتاج إلى آلتيـن واحدة مازجة مزجاً جيداً بحركة يفضّل أن يكون منها قضيبان أو قضبان يحركان الـمادة أثناء دورانها، وهذه من نوع التي فاتني شراؤها، وأخرى طاحنة تشبه التي أرسلت صورتها إلى توكومان. فيجب أن يخبرني إبراهيم إذا كان ذلك يفي بحاجتنا في عملية الـمزج.
فإذا أمكنني أن أجد هاتيـن الآلتيـن والـموتور بسعر رخيص قبل سفري فأشتريها وأبقي أمر الـمضغطة والقوالب لبعد عودتي إلى توكومان، مع ترجيح اعتقادي أنه سيوافقنا أكثر شراء هذه الآلة من مصنع بوينُس آيرس، وهو مصنع مشهور ويقبل طلبيات من معامل عديدة توصيه على آلات. أما مسألة تعاون خبير مصنع هوفر معنا فهذه لا يفسدها شراؤنا الـمضغطة في بوينُس آيرس نظراً لـحصولنا على أثمان أفضل كثيراً. فإذا لم يشأ خبير معمل هوفر التعاون ففي توكومان مهندسون وخبراء كثيرون يـمكننا استخدام أحدهم لأغراضنا.
مرسل إليك مع هذا الكتاب حوالة على البنك عددها 963.688 ومبلغها ثلاث مئة فاس، للانفاق على الـحاجات المستعجلة ريثما أصل إلى توكومان، والآن يترجح عندي أنّ سفرنا، أنا والعائلة، سيكون يوم الثلاثاء بعد القادم. أي في آخر فبراير/شباط. وأظن أننا نصل نحن وأثاث الـمسكن في وقت واحد أو بفرق أيام قلائل. فقد أخذت الشركة الأثاث من الـمنزل بعد أن صنع عاملها الـحواجز الواقية للقطع الثمينة والباقي يشبكونه في مستودعهم ثم يشحنون الكل.
صفية ظلت مريضة في حمى شديدة مدة ثمانية أيام. اليوم هي أحسن ولكن الـحرارة لا تزال مرتفعة قليلاً. الطبيب قال إنه أصابها إلتهاب الـحلق ووصف لها علاجاً كانت تتناوله بصعوبة وبعد جهد. قلقنا لأجلها وتعرقلت بعض مساعينا. وأظن أنّ تـحسّنها سيطّرد وتعود الأمور إلى مجاريها.
أتـمنى أن تكون أنت وإبراهيم بخير، وكذلك الرفيقة نبيهة [انطكلي الشيخ] وجميع الرفقاء العامليـن. قل لإبراهيم إني لا أشك في أمانته وإخلاصه وغيرته، ولكني أريده أكثر سرعة في إيصال الأمور إليّ، وأن يتعود كمال الدقة في الإيضاح وتفصيل الـمعلومات، لأنّ ذلك أدعى إلى النجاح الذي يلزمه اغتنام الفرص. فليخبرني دائماً بكل شيء وبتفصيل وليترك لي أنا تقدير الأمور وتقريرها.
سلامي إلى الـجميع. ولتحيى سورية.