رفيقي العزيز جبران،
كتاباك الـمؤرخان في 11 و12 فبراير/شباط الـحاضر تسلمتهما معاً اليوم قبل الظهر.
أدهشني كثيراً الأسلوب الذي لا يزال يستعمله الرفيق [إبراهيم] كردي في مخابرتي. فهو قد اكتفى بإطلاعي على أنّ «شخصيـن» مجهوليـن جاءا إليه وحدّثاه بإقامة الـمصنع على شرط كذا وكذا. ولم يذكر لي من هما هذان الشخصان الـمكتومان ولا شيئاً من الـمعلومات عنهما، ثم يعود فيكرر أنّ في توكومان أشخاصاً يقدرون أن يصنعوا كل شيء وأن يجهّزوا الـمصنع، الخ. وإنّ عودتي إلى توكومان هي أفضل شيء لأنّ كل شيء يتم فوق. وكل هذا كلام لا يعني شيئاً أكيداً ولا يضمن شيئاً.
وسابقاً قال لي الرفيق إبراهيم إنّ التصميمات جاهزة وإنّ أصحاب الـمصانع في توكومان يعرفون الـموضوع وينتظرون أن نوصيهم بصنع الآلات. ثم تبيّـن أنّ مصنع هوفر هو الوحيد الذي فهم عن الآلة الضاغطة التي نريدها، وأنّ هذا الـمصنع لا يعرف اختصاصيوه شيئاً أكيداً عن تفاصيل صناعتنا وما نحتاج إليه من أدوات، كما تأكد لي من محادثاتي معهم فوق ومن مقابلتي للسيد هوفر هنا، على ما أخبرتك في كتابي الأخير.
إنّ طريقتنا القومية الاجتماعية وتنظيم العمل يقضيان بالوضوح والتخصيص. وهذا يعني أنه لا يجوز أن يخابرني الرفيق كردي بقوله «إنّ أشخاصاً يقولون أو يعرضون». هذه الطريقة لا يـمكن أنْ أقبلها. والطريقة الوحيدة التي يـمكن قبولها هي هكذا: «جاء إليّ يوم كذا فلان وفلان، وهما صاحبا محلات كذا أو عاملان لكذا، وطلبا أو عرضا ما هو كذا وعلاقتهما هي مع فلان وفلان ويتعاملان مع... ورأيي فيهما هو كذا، فأعرض هذا الأمر لكم لكي تنظروا فيه وتقرروا ما يلزم في صدده.»
أما مسألة الشراء هل يكون في بوينُس آيرس أم في توكومان فهذه مسألة اقتصادية بحتة ولا مجال للذوق أو الاستحسان فيها. وإني أتعجب جداً كيف يعتقد الرفيق كردي أنه يـمكن صنع آلات أدق وأضبط في توكومان مـما يصنع في بوينُس آيرس، والعكس هو الصحيح، فما يصنع في بوينُس آيرس، إذا كان في مصادره، فهو أفضل الـموجود. وأما أن أترك دروسي واستخباراتي التي بدأتها وأسافر إلى توكومان، لأنّ «أشخاصاً» يقولون ويعرضون فأمر لا يليق سؤالي فعله.
يظهر من قضية «الأشخاص» الـمذكورين أنّ مرجعهم في بوينُس آيرس. فإذا كان الأمر كذلك فالأفضل أن يوصيهم الرفيق كردي بـمخابرة مراجعهم لإرسال مندوب من قِبلهم لـمخابرتي في ما يشاؤون. وهذا يسهّل لي معرفة أشياء كثيرة هنا ويجعل الاتصال مباشرة وليس بالواسطة. وهذه أمور يجب أن يترك الرفيق كردي تقديرها لي أنا، لأني أدرى بها، ولست أدري لـماذا يريد الرفيق كردي أن يرفض، كل ما ليس من مصنع هوفر وأن يقبل كل ما يعرضه هذا الـمصنع.
فهو قد قبل أن أشتري الآلة الضاغطة هنا على أن يصلحها مصنع هوفر، ثم بعد أن قدّم مصنع هوفر تقديره للآلة التي يريد صنعها هو صار الرفيق كردي يرى أنه لا لزوم لسوى آلة مصنع هوفر. إنّ هذه الـمسألة اقتصادية في الدرجة الأولى. وسؤالي ليس هل من لزوم لهذه الآلة أم لا، بل سؤالي هو: هل العمل بالضغط الصعودي يختلف كثيراً عن العمل بالضغط النزولي؟ أي هل يفرق كثيراً في سرعة الإنتاج أن يكون الضغط بالارتفاع إلى فوق وأن يكون بالهبوط إلى تـحت؟
متى عرفت ذلك بالضبط أقدر أن أقرر ما هو الأنسب حسب الأسعار، لأنّ الفرق في الثمن يـمكن أن يبلغ نحو ثلاثة آلاف فاس، وهذا شيء يجب أن أحسبه وأن لا أضع الـمصنع تـحت رحمة أسعار مصنع هوفر أو غيره. الـخبراء هنا يقولون إنّ الفرق قليل جداً في السرعة، لأنه بعد حدوث الضغط فوق تهبط اللوحة الضاغطة بسرعة ثوانٍ معدودة. فإذا كان هنالك فرق آخر فليخبرني عنه بالتفصيل.
بخصوص سمك اللوحة الـمموجة يختلف رأي الرفيق كردي عن اختبارات التقنييـن. فهؤلاء يقولون باستحالة أو صعوبة جعل الكثافة واحدة بالضغط على العجيـن، مهما كان القالب مضبوطاً. واختبارات الرفيق كردي ليست شيئاً مذكوراً بالنسبة إلى اختباراتهم وتـجاربهم الطويلة التي أوصلتهم إلى إيجاد الطريقة التقنية التي يصنعون بها الفيبروشمنتو اليوم.
فاختبارات الرفيق كردي كانت أولية وليست بضغط السائل بقوة نحو تسعيـن طناً وكانت في قوالب خشبية. وهو يظن أنّ اختلال الكثافة في ألواحه الأولى ناشئ عن ضعف الـخشب وعدم ضبطه، وأنّ القوالب الـحديدية الـمصبوبة أو الفولاذية تعطي الضبط الكلي في الكثافة. وأهل الـخبرة ، ومنهم السيد هوفر، لا يسلّمون بهذه النظرية التي هي نظرية ميكانيكية علمية، لا مسألة تركيب مواد. والـخبير الذي رأيته قبل مقابلتي لهوفر يقول إنه يـمكن ضغط الألواح الـملساء فقط بهذه الطريقة. أما الألواح الـمموجة فتحتاج إلى طريقة خاصة. فهنالك آلة خاصة لالتقاط الـمزيج حتى الكثافة اللازمة، ثم تضغط الكثافة ألواحاً وتذهب هذه الألواح إلى الآلة الضاغطة التي تـحدث فيها الأقنية، ثم تذهب إلى الـماء لتقسو وتتصلب فيه.
وهذه هي طريقة الأسطوانات (A cilendro) التي يعنيها «أشخاص» توكومان، على ما يظهر، وهي الطريقة الوحيدة، على ما يبدو، لـجعل الإنتاج في حالته الـمثلى. وبـما أنّ الرفيق كردي لم يكمل اختباراته الصناعية، والأصح أنه لـمّا يبتدئها، فآراؤه نظرية بحتة لا يـمكن التعويل عليها. وإني أرى الأفضل درس الـمسألة من جميع نواحيها قبل الـمغامرة في تـجارب لا لزوم لها على هذه الدرجة العالية من العلم.
فالرفيق كردي يجب أن يعلم أنّ مسألة الصناعة قد جازت، منذ زمان بعيد، التجارب الأولية التي يفكر فيها هو، ولو كان ضغط الألواح يتم بإتقان بواسطة القوالب فقط لـما كان احتاج أهل الصناعة إلى تركيب تلك الآلات واستحداث الطريقة التي يعملون بها الآن.
إني أحب أن يبدي الرفيق كردي رأيه، ولكني أوصيه أن لا يتشبث بـمسائل تقنية آلية لم تدخل في علمه ولا وصل إليها اختباره. إنه عمل طويلاً إلى أن وصل إلى الـمركّب. وفي أثناء عمله الطويل ظهرت له أغلاط كثيرة في ما كان يظن. وإذا أراد أن يسير على الطريقة عينها في الصناعة فسيمر وقت أطول، ويرى أغلاطاً أكثر قبل أن يصل إلى الـخطة الـمثلى. وما دام العلم أمامنا فيجب أن لا نعود إلى الظلمة. ويجب أن لا ندفع من جديد ثمن اختبارات دفع ثمنها غيرنا وأوضحها العلم. يجب أن نسير إلى النور ما دام لنا النور.
يحتمل أن أعود إلى توكومان في مدة عشرة أو خمسة عشرة يوماً. ولكن الأفضل أن أصل إلى ما أمكن من الدروس هنا، والأفضل الأفضل أن يقول الرفيق الكردي «للأشخاص» الذين يخابرونه إنّ عنواني في بوينُس آيرس هو في شارع Leondro N. alem 639 في الدور السادس والشقة ...alto, P، وإنه يـمكن الاتصال بي تلفونياً إما على عدد 31.4849 وإما على عدد 31.0309، وليكن ذلك سريعاً لأعرف ما هي مقاصد هذه الـجماعة قبل السفر من [هنا].
سيأتي جماعة «إكسفرسو أرخنتينو» غداً لوضع هياكل خشبية لأثاث البيت ويكون الشحن الأربعاء أو الـخميس، ويـمكن أن نوصيهم بإيصال الأثاث إلى مايفو أو بإبقائه عندهم هناك إلى أن نكون وجدنا منزلاً صالـحاً فنتسلمه منهم، ولا نكلّفك والرفيق كردي غير هذه الأمور. ويتوقف سفري أنا مع جولييت على سير قضية الصناعة هنا.
فإذا لم أفرغ من الدرس سريعاً فقد أرسل جولييت مع الصغيرة قبلي لتصرف بضعة أيام في بيليا نوقاس. إنّ في بوينُس آيرس أبواباً كثيرة وخبراء كثيرين، فإذا لم يتفاهم الـمرء مع واحد وجد غيره. أما في توكومان فإذا أقفل باب فلا نـجد غيره. و«الأشخاص» الذين يذكرهم إبراهيم يقولون إنّ خبراءهم موجودون في بوينُس آيرس.
وكلامهم ليس فيه أي إيضاح تقني. فليخابروا جماعتهم هنا ليخابروني قبل سفري فلعله يكون في هذه الـمسألة خير. وليعتمد الرفيق كردي اعتماداً كلياً على تدبيري وليرجع دائماً إليّ. ولا يقل «تعال» «ورح» وأقوالاً غامضة لا يـمكن أن أسلّم نفسي إليها.
أظن أني قلت الآن أهم ما يجب. إني متابع درسي وسأرى غداً الـخبير الذي تكلّمت عنه، وقد أقابل هوفر ثانية قبل سفره. ثم لا أزال أنتظر خبيراً آخر هو الذي خطط معملاً جديداً للفيبروشمنتو وآلاته ويـمكن أن يأتي بعد نحو يوميـن. إنّ هذه الدروس والـمقابلات لازمة للوقوف على متعدد الآراء واستخلاص الأوفق والأحسن منها. وهذا أفضل من الاتكال على رأي واحد ومصنع واحد ومورد واحد.
تأسفت كثيراً لاستعجال الرفيقة نبيهة [أنطكلي الشيخ] بتعييـن محام غير موثوق منه. والرفيق كردي أبدى رأيه فيه. وفي هذه الـمسائل يجب اعتماد الرفيق كردي قبل كل أحد لأنه خبير فيها. كل شيء يصلح.
سلامي إلى الـجميع. ولتحيى سورية.