نصل في سلسلة الأبحاث التي تنتهي في هذا الاجتماع إلى الـحلقة الأخيرة منه، الـحلقة التي تختص في غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي وخطته.
ابتدأت السلسلة بدرس مبادئ الـحركة القومية الاجتماعية من الـمبدأ الأساسي الأول إلى الـمبدأ الأساسي الثامن، ومن الـمبدأ الإصلاحي الأول إلى الـمبدأ الإصلاحي الـخامس الذي كان ختام الـمبادئ التي تكون أسس الـحركة القومية الاجتماعية.
واليوم نصل إلى غاية الـحزب وخطته.
قبل قراءة غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي وخطته أريد أن آتي بلمحة صغيرة عن الظروف التي وضعت فيها هذه الـمادة.
لم يـمضِ وقت طويل على جلاء القوات الفرنسية الـمحتلة من بلادنا فلا يجوز لنا أن ننسى بسرعة الـحالة التي كانت فيها أمتنا ووطننا.
قبل جلاء القوات العسكرية من هذه البلاد، في العهد الذي نشأت فيه الـحركة القومية الاجتماعية، في العهد الذي نشأ فيه الـحزب السوري القومي الاجتماعي كانت كل حياتنا الاجتماعية والسياسية محظورة بالقانون في هذه البلاد. وأعني بالـحياة الاجتماعية، الـحياة الـحرة الناشئة من صميم الشعب بإرادة الشعب.فقد كانت هنالك بعض تكتلات أو تـجمعات سياسية في هذه البلاد، لكن أكثرها كان موجهاً لـخدمة الأمر الـمفعول والإرادات الأجنبية. كانت محرومة من التعبير الـحر، لم تكن لها صفة صحيحة واضحة ولا صفة ثابتة مستمرة.
كنا في ذلك العهد في عهد القرار 115 ل ر الذي عرف بقرار منع الـجرائم أو منع التجمعات أو منع الـحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية في هذه البلاد. كان معنى ذلك القرار أن كل فئة تتجاوز الـخمسة أشخاص تـجتمع في مكان ما بغير إذن رسمي، وتشاء الإدارة الـحكومية أن تظن أنه يوجد مقاصد وراء الاجتماع، فلم يكن ما يـمنع دخول رجال التحري، رجال الأمن العام واستياق الـمجتمعين إلى دوائر التوقيف والتحقيق معهم في الـمقصود من الاجتماع.
في ذلك الوقت كانت السلطة الأجنبية تضبط كل حركة وكل شاردة وواردة في البلاد. وكانت الـجاسوسية متفشية ومنتشرة في كل الأوساط. وكانت الـخيانة أيضاً منتشرة وتصدر من كل جهة تقريباً بلا حساب ولا مسؤولية، لأن معنى الـحياة الـمجتمعية في بلادنا كان مفقوداً بالكلية. مقاصد الـحياة كانت مقاصد الأفراد، وفي الكثير مقاصد العائلات الـمتكتلة. أما الـحياة الـمجتمعية، الـحياة القومية ومصيرها فلم يكن هنالك من كان يظن أو يحسب نفسه مسؤولاً عنها.
كل واحد كان مسؤولاً فقط عن نفسه وغير مستعد إلا للنظر في مصالـحه الـخصوصية. لم يكن هنالك معنى للحياة (الاجتماعية) الـمجتمعية ومن كان يجسر على أن يظن أنه مسؤول عن الـمصير القومي، عن الـمصير الاجتماعي كان يرتكب خيانة لا تغتفر ويعرض نفسه للسخرية والاحتقار. وكم من مرة وجهت إلي استهزاءات واحتقارات عندما كنت أتكلم بشعور الـمسؤول عن حالة بلاده وأمته وعن مصيرها.
كل تفكير من هذا النوع كان يعد غباوة فلا يتردد السائل عن ترديد مثل هذا السؤال «شو بدّك تشيل الزير من البير؟» وتعابير من هذا النوع.
وكان كل خائن يظن أنه يقوم بـمهارة عظيمة إذا سبق غيره إلى الـخيانة ليستفيد من نتائجها. وإلى اليوم لا نزال نسمع من يقول «إذا لم أسبق أنا إلى الـخيانة يسبقني غيري ويأخذ الوظيفة. إذاً يجب علي أن أسابق في الـخيانة لأسبق غيري إلى اجتناء الفائدة التي يـمكن اجتناؤها من الـخيانة».
هذه كانت الـحالة وهكذا كان تدبير الإدارة وهكذا كانت الروحية السائدة في هذه البلاد.
إذاً كان يجب السير في أي عمل جدي بـمنتهى الـحرص والتكتم ومنتهى التدقيق من الوجهة السياسية من كل عبارة تكتب.
كان علينا أن نقاوم الضغط والإرهاب بالقصد الواضح والدبلوماسية التي يـمكن أن تنقذ القصد الواضح.
في ذلك الوقت وضعت مادة غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي وهذا نصها - «غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تـحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وتأمين مصالـحها ورفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية».
ترون من هذا النص أن «الغاية» وضعت بلباقة، وبنفس الوقت اشتملت على الوضوح اللازم.
لم يكن موجوداً في صلبها نص «إقامة نظام جديد». هذا التعبير أدخل حديثاً في نص الـمادة ولكنه لم يكن خافياً إذا لم يوضح في النص الأول فالـحركة القومية الاجتماعية في أعمالها وفي جميع الـمظاهر التي عبرت بها عن مقاصدها، عبّرت بجلاء أنها تقصد وأنها تتجه نحو إقامة نظام جديد للحياة.
لم يكن مـمكناً في تـلك الظـروف التعرض لإدخال تعبير من هذا النوع في نص الـمادة.
أظهرت الـمحاكمـة الأولى للحزب السوري القومي الاجتماعي بعد اكتشاف أمره في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، أظهرت تلك الـمحاكمة الـحكمة من عدم إدخال نص من هذا النوع في مادة غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي في ذلك الوقت. من التّهم التي وجهت إليّ في الـمحكمة، تهمة العمل على تغيير شكل الـحكم وقلب النظام القائم الذي يعرّض مرتكبه إلى العقوبة العظمى.
وجهت هذه التهمة شفوياً وخطياً. وفي الـمحكمة الـمختلطة اضطررت للإجابة على هذه التهمة. وقد استغرب الفرنسيون كثيراً في ذلك الوقت أني لم أرفض التهمة رفضاً كلياً مع أنه لم يكن هنالك نص يستندون إليه لتوجيه التهمة.
التهمة كانت السعي لتغيير شكل الـحكم. وكان جوابي أننا نعتقد بأن أشكال الـحكم تتغير وتتطور مع تغيير أحوال الشعوب وتطورها. أعلنت أن هذا اعتقادنا، ولكنني أحرجت الـمحكمة في إثبات أي دليل حسي أو عملي يدل على أننا ذهبنا نحو هذا القصد عملياً. فظهر جلياً أننا نفكر في أن الأشكال التي تعرقل تقدمنا وتـمنعنا من التقدم نحو حياة أفضل يجب أن تزول ويقام محلها نظام جديد فيه التعبير الصحيح عن مصالـحنا القومية وعن إرادتنا الـمجتمعية.
نتـابع الشـرح: «يتضح جلياً من نص هذه الـمادة أن النهضة القومية، البعث القومي، هي محور اهتمام الـحزب السوري القومي الاجتماعي، ويتضمن معنى النهضة القومية الاجتماعية تأسيس فكرة الأمة وتأمين حياة الأمة السورية ووسائل تقدمها وتـجهيزها بقوة الاتـحاد الـمتين والتعاون القومي الصحيح وإقامة نظام قومي اجتماعي جديد».
تأسيس فكـرة الأمة أثبتت في صـدر الـمقاصـد الواضحة من غاية الـحزب لأننا رأينا أن فكرة الأمة، أن معنى الأمة لم يكن واضحاً في بلادنا من قبل. لم تكن هنـالك أبحـاث علميـة اجتماعيـة في الـمعنى العلمـي Scientific ولا مـن أي نوع توضح ماهية الأمة.
وفي عدم وضوح فكرة الأمة لم يكن يـمكننا التقدم نحو أي عمل اجتماعي، مجتمعي قومي.
ما دمنا نختلف على من نحن قومياً، كيف يـمكننا أن نحدد «من نحن»؟
حدد البعض مجمـوع «نحن» بأننا سكـان جبـال لبنان. وحدد البعض الآخر «نحن» بأننا كل ناطق باللسان العربي من القارتين الآسيوية والأفريقية.
حدد غيرهم الأمة بالـمعنى القديم. قالوا «الأمة الـمحمدية» و «الأمة الـمسيحية» بـمعنى الـملَّة.
الأمة بالـمعنى الاجتماعي العلمي العصري كانت تعبيراً ليس له معنى صحيح ولا يـمكن التفاهم فيه لأنه لم يكن له مدلول واحد عند الـمتكلمين عليه.
فكان لا بد من الاتـجاه نحو تأسيس فكرة الأمة بالدرجة الأولى. بدون تأسيس فكرة الأمة بوضوح لا يـمكن القيام بنهضة قومية. لأن القومية هي التعبير الروحي الشخصي لشخصية الأمة. فإذا لم تكن هنالك أمة ولم تكن هنالك نفسية واضحة لا يـمكن القيام بنهضة قومية صحيحة.
والعمل لإيضاح فكرة الأمة لا يزال قائماً. ولا يزال العراك قائماً في هذا الوطن على تأسيس فكرة الأمة وسيظل العراك قائماً إلى أن يجد الـمجموع السوري كله نفسه بـمفهوم ومدلول واحد، يجمعه في شعور واحد، بنفسيته، بحقيقته، بإرادته ومقاصده العليا في الـحياة.
بعد تأسيس فكرة الأمة يجب الاهتمام بالأمة التي أصبح لها تـحديد واضح لم يعد متراوحاً، أصبح من الضروري الاهتمام بـمصير الأمة، بتأمين مصيرها، بتأمين حياتها ووسائل تقدم الـحياة نحو الـمثل العليا، نحو إقامة نظام جديد للحياة يجعل الـحياة أرقى وأفضل وأجمل.
فالـحيـاة وجمـالها وخيرها وحسنها هو الغاية الأخيرة. وليست الغاية العمل - كما كان يظن في حالات كثيرة من مثل التي نشأت ولم تتعمق - في مسائل الـحياة الاجتماعية وقضاياها.
ليست الغاية الاستقلال مثلاً. الاستقلال لـمجرّد الاستقلال ليس غاية لنا. ولا يـمكن أن يكون غاية أخيرة في مفهومنا ومدلول هذه الصفة عندنا.
الاستقلال عندنا واسطة لا غاية. الاستقلال واسطة لتحسيـن حياتنا وترقيتها وجعل إرادتنا في الـحياة نافذة.
نحن لا نريد الاستقلال لـمجرّد الاستقلال. نريد الاستقلال لأن لنا مقاصد في الـحياة. مقاصد نريد أن نحققها ولا يـمكن أن نحققها إلا بواسطة الاستقلال.
نحن في كل قضية، تلازمنا هذه القضية. لا نريد حرية لفلسطين من اليهود لـمجرّد تـحريرها من اليهود. فقد تتحرر من اليهود وتبقى للانكليز أو تبقى لـجماعة أخرى.
نحن نريد تـحرير فلسطين لأنها جزء منا ولأن حياتنا تنقص كثيراً إذا فقدنا فلسطين. وعندما نهتم بـمصير فلسطين لا نهتم بنقطة واحدة وهي مجرّد اليهود و «يأخذوها القرود بعد اليهود».
نحن نقول إنه يجب أن يخرج الـمعتدون من أرضنا لتبقى أرضنا لنا. ونقدر على تتميم أهدافنا ومقاصدنا فيها، فلنا في هذه الأمور دائماً قصد واضح، غاية أخيرة واضحة في جميع الـمسائل.
«فغاية الـحزب بعيدة الـمدى عالية الأهمية لأنها لا تقتصر على معالـجة شكل من الأشكال السياسية، بل تتناول القومية من أساسها واتـجاه الـحياة القومية».
يعني هذا أننا لسنا مجرد حزب سياسي. والـحزب السياسي هو الذي يجمع فئة من الناس على مصالح تتحد بنطاق تلك الفئة لتناوىء فئة أخرى ضمن البلاد وتتغلب عليها وتصل إلى الـحكم من أجل تـحقيق تلك الـمصالح الـمختصة بتلك الفئة.
نحن حزب يتناول ما هو أبعد كثيراً من مصالح فئة جزئية محدودة في الوطن والأمة. نحن حزب يتناول حياة الأمة كلها بـمجموعها، يتناول الـحياة القومية من أساسها والـمقاصد العظمى للحياة القومية كلها وليس لـجزء واحد منها.
نحن مثلاً هنا في لبنان لا نريد أن ننزِّل الأشخاص القائمين في الـحكم لنقعد مكانهم أو ليقعد مكانهم آخرون، ولذلك أعلنت أننا لسنا آلة تستخدم من قِبل بعض الفئات ذوي الـمصالح الـجزئية لتتمكن من قلب الـحكم الـحاضر ليجلسوا هم في مكان الـجالسين اليوم. ومع أننا كنا في حرب مع الـحكومة في الصيف الـماضي وبعد الانتخـابـات إبـان الـمصـادمـات بيـن فئـات الشعب والـحكـومـة، لـم أقبل قط أن ننـدمـج فيما سميَّ معـارضـات للحكومة لأننا وجـدنـا تلك الـمعـارضـات جزئية لا تختلـف في طبيعتها وجوهرها عن الفئة الـحاكمة مثلاً. أي أننا لم نكن ننتظر أنه إذا نـزل ريـاض الصلـح وقـام مكانـه عبد الـحميد كرامه تتغير أحوال البلاد والأمة والسياسة.
لم يكن قصدنا تغيير الأشخاص لـخدمة مصالح جزئية. فضَّلنا أن نبقى محاربين الـحكومة من أجل مبدأ عام هو مبدأ حق الـمواطن في التعبير عن رأيه بحرية وفضَّلنا أن نبقى وحيدين على أن نترك وضعنا ومواقفنا ونبدله بـمواقف فئات تنظر غير ما ننظر نحن فتضيع وتختلط مقاصدنا بـمقاصد غيرنا فتضيع غايتنا في غاياتهم.
لذلك فضَّلنا أن نبقى في الـمعركة وحيدين، واستغرب الكثيرون جداً لـماذا لم ننتهز الفرصة للتخلص من هذه الـحكومة.
قصدنا ليس التخلص من الـحكومة أو رجال الـحكم بل الاتـجاه نحو إقامة نظام جديد للحياة القومية بأسرها. وفي هذا الاتـجاه الواضح لم نكن نـجد في الفئات التي تعمل لـمعارضة جزئية أي استعداد لفهم هذه الناحية وللسير معنا في هذا السبيل.
إذن نحن لسنا حزباً سياسياً يخدم مصالح فئة معيّنة، بل حزب يعبّر عن مصلحة الأمة، عن الـمصالح القومية كلها ويسير لتحقيق الـمصالح القومية كلها، بالتضحية. بتضحية أفراد وفئات كبيرة وعديدة منا. بألوف من القوميين الـمستعدين لتحمّل جميع أنواع الآلام وخوض جميع الـمعارك لنصرة قضية الأمة وحق الأمة في الـحرية والاتـحاد وحق الأمة في الـحياة الـجيدة الـمثالية.
لذلك كانت غايتنا متناولة القومية من أساسها واتـجاه الـحياة القومية.
«إن غـرض الـحـزب هو توجيـه حيـاة الأمـة السـوريـة نحو التقدم والفلاح، هو تـحريك عناصر القوة القومية فيها لتحطيم قوة التقاليد الرثة وتـحرير الأمة من قيود الـخمول والسكون إلى عقائد مهترئة والوقوف سداً منيعاً ضد الـمطامع الأجنبية التي تهدد مصالح ملايين السوريين وكيانهم، وإنشاء تقاليد جديدة ترسخ فيها نظرتنا الـجديدة إلى الـحياة ومذهبنا القومي الاجتماعي».
هنا عبارة تـحتاج إلى شرح موجز «تـحطيم قوة التقاليد الرثة وتـحرير الأمة من قيود الـخمول والسكون».
إذا وقفنا عند هذا الـحد من العبارة قد يتضح أننا فئة تقول بالفوضى، أي شق كل تقليد لـمجرّد تخريب التقاليد وليصبح كل واحد يسير على هواه مطلقاً العنان لرغباته وشؤونه الـخصوصية الـمحضة.
ليس هذا ما نعني بل هو أبعد شيء عما نعني، لأننا نحارب الفوضوية والفردية الغارقة في فرديتها، الـخارجة على الـمجتمع ووحدته ومصيره. نحن نقول بتعطيل تقاليد تـجمِّد حياة الـمجتمع وتـمنعه من التطور، والارتقاء نحو أفضل الـمثل العليا وأجملها وإشادة تقاليد جديدة تـحل محلها وتكون مسهلة لتطور الـحياة وارتقائها.
ونحن في الـحزب في مدة نحو خمس عشرة سنة ونيف قد أنشأنا وكوّنا تقاليد جديدة تظهر فيها قيمة نظرنا واتـجاهنا وفاعليتنا في الـحياة. وإننا حريصون جداً على أن تستمر هذه التقاليد الـجديدة التي تؤمن حياة جديدة فيها العز والكرامة والـخير والـمجد.
«إن غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الـحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا الـمجتمع القومي، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والـمناقبية وأغراض الـحياة الكبرى. فهي تـحيط بالـمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تـحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الـحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية، التي تكوّن قضية ونظرة إلى الـحياة كاملة، أي فلسفة كاملة».
إن من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين الـمقاصد الكبرى، هي مسألة الأخلاق. هي مسألة العقلية الأخلاقية. هي مسألة الروحية الـحقة التي يـمكن أن تفعل في الـجماعة، في الـمجتمع.
كل خطة سياسية وكل خطة حربية مهما كانت بديعة ومهما كانت كاملة لا يـمكن تـحقيقها إلا بأخلاق قادرة على حمل تلك الـخطة، فيها صلابة العزيـمة وشدة الإيـمان وقوة الإرادة واعتبار الـمبادئ أهم من الـحياة نفسها.
لأن الـحياة الإنسانية بلا مبادئ إنسانية يتمسك بها الإنسان ويبني بها شخصه ومعنى وجوده، هي باطلة، هي شيء يساوي حياة العجماوات.
في كل ناحية من نواحي أعمالنا القومية والسياسية في بلادنا، في كل فئة أو بيئة لم تتخذ عقلية أخلاقية أساساً يضطلع بالأغراض والأعمال نـجد التشويش والفشل والـخيبة.
كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إنّ الأخلاق هي في صميم كل نظام يـمكن أن يكتب له أن يبقى.
في الـمعارك الدائرة اليوم في سورية - في الـمعارك السياسية، في لبنان والشام والعراق، في كل مظهر من مظاهر أعمالنا الفكرية والسياسية والاجتماعية، نـجد كم هو ضروري العامل الأخلاقي وكم ينقص مجتمعنا تأسيس عقلية أخلاقية جديدة لأن العقلية الأخلاقية الـجديدة هي شيء أساسي جداً، وفي رسالات وخطب ومحاضرات عديدة وجّهتها إلى القوميين الاجتماعيين أظهرت كم هو أساسي وضروري فهم العقلية الأخلاقية الـجديدة التي تؤسسها تعاليم الـحزب السوري القومي الاجتماعي.
في نظام غير نظامنا نـجد حالات أليمة. يتجه الفرد الذكي في بلادنا أول ما يتجه إلى ناحية السياسة. نحن أكثر أمة في العالم اشتغالاً في السياسة. والسياسة هي أساس العقلية الأخلاقية القديـمة في هذه البلاد.
تكاد لا تخاطب واحداً ذكياً في هذه البلاد إلا وتـحس أنه يخاطبك بـمهارة سياسية فائقة. تـحس كأنه دبلوماسي جاء من بلاد الإنكليز، وتـحس أنّ السياسة تبعده عنك بقدر ما هو بعيد الإنكليزي عنك.
الـمفقود بيننا التصارح الفكري الـخالي من السياسة، الـمفقود بيننا الشعور بأنه يجب حين يخاطب واحد منا الآخر أن يضع السياسة في خزانة ويقفل عليها بالـمفتاح.
لا يجوز في الإخاء القومي الصحيح أن نتكلم في السياسة. السياسة يجب أن تترك للمتخصصين في السياسة، أما القومي فيجب أن يكون قومياً صحيحاً مجرّداً من السياسة في كل مجتمع وفي كل حديث مع كل مواطن من أمته.
بدون الوصول إلى حياة من هذا النوع يظل واحدنا لا يدري. أليس يسمع من مواطن يجالسه عبارات ثناء ومديح أو إطراء؟ هل هذا الـمديح يكون صريحاً ومخلصاً صادراً عن الوجدان بأن هذه هي الـحقيقة؟ يظل الواحد يخاف من جاره، يخشى أن يكون متلاعباً بضميره، بشعوره، بـمهارته الدبلوماسية السياسية.
العقلية الأخلاقية الـجديـدة التي نؤسسها لـحياتنا بـمبادئنا هي أثمن ما يقدمه الـحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لـمقاصدها، ولأعمالها ولاتـجاهها.
«وإن إيجاد جبهة من أمـم العالم العربي تكون سداً ضد الـمطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار الـمسائل السياسية الكبرى هو جزء متمم لغاية الـحزب السياسية من الوجهة الـخارجية.
إن سورية هي إحدى أمـم العالم العربي، وإنها هي الأمة الـمؤهلة لقيادة العالم العربي، وما النهضة السورية القومية الاجتماعية إلاّ البرهان القاطع على هذه الأهلية».
لـماذا هذه النهضة برهان واضح قاطع على أهلية سورية لقيادة العالم العربي؟
لأن هذه النهضة، بتعاليمها، بـمثلها، بالنظام الذي أوجدته في داخلها والذي ترمي إلى تـحقيقه في الأمة كلها، هو شيء وحيد في شرقي البحر الـمتوسط وله خصائص وميزات يـمتاز بها بالنسبة إلى كل مجتمع حر في العالم كله. في كل أمر من أمور الـمجتمع الإنساني، في النظر إلى الفرد، إلى الـمجتمع، في قيمة الإنسان، في قيَم الـحياة للإنسان، في غرض الوجود الإنساني، في كل هدف من هذه الأهداف العظيمة التي وضعها الـحزب السوري القومي الاجتماعي ويسعى لتحقيقها، يظهر أنه قد تـحققت في هذه البلاد وثبة كبيرة من وثبات الفكر الإنساني.
في كل أمة، في كل قطر من أقطار العالم العربي يسمع الـمحدث أو الـمباحث اعترافاً واضحاً صريحاً من كل من اطلع على هذه النهضة في هذه البلاد أنها أحسن ما وجد في العالم العربي.
ثم من حيـث التنظيم الفكـري والسيـاسي والعملـي ــ في مصر سمعـت من أشخـاص يعملون في الـجامعـة العربيـة أنهم يحتـاجون إلى تنظيمنا وإلى خططنا التصميمية. ويريدون منَّا أن نعمل بدلاً من غاية نهضة سورية لوحدة عربية.
فإذا عملنا واتـجهنا هذا الاتـجاه ــ فإنهم يريدون كثيراً أن نشترك وأن يضعوا في أيدينا تنظيم أعمال كثيرة في الـجامعة العربية والعالم العربي.
أقول هذا بشيء من الاعتداد لأن التعبير كان «تنظيم كل شيء في داخل الـجامعة العربية وخارجها».
لا يخطر ببال هؤلاء الـمتمنيـن هذه التمنيات أنّ نظام الـحزب هو حقيقة بالـمبادئ، بالأسس الفكرية والـمبادئ الأساسية التي يقوم بها هذا النظام. إذا انتقلنا إلى ما يريدون، نكون قد انتقلنا من النظام إلى الفوضى، لأن في أسس هذا النظام النظر الصحيح إلى الـمجتمع الإنساني وفهم الـمجتمع الإنساني فهماً صحيحاً حقيقياً. فإذا خرجنا عن هذه الأسس الصحيحة وسلّمنا بالانسياق مع التيارات الفورية الـجامحة التي لا إدراك صحيح لها للوضع العالـمي، فقد سلّمنا بجهلنا الوضع وقد سلّمنا بتعطيل قوة العقل وتسليط نفسية الـحدس (Intuition) والتمنيات على أعمالنا. وليس في فلسفتنا ما يجعل للحدس والتمني درجة أعلى على العقل والـمنطق وقد أوضحت هذه النقطة في محاضرة سابقة.
نحن لا نسلّم حركـة ومجهوداً إنسانياً عظيماً لقوة حدس وتخمين لشعور أو عاطفة أو رغبات استبدادية غير مستمدة من حقيقة الـمجتمع، من نفسيته وأغراضه الصحيحة في الـحياة.
خروجنا من الشيء الواضح إلى الشيء غير الـمضبوط وغير الواضح، يعني خروجنا عن النظام إلى الفوضى فنصبح بلا قوَّة لنا على التنظيم لأننا نضيع في هيام الرغبات والأهواء، ولا نعود ندرك مقاصد حقيقية في الـحياة.
إن وجود هذه النهضة في وحدتها الـحقيقيـة الطبيعية في ذاتيتها الصحيحة هو الدليل الواضح القاطع على امتياز هذه النهضة على كل الأعمال غير الـمستمدة من حقيقة الـمجتمع الإنسانية. وامتيازها لأنها تقيم نظاماً فكرياً، عقلياً، اجتماعياً جلياً صحيحاً قد أقامته في وسطها وهو يـمتد، وكل الدلائل تدل أنها ستقيمه في الوطن السوري كله.
«من البديهي أن الأمة التي لا عصبية لها تكفل القيام بنهضتها هي نفسها، ليست بالأمة التي ينتظر منها أن تنهض الأمـم الأخرى، وتقودها في مراقي الفلاح».
لا يـمكننا أن نقود العالم العربي، ولا أن نقود أنفسنا إلا إذا كان لنا إدراك واضح صحيح لـحقيقة مجتمعنا ولا بالنهوض بهذه الـحقيقة بعصبية صحيحة للحق الذي نعلنه.
«إن القومية السورية هي الطريقة العملية الوحيدة والشرط الأول لنهضة الأمة السورية وتـمكينها من الاشتغال في القضية العربية.
إن الذين يعتقدون أنّ الـحـزب السـوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضيـة العربيـة، لا يفهمـون الفرق بيـن النهضة السوريـة القوميـة الاجتماعيـة والقضيـة العربية،وقد ضلّوا ضلالاً بعيداً.
إننا لن نتنازل عن مركـزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، قبل كل شيء، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجـب على سـوريـة أن تكـون قويـة بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بـمهمتها الكبرى».
في سورية مجتمع إنساني يكاد يدرك بداهة بـمجرّد النظر، وهذا الـمجتمع إمّا أن تكون له نفسية مستمدة من تركيبه، من خصائصه الفيزيائية الأنتروبولوجية ومن تراثه و تاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي، وإما أن لا يكون.
فإذا لم يكن، ولم تكن له معاني الـحياة بذاته، يبقى منساقاً بتيارات من خارجه غريبة عنه لا يـمكن أن تـمثلّه تـمثيلاً صحيحاً مهما ادّعت أنها له ومنه، وإذا كان لهذا الـمجتمع هذه الـحقيقة، إذن إنه حقيقة من له نظر من ذاته إلى الـحياة وإلى وضع العالم وحينئذ يجب عليه أن ينهض بذاته لتحقيق ما يعتقد بذاته أنه هو الـحق والـخير، غير منتظر موافقة من هو خارج عنه أو رضاه، وغير منتظر أن يجاريه غيره.
إن إدراك الـحقيقة يوجب السعي في الـحال إلى تـحقيق تلك الـحقيقة، إلى تـحقيق أهداف وأغراض تلك الـحقيقة. أما إدراك الـحقيقة والانتظار من الآخرين أن يعرفوا بها فهو تعطيل للنفس وتعطيل لـحقيقة الـمجتمع في نظرنا إلى الأمور بذاتنا. إمّا أن يكون هنالك اشتراك حقيقي صحيح مع غيرنا فيحصل بطبيعة الـحال، وإمّا أن لا يكون. فإذا لم يكن لنا توافق مع غيرنا وقامت حركتنا تريد إيجاد توافق اصطناعي، كانت الـمحاولة فاشلة لا محالة.
فـإذا نهضنـا بذاتنـا للتعبير عن ذاتنا وعن مقاصدنا في الـحياة، فليس لأحد أن يلومنا بل عليه أن يقتبس منا، أن يتعلم منا، إنّ حياتنا نهوض، وإنّ الـحياة هي نهوض للتعبير عن الـحقيقة.
«إن الفكرة الشاملة التي أوجدها الـحزب السوري القومي الاجتماعي تكون قضية مثالية في الـحياة القومية. وليس يريد الـحزب حصر هذه الفكرة السامية ونتائجها الـخطيرة في سورية بل يريد حملها إلى الأمـم العربية الشقيقة عن طريق العمل الثقافي وتبادل الآراء والتفاهم لا عن طريق إلغاء شخصيات الأمـم العربية وفرض النظريات عليها فرضاً».
لا يـمكن أن نحمل إلى العالم العربي شيئاً. إلا إذا قررنا شيئاً نحمله. فإذا لم يكن عندنا شيء مقرر واضح مستخرج من نظرنا فلسنا بـمستطيعين أن نقدم شيئاً.
لذلك، شرط التعاون في العالم العربي هو أن نقدر على تقديـم شيء ولكي نقدر على تقديـم شيء يجب أن نكون نحن أولاً شيئاً.
لا يـمكننا أن نقدم شيئاً ونحن لا شيء. لا يـمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية.
لذلك نحن نرى هذه النهضة تؤهلنا للعمل والتعاون في العالم العربي لأنه حين لا تكون هذه النهضة لا نكون متعاونين بل نكون منساقين في تيارات في العالم العربي.
لكي نطمح إلى شيء يجب أن نشعر بأن هذا الشيء هو تـحقيق لتصميم ما في نفوسنا وليس تـحقيقاً لـمساومات سياسية أو لأمور وقتية لا قيمة لها في استمرار الـحياة.
«أما الوجهة السياسية من غاية الـحزب فمن الناحية الداخلية يعتبر الـحزب أن الـمسألة اللبنانية نشأت لـمبررات جزئية كانت صحيحة حين كانت فكرة الدولة دينية. ولكن مبادئ الـحزب السوري القومي الاجتماعي قد أوجدت الأساس الاجتماعي ــ الـحقوقـي القومـي. وبتحقيق مبـادئ الـحزب السـوري القومي الاجتماعي تزول الـمبررات التي أوجبت انعزال لبنان».
واضح أن الـمسألة اللبنانية ذات مبررات جزئية. إنّ أساس الـمسألة اللبنانية ليس في وجود لبنان مستقلاً، ولا في وجود بلاد لبنانية منفصلة، بل حتى ولا بوجود تاريخ لبناني مستقل. إن أساس الـمسألة اللبنانية شيء واحد ــ الـحزبيات الدينية، الدولة الدينية، الدولة القائمة على أساس مذهب ديني معيّن. الدولة القائمة على أساس ديني معيّن تعني أنها دولة ذلك الدين أو الـجماعة الـمختصة بذلك الدين، فيخرج من عضوية الدولة الصحيحة كل من انتمى إلى دين آخر.
الدولة الدينية لا تشمل إلا الـمنتمين إليها، الـمنتمين إلى الـجماعة الدينية، فمن خرج عن تلك الـجماعة كان موقف الدولة منه موقفاً خاصاً غير شامل، موقفاً يعبِّر عنه باللغة الأجنبية (Exclusive) أي أنها تُخرج عن دائرة حقوقها من كان خارجاً عن الـجماعة الـمنتمية إليها الـجماعة الدينية.
في بلادنا سيطرت الدولة الدينية، كما سيطرت أيضاً في أنحاء عديدة من العالم الـمتمدن تقريباً في بعض الأزمنة. وقد تكلمت في باب «فصل الدين عن الدولة» عن شؤون كثيرة توضح هذه القضية فلا أعود ولا أطيل اليوم ولكن أذكر أن كل مجتمع أوجبت الدولة الدينية فقدانه حرية العمل والسيادة والاتـجاه الصحيح القائم بالإرادة الذاتية ابتدأ يبحث عن حل لـمشاكله.
هكذا نشـأ النزاع بيـن البروتستانت والكاثوليك في ألـمانية. وأعيد القول إنّ بواعث النزاع والـحركة البروتستانتية لم يكن كله دينياً محضاً. كان في الـحركة الدينية دوافع سياسية هامّة وكذلك كان في الـحركات الشيعية في النطاق الـمحمدي. وقد أوضحت بعض هذه النواحي في كتاب نشوء الأمـم.
البروتستـانت حـاربوا، ليس فقط لبعض الاعتقـادات الدينيـة بل أيضاً ليتحرروا من سلطة رومة. والفرس صاروا في الشيعة، ليس فقط من أجل بعض الاعتقادات الدينية، بل للمحافظة على وحدتهم القومية من الانـجراح. فهناك عوامل سياسية أيضاً في هذه الأمور.
وفي لبنان نزع الـمسيحيون في حالة الدولة الدينية إلى أن يجدوا مخرجاً لهم من هذه الـحالة إلى وجود حالة يشعرون فيها أنهم يقدرون أن يعطوا تـحقيقاً عن أنفسهم، عن ذاتيتهم، عن وحدتهم. لأنه في الدولة الدينية لم يكن للمسيحيين حق بل كانوا تـحت الـحماية ــ أهل ذمة ــ والـمحمي ليست له حقوق العضوية في الدولة الدينية، نفس الـحقوق الـمدنية السياسية. واستمر هذا الاتـجاه إلى ما بعد الـحرب العالـمية الأولى، فأتى احتلال الأجنبي واستغل هذه الـحالة وعمل على تنفيذها فوجدت النزعة إلى الانفصال والاستقلال اللبناني على أساس الـحماية الدينية لا على أساس فكري اجتماعي اقتصادي لـجماعة تقطن هذه الـمنطقة.
وإذا كان قد بقي لـموجات الفكر السياسي الديني استمرار للجماعات في بلادنا فإن الـحـزب السـوري القومي الاجتماعي القائل في جملة تعاليمه بفصل الدين عن الدولة وإنشاء الدولة على أساس وحدة الأمة، وحدة الـمجتمع الواحد، ستزيل كل ما يـمنع العودة إلى وحدة القومية الصحيحة في جميع الدول السورية كما أزالته بالفعل ضمن نطاق الـحزب السوري القومي الاجتماعي.
إننا في الـحزب قد بطل أن نكون محمديين، مسيحيين، أو دروزاً، وصرنا سوريين قوميين اجتماعيين فقط في كل ما يعني الاجتماع والسياسة، وترك الـحزب في مبادئه حرية الاعتقاد الفردي الديني لكل عضو فيه، ولكل عضو في الدولة القومية الاجتماعية.
فإذا زالت مخاوف حرمان الـحقوق، وقد زالت بالفعل ضمن نطاق الـحزب السوري القومي الاجتماعي وستزول حتماً بامتداد النهضة السورية القومية الاجتماعية ومبادئها، لم يبق هنالك ما يبرر التجزئة والانفصال في الأمة الواحدة والوطن الواحد.
«ومن ناحية العالم العربي يرى الـحزب سلك طريق الـمؤتـمرات والـمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لـحصول تعاون الأمـم العربية وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الإنترناسيونية.
«ولكـن السيـادة القوميـة مبـدأ يجب الـمحافظة عليه في جميع الـمحالفات والعقود»
هذه النظـرة الـمستمـدة من غـايـة الـحـزب السـوري القـومـي الاجتمـاعـي، من تعاليمه، التي أصبحت نافذة في العالم العربي عملياً، هي الشيء الوحيد الذي أمكن العروبيون تـحقيقه.إنّ العروبيين في تـحقيق الـجامعة العربية لم يحققوا إلا النظرة العروبية الـحقيقية التي أعلنها الـحزب السوري القومي الاجتماعي ــ عقد الـمؤتـمرات والـمحالفات وإنشاء الـجبهة ــ أما جعل الأقطار والـمجتمعات في العالم العربي الكبير شيئاً واحداً، مجتمعاً واحداً، ونظاماً واحداً فقد بقي العروبيون بعيدين عنه اليوم كما كانوا بعيدين في الـماضي.
إن الـجامعـة العربيـة كمؤسسـة لإيجاد التوافق بيـن أغراض أمـم العالم العربي وإيجاد وسائل التعاون بيـن أمـم العالم العربي، كل أمة من أمـمه تعطي من ذاتيتها حيوية لقوّتها، إن هذه الـمؤسسة هي التحقيق العملي لنظرة الـحزب السوري القومي الاجتماعي وإن كانت، بطريقة عملها وفعلها، تـحقيقاً فاسداً لهذه النظرة.
وحيث يكون التحقيـق فـاسداً، بأي شيء تعتصم الـجمـاعـات؟ تعتصم بحق السيادة القومية «ولكن السيادة القومية» تبقي للمجتمع حق تقرير مصيره حتى إذا اختلت العقود والـمقررات.
بهذا تنتهي سلسلة الأبحاث في مبادئ الـحزب السوري القومي الاجتماعي.
ولتحيى سورية.