الندوة الثقافية من المؤسسات القومية الاجتماعية ذات الأهمية القصوى والمكانة البارزة بين مؤسسات الحركة القومية الاجتماعية العديدة. فهي ندوة يجتمع فيها مثقفو الحركة ومفكروها والقوميون الاجتماعيون المتعطشون إلى الإحاطة بمقومات نهضتهم وأسسها ونظرتها إلى الحياة في جميع نواحيها.
ومن المؤسف أن تكون هذه الندوة قد توقفت عن القيام بمهمتها إبان الحرب وأثناء غياب الزعيم القسري في المهجر، ومن المؤسف أن تكون الاجتماعات المعدودة التي عقدت في غياب الزعيم، في عهد نعمة ثابت وبعض المسؤولين، فاترة جداً، وفاترة جداً نحوها حماسة القوميين الاجتماعيين المتزني التفكير والصحيحي التوجيه القومي الاجتماعي، لأنها، بتدخل عناصر ميعان الفكر والنظر إلى القضايا العامة فقدت المبرر الأساسي الأصيل لوجودها ألا وهو توضيح العقيدة القومية الاجتماعية، وفلسفة النهضة القومية الاجتماعية ونشرهما، في الأوساط غير القومية الاجتماعية.
ولا غرابة أن يكون الإقبال على حضور أول اجتماع لها، أوائل كانون الثاني 1948 في منزل حضرة الزعيم براس بيروت، إقبالاً منقطع النظير، لأنه أول اجتماع لها يترأسه حضرة الزعيم ويتكلم فيه، بعد عودته.
فقد غصت باحة الدار الواسعة بحضور الكثيرين من القوميين الاجتماعيين، من الجامعة الأميركية وكلية البنات الأميركية والأوساط القومية الاجتماعية المتخرجة من هذين المعهدين وسواهما من المعاهد العليا في لبنان. كما حضر الاجتماع الأول عدد من محاميي الحركة وأطبائها والأساتذة القوميين الاجتماعيين. فتكلم حضرة الزعيم زهاء ساعة ونصف الساعة باللهجة والوضوح والشمول المعروف عنه. وفي ذلك الاجتماع أعلن الزعيم للرفقاء الطلبة أن انتشار الحركة القومية الاجتماعية في السنوات الأخيرة، كان مجرد انتشار أفقي، سطحي، يعرّضها بقاؤها عليه للميعان والتفسخ والتفكك. لذلك يرى أن الإسراع بإعادة الندوة الثقافية ودرس تعاليم النهضة القومية الاجتماعية والقضايا التي تتناولها ضرورة لا يمكن إغفالها.
هذا وعيّن موعد اجتماع الندوة الثقافية كل نهار أحد الساعة الرابعة بعد الظهر.
ظهرت هذه المحاضرات للمرة الأولى في مجلة النظام الجديد التي دوّنها جورج عبد المسيح. وقد ظهرت المحاضرات الخمس الأول بين آذار 1948 ونيسان 1949 وصدرت عن دار فكر للأبحاث والنشر أوائل تسعينات القرن الماضي في طبعة خاصة انطلاقاً من أنها ظهرت في مجلة النظام الجديد بإشراف الزعيم مما يعني دقة النص. إلا أن مقدمة المحاضرة الثانية تدل على أن المحاضرة الثانية على الأقل لم تجر صياغتها كما يجب بدليل قول المحرر:»لم يتمكن الأمين عبد المسيح من تدوين المحاضرة تدويناً كاملاً. فحدث تقطع في سلسلة الأفكار والشروح التي أدلى بها الزعيم وحصلت فجوات كانت أحياناً واسعة. ولذلك تظهر هذه المحاضرة دون الإنسجام والمتانة اللذين ظهرا في ارتجالها«. وبذلك لا يمكن الجزم أن بقية المحاضرات قد جرى التدقيق فيها.
وعلى هذا الأساس صدرت الطبعة الأولى لكتاب المحاضرات العشر في دمشق عام 1952 وتبعتها عدة طبعات بأغلفة مختلفة.
وقد رأت مؤسسة سعاده للثقافة أن تعيد طبعها ضمن سلسلة التصنيفات التي تعدها انطلاقاً من الأعمال الكاملة فكانت الخطوة الأولى عملية ضبط لغوي لنصوص المحاضرات دون المساس بالنص وقد قام بعملية الضبط الدكتور ربيعة أبي فاضل والدكتور رامز حوراني. الخطوة الثانية إضافة هوامش حيث دعت الحاجة وإضافة ملحقات إلى الكتاب تضمنت مرسوم إنشاء الندوة الثقافية والتعديلات التي طرأت عليه.
مؤسسة سعاده للثقافة