وجّه زعيم النهضة القومية النداء التالي:[1])
أيها السوريون المهاجرون،
إنّ نهضة الحزب السوري القومي، التي تمثّل يقظة أمتنا وهبوبها من مثاوي الخمول وارتقاءها إلى مستوى الأمم الحية، التي لا تقنع من الحياة إلا بالحياة المثلى، تتقدم الآن إلى ميدان العمل العلني الواسع، متغلبة على الصعوبات التي وضعتها الرجعة وأنصارها في طريقها، منتصرة على الاضطهادات التي وجهتها إليها المؤسسات التقليدية العتيقة والطبقة النفعية ذات المصلحة في الحكم، مستخرجة القوة السورية الجديدة من مكامنها، التي حجزت عليها فيه التقاليد الجائرة، لتظهر فاعليتها ومزاياها وجمالها، شاقة لها طريق النشاط والفلاح.
إنكم، أيها السوريون الـمغتربون، سمعتم كثيراً عن أعمال سياسية «وطنية» في الوطن، وكنت قد سمعت أنا نفسي كثيراً عنها حين كنت مغترباً معكم. ويؤسفني أن أعلن لكم أنّ جميع «الأعمال» السياسية، التي كانت آخذة مجراها قبل نشوء الـحزب السوري القومي، كانت أعمال شركات سياسية تعمل لـحسابها الـخاص ولنفوذها الـخاص عملاً خاصاً، بعيداً عن إنشاء الـمؤسسات الضرورية لـحياة الأمة وعملها القومي، مجرّداً من النظر في الـمصالح الأساسية الباعثة لوحدة الأمة ووحدة اتـجاهها، خالياً من الفكرة القومية الصحيحة ومن فكرة الإصلاح القومي. إنّ عمل الهيئـات السياسيـة في الوطـن، قبل نشـوء الـحزب الســوري القـومي، كــان عمل
شركات محدودة، بعضها عمل فيها أشخاص رموا إلى المجد الشخصي، وبعضها عمل فيها أفراد نفعيون مستغلون، وأكثر العاملين، على الإطلاق، هم من بقايا الطبقة الإقطاعية القديمة المقتدرة في أساليب السياسة المحلية الضيقة العاجزة كل العجز في السياسة القومية والسياسة الكبرى، لذلك كانت أكثر أعمالهم إما نفعية بحتة وإما مبنية على نظريات سطحية سريعة ومسائل فرعية، فكانت نتائجها خسائر كبيرة مادية ومعنوية يحاولون سترها بستائر براقة من تعابير وأسماء في الاستقلال والحكم الوطني.
كانت الهوة بين الشعب وقضيته القومية سحيقة. وكان مصير قضيته من الوجهة العملية، معلقاً على الصدف والاتجاهات الشخصية المطلقة. حتى نشوء الحزب السوري القومي، لم يكن في المجتمع السوري أي أساس للعقيدة القومية وعلاقتها بمصالح الأمة الأساسية، ولا نظريات قومية إصلاحية تشرك عناصر الأمة المتعددة في مجهود البعث القومي وإحياء الأمة. فلما ظهر الحزب السوري القومي حاملاً إلى الأمة مبادىء وحدتها وشخصيتها وقواعد تنظيمها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وضح للشعب الكثير من الحقائق التي كان يجهلها، وحدث تنبه عام من أقاصي البلاد إلى أقاصيها، فاتضحت صغارة الأعمال التي كان يدعى الشعب إلى القيام بها نزولاً عند رغبة متزعم إقطاعي أو فئة من المتزعمين. فانكشفت مساوىء الرجعة والأعمال اللاقومية ووضعت قواعد النهضة القومية الصحيحة فظهرت على أساسها طبيعة المصالح الداخلية وحقيقة المصالح الخارجية. فشعرت المصالح الأجنبية بخطورة النهضة، وأدركت الرجعية الخطر الموجه عليها. فتضافرت العوامل الداخلية والخارجية على محاربة الحزب السوري القومي. فكانت الاعتقالات والاضطهادات تترى، وتحرك رجال الدين والمؤسسات الدينية لتسميم أفكار الشعب باختلاق التهم الباطلة وتأويل المبادىء والغايات القومية، وشجعت في لبنان الأحزاب الدينية بقصد منع فكرة الوحدة القومية [وقام «الوطنيون» في الشام ينادون بالحزب الواحد، حزب «الكتلة الوطنية»، التي لم تخلُ من وطنية ولكنها لم تكن وليست حزباً وضع مبادىء قومية اجتماعية واقتصادية أو قام على مثل هذه المبادىء، بل أفراداً ذوي نفوذٍ اجتمعوا على بعض المطاليب الوطنية أو السياسية، التي لا تتناول نهضة ولا تقيم دولة، وكان من نتائجها حصول المعاهدة وفقد لواء الإسكندرونة وتعريض لواء الجزيرة العليا، بسبب فقد العوامل والروابط القومية الصحيحة.][2]
أيها السوريون عبر الحدود،
إنّ الحزب السوري القومي قد جاء الأمة بالمبادىء المعبّرة عن شخصيتها ومزاياها والقواعد الموحدة مصالحها الداخلية الاجتماعية والاقتصادية ووضع لها أساس السياسة القومية الذي يجب أن يحل محل أساس السياسة الشخصية القائمة عليه الأشكال السياسية الحاضرة المتصدعة. وجاءها أيضاً بالمؤسسات القومية العديدة لتحل محل المؤسسات التقليدية العتيقة التي هي المؤسسات الدينية والإقطاعية والعشائرية أو العائلية، وهي مؤسسات لا تصلح لمطالب الحياة القومية. فالحرب بينه وبين خصومه هي حرب بين عصر النور وعصر الظلمة، بين الحياة والتقاليد، بين المصلحة القومية والمصالح الشخصية، بين النهضة والخمول، بين الاجتماع القومي والاجتماع الديني أو العشائري، بين النظام والفوضى، بين مؤسسات الحياة القومية من اجتماعية واقتصادية وسياسية ومؤسسات التقاليد القديمة من دينية وعشائرية وإقطاعية، بين الحياة والموت. ومصير الأمة والوطن معلق على نتيجة هذه الحرب الداخلية العنيفة. فإذا جاءت تشنجات العراك السياسي الاقتصادي الإنترناسيوني، والأمة لا تزال تحت سيطرة المؤسسات العتيقة والعوامل الشخصية والاجتماعية المتضاربة، فمصيرها إلى استعمار وذل لم ترَ لهما مثيلاً. أما إذا جاءت هذه التشنجات الكبيرة، وقد انتصرت نهضة الحزب السوري القومي وحلّت مؤسساتها القومية محل المؤسسات الرجعية، فإن توحيد قوات الأمة وقواها يسمح لها بانتهاز الفرص وتثبيت سيادتها وحقوقها.
أيها المهاجرون،
لا تقولوا: مالنا ولما يحدث في الوطن الذي هجرناه، فأنتم سوريون وشرفكم مقيد بشرف سورية!
لا تقولوا: قد أصبحنا بين أمم حرة فلننس عبودية الأمة التي خرجنا منها. فأنتم بين الأمم الحرة كالحلميات تمتص من حيويات غيرها. فإذا لم تكونوا أنتم أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم!
تذكروا، أيها السوريون عبر الحدود، أنّ حرية الأمم التي تقيمون بينها لم تأتِ عفواً بل كانت نتيجة حروب سفكت فيها دماء كثيرة. فهي حرية قد قدستها التضحيات العظيمة، التي تضع عليكم واجبات أعظم!
إنّ الواجب يدعوكم إلى الاشتراك في هذا الصراع العنيف بين النهضة القومية وعوامل الرجعة، إنّ سورية تدعوكم لتبرهنوا عن معدنكم، ففي أي الصفوف ستقفون؟
لا تقولوا: وماذا نستطيع أن نفعل من هذا البعد الشاسع عن مركز الحركة؟ لا تكونوا قليلي الثقة بأنفسكم!
إنكم أنتم الذين بعدتم قد اكتسبتم من بعدكم التحرر من سيطرة المؤسسات والعوامل الرجعية، وأصبحتم أقدر على فهم حركة الحزب السوري القومي من الذين لا يزالون تحت رحمة هذه المؤسسات والعوامل في الوطن وتحت رحمة الظروف السياسية والاقتصادية الملحّة.
إنّ صلاتكم بالأمة لا تزال وثيقة.
لقد توجهت الأمة إليكم مراراً في محنها ونكباتها وكنتم في ظروف كثيرة عوناً كبيراً لها.
أما نحن فنتوجه إليكم في ظروف العمل الإنشائي، لا لتخفيف محنة أو نكبة، بل للاشتراك في العمل القومي العظيم من أجل حياة الأمة السورية وشرف السوريين.
فكروا جيداً واختاروا لأنفسكم مصير أمتكم ومصيركم!
ولا أخالكم إلا خارجين من تفكيركم بعزيمة معقودة على اختيار الحياة القومية ونبذ الموت القومي مصيراً.
إنّ بعضكم قد فكر و عقد العزيمة على السير مع حملة النهضة القومية، فأهنئهم من صميم قلبي وأرحب بهم باسم الحياة القومية، وأرجو أن تكونوا جميعكم في صفوف هذه الحملة المعبّرة عن إرادة أمة لا تُردّ!
في 28 ديسمبر/كانون الأول 1937
أنطون سعاده