الرفيق الساهر جورج بندقي،
بعد إرسال كتابي الأخير إليك، وردني كتابك الـمسهب الـمؤرخ في 24 سبتمبر/أيلول الـماضي، ووقفت منه على جلية الأمر في صدد مقالات «جنون الـخلود» وموقف الرفيقيـن فؤاد وتوفيق [بندقي]. والظاهر من هذا الـحادث أنّ الرفيقيـن فؤاد وتوفيق نسيا أنّ إنشاء الـجريدة كان لتكون تـحت مطلق تصرّف الـمراجع الـحزبية، وبدون أن يكون لهما، أو لأيٍ منهما، تدخّل في شؤون هذه الـمراجع وما تنشره، وأنهما لا يفهمان شيئاً عن فلسفة التنظيم والـحكمة من التزام كل فرد دائرة اختصاصه فلا يتعداها. ولذلك حصل في مسألة سورية الـجديدة ما يحصل للجيش الذي يخرج بعض جنوده من أماكنهم ليتدخلوا في شؤون القيادة على نسبة معرفتهم وإدراكهم: عرقلة خطط الـمعركة.
الـجريدة ليست مجلة علمية. والـجريدة الـحزبية تدخل كل معركة حزبية. ولـمّا كانت مهمتنا الأولى كشف القناع عن سِحَن الـمشعوذين «الوطنييـن» الـحقيقية، فإننا لا نستطيع إنقاذ الشعب من شعوذاتهم بالسكوت عليها، لتحقيق رصانة جوفاء ونظرية خرقاء. وما هي النتيجة التي نتوخاها من إطباق جفوننا على القذى؟
أما قول فؤاد وتوفيق إنّ ما نشر «يسيىء إلى سمعة الـحزب وسمعتهم» فهو نتيجة تـحليلك لـما حدث لهما مؤخراً بتأثير الـماكرين.
النتيجة الواقعية لـموقفهما هي أنه لم يعد لي أية سلطة على سورية الـجديدة، وأنّ السلطة لإدارة الـجريدة وسياستها أصبحت في الرفيق فؤاد أو في يده ويد الرفيق توفيق. وهذا يعني أنّ مسؤولية الإدارة وسياسة الـجريدة عائدة إليهما وحدهما.
إني بذلت كل ما في وسعي لـجعل الـجريدة ذات مركز شبه رسمي في الـحركة القومية. وكنت أنتظر حصول جميع الأمور التي رسمتها لتصدر إذاعة رسمية تـجعل القومييـن في جميع العالم يعدّونها الـجريدة الشبه رسمية للحزب. ولكن موقف فؤاد وتوفيق وتدخّلهما في تـحريرها أولاً، على زمن رشيد شكور، وأخيراً بنشر صور ومقالات وترجمات تخص إذاعة إحدى الدول لم يشجعاني على تنفيذ هذه الـخطة. وأظن أني أخبرتك أني حوَّلت الـمساعي التي كانت مبذولة في هذه البلاد لإنشاء جريدة إلى إنشاء مجلة لتبقى سورية الـجديدة منفردة بخاصة الـجريدة في هذا الوقت.
قد يتذمر الرفيقان فؤاد وتوفيق من النتيجة الـمادية، ولكن لا حق لهما بذلك، فالـجريدة نشأت في جو مسموم وحملت الرسالة ضد دعوات قديـمة متأصلة. ولكنها تـمكنت أخيراً بفضل قوة الرسالة والـمقالات العظيمة القيمة التي نُشرت فيها من اكتساب مركز سامٍ لم تكتسبه جريدة أخرى في الـمهجر، وأصبح الـجو متهيّئاً لاتساع انتشارها.وفي هذا الوقت حيـن تلوح تباشير الفجر بعد ظلمة الليل يقف الرفيقان فؤاد وتوفيق هذا الـموقف اليائس ويفشلان.
والـحقيقة أني أصبحت تعباناً من مخابرتهما بالواسطة. وما داما يريدان أن يكونا مرجع الـجريدة الأعلى فلماذا أتعب سدىً. ولست أغضب أو أنزعج إذا استقلا بأمرها، على شرط أن يحملا كل مسؤولياتها. وإني مستعد أن أساعدهما بكل ما أقدر عليه من وقتي، ولكني لا أتدخل في سياسة الـجريدة ومسؤولية تـحريرها وتوجيهها. وهذا الـحل قد يكون أفضل حل لشراكة لا يتفق الطرفان على سياسة أعمالها، فيستقل أحدهما بكل مسؤولياتها. وما كان يكون عندي أي مانع من الاستقلال بإدارة سورية الـجديدة الـمادية أيضاً لو أنهما خابراني في هذا الأمر، ولكنهما كانا دائماً يقولان نحن مستعدان لـحمل نصيبنا من الـمسؤولية الـمادية ما دامت الـحركة تـحمل الـمسؤولية الـمعنوية التي لا يشتركان هما فيها، إلا بـمقدار ما هما عضوان في الـحزب. وهكذا أجد أنّ الأفضل أن يستقلاّ هما بها إذ لا أتـمكن أنا من حمل مسؤولية أعمال لا يعود إليَّ أمر البتّ فيها. وهما بايعاني الزعامة عليهما فأحمل أنا مسؤوليتهما ما داما خاضعان لتوجيهاتي، ولكنهما حيـن يخرجان على التوجيهات يصبحان مسؤوليـن عن جميع الأعمال مباشرة وبدون شراكة أحد.
والآن فليديرا هما الـجريدة بأنفسهما كما يحبان ويرغبان، فلا تكون لهما ملامة على أحد ولا تذمر من أحد. وكل ما أفعله أنا هو أني أكتفي بإرسال توجيهاتي إلى الكتّاب القومييـن أنفسهم بدلاً من إرسالها إلى الـجريدة، فيكون ما ينشره هؤلاء الكتّاب معبّراً عن روحية الـحركة واتـجاهها، وكل ما ينشر في الـجريدة من أقلام كتّاب لا أعتمدهم في توجيهاتي لا تكون له أية قيمة توجيهية للقومييـن أو أية علاقة بـموقف الـحزب، وتكون مسؤوليته على إدارة الـجريدة الـمنفصلة عن إدارة الـحركة. فتكون لـِ سورية الـجديدة صفة «جريدة قومية خصوصية شخصية». وبهذه الصفة أناصرها بكل قوّتي وأمدّها بكل مساعدة أقدر عليها، ولكني لا أكون مسؤولاً عن شيء من سياستها وأمورها الإنشائية والتوجيهية. ويجب أن يفهم أنّ مساعدتي لها تكون بقدر محافظتها على مبادىء الـحركة السورية القومية وعلى صفتها السورية القومية. إني لا أظلم أحداً ولكني لا أقبل الظلم على نفسي أو على الـحركة القومية التي تعرضت كثيراً لتحمّل مسؤوليات جلبتها عليها نزعات بعض الأفراد القومييـن الذين أخذوا ينفّذون سياساتهم الـخصوصية باسمها. ولا أكتمك أنّ خروج سورية الـجديدة على توجيهاتي في ما تنشره من صور ومقالات لم تـحصل على موافقتي جلب على الـحركة بعض هذه الـمسؤوليات الـمجانية وأوجد لي ولها مشاكل كلفتني جهوداً كثيرة.
أرى من الـموافق أن تخابر الرفيقيـن إبراهيم حبيب طنوس ووليم بحليس وتطلعهما على الـموقف وتستشيرهما وتطلب مؤازرتهما الكتابية، وأنا أكتب لهما في هذا الأمر وأفعل كل ما أقدر عليه لتأييد الـجريدة من الـخارج لتظل قوية وميداناً لأقلام عدد من الكتّاب القومييـن.
إنّ مسألـة أحـرف 24 لـم تعد تهمنـي فقـد صرفـت النظـر عنهـا. لأني سأجـد أحرفـاً جديـدة.
بقي أن أقول كلمة بشأن موقفك الـخاص، فأقول إنك عملت بإخلاص الـجندي الـحيّ الوجدان، وقمت بـمهمتك على أفضل وجه، فإني مسرور جداً من عملك ومرتاح إلى موقفك. وإذا كانت قد صدرت منك بعض أغلاط لقلة الـخبرة فهي لا تؤثر شيئاً في الـمنزلة التي اكتسبتها، خصوصاً متى أخذ بعيـن الاعتبار وقتك وأشغالك الكثيرة. فأهنئك وأشكر إخلاصك وسهرك على الـمصلحة القومية التي نزهتهما عن كل غرض.
تأخّر الزوبعة كان لأسباب مطبعية، ولأنّ الظروف أوجبت صدورها بعجلة لـمعالـجة بعض الشؤون الـجارية هنا. وهي على رغم صغرها وعدم إتقان طبعها قد قامت بـمهمتها الأولية خير قيام، وأكسبتنا انتصاراً جديداً هنا. أتـمنى أن تـجوز أزمتك الصحية وأطلب منك أن توجّه في هذه الآونة عنايتك الكلية إلى صحتك فلا تتعرض لنتائج الإهمال. ولتحيى سورية.