نشرنا في عدد سابق خبر الاعتقالات التي أجرتها السلطة الاحتلالية في وطننا، وأذاعت بها بلاغاً اشتمل على «الأسباب» الداعية إلى تلك التدابير الـمشؤومة التي أرسلت عدداً من رجال الـحركة السورية القومية إلى السجن من جديد. وقلنا آنئذٍ إنّ الاصطدام حاصل بين الـحزب السوري القومي الاجتماعي والسلطة الـمحتلة لأسباب جوهرية تختلف كثيراً عن الأسباب الواردة في البلاغ الاحتلالي.
ادّعى الـمفوضون الاحتلاليون أنّ ما دعاهم إلى اعتقال بعض كبار القوميين الاجتماعيين وغيرهم من الـمشتغلين بشؤون سورية السياسية هو «وجود مستندات خطيرة»، وهي النغمة القديـمة التي استعملت في جميع اعتقالات الـحزب السوري القومي الاجتماعي الـماضية، ويضاف إلى عبارة «الـمستندات الـخطيرة»، عبارة «العمل بإيحاء برلين ورومة» القديـمة أيضاً.
أما الـمستندات الـخطيرة فقد كان شأنها، ولا يزال، أشبه شيء بالغول، أو العنقاء، تسمع بها ولا تراها ولا تعرفها. وأما «العمل بإيحاء برلين ورومة» فهو كالعمل «بإيحاء لندن وباريس» ويجب أن لا يؤخذ فيه البريء بجريرة الأثيم.
يوجد عمال لبرلين في وطننا والـحزب السوري القومي الاجتماعي يعرف بعضهم. ويوجد عمال لرومة في وطننا والـحزب القومي الاجتماعي يعرف بعضهم. ويوجد عمال للندن في وطننا والـحركة القومية الاجتماعية تعرف بعضهم. ويوجد عمال لباريس أو لفيشي أو لديغول في وطننا ونحن نعرف عن بعضهم. ويوجد عمال لتركية وعمال لروسية وعمال لدول أخرى في وطننا. وجميع من عدَّدْنا ليسوا من الـحركة السورية القومية الاجتماعية، أما السوريون القوميون الاجتماعيون فسيماؤهم في وجوههم وغايتهم واضحة كالشمس في رابعة النهار. لا يجيئهم الشك من أمامهم ولا من خلفهم ولا من عن جانبهم. وجميع الشكوك التي حاولت الإشاعات الـمغرضة والـمأجورة إثارتها على الـحزب السوري القومي الاجتماعي اضمحلت بالسرعة التي اقتربت بها من هذه النهضة الـجبارة الرائعة. وهذه الـمحاكمات السابقة والتحقيقات التي زادت على عشر مرات كلها كذّبت جميع ما حيك حول حزب الأمة السورية من الترهات والأباطيل الـمدعومة بالبراطيل.
إنّ ما يطلبه السوريون القوميون الاجتماعيون من القوات الـمحتلة ليس مستوحى إلا من حق الشعب السوري في الـحياة الـحرة والارتقاء. وهو طلب معتدل، كما أنه طلب عادل ويتلخص في هذه الكلمات القليلة: إنّ القوات البريطانية والقوات الفرنسية القليلة التابعة لديغول التي احتلت شمال سورية وأقامت مقام قوات فيشي التي ألقت سلاحها، وإنّ مراجع عليا بريطانية أعلنت كما بصوت واحد أنّ بريطانية وحلفاءها ينزلون عند رغبة الشعب السوري في لبنان والشام في الـمصير السياسي الذي يختاره الشعب، وأنّ مـمثلي بريطانية وديغول مستعدون للمفاوضة مع مـمثلي الشعب السوري في لبنان والشام، وأنّ للشعب ملء الـحرية في اختيار الانفصال أو الاتصال. وقد بدا للكثيرين أنّ هذه التصريحات الـخطيرة تفتح باب عهد جديد يزيل أسباب التصادم الـماضي بين مطاليب السوريين القومية العادلة وسياسة الانتداب الاستعمارية. ولكن الواعدين لم يحققوا وعدهم، بل عمدوا إلى إبقاء القديم على قِدَمه غير ملتفتين إلى إرادة الشعب ولا مهتمين لوجوب استفتائه. وأقاموا عليه فزاعات جديدة وقديـمة لا تعبّر عن إرادة الشعب ولا تـمثّل شيئاً من مطامحه. فما يطلبه الـحزب السوري القومي هو العودة إلى إرادة الشعب في تقرير مصيره واحترام نهضة الشعب السوري القومية. وعلى هذه القاعدة كل تفاهم وتبادل منافع مـمكن فلا يوجد ظرف واحد من الظروف أبى فيه الـحزب السوري القومي الاجتماعي التفاهم عى أساس وحدة الشعب السوري القومية وسيادته الفعلية على مقدّراته.
هذه الـمطاليب الصريحة الـجلية تختلف كثيراً عن الدعاوات السامة التي يقوم بها مأجورون للإرادات الأجنبية وللمنافع الإقطاعية والفردية الـمتواطئة مع الإرادات الأجنبية على امتصاص دم الشعب.
إنّ الدعاوات الـمغرضة التي سمّت نفسها «ديـموقراطية» حاولت أن تضع زعيم الـحزب السوري القومي الاجتماعي والسيد شكيب أرسلان في حالة واحدة، وكل مدرك مطّلع يعرف يقيناً أنه لا وحدة في الغاية ولا في العمل بين الزعيم والسيد شكيب أرسلان وهذا دليل على خبط الـمأجورين وتضليلهم.
الـحزب السوري القومي الاجتماعي له قضية قومية اجتماعية واضحة ولا تتعلق إلا بالشعب السوري وحالته ومصيره. أما الأفراد غير الـمسؤولين الـمشتغلون في الـمسائل السياسية السورية والعرب فلهم شأن آخر يعنيهم وحدهم ولا يعني شيء منه الـحزب السوري القومي الاجتماعي. إنّ وضع الـحزب القومي الاجتماعي في صف الأفراد الـخابطين في السياسة هو خطأ كبير وتدبير قبيح ورمية مشوية.