رفيقي العزيز وليم بحليس،
تسلمت اليوم كتابك الأخير الـمؤرخ في 20 سبتمبر/أيلول. وأتـمنى أن تكون صحتك قد صارت كما يجب فهي أساس الأعمال.
الشركة البرقية: كنت أتوقع أن أجد في كتابك نتيجة الـمقابلة مع الشخص الـمعيّـن من قِبل الشركة التي نقلت خبر انتقال محمد سعيد [مصون عابدين]. ولكني لم أجد شيئاً من ذلك ولعله سهو. فأمر من هذا النوع قد يكون ظاهره بسيطاً وغير هام، ولكن قد تكون في باطنه أمور هامّة، وإني آخذ عليك عدم إبلاغي في الـحال أنّ الشركة عيّنت لك شخصاً للاتصال، فمثل هذا الأمر ما كان يجب أن يغفل.
إذا كنت قد اتصلت بالشخص فيمكنك أن تظهر له أسفك من عدم التفاهم والتعاون مع الـحركة القومية، وتبيّـن له أنّ الطرق الإذاعية التي سلكتها الدولة فيما يختص بسورية كانت حابطة، لأنها اعتمدت العناصر الرجعية ولم تصل إلى نتيجة مع العناصر القومية الـمجددة التي عليها وحدها يتعلق الأمل بإحداث تغيير ما في سورية والشرق الأدنى، لأنها العناصر الفاعلة بينما العناصر الرجعية لا تفعل غير الكلام وقد أصبحت مـمقوتة من الشعب. واذكر له استهزاء الناس بكتابات شكيب أرسلان السخيفة. وقل له إنك كنت تود أن ترى سياسة الدولة وإذاعتها تتجه بالأكثر إلى التفاهم والتعاون مع الـحركة السورية القومية، وإنك ترغب في مقابلة أحد الـمراجع لتبلّغه رأيك ووجوب تغيير السياسة، وإنّ سياسة شكيب أرسلان والعناصر الرجعية مثله قد حبطت في جميع الـمهاجر السورية، وإنه إذا كانت مدينة الرسائل [برليـن] راغبة في عدم خسارة كل ميل السورييـن عنها وعن سياستها، فلا أفضل لذلك من تأييد النهضة السورية القومية والتعاون معها، لأنّ الشعب لا يرى خيراً إلا بها.
مهمة الـمرّ: إني أعلم جيداً ما هي مهمة السفراء. فكل سفير مختص بدولة وبنطاق محدود. ولكن هذا لا يـمنع أن يكلف أحد السفراء بصورة خاصة بالقيام بـمفاوضة أو مخابرة خارج نطاق صلاحياته الأولى. ولا شك في أنّ هذه الـمسألة عائدة إلى وزارة الـخارجية. فلو أبدى السيد الـمرّ وغيره آراءهم ورغبوا نقلها إلى الوزارة الـمذكورة لكان في ذلك فائدة.
السياسة البريطانية: لا تريد هذه السياسة توسيع شقة الـخلاف مع فرنسة. ومع أنها هي التي افتتحت شمال سورية فإنها لم تظهر إلا بـمظهر الـحليفة لـ «فرنسة الـحرة» لكي تظل محافظة على العلاقة مع فرنسة وهي تكون مستعدة، في هذه الظروف، للتضحية بسورية وبغيرها لقاء استعادة فرنسة إلى ناحيتها. وفرنسة أهم لها الآن من سورية، ولذلك ليس من الـمنتظر أن تغيّر بريطانية موقفها بالنظر لـما يظهر من حزب سوري مهما برهن أنه أقوى من غيره أو أقوى منزلة عند الشعب (هذه الفقرة لاطلاعك وليس لاطلاع الـمرّ).
مسألة سفري إلى الوطن: إني أكون مستعداً للسفر في أية دقيقة يتم فيها التفاهم بيني وبيـن الـمفوضيـن البريطانييـن، أو بين هؤلاء ومفوضي الـحزب في الوطن، فإذا كانت للبريطانييـن رغبة وأحبوا أن تكون الـمخابرة في الوطن فيمكنهم أن يبدأوا هناك ويسمحوا للمفوضيـن القومييـن بـمخابرتي للعودة في حالة حصول التفاهم. فالزعيم يعود إلى الوطن حسب اتفاق يؤمن سلامة وصوله وحريته. وبدون هذا الاتفاق فإني حر لأسافر ساعة أشاء وبالطرق الخاصة.
الرفيق فؤاد [لطف الله]: إني أعلم صعوبة العمل النظامي الـمقيد لعدد كبير من أفراد شعبنا الـمتنورين. ولكن الـمقتنعيـن بصحة الـمبادىء وصلاح الـحركة القومية لا يشكّلون معضلة لا تـحلّ. فالأمر يتوقف على جوابهم على هذا السؤال البسيط: لندع جانباً تعييـن الـمدة التي يـمكن فيها تـحقيق القضية السورية. وبـما أنكم مقتنعون بأنّ القضية الصحيحة هي في الـحركة السورية القومية، وأنّ الطريقة الوحيدة لتحقيقها هي التي تقدّمها هذه الـحركة، فهل أنتم مستعدون لـمساعدة هذه الـحركة؟ فإذا كان الـجواب بالإيجاب وظهر الاستعداد فالأمر هيـن، إذ يـمكن تأليف فرقة أو هيئة من هؤلاء الأشخاص يطلق عليها «فرقـة أو هيئة الـمحبذين للنهضة السورية القومية» ويـمكن هذه الفرقة أن تعمل تـحت إدارة أحد القومييـن أو مستقلة بإدارتها. ولكن تتصل بالزعيم أو بـمرجع يعيّنه الزعيم ليأتي عملها حسب الـمرغوب أو الـمطلوب ولتسهيل مهمتها وتسلّم ملاحظاتها وإعطائها التوجيهات التي ستحتاج إليها. فأعترف بها وبعملها وتسجّل لها مساعيها بشكر وفخر، وتخلّد لها في الأمة الروحية السامية التي دفعتها إلى العمل. ومتى كتب إليّ الرفيق فؤاد أجيبه ويـمكنك أن تطلعه على رأيي منذ الآن. ويـمكن الفرقة الـمذكورة أن يأخذ أفرادها عهداً بالعمل لـمناصرة الـحركة القومية والـمحافظة على مبادئها. ويـمكنهم أن يناصروا بدون عهد أو قسم بل بتطوع غير مربوط.
سان باولو: إذا أمكن تنظيم هيئة تتمكن من إدارة الفروع فالأفضل توحيد الفروع في مركزها، أي في مدينة سان باولو وهو الأوفق. وعلى كل حال فالأفضل الآن جعل سان باولو راجعة لسان باولو حتى إشعار آخر.
الزوبعة: إذا أمكن فتح اكتتاب لـ الزوبعة لإنشاء رأسمال يـمكّنها من تكبير قطعها وزيادة صدورها كان حسناً. وبهذه الـمناسبة أحب أن أعلم ماذا سيعمل الرفيق جورج [بندقي] بأمهات الـحروف العربية فهل يجد شغلاً كافياً لها هناك أو يحب بيعها. فإذا كان لا شغل كثير لها هناك بسبب وقوف الصحف فيكون من الـموافق تـحويلها إلى الزوبعة لتستقل بطباعتها ولا يكون هناك مراقبة على سياستها وإدارتها. وسأرسل إليك قائمة بالـمشتركيـن لتطالبهم وليدفعوا مقدماً وعلى هذه الطريقة يجب السير.
الرفيق جبران مسوح أحسن الآن ولكن قد يحتاج لاجتياز عملية وصحته كما هي لا تـمكّنه من أن يكون عوناً في الإدارة كما يجب، وإذا بقيت حالته على هذه الكيفية فإنّ الزوبعة ستواجه أزمة الـحاجة إلى مدير مقتدر يؤمن انتظام شؤونها، خصوصاً في حالة تكبيرها وزيادة صدورها.
وشايات: إنّ أخبار الوشايات قد تكون صحيحة ولا غرابة فيها. والاحتياط هو دائماً ضروري. وإذا كان قد بلغ دائرة الـمراقبة أسماء معيّنة فيحسن اختيار بعض أعضاء غير ظاهرين أو غير بارزين ليكونوا «مراكز بريدية»، وفي الوطن كانت تلجأ بعض الفروع إلى اتخاذ صناديق بريد لأسماء وهمية تأتي الرسائل لها على عنوان معيّـن. ولكننا كنا نؤمّن، في الوطن، بريداً خصوصياً بواسطة سائقي السيارات وبواسطة الـمتنقليـن، إذ يجب على كل عضو متجول أو على أهبة السفر أن يتقدم إلى الإدارة لتكلفه بـما يلزم. وقد نحتاج في الـمهجر إلى إنشاء مفاتيح جفرية للشؤون الهامّة.
«جنون الـخلود»: قد يكون الأفضل جعل أقلّ عدد يطبع خمسة آلاف لكي يرسل منها إلى الوطن ومصر والعراق بعد الـحرب، لأنّ البحث يجب أن يصل إلى الشبيبة القومية في الوطن حيث تكون النتيجة أكبر.
إقتراحات: يقترح بعض الرفقاء هنا اختيار لـجنة من هذه الـمدينة تقوم بجولة على السورييـن وتـحثّهم على مساعدة الـحركة القومية وتـجمع تبرعاتهم. وبعضهم يقترح أن يصير مثل ذلك في الـمهاجر الأخرى، لأنه قد آن للناس أن يتحركوا في سبيل الـحرية. والرفيق إدوار [سعاده] يقترح إيجاد حركة جمع «إعانة للشتاء في الوطن» أو ما شاكل، والاقتراح وجيه وإذا ضم هذا الاقتراح إلى مشروع فرقة الـمحبذين فيمكن حصول نتيجة تذكر. والـمشروع هنا يقتضي تـحريك الصحافة وهي لا يحركها غير الـمال وسنرى.
حالـما تصل ترهات الهدى أنظر فيها.
سلامي لك وللعائلة وللرفقاء. ولتحيى سورية.
بعد: أريد أن ألفت نظرك إلى أمر الزوبعة التي أصبحت الآن واسطة الإذاعة الوحيدة للنهضة القومية. فهي على صغرها واقعة تـحت عجز مالي على نسبتها. ومكتب الزعيم في عجز دائم. فالـجالية هنا منتشر الفساد فيها انتشاراً مريعاً، خصوصاً في هذه الـمدينة التي جمعت طائفة من أحط الناس. ولكن يوجد عناصر جيدة أيضاً، وإنـما عدم وجود معاون لي يجعل الاتصال بهذه العناصر صعباً، إذ لا يليق ولا يفيد اتصال الزعيم مباشرة بالأوساط. والرفيق مسوح هو كاتب فقط ولا يـمكنه أن يكون أكثر من ذلك، ولا يـمكنه أن يكون صحافياً سياسياً. ولذلك ففائدته محصورة في مقالاته الشعبية الـممتازة. وإذا كان يجب تكبير الـجريدة فسنحتاج إلى مال وإلى شخص للإدارة، خصوصاً وحالة الرفيق مسوح الصحية ليست حسنة، وهو اليوم طريح الفراش منذ أمس، وقد أرسلت إليه طبيباً وذهبت ووقفت على نتيجة الفحص. والأمر يتعلق بنزيف دم داخلي، لا يعلم الآن إذا كان مصدره من الكبد الذي كان يشكو حصى فيه أو من قرحة في الـمعدة أو الاثني عشري. وقد تكون مسألته دقيقة. ولكنه ليس تـحت الخطر الآن. وهذا الأمر ليس جديداً معه ولكنه متهاون، ولسان حاله ترك الأمور تـجري في أعنّتها من الناحية الصحية.
ولا أكتمك أنه إذا استمرت الـحال على هذا الـمنوال فسيتوجب عليّ إعادة النظر في الـموقف وفي حالتي الـخصوصية.
«جنون الـخلود»: سرّتني جداً حمية الرفيق فؤاد القومية واستعداده لتأميـن طبع هذه الـمقالات. وإني أفضّل طبعها في مطبعة الرفيق جورج بعد أن تـحررت من سلطان الإمبراطور فؤاد وصارت خاصة به، على شرط أن يرسل إليّ مسودتيـن من كل ملزمة، الأولى قبل التصليح والثانية بعد التصليح، لألقي آخر نظرة عليها وأتـحقق من كمال التصليح قبل الطبع. وقد كنت أُفضّل لو أنّ السيد باسيل يافث يطبع الكتاب من غير حاجة إلى إشهار الأمر فيترك ذلك إلى وقت مناسب. فيمكننا تـحويل ما يتبرع به الرفيق فؤاد أو السادة أسعد لطبع مجموعة خطب الزعيم ومقالاته الضرورية لإبقاء الـمجرى الأساسي للأفكار القومية مستقيماً.
إنّ ما سيصدر من الـمقالات في الـمسيحية والإسلام سيكون هاماً جداً للتفكير القومي ولـمعالـجة الـمشاكل الروحية - الاجتماعية في الأمة السورية. ولولا ضيق الوقت معي وحراجة الظروف السياسية لكنت وسّعت البحث ودققت أكثر في التفاصيل. ولكن الـمجال الذي حددته يكفي لإيضاح الطريق وتعييـن الـحل. والأقلام القومية تتكفل فيما بعد بزيادة الـحجج وتوسيع النطاق.
[غير مؤرخة في الأصل]