صديقي العزيز عبود سعاده،
تسلمت أصيل أمس كتابك الأخير في 2 سبتمبر/أيلول الـجاري، ووقعت كلماتك الطيبة موقعاً جميلاً من نفسي. وسرّني بنوع خاص تـحليلك النفسي ونظرك في الأشخاص.
إنّ أمر الرفيق يوسف الغريّب تغيّر تغيـراً جوهرياً بعد كتابي الأخير إليك، ففي اليـوم عينه الذي أرسلت كتابي الـمذكور فيه وردتني نسختان من عدد جريدة لا بوص دل انتريور الذي صدرت فيه مقالة الغريّب الأخيرة التي حازت موافقتي، وورد أيضاً كتاب منه لم يعرض فيه لشيء من الـموقف الـماضي، ولكنه يظهر فيه روحية جيدة، فبادرت في الـحال إلى إجابته بكتاب أرسلته، في آخر ساعة، مستعجلاً في بريد القطار، وأوضحت له الدواعي التي أوجبت موقفي السابق منه، وقلت له إنه لو كان أبي نفسه في محله لـما كان موقفي منه أقل شدة منه من الغريب وأظهرت له ثقتي به. وأعتقد أنّ كتابي سيترك أثراً جيداً في نفسه.
أما الكتب التي أرسلتها إليك فأنا لا أطلبها لـمكتبي، وبـما أنك وجدت الطريقة للاحتفاظ بها في مكتبك فمسألتها قد انحلت.
تقول إنّ حركة القومييـن في توكومان وسانتياغو أكثر نشاطاً منها في كوردبة. وهذا القول يصدق على توكومان فقط، أما سانتياغو فضعيفة عملياً، على الرغم من اتساع الـحركة فيها في بادىء الأمر، وإذا لم يتوفق رجالها إلى التعويض عن كسلهم والتشمير عن ساعد الـجد فقد أتخذ تدبيراً متطرفاً في شأنها. ويوجد في سانتياغو عدد من الأفراد النابهيـن يـمكن أن يفيدوا عن غير الطريق النظامية. والـحقيقة أنّ الأعمال النظامية صعبة كثيراً مع أبناء الـجيل الـماضي كقياس عام، ويشذ عن هذا القياس أفراد قلائل. ولكن ما يقال عن توكومان وسانتياغو يصح في كوردبة أيضاً إلا في مسألة العدد، ففي الـمدينتيـن السابقتيـن العدد أكثر، ولكن الرجال الذين لهم مركز يخولهم التأثير على مجرى الأمور ليسوا أكثر كثيراً مـما في كوردبة.
كتب إليك وإلى عدد من الأفراد في كوردبة وأماكن أخرى الرفيق جبران مسوح، وكان موضوعه النظر في سر احتياجات الـحركة من الوجهة الـمالية. ولا أعلم إذا كان الرفيق مسوح قد شرح الـموقف أو الـموضوع كما يجب ولذلك سأوضح لك ما يلي لتكون مطّلعاً.
إنّ احتياجات الـحركة الـمالية هي دائمة، ولكنها في الظروف الاستثنائية كالتي نحن فيها تزيد أحياناً، وتـحمل بعض الأجزاء أكثر من الـمقدر أو الـمنتظر، نظراً لاضطراب الـحالة السياسية وتـحرّجها. وكل من له أقلّ إلـمام بعمل الأحزاب السياسية واطّلع على شيء من تواريخها يعلم أنّ مشاريع كثيرة إذاعية وسياسية ما كانت تكون مـمكنة لو لم يوجد الـمال الاحتياطي اللازم في الصندوق، وهذا الـمال لم يحصل دائماً بتبرع عدد كبير من الأغنياء، فبعض الأغنياء ذوو النظر الثاقب أدركوا متطلبات الـموقف وبذلوا، وعامة أفراد الأحزاب كانت لهم غيرة وحمية فأعطى كل منهم ما قدر عليه بصورة منتظمة، ومن يطّلع على كتاب هتلر جهادي يعلم أنه بعد السنة الأولى من تأسيس حزبه وجد مال في الصندوق كاف للقيام بأعمال إذاعية واسعة، ولولا هذا الـمال لـما كانت بلغت حالة حزبه إلى أحسن من حالة الـحزب السوري القومي. أما نحن فقد كانت حالتنا تختلف عن جميع هذه الأحزاب. فإنّ ما كان يدخل خزانة الـحزب كان دائماً أقلّ كثيراً من الضروري، ولكن لم يتمكن الـحزب من التغلب على جميع الصعوبات التي اعترضته ومن الوصول إلى أبعد مـما وصل إليه حتى الآن، وهذا لا يعني أنه كان يجب أن توجد مقادير ضخمة من الـمال منذ البدء، ولكن يعني أنه لو كان يدخل مبالغ معتدلة لأمكن تغيير الـجو والوصول إلى الـمقادير الضخمة فيما بعد. وأضرب فقط مثلاً واحداً: إنّ أكثر الصحافييـن الذين قاومونا في الـمهجر فعلوا ذلك لقاء منافع ماديـة قليلـة، تكاد لا تستحق الذكر، قدّمها لهم أعداؤنا، ولو كنا نتمكن من تقديـم مثلها لكنّا نتمكن من اكتساب عدد من الصحف يسهل لنا مهمتنا. وأكثر جرائدنا اللاقومية أو كلها هي جرائد لا مبدأ لها غير الغرش، لا فرق بيـن أن يأتي من زيد أو من عمرو. ووجد في الولايات الـمتحدة جرائد تظاهرت بأنها تـحاربنا لـمبدأ عندها هو «العروبة» ولكن حالـما وضع أحد القومييـن في يد صاحبها بضعة دولارات نشرت مقالات طيبة في الـحزب وفتحت صفحاتها لـمقالات القومييـن. ومن الأمثال العامة عندنا «أنّ القرش يجلب القرش». ولو وجد في صندوقنا غرش يزيد عن ألزم اللوازم لكنت تتعجب كيف تتغير الـحالة.
كان الـحزب في الوطن يقبل التبرعات التي تأتيه، وكانت قليلة بالنسبة للمطلوب، ولكنه لم يتوجه بدعوات للتبرع ولم يرسل لـجاناً أو وفوداً لـجمع الـمال. لأنّ الـحزب رمى قبل كل شيء إلى تأسيس الثقة بالأعمال القومية وبالـمنظمة القومية بصورة خاصة. وقد تألم رجاله كثيراً في هذا السبيل. وكانت الظروف الـماضية لا تتطلب ما تتطلبه الظروف الـحاضرة، وكانت الـمواصلات بين مركز الـحزب وفروعه مسهّلة ومنتظمة. أما الآن فالـموقف تغيّر والـحالة تتطلب نظراً جديداً ومجهوداً جديداً في أوساط جديدة. وإني أريد أن أوضح لك بعض الشيء لعلمك واطلاعك أو ليبقى للتاريخ.
إذا نظرت في احتياجات الـمنظمة القومية في هذه الظروف وفي ما يتعلق بـمكتب الزعيم وجدت أنها كما يلي:
1 - نفقات الزعيم الـخصوصية.
2 - نفقات مكتب الزعيم الإدارية (رسائل وبرقيات ونشرات أو إذاعات خاصة وغير ذلك).
3 - نفقات الإذاعة التي تـجري موقتاً تـحت إشراف مكتب الزعيم في الـمهجر (طبع كراريس، إنشاء جرائد، توزيع نشرات عمومية، الخ.)
4 - إحتياجات الـمهمات السياسية في هذه الظروف (إرسال رسل أو غير ذلك أو الانتقال والسفر، الخ.)
5 - وجود كمية إحتياطية لأي حادث مفاجىء.
ففيما يختص بالرقم «1» يعلم الـمطلعون أنّ الزعيم كان يعمل عملاً خاصاً قبل تأليف الـحزب ينال منه نفقته. وبعد إنشاء الـحزب لم يتخلَّ الزعيم عن عمله الـخصوصي الذي يـأخـذ منه معاشه (التدريس) حتى كان خريف سنة 1935 حين ألقت حكومة الانتداب الفرنسي القبض عليه وعلى أركـان الـحزب. وكان الـحزب قد نـما نـمواً كبيراً وصار يتطلب مجهوداً أكبر وعناية دقيقة ووقتاً كثيراً وسهراً. وبعد السجن كان الـحزب قد ازداد نـموه فرأى الزعيم أنّ مسؤولياته لم تعد تسمح له بتعاطي أي عمل خصوصي، وأنّ الـحركة تتطلب تكريس كل وقته للإدارة والسياسة والتثقيف والتنظيم والإرشاد، فضلاً عن الـجهاد والـمكافحة. ورأى الأركان وجوب ذلك، ورأى مجلس العمد والـمجلس الأعلى وجوب إنشاء مخصصات لنفقات الذين يطلب منهم الـحزب تكريس أوقاتهم لعمله فأنشئت وظائف نواميس وغيرها. وخصص مجلس الـحزب نفقة معيّنة للزعيم، كان أحياناً يتناولها، وأحياناً لا يتناولها حسب الظروف، وعيّـن الـمجلس وصادق الزعيم على مرتبات للموظفيـن الذين ليست لهم موارد خصوصية وكرّسوا وقتهم للحزب.
ثم كان أنه جرى تقرير رحلتي إلى الـمهجر لتأسيس الـحركة وتنظيمها فيه وإشراك الـمهاجرين في الـمجهود العظيم الذي تقوم به الـحركة القومية في الوطن. ولكن صحتي كانت قد انحطت كثيراً بسبب الـجهاد. فوصلت البرازيل معيي. وهناك حدث إقبال ونشاط لم يؤخرهما سوى إهمال الشخصيـن اللذين رافقاني، فحدثت وشايات سافلة من بعض السورييـن جعلت الـمفوضيـن البرازيلييـن يفتحون تـحقيقاً معي ويوقفونني رهن التحقيق مدة نحو شهر، استغلها مأجورو فرنسة لاختلاق الإشاعات في الـمهجر. ومع ذلك وبعد إعلان التحقيق براءتي مـما نسب إليّ وجدت أنّ النشاط لم يقلّ. ولكن الـمدة الـمسموح لي البقاء فيها في البرازيل انقضت قبل أن أتـمكن من تنظيم الأمور كما يجب. وبقيت صحتي سيئة ونشبت الـحرب بعد مجيئي إلى الأرجنتيـن، واشتدت الأزمة السياسية وكثرت الأعمال الأجنبية في أوساط السورييـن في الـمهجر. وكنت أنشأت في البرازيل سورية الـجديدة ونظراً لـمقاومة الأوساط الـميالة لفرنسة هناك، وهي أقوى الأوساط، إذ بينها بيت يافث وبيت جورج معلوف وأمثالهم كان حملُ الـجريدة غير قليل فتكلف به من قدر هناك. ولولا غيرة أحد الأعضاء الذي عنده مالية حسنة لـما أمكن تسيير الـجريدة إلى اليوم. ومتطلبات الـجريدة جعلت الـمجهود في البرازيل منصرفاً إليها وأهمل أمر الزعيم ومكتبه هناك. وبسبب الـحرب انقطعت الـمواصلات الـمنتظمة بيني وبيـن الـمركز في الوطن ثم جرى اعتقال أكثر أركان الـحركة هناك كما هو معروف.
في الأرجنتين سارت الـحركة ببطء ودخلت في بادىء الأمر عناصر غير صالـحة كحسني عبدالـمالك وغيره، فلم يـمكن تنظيم العمل كما يجب في بوينُس آيرس، خصوصاً لوجود أفراد متنفذين لهم غايات خصوصية تتضارب مع العمل القومي الـمنظم. ونشأ في الداخلية فرعان: توكومان وسانتياغو فكانت توكومان أفضل الـجميع. وفي برغامينو [فرقمينو] وكوردبة نشأ فرعان ولا يزالان قليلي العدد، ولعل برغامينو أكثر عدداً من كوردبة. وهذه الفروع، على قلة عددها لو تنظمت تنظيماً جيداً فيه شعور بالـمسؤولية، وأوجدت جباية شهرية منتظمة لكان الأرجح أن تسد نفقات الزعيم وبعض نفقات مكتبه الضرورية الأولية. ولكن تبيّـن مع الوقت، أنّ الـجباية أمر صعب تنظيمه. لأنّ الشعور بالواجب والـمسؤولية ضعيف في جماعة لم تتعود هذه الأمور من قبل. ولذلك لم يكن الاعتماد عليها كمورد يؤمن نفقات الزعيم وبعض نفقات مكتبه الأولية.
فرأيت أن أبحث هذا الأمر السنة الـماضية، مع الرفيق الشهم الغيور الـمخلص كل الإخلاص، جبران مسوح. فأخذته الـحمية وقال لي إنه سيسعى لتأميـن مدخول خاص من الأعضاء الـمقتدرين يتراوح بين ثلاثمئة وخمس مئة ريال أو «باسس» أرجنتيني بواسطة اتفاق بينه وبينهم على أن يكتتب كل منهم بكمية شهرية. فخابر بعض الرفاق في توكومان وسانتياغو. وكان ذلك قبل سفرتي الثانية إلى كوردبة واتصالي بك وبأوساط الـمدينة وقبل سفرتي إلى برغامينو. فاكتتب عدد منهم ككامل عواد وجبران مسوح في توكومان، على أن يدفع كل واحد عشرين ريالاً شهرياً والبعض اكتتبوا بخمسة أو بعشرة ريالات. وهذا في توكومان. ووجد صديق قومي غير منتظم في سان خوان تكفّل بإرسال خمسيـن ريال كل شهر. في الشهر الأول نـجحت العملية بعض النجاح وفي الشهر الثاني كذلك. ثم حدث فتور. ثم حدثت إشاعات غريبة حين عرف أمر خطبتي وعزمي على الزواج فاختلّ الأمر حتى اضطررت لإرسال كتاب بالبريد الـجوي إلى منفذية الـمكسيك أطلب مالاً على وجه السرعة. وهناك أيضاً عندهم بعض المشاريع الإذاعية. وبعد الاختبار الـماضي تبيـن أنه يـمكن الاعتماد قليلاً جـداً على انتظام الـجبايـة وقليلاً جداً على اكتتاب الـمكتتبيـن. وأنـا لـم أكـرّس كل وقتي للقضية إلا لـما أعرفه من الـحاجة إلى وجودي وعملي فيها. فبقي أمر نفقات الزعيم الـخصوصية غير مستقر وظهر لي أنّ قليليـن هم الذين يقدّرون الـموقف ويشاركونني بالشعور بالـمسؤولية. وهذا الأمر مطلوب من القومييـن ومن الذين يؤيدون الـحركة القومية ويشعرون بالـحاجة إليها ووجوب انتصارها في الـمهجر أن يتخذوا موقفاً بشأنه. فإذا لم يفعلوا فسأنظر من جديد في الـموقف. وإذا كانت هذه الأوساط لا تشعر بحاجتها إليّ فأنا لست محتاجاً إليها في أي شيء خاص، بل إني ضحيت بكل خصوصياتي في سبيل القضية، ومع ذلك فلست عاجزاً عن القيام بالأعمال التي تسمح لي أنا بأن أساعد الآخرين مادياً.
لذلك عندما جاء الرفيق مسوح من توكومان أعدت بحث هذه الـمسألة معه. ولكنها لم تكن أهم مسألة. فقد بحثت معه أمر متطلبات الـموقف السياسي والفرص التي قد تكون الآن مقبلة والـمساعي الـمطلوبة. فتناولت معه الـمسائل التي وضعتها تـحت الأرقام 2 و3 و4 و5. وقلت له إني كنت أتـمنى أن توجد إلى جانبي لـجنة مخلصة مؤلفة من رجال لهم حمية ورغبة في السعي فأطلعها على قائمة الاحتياجات وتأخـذ على عاتقها السعي لسـد العجـز وتدبير الاحتياطي الذي أوعز إليها أن تدفع منه بـموجب أوامر صرف على القواعد الأصولية التي تنص عليها قوانيننا. ولكن لـمّا كان أمر الوصول إلى هذه اللجنة يقتضي درساً ومخابرات طويلة، ولـمّا كانت قد عرضت حاجات سياسية ملحّة قد تقتضي بأن أقوم برحلة، أو أن أكلف شخصاً السفر على نفقة الـحزب، أو أكلف أكثر من شخص القيام ببعض مهمات لا يجوز إفشاؤها في هذه الظروف، كلفت الرفيق مسوح مخابرة عدد من الشخصيات في أمر الوصول إلى عشرة آلاف ريال. وكلفته في الوقت نفسه إعادة مساعيه الأولى للنظر في إمكانية تنظيم دخل يؤمن نفقات الزعيم الـخصوصية بصورة دائمة إلى أن تنفرج الأزمة السياسية، على الأقل، أو ريثما تقوى معنويات الـحركة وتنتظم أمورها أكثر في الـمهجر. والـمسألتان مستقلة الواحدة منهما عن الأخرى كل الاستقلال.
وجدت الـمسألة الأولى، أي تدبير كمية كبيرة لاحتياجات الـحركة، تـحبيذاً في بعض أوساط توكومان وسانتياغو. ثم بلغني أنك كنت والرفيق [يوسف] الغريّب في حمامات ريو أوندو حيث التقيتما صدفة بعدد منهم، وأنّ نتيجة هذا الالتقاء تبشّر بالـخير. وبقيت أنتظر تطور القضية من هذه الناحية.
ا
لآن الـموقف كما يلي:
1 - هل يوجد عدد من الأشخاص يهمهم الأمر ويريدون أن يتخابروا أو يجتمعوا لدرس هذه الـمسائل وما يـمكن تأمينه في الأرجنتيـن منها وما لا يـمكن تأمينه، أي درس ما يـمكن الـحصول عليه هنا.
2 - هل يـمكن جمع كمية الآن، أو في وقت قصير، لأية حاجة سياسية مستعجلة؟
هذا هو الـموقف وهذا هو الـمطلوب. وليس الـمطلوب النظر في أي عمل من أعمال الإحسان، لأنّ الـحزب ليس جمعية خيرية ومتطلباته ليست من نوع أعمال الـجمعيات الـخيرية، والنظرة إلى هذه الأعمال تختلف عن النظرة إلى غيرها.
وبعد. فهذه جالية هنا يأتيها متعيشون فيبتزون أموالها. بعضهم إكليريكيون يأتون باسم مدارس أو كنائس، يعلم الله وحده أين تبتدىء وأين تنتهي، وماذا يصير بالأموال التي تـجمع لبنائها أو لتسييرها، وبعضهم تـجار وطنية وخطابات فيأخذون من الـجالية عشرات ومئات الألوف. وتأتي نهضة قومية وقف رجالها أنفسهم وأموالهم على إنهاض الأمة فتحتاج إلى الوقوف وقفة الـمستجدي على الأبواب.
إنّ السيادة القومية والاستقلال القومي لا يتحققان بالاستجداء. وليس أتعس من هذا الـجيل من شعبنا الذي يظن أنّ الاستقلال أكلة عدس، وأنّ تكاليفه هي فقط تكاليف أكلة عدس.
هذا ما قصدت أن تكون رسائل الرفيق مسوح واسطة لتنبيه الشعور إليه - إلى الواجب الذي ينتصب في هذا الوقت العصيب ليحاسب أبناء هذا الـجيـل على ما سيورثـون أبناءهم.
هذا ما يهمني أنا قبل كل شيء - قبل جسدي ومطاليبه القليلة، بل هذا هو الشيء - القضية العظيمة - الذي أحرق نفسي وجسدي لعل النور الذي يتولد من هذا الاحتراق يكفي لإضاءة سبيله!
في هذا أحصر الـموضوع فإذا وجدت قلوب تخفق ونفوس كبيرة تشعر بالـمطالب العليا السامية فهنيئاً لها. فإذا وجدت أنت سبيلاً لتنوير الذين حولك في هذا الـموضوع فحسناً. أما إذا وجدت النفوس خاملة والعقول عقيمة فترك الـموضوع أصلح.
إنّ ما تتبرعون به أنت وخليل [سعاده] ويوسف [الغريّب] يـمكن أن يفيد في سد بعض احتياجات الزوبعة أو في تهيئة تكبيرها وإصدارها أسبوعية، لأنّ صحف البرازيل توقفت ويجب أن تكون للحركة صحيفة تعبّر عن رأيها وموقفها فأرجو أن يصير إرسال الـمبلغ، إذا كان هذا كل ما يـمكن فعله في كوردبة، إلى الرفيق جبران مسوح ولاسمه.
وإذا أمكن، بعد عودة يوسف من جولته، بحث الـموضوع الأهم والنظر في التخابر مع من تظهر منهم غيرة عليه كان ذلك حسناً.
يا ليت أنك قريب إليّ فكنت أحادثك بإسهاب لا تفي به الرسائل، ولكن الظروف لا تساعد دائماً على ما يود الـمرء. وقد تسعد في الـمستقبل.
أتـمنى أن تكون وجميع أفراد العائلة العزيزة بخير. ولو كانت ظروفي تساعدني لاتصلت بكل منهم على حدة، فهم أشخاص يلذ لي محادثتهم ومعاشرتهم نظراً للتربية الصالـحة التي أعطيتهم، والنيّة الـحسنة التي ورثوها منك. وإني مقصر نحو الدكتور «فرير» الذي أظهر عناية واهتماماً بي أثناء وجودي في كوردبة، وأحب أن أحصل على اسمه بالضبط وعنوانه، لأبدي له عذري وأشكر له اهتمامه.
واقبل أيها الصديق العزيز سلامي واحترامي. ولتحيى سورية.