كل حرب تنشب لا بد لها من سلاحين: معنوي ومادي. ولـمّا كانت القوة الأساسية الفاعلة في حركة الـحزب السوري القومي هي القوة الروحية، فنوع الـحرب، في هذا الطور الأولي، لا بد أن يكون روحياً. فاقتصرت الـحرب حتى الآن على السلاح الـمعنوي.
يـمثّل الـحزب السورري القومي في هذه الـحرب القوة الـمهاجمة، وسلاحه الـمناقب القومية التي ولّدها وبثّها في الشعب السوري ورفع مقدرته الروحية إلى درجة عالية جـداً. وبهذا السلاح صار الـحزب السوري القومي قوة عظيمة يحسب حسابها ويخشى فعلها متى ابتدأت تستخدم السلاح الـمادي. ويـمثّل أعداء الأمة السورية الـخارجيون والداخليون القوة الـمدافعة، وسلاحهم الـمثالب الأجنبية واللاقومية.
منذ البدء أدرك الفرنسيون، الذين تولوا التحقيق في قضية الـحزب السوري القومي، أنّ هذا الـحزب يختلف بطبيعته عن كل ما عرفوه من الأحزاب قبله، أي أنه حزب ذو فاعلية روحية عظيمة وقوة مناقبية، لم يكونوا يحلمون بتولدها في سورية التي كانوا يرونها صريعة انحطاط مناقبي عام. وكان أول سؤال تبادر إلى أذهان الـجوّاسين [الفاسدين] الفرنسيين: أيجوز أن تكون القوة الروحية التي أوجدت هذا النظام وهذا الترتيب سوريّة، أم أنها قوة أجنبية معادية لفرنسة؟
وقد رجّح الفرنسيون الوجه الثاني من السؤال الـمتقدم، لأنهم كانوا يحتقرون الشعب السوري ويزدرون نفسيته ومقدرته، ولا يعدّونه جديراً بالقيام بأعمال هي من شأن الشعوب الـحرة ذات الـمناقب العالية. وجارى الفرنسيين في هذا الترجيح كل الذين احتقروا أنفسهم وازدروا شعبهم في قلوبهم من السوريين!
بناءً على هذا الاستعداد الذهني عند الفرنسيين، وعلى العقلية الانحطاطية في أوساط واسعة من الشعب السوري وبين «الـمثقفين» منه في الـمدارس الـجزويتية، إتـجهت الأنظار للبحث عن «الـمصدر الأجنبي» لنشوء الـحركة السورية القومية. وساعد على ترويج هذا البحث ما نشرته جريدة الرابطة الشرقية البيروتية، التي يقوم على إنشائها شاب ينتمي إلى الشيوعية أو الاشتراكية، ويقول بهدم القومية اسمه إبراهيم حداد وكله تلفيق روائي لـحوادث خيالية، حاول الـمنشىء الـمذكور أن يجد صلة بينها وبين ظهور الـحزب السوري القومي.
ويـمكن تتبع بداءة هذا البحث عن «الـمصدر الأجنبي» في الـخبر الأول الذي نشرته جريدة صوت الأحرار في عددها الصادر بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، أي بعد كشف أمر الـحزب السوري القومي بسبعة أيام. والـخبر كما يلي:
«وقد راجت في أروقة دار العدلية إشاعات مختلفة عن هذه القضية (قضية الـحزب) فقيل إنّ أوراقاً وُجدت تثبت علاقات الـحزب بإحدى القنصليات الأجنبية، وإنّ هنالك اتصالاً مالياً ليست هذه القنصلية بعيدة عنه. وراجت إشاعة أيضاً أنّ الـمحققين عثروا على أوراق تدل على وجود مخابرات بين الـحزب وإحدى الـمؤسسات الأجنبية في الـخارج.»
وأرسل خبر هذه الإشاعات إلى جريدته مُكاتب الـمقطم في بيروت فنشرت الـمقطم الـخبر هكذا: «ويقال إنهم وجدوا في أوراق الـحزب السوري القومي أوراق نقد من دولة أوروبية.»
ولـما كثر اللغط حول هذه الإشاعات وظهر القلق في أوساط الشعب وابتدأت عين القوميين تـحمر، اضطرت الـمصادر الـحكومية لإصدار بيان أو تصريح رسمي في هذا الصدد فنشرت جريدة صوت الأحرار في عددها الصادر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 الـخبر التالي:
«صرّح مصدر رسمي لـمندوب صوت الأحرار قائلاً:
«لقد ثبت لنا أنه لا علاقة للأجانب أو لأية قنصلية أجنبية بهذا الـحزب ويـمكنكم تأكيد هذه الحقيقة رسمياً.»
ومع أنّ هذا التصريح رسمي ومنشور في جريدة شبه رسمية (إنّ جريدة صوت الأحرار هي الـجريدة التي تعبّر عن رأي الـحكومة وموقفها) فهو لم يـمنع استمرار هذه النغمة خصوصاً في الصحف التي تخدم الـمطامع الأجنبية. ففي حين أنّ التحقيق الفرنسي الدقيق الذي استمر شهرين ونيفاً، ومطالعة النيابة العامة الفرنسية، ودراسة هيئة الـمحكمة وحكمها الأخير برّأت الـحزب من كل نفوذ أجنبي، وبرهنت أنّ الـحزب أنشأه الزعيم على مسؤوليته، فالـجرائد الـمأجورة للطعن في الـحركة القومية ظلت مستمرة في استغلال الشائعات الـمغرضة إلى آخر حد. مثال ذلك ما نشرته جريدة الهدى، وكان الأصح أن تسمى «الضلال»، في عددها الصادر في الـحادي عشر من أبريل/نيسان 1936، وهو كما يلي من رسالة لـمُكاتبها في بيروت:
«بلغني من مصادر عالية أنّ الـحزب السوري القومي على اتصال وثيق بزعماء الفاشستي في إيطالية الذين أرسلوا إلى أحد قناصلهم مبلغ 350 ألف ليرة سورية لتنفق على الدعاية لإيطالية في الشرق، بـمناسبة إعلان الـحرب على الـحبشة. وقد قام القنصل في بيروت بتوزيع الـمال على بعض الصحف اللبنانية، كما دفع الـمبالغ الطائلـة للحزب السوري القومي. وكان فريق من أعضائه يتقاضى كل واحد أربعين ليرة سورية في الشهر. أما كيفية اتصال الـحزب السوري القومي بفاشست إيطالية فهي أنّ السنيور موسوليني اتصل بأحد اللبنانيين الذين كانوا في إيطالية، وطلب إليه أن يعرّفه بالأمير شكيب أرسلان، ثم ذهبا معاً إلى رومة واجتمعا بالسنيور موسوليني فكان ما كان.»
وهذا الـخبر هو غاية في الـخلط والنفاق. فالـمصادر العالية هي التي أثبتت أنّ الـحزب السوري القومي هو حركـة أصلية ناشئة نشأة سوريّة مستقلة. وهي التي أثبتت، بواسطة التحقيق والـمحاكمة، أنّ الـحزب السوري القومي كان يفتقر إلى الـمال لتنفيذ خطته الاستقلالية، وأنّ الـحاجة إلى الـمال هي التي جعلت الـحزب يهتم بإيجاد مقومات الـحركة بواسطة الـمشاريع الاقتصادية والـمالية ضمن البلاد، فأنشأ الزعيم «الشركة السورية التجارية» وعيّن لها هيئة إدارية، باشرت جمع الرأسمال وإنشاء الوكالات الصناعية والزراعية من أعضاء الـحزب أنفسهم. وقد صادر رجال الأمن جميع أوراق الشركة التجارية من محلها الكبير في شارع فوش ببيروت. ولم تخفَ أهمية هذا الـمشروع الاقتصادي - الـمالي على هيئة الـمحكمة فكان له نصيب كبير من مطالعة رئيس الـمحكمة.
ولأمر ما شاء مراسل الهدى وعامل الرابطة الشرقية الشيوعي أن يوجدا للحزب السوري القومي علاقة بالـمير شكيب أرسلان، وأن يصورا أنّ الزعيم اجتمع بالـمير شكيب قبيل إنشائه الـحزب، مع أنّ أول تعارف جرى للزعيم مع الـمير شكيب كان في صيف1937 في فندق القاصوف في ضهور الشوير، وكان ذلك بطلب بعض الصحافيين الـموجودين وكان حاضراً مندوب جريدة النهار. وكان ذلك التعارف كل العلاقة التي نشأت مع الـمير شكيب الذي كان اتصاله وثيقاً بـ «الكتلة الوطنية» وعلاقاته السياسية كانت معها لا مع الـحزب السوري القومي. وإذا كان الـمير شكيب قد أدرك الآن أنّ سياسة تلك الكتلة لم تكن سوى سياسة نفاق ومتاجرة بالوطنية، فهذا الإدراك مبني على انفضاح أمر أولئك «الوطنيين». وقبل هذا التاريخ كانت سياسة الـمير شكيب «العروبية» الإسلامية متفقة كل الاتفاق مع سياسة «الكتلة الوطنية» في الـمسائل السورية. وكان سعدالله الـجابري وزير الداخلية والـخارجية ووكيل رئيس الوزارة مدة غيابه في أوروبة، صديقه الـحميم وشريك الكثير من أفكاره.
أما مسألة الـمال الإيطالي فقد أظهر التحقيق العلني والسري أنّ الـحزب السوري القومي لم يعتمد إلا على موارده الـخاصة، من اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم وتضحيات فريق منهم، وعلى مشاريعه الاقتصادية - الـمالية.
وأما الدعاوة لإيطالية، أو لغيرها، فلم يستطع واحد من خصوم الـحزب السوري القومي أن يأتي بدليل واحد على أنّ الـحزب قام بشيء منها. ووثائق الـحزب ومستنداته كلها تثبت أنّ الحزب السوري القومي حارب، ولا يزال يحارب، وسيظل يحارب كل دعاوة أجنبية يقصد منها وضع سورية تـحت سلطة دولة أجنبية أو إخضاعها لـمصالحها السياسية والاقتصادية. وقد أثبت الـحزب موقفه هذا مراراً وأفهم الفرنسيين أثناء الـمخابرات، التي دارت بينه وبين الـمفوضية الفرنسية في بيروت، أنّ كل ما يطلبه هو أن تعترف فرنسة بحق الأمة السورية في الـحياة، وأن تـحترم هذا الـحق. وإنّ الاصطدام بين الـحزب السوري القومي وفرنسة سببه الدعاوة الفرنسية ومحاولة تثبيت السلطة الفرنسية في سوريـة وإخضاع جميع مصالح سورية السياسية والاقتصادية لسياسة فرنسة. فالـحرب بين الـحزب السوري القومي وفرنسة وبريطانية ليست قائمة على أساس تفضيل وجود دول أخرى في سورية، بل على أساس حق سورية في الـحياة، ورفض الـحركة السورية القومية الـخضوع لسلطة أجنبية، ومقاومتها لكل محاولة يقصد منها هضم حقوق حياتنا القومية وملاشاة مصالـحنا السياسية والاقتصادية.
ولكن السياسة الفرنسية التي رمت إلى ملاشاة كل أساس قومي للحياة السورية وإخضاع سورية إخضاعاً كلياً لسياستها وسيادتها، لم تشأ الوصول إلى أي تفاهم مع الـحزب السوري القومي على هذا الأساس، وفضلت أن تؤوِّل موقف الـحزب من سياستها الاستعمارية كأنه عمل لـمصلحة دولة أجنبية أخرى، فأوعزت إلى مأجوريها العلنيين والسريين بإعطاء حركة الـحزب السوري القومي هذه الترجمة.
بناءً على هذا الاتـجاه الذي اتخذته السياسة الفرنسية في صدد الـحركة السورية القومية، عادت نغمة «العلاقات الأجنبية» إلى أروقة دار العدل في أثناء الاعتقالات الثانية، فأوعز النائب العام اللبناني إلى صحف بيروت أن تنشر أخبار ثبوت «علاقة الـحزب بإيطالية». فنشرت بعض الصحف خبراً ملفقاً مفاده أنّ رجال التحقيق عثروا على وثائـق تثبت «علاقة الـحزب بإيطاليـة» وأنّ هذه الوثائق عُرضت على الزعيم عند الـمستنطق «فسكت وأطرق»، ولم يبقَ شك في أنّ الـحزب يعمل للسياسة الإيطالية. ولكن نشر هذا الـخبر أدى إلى اتخاذ القنصلية الإيطالية في بيروت موقفاً شريفاً فتوجه القنصل في اليوم التالي لظهور هذه الإشاعة، إلى الـمفوضية الفرنسية وقدم احتجاجاً على هذه الأكاذيب، وطلب إظهار صحة ما تدّعيه أو تكذيبها، فجرت مخابرات حادة بين الـمفوضية ورئاسة «الـجمهورية اللبنانية» والنيابة العامة الـمركزية. واضطرت النيابة العامة لتكذيب الـخبر.
وقد اختارت السياسة الفرنسية، في ذلك الـحين، أن ترمي الـحزب السوري القومي بأنه صنيعة إيطالية، لأن التضارب السياسي الشديد كان في ذلك الوقت بين فرنسة وإيطالية بسبب بروز الـمطامح الإيطالية في الـمتوسط. وكان التضارب شديداً إلى حد أنّ الدبلوماسية البريطانية التي وصلت إلى تفاهم مع إيطالية لم تتمكن من التقريب بين وجهتي نظر إيطالية وفرنسة.
أما الآن، فبوجود إيطالية على الـحياد في الـحرب الـحاضرة، تـجد السياسة الفرنسية أن تغيِّر النغمة الإيطالية وتضع في محلها النغمة الألـمانية. ففي الاعتقالات التي حصلت منذ بضعة أشهر وأحالت عدداً من أركان الـحزب السوري القومي ورجاله البارزين إلى التحقيق العسكري، أُوعز إلى الصحف أن تنشر أخباراً عن معلومات وهمية «تثبت علاقة الـحزب بالدعاية الألـمانية.» فنشرت صحف الوطن الـخبر التالي:
«تقوم مديرية الأمن العام في الـمفوضية العليا بتحقيقات واسعة النطاق تـحت إشراف الـمستنطق العسكري في قضية الـحزب السوري القومي.
«ويظهر أنّ الـمعلومات التي حصل عليها الـمستنطق العسكري دلته على أنّ أموالاً طائلة أرسلت إلى أركان الـحزب، كما أنّ وثائق خطيرة عثر عليها التحقيق تثبت علاقة هذا الـحزب قبل الـحرب الـحالية بالدعاية الألـمانية.»
ومن قابل هذا الـخبر على خبر صوت الأحرار الأول وخصوصاً على خبر الهدى الـمذكور آنفاً، تبين له أنه ليس سوى تنقيح وتـحوير للأخبار السابقة الـملفقة تلفيقاً واضحاً لا يخفي القصد منه. النغمة هي هي: «الـمعلومات والوثائق الـخطيرة التي عثر عليها التحقيق»، وحتى الآن لم تتمكن محكمة عسكرية أو غير عسكرية من نشر نص، ولو مختلق، لإحدى هذه «الوثائق الـخطيرة» التي «عثر عليها التحقيق»، وهو يخبط في ضلاله خبط عشواء.
ولا يـمكن من هو غير خبير بتكنيك الإذاعة أن يرى، في بساطة عبارة هذه الأخبار الـملفقة، الغرض الـمستور الذي رمت إليه «الـمصادر العالية» التي تستقي منها جريدة البشير وجريدة الهدى وأضرابهما معلوماتها من وراء إيعازها بنشره. ففي هذه الأخبار البسيطة عبارات خطرة مرسلة بصورة طبيعية لا يـمكن القارىء العادي التنبّه لـخطرها كعبارة «الاتصال بدولة أجنبية»، وعبارة وجود «علاقة للحزب بإيطالية أو بألـمانية» أو بالفاشست أو النازي. كأن كل علاقة، مهما كان نوعها، أكانت لـخير القضية القومية أو لضررها، هي إثم يجب الـحكم على مرتكبه. فواضح أنّ أحد الأغراض البسيكولوجية لعبارة هذه الأخبار الـمترادفة توليد حالة نفسية في الشعب تـحمله على تـجنب كل اتصال بالعالم، وتـحكم عليه بالانعزال والـجمود والتسليم للدولة الـمستعمرة التي لا يجوز، في عرفها، أن يكون لسوري علاقة إلا بها هي وحدها.
وهذا الغرض الـمستور وراء تلك العبارات البسيطة لا يـمكن أن يصدر عن بعض الـمتعيِّشين بواسطة الصحافة إلا عن بلاهة لا حد لها وتـجرّد كلي من كل ذكاء وكل فطنة. «والـمصادر العالية» التي صاغت هذه العبارات نظرت إلى الـمستقبل وأدركت أنه بنمو حركة الـحزب السوري القومي سيصبح الـحزب قوة سياسية لها وزن إنترناسيوني. وإنّ نشأة الـحزب الاستقلالية تـجعله حراً غير مقيد بدولة أجنبية معيّنة، ولذلك فهو يستطيع أن ينشىء العلاقات الإنترناسيونية التي يراها في مصلحة قضيته من غير الاضطرار لـجعل هذه العلاقات مع الدولة «الـمنتدبة» والاقتصار عليها.
إنّ «العلاقات» مع الدول الأجنبية يـمكن أن تكون موضع شك كبير وتأمل عميق في الـمآرب الـمنطوية عليها، كما في علاقة يوسف السودا بإيطالية، وعلاقة إميل إده وخيرالدين الأحدب بفرنسة، وعلاقة حقي العظم بفرنسة أو بتركية، وعلاقة جميل مردم و[عبدالرحمن] الشهبندر الواحد بفرنسة ثم بتركية والآخر ببريطانية ثم بتركية. ولكن متى كانت هذه العلاقة من جانب دولة منظمة، كالدولة السورية القومية، ومبنية على أهداف هذه الدولة وخططها السياسية، ومسجلة جميع تفاصيلها في سجلات هذه الدولة، كانت أمراً واضحاً لا غش فيه ولا مجال للشك والتأويل. وإنّ رجلاً، كزعيم الـحزب السوري القومي، يعرف حقيقة الـمسؤولية التي يتحملها، ورجالاً كرجال الـحزب السوري القومي يحافظون على عقيدتهم وخطتهم حتى الـموت، لا يـمكن أن يتنازلوا عن غايتهم الـمقدسة ولا أن يكونوا موضع شك، لأن جميع أعمالهم تسجل عليهم في مؤسسات الـمنظمة القومية، وقد برهنوا في جميع الـمواقف أنهم لا يتهربون من مسؤولية عمل قاموا به أو قول قالوه.
إذا كانت الإذاعة الفرنسية - البريطانية تعتقد أنها بـمثل هذه العبارات الإذاعية تـحمل الـحركة القومية على الانعزال عن العالم والارتـماء في أحضان هاتين الدولتين، فهذا دليل على أنّ خبراء هاتين الدولتين لا يزالون يجهلون التطور العظيم الذي أحدثته النهضة القومية في النفسية السورية التي لم يعد من الـممكن تطبيق أساليب النفسية الشرقية عليها.
ويـمكن للسياسة الفرنسية أن تعلم أنه إذا اتفقت مصالح الـحركة السورية القومية ومصالح ألـمانية أو إيطالية أو روسية أو اليابان، فلن تـحجم إدارة هذه الـحركة القوية الـمنظمة عن إيجاد العلاقات الإنترناسيونية التي تكون في مصلحة الأمة السورية وضرورية لـجعل حقوقها القومية محترمة.
ويحسن بالسياسيين الفرنسيين أن يعلموا أنهم هم الذين رفضوا أن تتفق مصالح سورية القومية ومصالـحهم، برفضهم الاعتراف بالشخصية السورية القومية وبحق الأمة السورية بالـحياة الـحرة والسيادة القومية.
وما زال هذا شأن السياسة الفرنسية وشأن السياسة البريطانية - اليهودية، فلن يـمنع الـحركة السورية القومية من إيجاد العلاقات الإنترناسيونية الضرورية لـمصلحة سورية إرهاباً أو اضطهاداً.
إنّ الهجوم الـمعاكس الذي تقوم به العناصر الـمعادية لنهضة الأمة السورية بواسطة هذه الـمثالب التي تـمثل عقليتها وسلاحها، سوف يكون نصيبه الفشل التام. وستظل الـحركة السورية القومية مهاجمة إلى أن يتم لها النصر وتعيد إلى الأمة السورية حقوقها الـمهضومة.