إلى الرفيق العامل غسان تويني، منفذية أميركانية العامة
أيها الرفيق العزيز،
تسلمت أمس كتابك الأخير الـمؤرخ في 28 أغسطس/آب الأخير، الذي وصل إليّ في مدة أيام من وقت إرساله، وهي سرعة حسنة جداً في الـمواصلات وأرجو أن يكون كتابي الأخير إليك الـمؤرخ في 26 أغسطس/آب قد وصل إليك بالسرعة عينها.
أهنئـك بوضعـك أطروحتـك «في القضيـة الفلسطينيـة»، وأرجـو أن تـكون قـد راعيـت فيهـا الاصطلاحـات والتعابيـر السوريـة القوميـة، كـأن تثبـت بالتسميـة وفـي كـل شـرح، سوريَّـة أهـل فلسطيـن، لأنّ كونهم سورييـن جزءاً من الأمـة السورية كأن تقول The Syrians in Palestine are generally called Arabs أو شيئاً من هذا الـمعنى، ليدل دائماً على وضع فلسطيـن القومي وإنها داخلة ضمن نطاق «القضية السورية» و«الأمة السورية». وأرجو لك توفيقاً تاماً فيها وفي غيرها من الأطروحات التي يتوجب عليك تقديـمها، وإني أرى أنك تـجتاز الآن وقتاً تزدحم فيه عليك الـمهام والأعباء، ولكني أثق بـمقدرتك على الاضطلاع بها جميعها بنجاح، وأكرر رجائي أن يصحبك كل التوفيق الذي تستحقه مداركك، وأن تتمكن من العودة إلى العمل القومي الاجتماعي الكبير بكلّيتك، وأن تكون عودتك إلى الوطن سريعة، وأن نـجتمع هناك ونتعارف أكثر ونتعاون أكثر.
بهذه الـمناسبة أريد أن أقول إنه لا شيء أفضل من الاجتماعات والـمقابلات الشخصية لإتـمام التفاهم في الشؤون الفكرية الأساسية والعملية بسرعة.
تقول في كتابك الأخير الـمذكور إنك كنت تود أن تدخل معي «ضمن نطاق فكري ثقافي محض في بحث مسألة القيم الأخيرة ومسؤولية الإنسان تـجاهها وعلاقتها بولائه القومي وبالـمؤسسات القومية السياسية» وإني أشاركك هذه الـمودة أو هذا الودّ من أجل غرض التوسع في إدراك التطبيق وإدراك حقيقة «القيم الأخيرة». ولكني أرى تأجيل ذلك لـحين التقائنا، ليس فقط لأنّ «وضعي ووضعك» لا يسمحان بذلك، بل لأنّ وضع الـموضوع الذي أردت معالـجته لا يحوج إلى هذا التوسع الفكري في الفكر الثقافي الـمحض، ولأنه يـمكن اعتبار النقاط الرئيسية من هذا الوجه غير مختلف عليها إلا في تفاصيل هامّة معيّنة. فلست أظن أنك تعتقد أني أجهل وجوب كون الإنسان الـمتمدن الـمثقف، مسؤولاً عن قيم أساسية في حياته النفسية، الفكرية والشعورية، وما لهذه القيم من علاقة بشؤون حياة الـمجتمع وشؤون مؤسساته. والـموضوع الذي عالـجته معك لا يوجب الدخول في هذه التوسعات الفكرية الثقافية البحتة. ففي ملاحظاتي على تقديـم حضرة عميد الثقافة مسؤولياته الإنسانية الشخصية تـجاه «القيم العليا» اقتصرت على إبداء ما في هذا التقويـم والاستناد الـمطلق من تضارب مع وحدة الـمسؤولية الدستورية والإدارية في الشعور بهذه الـمسؤولية وتـحمّلها. فالـمسألة مسألة دستورية إدارية بحتة وليست مسألة ثقافية فكرية. والفرد حيـن لا يكون مسؤولاً عن إدارة حكومية معيّنة يكون أقل ارتباطاً بالـمسؤوليات الدستورية والإدارية فيعتمد في أعماله وتصرفاته مسؤولياته نحو القيم العليا بإطلاق، لأنه حينئذٍ لا يكون مسؤولاً إلا نحوها، ولكنه حيـن يعيّـن لـمؤسسة إدارية معيّنة يصبح مسؤولاً في الدرجة الأولى تـجاه النظام الذي وضعه في وظيفته ويصبح عليه واجب إدراك أنّ مسؤوليته تـجاه القيم العليا مندمجة في مسؤولية النظام كله بجميع مؤسساته العليا تـجاه هذه القيم، وأنّ مسؤولياته في وظيفته التي يؤدي حساباً عنها هي مسؤوليات نظامية إدارية عضوية تختلف عن مسؤولياته الفردية الشخصية في حالة عدم مسؤوليته القانونية.
الشخص غير الـمسؤول نظامياً وإدارياً يـمكنه أن يجهل أو يتجاهل مسؤولية الـمجلس الأعلى ومسؤولية مجلس العمد ووحدة الـمسؤولية النظامية والإدارية الدستورية تـجاه القيم العليا، ولكن الـمعيـن لـمؤسسة من هذه الـمؤسسات لا يـمكنه جهل ذلك أو تـجاهله.
قد تبدو الـمسألة بصورة أوضح عملياً بإعطاء هذا الـمثل: نفترض أنّ الزعيم أسند إلى الرفيق فايز صايغ رئاسة مجلس العمد وعمدة الـخارجية ومنحه رتبة الأمانة وعيّنه عضواً في الـمجلس الأعلى، وعيّـن رفيقاً آخر عميداً للثقافة. هل تبطل مسؤولية الرفيق صايغ تـجاه القيم العليا أم تزداد رفعة؟ ألا يكون من حق عضو الـمجلس الأعلى، أن يشعر أنه أكثر مسؤولية في الـمنظمة عن العمل للقيم العليا من أي عميد معيّـن للثقافة أو في مثل مسؤوليته على الأقل؟ ألا يعني ذلك أنّ الـمسؤولية الـمطلقة تـجاه القيم العليا لا يـمكن أن ينفرد بها عميد في عمدته مهما كان من أمر أثره في تبيان هذه الـمسؤولية وتوجيهها؟ ألا يطالب الرفيق صايغ، في حالة كونه عضواً في الـمجلس الأعلى، بالإشراف على أعمال عميد الثقافة ومحاسبته على كيفية عمله للغاية الـموكل إليه تـحقيقها وعلى كيفية تطبيقه للمبادىء العامة؟ وفي هذه الـحالة ألا يشعر عضو الـمجلس الأعلى، في حالة كون هذا الـمجلس الـمرجع الأخير، أنّ العميد يجب أن يشعر بـمسؤوليته النظامية وبأنه ليس مسؤولاً وحده وضمن عمدته فقط تـجاه القيم العليا، وبأنّ مسؤوليته هذه مندمجة في مسؤولية النظام القومي الاجتماعي كله. والزعيم الذي هو مرجع الـمنظمة الأخير وموجهها الأول، ماذا نفعل بـمسؤوليته الـمطلقة نحو القيم العليا الأخيرة، هل نلغيها أو نعطّلها بتسليمها إلى عمدة من العمدات أو إلى كل عمدة من العمدات في اختصاصها؟ ألا يوجد رابطة بين مسؤولية الزعيم ومسؤولية الدستور ومسؤولية الـمجلس الأعلى ومسؤولية كل عميد وكل موظف دون العميد؟ أولا يوجد تفاوت بينهم في الدرجات النظامية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يجب التقيد بالوضع النظامي والـمسؤوليات الدستورية؟
ليس قيام عضو من الأعضاء بـمسؤولية أو وظيفة عميد، مشابهاً لقيامه بتأليف كتاب من إنتاجه. فهو في تأليفه الكتاب أوسع حرية وانطلاقاً للتعبير عن مسؤوليته الـمطلقة نحو القيم الفكرية أو الروحية. ومهما يكن من أمر اهتداء الفرد بشعوره بـمسؤوليته الـخاصة نحو القيم العليا التي أدركها، في تصرّفه في وظائفه، فهو مرتبط أبداً بـمسؤوليته الواضحة القابلة الـحساب تـجاه النظام الذي له وحده الـمسؤولية الـمطلقة في الأعمال الإدارية، وهذه الـمسؤولية هي التي تأتي في الدرجة الأولى من الوجهة النظامية الدستورية الـجهازية، من حيث الإداريون ومسؤولياتهم. ولا يجوز أن تعطّل مسؤولية مؤسسة من الـمؤسسات تـجاه «القيم العليا»، مسؤولية الـمؤسسات التي هي أعلى منها في السلّم النظامية أو مسؤولية الـمنظمة كلها.
سررت كسرورك بإعادة حياة «الندوة الثقافية» ونشاطها، وأنا لم أذكرها لـخوفي عليها بل لإقامة الدليل على أنّ العمل الثقافي ابتدأ عدة سنوات قبل تشكيل جهاز عمدة الثقافة الإداري. وأعود فأكرر أنّ ملاحظاتي تتعلق بـمسألة إدارية دستورية حقوقية لا بـمسألة شخصية فكرية روحية. وهذه الـملاحظات لا تقلّل مقدار ذرّة تقديري لشخصية الرفيق الـحبيب الـمجاهد فايز صايغ، ولإنتاجه الثقافي الذي يستحق كل ثناء، وللحيوية العظيمة التي يبديها، وللأعمال الأساسية الـخطيرة التي يقوم بها، وللفكر الدقيق الذي يبديه في معالـجة القضايا. فهذه أمور موضوعها خاص بها.
كنت أفضّل أن تبقي ما كتبت إليك من الـملاحظات لنفسك فلا تنقله إلى العميد صايغ، لأني لو شئت أن تنقل إليه ذلك لكنت كلّفتك، وكان يحسن أن تأخذ موافقتي على عزمك على نقل ملاحظاتي إلى العميد. وقد سبق وقلت لك إني أعرف الرفيق فايز صايغ شخصياً وسيكون لي معه أحاديث طويلة بعد عودتي. وفي كل حال كان يجب أن يبقى أمر تبليغه ملاحظات ما للزعيم من شأن الزعيم وحده. وأما قولك «ولا أعتقد أنه من موجب، إلا فيما يتعلق بـمسألة البناء الشخصي الذي يشير إليه الزعيم والذي يسرّني أن تكون عمدة الثقافة اعتمدته واعتبرته أساساً للعمل الـحزبي الصحيح، متابعة هذا البحث معي، كما أشير سابقاً إلى ذلك في مراسلاتنا» فلم أرَ وجوباً له، لأنه يـمكننا الافتراض أنّ الزعيم يقدر أن يعرف هل من موجب لذلك وما نوع الـموجب له. فالزعيم قد رأى متابعة البحث معك في قضايا رأى متابعة البحث فيها ضرورية خلافاً لقولك في كتابك الـمؤرخ في 20 يونيو/حزيران الـماضي: «كما أنّ بحث هذه النقطة الآن لم يعد له أهميته الأولى بعد تـمام الاتصال الـمباشر وانتهاء مهمتي كمفوض اتصال». وبعد أن اهتم الزعيم بإمدادك بالشروح والـمعلومات عن نشأة الـحزب وبعض النظريات والـحوادث كتبت في رسالتك الـمؤرخة في 23 يوليو/تـموز تقول (في مطلع الرسالة): «تسلمت كتابك الأخير وقرأته بالتمعن والتدقيق الذي يتطلبه، وفي نفسي سرور شديد يـمازجه شيء من الأسف: فإني، إذ فرحت بدخول الزعيم في شرح نشوء النهضة السورية القومية وأسس الـحزب السوري القومي، أسفت لقراره إيقاف البحث عند هذا الـحد. وإني أستسمحه، الخ» فعاد الزعيم يسهب لك، خصوصاً في بعض النظريات النظامية والـحقوقية والإدارية، حباً بك وبإدخال فكرك في القضايا العليا بإطلاعك على كيفية نظر الزعيم إليها وتقديره لها، فتكون درساً يختلف أو يتنوع عن نتائج الدراسة الأكاديـمية البحتة وعن آراء أساتذة الـجامعات الأجنبية التي درست وتدرس فيها، وفيها يتلقى معظم طلبتنا دروسهم. عند هذا الـحد تعود فتلاحظ أنك تعتقد أن لا موجب لـمتابعة البحث معك!
تـجاه هذه الآراء أو الرغبات الـمختلفة أو الـمتناقضة أو الصادرة عن الشعور أكثر مـما هي عن الفكر والتروي، يسير الزعيم في خطته لتحقيق ما يراه الأفضل والأصح.
وقد كنت هممت أكثر من مرة بقطع الـموضوع عند حد من الشرح ظننته كافياً لك لإدراك الفائدة من ملاحظاتي، ولكن بعض أجوبتك التي لم تكن منطبقة على أصول الـموضوع أو على نتائج الأسباب كانت تدعوني إلى العودة إلى زيادة الشرح وتناول أصول الـموضوع من جديد، كما في تعليقي في هذا الكتاب على رغبتك في التطرق إلى موضوع جديد «فكري ثقافي محض»، حسب تعبيرك، «في بحث مسألة القيم الأخيرة ومسؤولية الإنسان تـجاهها» التي هي مسؤولية مناقبية أو شخصية، لا مسؤولية دستورية إدارية قانونية، وعلاقتها بولائه القومي وبالـمؤسسات القومية والسياسة التي يفترض وجودها من غير مساس بـمبادىء الدستور والإدارة ولا ينقص منها شيء بالـمحافظة على الـمسؤوليات الدستورية والإدارية في أعمال دستورية - إدارية محض، كما هو واضح من شروحي السابقة ومن شرحي في هذا الكتاب.
والآن وقد أوضحت أكثر ما أردت إيضاحه أنتقل، على أمل زيادة أبحاثنا كثيراً بعد اجتماعنا الـمقبل الـمنتظر إما في أميركانية وإما في الوطن، إلى موضوع:
منفذية أميركانية العامة: إني قبلت، بناءً على اقتراحك، انتظار نتائج دروسك لـحالة الفرع وبعض الرفقاء التي لم أشأ أن أقيّدك بـمدة محدودة لها تقديراً مني لشدة حرصك على إيجاد الـحالة النظامية اللازمة وللثقة التي لي وللإدارة الـمركزية بك وبـمقدرتك. وقد رأيت الآن، بناءً على ضرورات الـحالة الـحاضرة وعلى وقائع أول جلسة عقدتها هيئة الـمنفذية، أن أشير إلى وجوب الفرق بين التأجيل الـموقت لـمدة قصيرة وبيـن الإنتظار إلى أجل غير مسمى. وأريد إبداء ملاحظة على كيفية تعييـن رئيس مكتب عبر الـحدود إياك «مفوض عبر الـحدود في الولايات الـمتحدة الأميركانية». فلم يعطك صفة الـمنفّذ العام القانونية ولا حدّد «للمفوضية» صلاحيات ومسؤوليات الـمنفّذ العام ومسؤولياته. ولذلك يجب اختصار أجل هذه الـحالة التمهيدية ما أمكن لتأخذ الأمور شكلها النظامي القانوني.
لست أعلم شيئاً خاصاً عن الرفيق من بيت حداد الذي كان مـمتنعاً عن العمل القومي الاجتماعي بسبب تصرّف فخري معلوف. ولكنه قد يكون رفيقاً اسمه فؤاد حداد كان أبوه صاحب مطعم قرب الـجامعة ومنزل على مقربة من مكان منزل والدة فخري وعائلتها فإذا كان هذا هو فهو كان مخلصاً ولكن ثقافته تساعده قليلاً على الاضطلاع بالـمسؤوليات الإدارية العالية، أما الرفيق شيبان فيستحق العناية على ما بلغني من فخري سابقاً.
وأما ما تشير إليه من مسألة واقع السورييـن الـمهاجرين إلى أميركانية من ناحية ولائهم لها، فأذكّرك بـما ورد في كتابي الـمؤرخ في 4 أغسطس/آب الـماضي من وجوب درس حالة مغتربينا في كل قطر أميركي وإعداد بيان مفصّل به مبني على الاختبار والامتحان والإحصاءات لتستنير به الإدارة الـمركزية في وضع توجيهات خاصة، فلم يسبق أن أنار أحد الإدارة الـمركزية إنارة صحيحة في صدد حالة مغتربينا في أميركانية، والإدارة الـمركزية لا تقدر أن تعالج مسألة تـجهلها.
إذا راجعت كتابي الـمشار إليه الـمؤرخ في 4 أغسطس/آب وجدت أني قدّرت فعل تأثير بعض البيئات ونسبة هذا الفعل إلى نوع مجموع مغتربينا في تلك البيئة أو في كل من تلك البيئات. ومنه يُستنتج أني آخذ بعين الاعتبار ما تـمتاز به أميركانية على غيرها من الأقطار الأميركية بتأثير بيئتها الاجتماعية ودرجة ثقافة شعبها ونوع مزيجها الإتني ومبلغ ضعف النازحيـن منا إلى هناك في الوعي القومي وفي الثقافة، وإني أقدّر فداحة الأضرار لنا من دعاوات أمثال إيليا أبي ماضي وعبدالـمسيح حداد ومن جرى مجراهما الذين أخذوا يعلّمون، في كل سانحة وكل بارحة، مبدأ الوطنيـن والولاءين والتقلب بينهما ويبشرون بأنّ الـمغتربيـن في أميركانية هم في حكم الأميركان وأنّ من السخافة التفكير بتغيير مصيرهم وغير ذلك. وقد تزلفوا كثيراً إلى الـحكومة الأميركانية بدعواتهم هذه، وفي أثناء الـحرب نالوا عطف الـحكومة الـمذكورة فعيّنت بعضهم لبعض أغراضها وساعدتهم لقاء دعاواتهم. ولـمّا لم يكن هنالك حركة قومية قوية طما سيل «التأمرك» على كل اعتبار آخر.
إني أشعر معك أنّ الـمسألة دقيقة، وأرى أنها تـحتاج إلى عزم وفكر ثاقب في معالـجتها، وإلى الاهتمام بدرس كل فئة وكل عائلة وكل فرد. فبعض الهيئات فيها عناصر واعية وعناصر أتت من الوطن من زمن غير بعيد ويـمكن إثارة حنينها وكرامة شخصيتها. ومع الـمغرقيـن في «تأمركهم» يـمكن معالـجة الـحالة بتساهل أكثر ولكن في حالة مخاطبة عمومية يجب دائماً التفريق بين السورييـن الذي «تأمركوا» والسورييـن الـمحتفظيـن بولائهم لـجنسيتهم وقوميتهم ووطنيتهم، حتى ولو كانت نسبة هؤلاء إلى أولئك نسبة الواحد إلى الـمئة. وإني ألاحظ أنّ الذين سبقونا إلى العمل بين مغتربينا في أميركانية باسم العروبة وغيرها قد تـمكنوا من توليد حركة إقبال ومناصرة وتبرعات. وهذا يعني أنّ عملنا في أميركانية سيحتاج إلى تطبيق بعض أساليبنا في الوطن.
قبل الـحرب الأخيرة سافر إلى أميركانية الـمدعو فؤاد خليل مفرج الذي توفي هناك في حادث سيارة وهو متخرج من الـجامعة الأميركانية، وكان انضم إلى حزبنا، ثم تآمر سراً مع فخري البارودي وعلمت بـمؤامراته فطرد، وسافر إلى أميركانية باسم مكتب فخري البارودي وبصفته ناموساً له فصادف بعض النجاح وجمعوا نحو خمسيـن أو ستيـن ألف دولار وأصدروا بيانات في الصحف وعقدوا اجتماعات ومؤتـمرات. وأعتقد أنه لو كانت الصحافة السورية في أميركانية على شيء من القومية لأمكن تـحريك فئات غير قليلة لا تزال تقرأ الصحف السورية وتهتم بشؤون سورية الداخلية والـخارجية، وفي رأيي أنّ انتشار أخبار الـحركة في الوطن وتظاهراتها ومذكراتها يكون له تأثير كبير في نفوس الـمغتربيـن.
وفي تـحديدي لنظرتنا إلى مغتربينا لا أحدد طريقة العمل معهم والـمعالـجة، ولكنّي أبيّـن مقاصد حركتنا في العمل معهم ليكون العمل رامياً إلى تلك الـمقاصد الـمدركة. وترى في كتابي الـمؤرخ في 4 أغسطس/آب أني أشير بترك مجال واسع لـحرية تصرّف الـمنفذين العاميـن في تطبيق الـخطط، وما دامت الـخطوط والأهداف الرئيسية لعملنا عبر الـحدود قد أصبحت واضحة لك من كتابي الـمذكور إليك فإني أثق بأنك ستجد الأساليب والوسائل اللازمة لتحقيقها أو تـحقيق ما أمكن منها.
أما فيما يختص بالبرنامج الشامل للعمل عبر الـحدود الذي ينتظر صدوره من الـمكتب الـمختص فأريد أن ألفت نظرك إلى ما ورد في كتابي الـمؤرخ في 4 أغسطس/آب من علاقة بيـن التشريع والتخطيط للعمل السوري القومي الاجتماعي عبر الـحدود، وحصول التقارير التفصيلية في الـمكتب الـمذكور من قِبل الـمنفذين العاميـن ومن في حكمهم من الـمنتدبيـن والـمفوضيـن والـمديرين الـمستقليـن.
قرأت عبارتك الاستيضاحية عن مشروع الـمدرسة القومية الوارد ذكره في كتابي الـمذكور آنفاً. إنّ هذا الـمشروع كان موضوع محادثات سابقة كثيرة، وكان يصدّنا عنه انعدام الوسائل الـمادية، وقد بلغني من مدة، وأرجّح أنّ ذلك بواسطة منفذية أفريقية الغربية، أنّ الرفيق جورج مصروعة يدير اليوم مدرسة قومية في الـجبل. فإذا لم يكن في الإدارة الـمركزية شيء واضح أو نهائي حول هذا الـمشروع فيمكن وضع الـمشروع وتفصيل خطته بسرعة حالـما تظهر إمكانيات نـجاحه.
إني أوافق كل الـموافقة على تقريرك القيام بحملة دعاوية قبل كل شيء، لأنّ رفع الـمعنويات شرط ضروري لنجاح كل مشروع وعمل يتطلب تعاون الـجماعة أو العموم.
إني أريد أن أعتمد على فاعليتك القوية الـمشهود بها، والتي رأيت مظاهرها في مراسلاتك، وهو ما يجعلني أستمر في معالـجة بعض نظراتك وآرائك معالـجة يصح أن تسمّى معالـجة تثقيفية قومية ونظامية لثقافتك الشخصية الـمدرسية أو الأكاديـمية، إلا إذا كنت تعتقد أنّ ثقافتك الأكاديـمية في هذه القضايا كافية وكاملة وأنّ نظرياتك الـمبنية على دراستك الأكاديـمية والتي بينك وبين بعض العامليـن الـحزبييـن اتفاق أو توافق في صددها، هي نظريات أخيرة ثابتة، وحينئذٍ أرى معك أنه «لا موجب لـمتابعة هذا البحث معك» وتقتصر علاقاتنا من الآن فصاعداً على العلاقات النظامية الإدارية البحتة.
عودة الزعيم: إني ساعٍ بكل قواي لإنهاء جميع علاقاتي الـخصوصية وتهيئة أسباب السفر. ولـمّا لم تكن هنالك مخصصات أو اعتمادات مالية معيّنة لم يكن سهلاً اختيار رسم خطة معيّنة أو برنامج مفصّل، وقد كتبت إليك في ذلك في رسالتي الأخيرة الـمؤرخة في 26 أغسطس/آب الـماضي.
لا علم لي عن موعد سفر الوزير [فيليب] تقلا إلى أميركانية وفي أي وقت ينتظر أن يكون هناك. وقد مضت مدة لا يتسنى لي فيها قراءة الـجرائد التي أتسلمها وتتبّع شؤون جميعة الأمـم الـمتحدة واجتماعاتها وقد يتسنى لي شيء من ذلك في آخر هذا الأسبوع.
عنواني: بـما أني في حالة تصفية علاقات أعمالي الـخصوصية ولست أدري بأية سرعة تتم هذه التصفية، فإني أقدّر أنه يحسن اعتماد عنوان جديد لي ابتداءً من أوائل أكتوبر/تشرين الأول الـمقبل وهو في بوينُس آيرس.
أرجو أن تكون بصحة تامة وموفقاً في مساعيك الـخصوصية والقومية.
إقبل سلامي القومي. ولتحيى سورية.