صدر آخر عدد مضى من الزوبعة في العاشر من شهر أغسطس/آب الـماضي. وقد حمل ذاك العدد إلى الرفقاء وباقي القراء في الـمغترب الأخبار الأولية عن حركة الـحزب السوري القومي الاجتماعي الواردة في منشورات الـحزب الإذاعية.
كل ما نشر في العدد الـمذكور كان نقلاً عن عدد النشرة الـحزبية الشهرية الأولى، وكانت قد وردتنا أعداد أخرى، ولكن الأسباب الـمذكورة في غير مكان من هذا العدد، منعت متابعة إصدار هذه الـجريدة فلم يـمكن نشر بقية الأخبار الطافحة ببشائر تعاظم النهضة القومية الاجتماعية، وفوز العقيدة السورية القومية الاجتماعية في مناطـق عديدة يتزايد. وفي هذه الأثناء وردتنا طائفـة من الـمطبوعات الأدبية والـمنشورات الـحزبية والرسائل والبلاغات الدالة على نضج شديد في العقيدة ونشاط كبير في العمل السياسي والتنظيمي والاجتماعي.
وتفرح القلب بنوع خاص الـمهرجانات القومية الكبرى التي أقيمت في أنحاء متعددة من لبنان، والـحركات التنظيمية للجماعات الـمقبلة على الـمبادىء السورية القومية الاجتماعية في لبنان وفلسطين والشام وشرق الأردن. وفي جميعها تظهر الدلائل الواضحة على تعاظم شأن الـحزب السوري القومي الاجتماعي، وتأييد الشعب لفكرته وعمله، واشتداد ساعده بالعناصر الـجديدة الـحية التي نضجت في العقيدة، وأقبلت تشغل الـمراكز الهامّة التي تـحتشد فيها فاعلية الـحركة وبيقين الشعب، الناتـج عن تروٍ واختبار مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة، إنّ مبادىء الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي نور الأمة وهدايتها إلى السيادة والـمجد، وإنّ رجال الـحزب السوري القومي الاجتماعي هم حافظو حقيقة الأمة وحملة تعاليم نهضتها، وحماة حقوقها ومصالـحها، والـمدافعون عنها في كل زمن، بلا تقلب ولا مداهنة ولا ضعف.
لم يكـن عنـدنا معلومـات أصليـة وثيقـة عن شـأن الـحزب السوري القومي الاجتماعي في حوادث الوطن منذ دخول القوات الـمسلحة البريطانية القسم الشمالي من سورية في منطقتي لبنان والشام، فكانت الـحقيقة في هذا الصدد ضائعة، حتى جاز لأصحاب النفسية الـمريضة والأخلاق الـمتزعزعة حسبان الـحزب السوري القومي الاجتماعي حادثاً عارضاً مضى شأنه وزال وجوده. وسكوت الصحف الرجعية في الوطن، وأكثرها من هذا النوع، عن شأن الـحزب السوري القومي الاجتماعي وأعماله وبطولة رجاله ومواقفهم الباهرة التي أنقذت شرف الأمة من مثالب الشركات السياسية وعار ثعلبتها وتخاذلها في الظروف الـحرجة التي وضعت صلابة عود الأمة وثبات جنانها وشرف خصالها في الامتحان. فلم تذكر تلك الصحف التعسة شيئاً عن الأحكام العسكرية الفرنسية على الزعيم وأعوانه، ولا عن كيفية مقابلة أبطال الأمة السورية الـحقيقيين للأحكام الـمذكورة، بينما فسح معظم تلك الصحف الـمجال لنشر تصريحات الذل من أبطال سياسة التلون والـمخاتلة الذين أذعنوا لأوامر الأجنبي الـمحتل ونفّذوها صاغرين، فلما رأوا خطر ذلك الأجنبي قد ضعف وأنّ قوة أجنبية أخرى تزاحم نفوذه وتعمل على تقويض الـمركز الذي بناه، وأنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي الذي جذب الشعب إلى موقفه وخطته قد أوجد في الأمة السلسلة الفقارية الصلبة الـمنيعة، خرجوا إلى الساحات يجهرون بـمحاربة السلطة الأجنبية التي كانوا، لعهد قريب جداً، يدعون لها بالنصر، ويلقون الـخطب النارية ويتظاهرون بالبطولة. الأبطال الـحقيقيون الذين حفظوا كرامة الأمة كان جزاؤهم الإهمال عند الصحف التي مارست الانتفاع من الـحالة الراهنة ومن إرادة الأجانب، والأبطال الـمرسحيون الزائفون لقوا كل اهتمام!
لم يـمكنّا أن نعرف شيئاً ثابتاً، من أخبار صحف الوطن، عما جرى للحزب السوري القومي الاجتماعي، ولا عن مصير أبطاله الـمعتقلين عدة مرات، ولا عن أعماله، ولكننا كنا موقنين أنّ الأخبار الصحيحة، مهما تأخرت بسبب الظروف الـمانعة، ستصل إلينا، وأنّ الـحقيقة ستنجلي، وأنّ التاريخ ستتصل حلقاته ويستمر!
أخيراً وصلت الأخبار الأولى في النشرات الصغيرة التي ذكرناها في العدد الـماضي، والتي ننقل القسم الثاني منها إلى صفحات هذا العدد. ثم وردت أخبار أخرى خصوصية موثوقة، ثم وردت الـمعلومات الرسمية فإذا الـحقيقة باهرة!
الـحزب السوري القومي الاجتماعي هو بطل الـحملة في سورية على الاحتلال الفرنسي والسلطة الفرنسية، وهو صاحب الـحملة على أعوان الفرنسيين في لبنان، إميل إده وجماعته، وهو الذي تفاهم مع «الكتلة الدستورية» ورجّح كفتها في الانتخابات اللبنانية الـماضية، وإلى ذلك أشار الأمين الـجزيل الاحترام نعمة ثابت، رئيس الـمجلس الأعلى، في خطابه الذي ألقاه في الاجتماع الـحزبي الـمنعقد في منفذية بيروت العامة في 7 مايو/أيار 1944 والذي نقلنا نصه إلى العدد الـماضي بقوله «وأتت حكومة تشعر بحاجة إلى تأييد شعبي إشترك الـحزب اشتراكاً فعلياً بإيصالها إلى الـحكم، اعترفت هذه الـحكومة للحزب القومي بحقه في مـمارسة الـحقوق والواجبات الـمدنية، إلخ.» أخبار الـمهرجانات التالية التي قام بها الـحزب القومي الاجتماعي في أنحاء متعددة من لبنان أثبتت شأن الـحزب العظيم، والصور التي أُخذت في عدة حفلات ومهرجانات حزبية حضرها رجال رسميون من وزراء ونواب، وصورة تـحية رئيس جمهورية لبنان لصفوف القوميين في بتدّين، وخطب وزراء الـجمهورية في الـحفلات القومية، واشتداد نعيب الفئات الطائفية في لبنان والرجعية في جميع سورية التي كانت تتمزق حناجرها من الصخب لتقدم الـحزب السوري القومي الاجتماعي وشقّه حجاب صمتها، كل ذلك أثبت أنّ فاعلية الـحزب تشتد وشأنه يتعاظم.
الأعمال الـحربية التي قام بها الـحزب السوري القومي الاجتماعي في أنحاء الشام، في دمشق وحلب وحماه ودرعا وحمص وطرابلس، كانت أعمالاً باهرة جعلت الـمسؤولين الـحكوميين يعترفون رسمياً وخطياً بامتياز القوميين الاجتماعيين، فأعطى محافظ درعا حيدر مردم بك الرفيقين القوميين الاجتماعيين رفعت شوقي وميشال الديك شهادة خطية رسمية بحسن قيادتهما للقوات القومية التي نـمت بانضمام جماعات الشعب إليها وبلائهما ونـجاح الـحملة التي دبّراها على الـمراكز الفرنسية، وفي حمص امتاز الرفقاء صفوح الدروبي وماهر الـجندي والدكتور عبدالكريـم الشيخ، وفي حماه امتاز الرفيق الضابط صلاح شيشكلي بتركه دمشق التي كانت السلطة قد نقلته إليها وأعطته أمراً بالإقامة الإجبارية فيها وسيره إلى حماه حيث تولى تنظيم الفرق القومية الاجتماعية والشعبية وأبلى بفرقه بلاء حسناً في معارك دامية. وهنالك عدد من الرفقاء امتازوا بـمهمات هامة في حوداث الـمعارك الـمذكورة، ولم تعلن أسماؤهم. وقد نشرت مجلة العالم العربي بعض تفاصيل أعمال الـحزب السوري القومي الاجتماعي الـحربية التي سمحت مراجع الـحزب بنشرها.
وفي السنة الـماضية جرى في محافظة جبل لبنان انتخاب فرعي لكرسي نيابي وحشدت «الكتائب اللبنانية» التي هي حزب أنشأته حكومة إميل إده الـمتفرنسة وكان إميل إده رئيسه الشرفي، كل قوتها وتأييد مرشحها السيد إلياس ربابي فتبنّى الـحزب القومي الاجتماعي ترشيح السيد فيليب تقلا وخاض الانتخابات في معركة حامية وفاز مرشحه بضعف عدد ما ناله مرشح «الكتائب» وتثبتت قوة الـحزب السياسية.
وفي الاصطدامات التي جرت في بعض الـمناطق بسبب تـحرّش فئات الـحزب الشيوعي بحركات القوميين الاجتماعيين ظهر بجلاء تفوّق الـحزب السوري القومي الاجتماعي الروحي والـمادي.
ومتى علمنا أنّ الـحزب القومي الاجتماعي تعرّض لـحرب عنيفة مع الإرادات الأجنبية دامت ما يقارب عشر سنوات، وأنّ السنوات الست من سنة 1939 إلى سنة 1944 كانت سنوات اصطدامات واعتقالات وملاحقات عسكرية للإدارات والدوائر الـمركزية وللمسؤولين البارزين في الـحزب، بينما الأحزاب الأخرى تتمتع بعطف أجنبي وحكومي وتشجيع رسمي، أدركنا أهمية هذه الانتصارات الـمعنوية والـمادية التي أحرزها الـحزب القومي الاجتماعي في الـمعارك السياسية والـحربية الأخيرة.
والأخبار الأخيرة الواردة من الوطن تقول إنّ سيلاً من الانضمامات يتدفق على الـحزب القومي الاجتماعي في جميع مناطق سورية القومية، لأن الشعب يحس الآن بخطورة الـحالة الناتـجة عن الأحداث الأخيرة، والاستقلال الشبه مـمنوح والشبه مربوح، وبالـحاجة إلى عقيدة قومية راسخة وغاية واضحة وقوة نظامية متينة وقيادة صحيحة تقضي على الفوضى والـميعان والبلبلة، وتـجعل الأمة وحدة منيعة وبنياناً مرصوصاً.
وفيما الزوبعة تـحمل هذه البشائر إلى القوميين الاجتماعيين في الـمغترب، وجميع الـمواطنين الـمغتربين الذين لا يزالون يشعرون بالارتباط بأمتهم ووطنهم ويهمهم مصيرهما، توجه تهانئها الـحارة إلى أعوان الزعيم في الوطن، خصوصاً الأمناء الـجزيلي الاحترام أعضاء الـمجلس الأعلى الذين برهنوا على أنهم أركان مؤهلون لـحمل الثقة التي وضعها الزعيم فيهم وللإضطلاع بالـمسؤوليات العليا التي ألقاها عليهم، فجعلوا من الـمجلس الأعلى هذه الـمؤسسة الشريفة الـموقرة، وهذا الـحصن الـجبار للعقيـدة السوريـة القومية الاجتماعية وللحركة القائمة بها. ونوجه تهانئنا أيضاً إلى الأمناء والرفقاء أعضاء مجلس العمد الذين اضطلعوا بـمسؤوليات الإدارة الـحزبية والأعمال التنفيذية في ظروف حرجة ومواقف دقيقة، وأظهروا كفاءة وإدراكاً مـمتازين في القيام بأعمالهم. وفي الأخير، وليس في الأقل، نوجه تهانئنا إلى جميع الـمسؤولين الثانويين الذين حفظوا الوحدات وحلقات الاتصال الإداري ووحدة الـجبهة القومية الاجتماعية وتـماسكها، وجميع الأفراد من قوميات اجتماعيات وقوميين اجتماعيين الذين برهنوا بصحة عقيدتهم وحسن أخلاقهم على مقدرتهم لـجعل النهضة القومية الاجتماعية حركة أمة حية عظيمة.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،
ليس بعد الشك إلا اليقين!