أيها الرفيق الكريـم العزيز،
وردني كتابك الـمؤرخ في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الـماضي ووقفت منه على الواقع الذي كنت أتوقعه. وقد تدرك أنّ من جملة الدوافع التي دفعتني إلى سلك طريق التجارة كثرة اختباراتي في هذه البلاد في ميعان الأخلاق وانعدام قوة التمييز بين مختلف القيم في مجموعنا في هذا القطر الأميركي، حتى أنّ أقلّ ريح تهب تكفي لتبديد ما أكون قد بذلت وبذل الـمعاونون جهداً كبيراً في جمعه. أليس موقف الرفقاء في خوخوي من الأدلة على ضعف الروابط النظامية وقلّة الفهم للأمور العمومية، حتى أنّ انكشاف احتيالات الـمدعو جبران مسوح جعلت أولئك الرفقاء يقولون «ننتظر لنرى ما يقوله جبران». فإني أريد أن أعلم بأمر مَنْ، الرفيق أنطون ضاحي والرفيق منير ديب بأمر جبران مسوح أو بأمر الزعيم. وإذا كان هذان الشخصان الـمقدمان على غيرهما عندكم في خوخوي يتوقفان عن يـمينهما لينظرا في ما يقوله الزعيم وما يقوله جبران، مساوييـن بين الاثنيـن في الـمنزلة والـحرمة، فعلى أية أخلاق يـمكنني الاعتماد وبأي تأييد أقيم النظام وأضرب القوي والضعيف على السواء. وبأية قوة أنزع عن وجه الـمرائي قناع ريائه وأحطه عن منزلة اكتسبها بالرياء الطويل. إنّ هذا الفهم الأعوج للزعامة وحرمتها جعلني قليل الثقة بالأشخاص الذين ينضمون إلى الـحزب غير واعيـن أوليات النظام وأساس الـمبادىء والتعاليم. وإنّ ما ظهر من الشخصين الـمذكورين ليس الأول من نوعه، وإنّ عظيم احترامي لـمقام الزعامة، الذي يجب أن يكون حرماً مقدساً، يجعلني آنف من أن أكون زعيماً لفئة عقليتها كعقلية العرب الضاربيـن في فلوات الصحراء الذين كانوا، قبل الإسلام، يبدّلون آلهتهم، أصنامهم، بسرعة تبديل لفافة التبغ عند الـمدخنيـن، يتخذون اليوم زعيماً وهم يظنون أنهم أقاموا الزعامة بأوهامهم، فإن هي إلا صيحة باطل حتى تراهم يتخلون عن زعيمهم «الـمفدى» كما يتخلون عن أي متاع أصبح سقطاً عندهم.
إني أردت الاستقلال بالتجارة لأصون مقام الزعامة عن الـحاجة إلى طلب رضى ضعفاء الـمدارك وغريبي الفهم للأمور والقيم العمومية. وإنه لأهون عليّ أن أكون تاجراً مهدداً بالإفلاس، وهو أسوأ ما يكون في التجارة، من أن أكون زعيماً لفئة مفلسة في مداركها ومبادئها، حتى أنها تـجعل زعامتها مهزلة في أعين الأمـم الـحية والشعوب الـحرّة.
قد كفاني ما عانيت ولقيت من هذه العقلية. ويجب أن يعلم الذين جعلوا نفسياتهم الصغيرة مقياساً لنفسية الزعيم أنّ من يشك بي مقدار حبة خردل أشك به شكاً ترزح منه الـجبال.
تسألني عن الـحالة التي بقيت فيها بعد اكتشاف اختلاس جبران مسوح، فأقول إنها ليست جيدة، لأنّ الـخسارة هي ما ذكرت لك. أما ما ظهر من الـمدعو جبران مسوح، بعد ظهور اختلاسه، من ضروب الوقاحة فلا شك في أنه يجعله في حضيض السفلة من ذوي النفوس الإجرامية. وهو يتشجع بـما يعرفه من ضعف مبادىء الـمجموع وقلّة إدراك الـجمهور.
السيد منير ديب: كتبت إليه قبل ورود كتابك. وكان كتابي إليه تـجارياً بالأكثر. لم يجبني. هو حر فإن رغب في التعامل معي فله مني ما يرغب، وإن رغب عن ذلك فرغبتي تكون من نوع رغبته. إنـما ذكرت له أني قد أسافر إلى خوخوي في شهر يناير/كانون الثاني القادم، ولست أدري هل بلغ أحداً منكم الـخبر؟ على هذه النقطة أطلب جواباً لأعلم هل يوافق، تـجارياً وقومياً، سفري في الشهر الـمذكور إلى منطقتكم؟
إنّ الرأسمال الذي وضعته في الـمحل، وهو 5000 قد ذهب كله، ولكن بقي لي خارج الـمحل شيء قليل ساعدني على التغلب على الصعوبات الأولية، وإذا لم يتعرض الـمحل لـخسائر كبيرة بسبب انتهاء الـحرب قريباً فأعتقد أنّ جميع الصعوبات الـمقبلة يـمكن التغلب عليها وتـحسين حالة الـمحل تحسيناً كبيراً.
تفعلون حسناً بإرسال رسم العضوية إليّ، لأني أجهل كل الـجهل حقيقة التصرف الـمالي فيما يختص بالـجريدة في بوينُس آيرس وغير الـجريدة. وقد لاحظت في ما نشر في الـجريدة من «إعلان إداري» غايته أن يكون «في علم الـجميع أنّ الرفيق إبراهيم أفيوني هو مدير الزوبعة» ما لا يجعلني كثير الارتياح من هذه الـجهة. إني أحب اتباع خطتي أن أجعل الثقة الأساس الوحيد لعملي ولكن يجب، لتتميم هذه الـخطة، أن يكون حولي رجال ثقة كثيرو الشك بالناس، ومدققو النظر في تصرفات الأفراد ومجرى الأعمال. وهذا الشرط كان ميسوراً في الوطن ولم يحتج الزعيم إلى إساءة الظن.
إنّ رسم الزعيم الـموجود في بيت الـخائنة نبيهة الشيخ هو رسم كبّرته عائلة جبران مسوح حين كانت تـحترم إيـمانها، والـمدعو جبران مسوح جلبه إلى هناك ولا قوة حزبية هنا لإخراجه.
خطابك[1] بـمناسبة 16 نوفمبر/تشرين الثاني، قرأته قراءة أولية مستعجلة، وسأعود إليه في هذا الأسبوع قبل إرساله إلى الـمطبعة. ولكني من الآن أقول إني سأدخل عليه تعديلاً، خصوصاً في الـموضع الذي تقول فيه: «... ولهؤلاء نقول إنّ الـحرية والأمن والراحة التي تتمتعون بها بين هذه الأمـم التي تعيشون في أوساطها ليست نتيجة جهودكم ولا جهود آبائكم، الخ.» فهذه الفكرة هي لي وأنا مولدها، وأول من حلل هذا التحليل وقال هذا القول في نداء وجهّته إلى السورييـن الـمهاجرين سنة 1937. وقد أخذ هذه الفكرة جبران مسوح وذكرها كأنه هو صاحبها، ويـمكن أن يكون غيره استعملها من غير أن يشير إلى صاحبها، وهذه حالة تساعد على الفوضى وإضاعة القيم. وفكرة كهذه مسندة إلى الزعيم تأخذ محلاً في القلوب لا تأخذه مسندة إلى أي كاتب. ولذلك سأضع عبارة تدل على أنّ هذا التعليم لـمعنى الـحرية القومية هو من تعاليم الزعيم. وبهذه الـمناسبة أقول لك إنّ كل مدرسة فكرية تتقوض وتـمحق إذا لم تصن تعاليم مؤسسها عن الاختلاط والضياع في تفكير غيره، فإذا لم يحافظ تلاميذ أفلاطون وزينون على تعاليم أفلاطون وزينون وأقوالهما لم تقم الأفلاطونية ولا الزينونية. ولو لم يحافظ أتباع الـمسيح على أقوال الـمسيح، وأتباع محمد على أقوال محمد، لـما بقيت مسيحية ومحمدية إلى اليوم.
قد تكون قرأت «إخاء»[2] مسوح التي «تصدر عند اللزوم» وعسى أن يكون الـمشككون قد وجدوا فيها ما يطمئنهم إلى شكوكهم.
إنّ الـحزب السوري القومي يقوم بنفوس مثل نفس نعمان ضو الـحاوية القوة واليقيـن والإيـمان، ولا يقوم بنفوس ذوي الضعف والشك والانقلاب. فسلامي القومي لك ولكل قومي موقن مخلص، ولتحيى سورية.