نقصد بالقوة الاقتصادية[1] أشكال الاقتصاد التي تؤمن احتياجات الأمة ونـموها من ضمن مبدأ الاكتفاء الذاتي، وتتيح التأثر إيجابا أو سلباً على الأمـم الأخرى. يجب أن نشير هنا إلى أن القوة العسكرية القومية تـحتاج بالضرورة إلى قوة اقتصادية قومية لإعدادها وتغطية مصاريف متابعتها وصيانتها وتـحمل كلفة أعباء مهامها.
إن أهم أشكال القوة الاقتصادية القومية هي أربعة:
1.صناعة متقدمة
2.زراعة متطورة
3.تـجارة متوازنة
4. قوة مالية
صناعة متقدمة
تتميز بكونها تلبي الاحتياجات الـمدنية والعسكرية للمجتمع بحيث لا يبقى وضع الأمة مرتبطاً بالـخارج في تأمين متطلباته أو تـحت رحمة هذا الـخارج في الأوقات الصعبة والـحروب، ومن جهة ثانية قادرة على الصمود ومنافسة الصناعات الأجنبية في الأسواق العالـمية ..
إن معظم حروب دول العالم الثالث والأمـم الصغيرة في هذا القرن كانت لتنتهي استراتيجـياً بالفشل دائماً لأن هذه الـدول في نهايـة الـمطـاف لا تـملك القـوة الاقتصاديـة
الكافية لتغطية الـمصاريف والأعباء العسكرية والـمدنية لاستمرار الـحرب، ولأنها بالدرجة الأولى لا تـملك أساساً الصناعة العسكرية الذاتية اللازمة لـمتابعة القتال حتى النصر. هذه الأمـم والدول كانت تـحارب بأسلحة وذخائر مستوردة من الـخارج، وكان طبيعياً أن تكون قدرتها على القتال محدودة بكمية الأسلحة التي اشترتها ومرتبطة بالـموقف السياسي للدولة التي تـمدها بالأسلحة والذخائر ....
إن العالم العربي نظراً لغناه وثرواته وموقعه وللمخاطر التي تهدده هو أحوج ما يكون إلى بناء صناعة متقدمة على غرار ما ذكرنا بدءاً من الصناعة الثقيلة، فالتحويلية والـخفيفة خصوصاً بناء وتعزيز الصناعة العسكرية وحاجاته إليها. يجب أن نشير هنا إلى أن مثل هذا الأمر لا يستطيع أن يتحقق بشكل صحيح من ضمن خطة دولة واحدة أو كيان واحد، بل يجب أن يتم من خلال تخطيط قومي للصناعة على مستوى كل إقليم طبيعي من الأقاليم الأربعة للعالم العربي.
حالياً يـملك العالم العربي كل معطيات وشروط الصناعة الـمتقدمة الـخمسة: بدءاً من مواد الطاقة والـمواد الأولية معادن ونفط، مروراً بالرساميل الكبيرة ثانياً، ووفرة اليد العاملة ثالثاً، ورابعاً وجود مئة مليون نسمة ولا ينقصه كما نرى لبناء مثل هذه الصناعة الـمتقدمة سوى القرار السياسي الـحاكم والـخطط القومية الـمناسبة..
زراعة متطورة
تتميز بقدرتها على النمو وكفاية الاحتياجات الغذائية للسكان حاضراً ومستقبلاً ومواجهة الأخطار الطبيعية والضغوطات الـخارجية عند الضرورة ..
إن الاكتفاء الذاتي الزراعي يوفر هدر أموال البلاد من العملات الصعبة في شراء منتوجات غذائية ومواد زراعية من الـخارج، ويحسّن بالتالي ميزان التجارة الـخارجية ويدعم وحدة النقد القومية (العملة الوطنية ) ويجنب الأمة التبعية الـمعيشية الـمباشرة وخطر الضغوطات والأزمات الـخارجية ويخفف من عبء البطالة ويزيد في فرص العمل للمواطنين ..
بالـمقابل تدأب الدول العظمى والأمـم الـمتفوقة حالياً، في منع الأمـم الأخرى لا سيما دول العالم الثالث من انتهاج ساسة نـمو واكتفاء ذاتي في اقتصادها، وخصوصا في الـميدان الزراعي والغذائي، وتسعى لإغراقها بسلع ومنتوجات استهلاكية ذات أسعار تصعب مزاحمتها، والغاية تشليحها قرشها الأبيض من العملات الأجنبية وبقاؤها فقيرة في حالة متخلفة اقتصادياً وغير مكتفية زراعياً وصناعياً وتوسيع البطالة فيها ونشر نفسية اللا إنتاج والعمل غير الـمثمر في مجتمعاتها، وتـحجيمها إلى مستوى ابتیاع حاجيات سكانها الضرورية الـمعيشية في حدودها الدنيا، الأمر الذي يوقعها لا محالة في عجز متتابع ويورطها في الديون والتبعية..
يعاني العالم العربي من مفارقات كبيرة ومتعددة تدعو إلى الدهشة والاستغراب، فهو من جهة يـمتد على مساحات شاسعة من الأرض، لكنه مجزأ سياسياً إلى أكثر من عشرين دولة، ومقسّم اجتماعياً ونفسياً حتى العظم، وهو من جهة ثانية غني بـمعظم أنواع الثروات الطبيعية تقريباً، لكن شعوبه تعاني من الفقر والـحرمان بـما فيه الكفاية، وهو من جهة ثالثة يتميز بكثافة سكانية ضئيلة وبنسبة مهمة من الأراضي الـخصبة الصالـحة للزراعة تكفي لإطعام وسد احتياج أضعاف هذا العدد من السكان، ومع ذلك تعاني شعوبه من جوع غير معلن وتدفع مجتمعاته أموالاً ضخمة لشراء منتوجات غذائية، وزراعية من الـخارج تستطيع في الواقع إنتاجها محلياً!!؟
إن الزراعة الـمتطورة هي ضرورة حياتية واستراتيجية، للعالم العربي ويتعين عليه، للحصول عليها انتهاج سياسات قومية على مستوى أقاليمه الطبيعية الأربعة كمنطلق أولي ثابت وتطويرها في مرحلة ثانية لتغطي كامل العالم العربي، وتوسيعها في مرحلة ثالثة، لتتسق وتتناغم مع «كتلة الدول الإسلامية» و«كتل دول العالم الثالث»..
إن جملة من الـخطوط الرئيسية العريضة يجب أخذها بعين الاعتبار في التطبيق العملي عند انتهاج أية سياسة، زراعية ويجب أن تلحظ خطط الإصلاح الزراعي الأمور التالية :
تـحسين إنتاج الأراضي الزراعية الـخصبة، ودفع أصحابها بالتالي لاستغلالها.
إصلاح الأراضي القابلة للزراعة، وتسهيل تـملكها من الـمواطنين القادرين على إدارتها واستثمارها.
ربط الـمواطنين بالأرض من خلال تخفيف حالة البداوة الاجتماعية ونشر حالة الـحضر وتخفيف هجرة الريف إلى الـمدينة، ومن خلال سياسة جعل كل مزارع ملّاك.
مواجهة التصحر وتـحسين البيئة واعتماد سياسة تـحريج مكثفة ونشر الغابات.
الاستفادة من الـموارد الـمائية للشفة والري وإقامة السدود والقنوات والبحيرات والترع.
منع إنشاء مدن جديدة في الأراضي الزراعية والـحد من توسع الـمدن القائمة على حساب الأراضي الـمزروعة.
تـحديث أساليب الزراعة وإدخال الـمكننة إليها واعتماد طرق الزراعات الـمكثفة حيث أمكن ذلك.
التوجيه الزراعي ضمن الـخطط والـمصالح القومية من خلال اعتماد الـمزارعين وتوعيتهم وإنشاء كليات زراعية يتخرج منها مهندسون ومرشدون زراعيون، وإنشاء جمعيات زراعية تقدم العون والإرشاد، وبنوك للتسليف الزراعي بشروط مشجعة.
تكبير الثروة الـحيوانية القومية ودعم تربية الدواجن والـمواشي والأبقار والأغنام والـماعز والنحل والأسماك.. الخ.. وتشجيعها بالـمساعدات الـمادية والطبية البيطرية والإرشاد والتوجيه.
تنشيط تسويق الإنتاج الزراعي من خلال تـحرير الزراعة من الأصناف التي فرضها الاستعمار القديم (التبغ والـحرير في لبنان، القطن في الشام ومصر، والكرمة للخمور في بلدان الـمغرب العربي الكبير، الخ..) لتتمكن دوله من احتكار شرائها بأسعار بخسة، ومن خلال تنويع الزراعات بـما يتناسب مع الـحاجات القومية وأسواق العرض والطلب الداخلية والـخارجية، ومن خلال ربط الأرياف بالـمدن بشبكة من الـمواصلات والنقل الداخلى للمنتوجات الزراعية، ومن خلال إقامة أسواق بيع في الـمدن و مراكز عرض في الـمحافظات...
التصنيع الزراعي الهادف أولا، إلى إنشاء صناعة للآلات والأدوات والـمعدات والـمواد الزراعية، ومن جهة ثانية إلى إنشاء صناعة للإنتاج الزراعي والـحيواني ومشتقاتها الأمر الذي يؤمن ربط الزراعة بالصناعة والتجارة من خلال تخفيف الهدر والتلف في الفائض من الإنتاج الذي يتحول إلى الصناعة، فأسواق التصريف الداخلية والـخارجية ويتيح حفظ جزء من الإنتاج لأيام من السنة ينقص فيها، ويساهم في تخفيف البطالة من خلال تشغيل أعداد من الـمواطنين في قطاعات الصناعة والتجارة الـخاصة بالزراعة، ويساعد في الـمحافظة على أسعار الـمنتوجات الزراعية والـحيوانية بعيداً عن التقلبات السريعة التي قد تنتج عن خلل طارئ في أسواق العرض والطلب ويجنب الـمزارعين بالتالي خسائر قد تنتج عن كساد التصريف في الوقت الـمناسب.
يجب أن نذكر أخيرا أن كل إنسان سواء كان يعيش في الـمدينة أو في الريف، وسواء كان مزارعا أو غير مزارع، يحتاج إلى مساحة معينة من الأرض الـمزروعة ليعيش من إنتاجها الـمباشر، كما يحتاج أيضا إلى كمية من اللحوم والـمنتجات الـحيوانية (بيض، ألبان، أجبان، زبدة ، عسل، إلخ..)
تستوجب بدورها للحصول عليها أرضاً زراعية ورعوية تعيش منها الـحيوانات الـمنتجة. إننا نطلق على مساحة الأرض اللازمة ليعيش الإنسان اسم «الـمدى الـحيوي الزراعي للفرد» وكلما تـحسن هذا الـمدى الـحيوي الزراعي تـحسن معه عيش الـمواطن وارتقى به الـمجتمع..
تـجارة متوازنة
نقصد بالتجارة الـمتوازنة، التجارة الـمتناسبة مع الـمصلحة القومية.لم تعد التجارة في العصر الـحديث مجرد عملية شراء وبيع وتـحقيق فرق فائض بينهما هو الربح الذي كان يعود إلى الأفراد بالدرجة الأولى ويعم من خلالهم إلى باقي الـمجتمع في مرحلة ثانية، بل أصبح يوجد مفهوم جديد للتجارة، هو مفهوم التجارة القومية الذي يتميز بكون الشراء فيه يتم لغاية عليا مقصودة ومخطط لها، ويحصل البيع فيه أيضا لغاية عليا مقصودة ومخططة، والربح أيضا يتم لغاية عليا ومقصودة ومخططة. هذه الغاية العليا هي الـمصلحة القومية بجوهرها وحركتها وصيرورتها، وبالتالي فإن التجارة يجب أن لا تتعارض مع حقيقة الـمصلحة القومية الـجوهرية عبر الزمن ولا أن تسيء إلى مسار الـحركة الطبيعية الذاتية للأمة أو إلى حسن أدائها بين الدول، ولا أن تلحق ضرراً يؤثر سلباً على مستقبلها أو يهدد وجودها، إنها بتعبير بسيط تـجارة متوازنة وملتزمة قوميا.
تسعى الأمـم الـمتفوقة في عصرنا الـحديث إلى بلوغ هدفين أساسيين من خلال التجارة: الأول إقامة توازن في ميزان التجارة الـخارجية والثاني تـحقيق سيولة نقدية فاعلة بالعملة الصعبة.
التوازن في ميزان التجارة الـخارجية
هذا يعني في الـمفهوم الشكلي الـحسابي للأمر أن لا يعاني ميزان التجارة الـخارجية الدولة من أي عجز مالي ولا من أي فائض. أي لا ربح ولا خسارة، أي أن مجموع ثمن الصادرات يجب أن يوازي مجهوع ثمن الواردات، أما في الـمفهوم الضمني العميق فيرتبط هذا الـمعنى كما ذكرنا آنفاً بـماهية الـمصلحة القومية الـجوهرية وحدود إطار حركتها. هنا يصبح الأمر أكثر تعقيدا إذ لا يعود تقييم نشاط التجارة الـخارجية للأمة ينحصر بالربح الـمادي الـمالي فقط، بل إن جملة من الـمعايير القومية الـمادية والـمعنوية على السواء تضاف إليه, معايير سیاسية واقتصادية واجتماعية واستراتيجية وعسكرية وثقافية الخ... معايير مرتبطة، من جهة بـمصالح الأمة وحركتها عبر الزمن بأطواره الثلاثة وخصوصاً الـحاضر منه والـمستقبل، وبالـخطط القومية الـمتعددة التي تسعى حكوماتها القومية إلى تنفيذها من جهة ثانية.
كيف نفهم إذن الشراء والبيع والربح والـخسارة والـميزان التجاري الـمتوازن من خلال كل ذلك؟؟
الشراء
الـمقصود بالشراء هنا الاستيراد، أي شراء سلع ومواد أو خدمات من الـخارج. يخضع الشراء هنا في مفهوم الـمصلحة القومية إلى عدة شروط:
أولها شرط سلبي واجب هو أن لا تستورد سوى السلع والـمواد التي يحتاجها مجموع الـمجتمع القومي فعلاً، فلا تعود الـمشتريات تتم طبعاً للرغبات النفسية أو الـمزاجية للأفراد، بل تبعاً لـحاجة الـمجتمع ككل التي تستوجب الـحصول على هذه السلع والـمواد.
الشرط الثاني هو أن تكون هذه السلع والـمواد الـمستوردة مفقودة أو ناقصة في البلد الـمستورد ولا يستطيع الـمجتمع إنتاجها أو تعويضها ببدائل أخرى.
أما الشرط الثالث فيجب أن تكون السلعة الـمشتراة ذات نوعية حيوية أو رئيسية مهمة، أي تلبي حاجة حياتية خطيرة للناس مثل دواء او غذاء الخ.. أو ضرورية لعجلة الـحياة الاقتصادية للمجتمع كأن تكون ضرورية للصناعة أو للزراعة أو لازمة لتطوير مؤسسات الـمجتمع أو الـحفاظ على أمنه..إلخ.
كيفية دفع ثمن الـمشتريات وعواقبها
إن كيفية دفع ثمن الـمشتريات الـمستوردة تتم حسب إحدى الطرق الثلاث:
1. الدفع نقداً بواسطة العملة الصعبة: إن عواقب الاستيراد بالعملة الصعبة هي التالية:
- نزف في مخزون العملة الصعبة يؤدي إذا استمر بدون تعويض إلى التأثير سلباً على سعر صرف العملة الوطنية وإلى نقصان في مجمل الثروة القومية .
- خلل في أداء الـمجتمع الذي يستورد والـخوف من تـحول اقتصاده إلى اقتصاد غير منتج، والوقوع تدريجياً في الفقر والضعف والتخلف وما يرافق ذلك من انعكاسات سلبية على كافة النشاطات الأخرى للمجتمع، أقلها التبعية الإقتصادية والسياسية والتقهقر العام..
- تنشيط مجتمعات الأمـم الأخرى التي تـم الشراء منها، إذا كانت العملية لا تـمس جوهر مصالـحها القومية، ويصبح هذا الأمر مثل مساهمة عملية في تـمويل ازدهارها ورقي أبنائها ومؤسساتها..
2. الدفع بواسطة مواد خام أو موارد أولية أو مواد طاقة، هذا الأمر يؤدي إلى نقصان مخزون هذه الـمواد من أرض البلاد وحرمان الأجيال اللاحقة التي لم تولد بعد من الاستفادة منها. إن ثروات أي بلد هي في الـمفهوم القومي أو أيضا في الـمفهوم الإسلامي للموضوع، ليست ملكاً لفئة واحدة فقط من الناس أو لـجيل من الأجيال، بل هي ملك الأمة على تعاقب أجيالها، ولا يعود جائزاً في مثل هذه الـحالة التفريط بثرواتها لصالح فئة أو جيل على حساب مستقبل مصالـحها ومصالح أجيالها اللاحقة.
3.الدفع عن طريق مقايضة أو بيع منتوجات صناعية وحرفية ومنتوجات زراعية وحيوانية ومشتقاتها تغطي ثمن الـمشتريات الـخارجية من جهة، وتنشط عملياً الـمنحى الإنتاجي للاقتصاد في الداخل دون أن تؤثر سلباً على مخزون البلاد من العملة الصعبة أو على الثروات القومية.
لا بد إذن من قيود وضوابط تـحكم الاستيراد من الـخارج هي أن تكون السلعة الـمشتراة ذات نوعية حيوية أو رئيسية مهمة وأن تلبي حاجة كلية للمجتمع وأن تـملك البلاد بالـمقابل قدرة صحية على تغطية ثمنها بطريقة سليمة. إن الـمغالاة في عدم الالتزام بهذه القيود والضوابط ينتهي بالبلاد إلى الوقوع في كمائن الديون والتبعية.
البيع
الـمقصود بالبيع هنا التصدير، أي بيع سلع ومواد وطنية أو خدمات إلى الـخارج.
يخضع البيع،كما الشراء، في مفهوم المصلحة القومية إلى عدة شروط أساسية أهمها:
1.أن تكون السلع والـمواد الـمباعة فائضة عن حاجة مجموع الـمجتمع القومي ككل، لا فائضة عن حاجة فئة أو أفراد منه أو طبقا للرغبات النفسية أو النفعية للأفراد والـحكام.
2.أن لا يؤدي بيعها إلى فقدانها أو نقصانها في الـمجتمع، خصوصاً إذا كان هذا الـمجتمع لا يستطيع إنتاجها بشكل كاف أو لا يستطيع تعويضها ببدائل أخرى.
3.أن لا يؤدي بيعها إلى نقصان خطير في الثروات القومية، ينعكس سلباً على مستقبل الأمة وأجيالها، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالثروات الطبيعية من مواد أولية خام ومواد الطاقة والنفط والـمعادن والغابات وغيرها من الـمواد ذات الـمخزون الاحتياطي الـمحدود.
4.ألا يؤدي بيعها إلى ضرر يصيب الـمصالح القومية للدولة البائعة أو يشكل خطراً على أي مستوى من الـمستويات سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية أم عسكرية أم ثقافية إلخ...
5.أن لا يؤدي بيعها إلى تنشيط أو ازدهار أو تقوية الدول الـمنافسة أو العدوة على السواء.
6.أن لا يتعارض بيعها مع خطط ومشاريع الـحكومة للتنمية القومية.
عواقب البيع
تتحد عواقب البيع على الأمة البائعة تبعاً لطبيعة السلع والـمواد الـمباعة وتبعاً لنوعية الدفع (القبض) وتبعاً لظروف وشروط السوق الدولية؛
إذا كانت هذه السلع منتوجات صناعية أو حرفية أو منتوجات زراعية أو حيوانية أو مشتقاتها وفائضة عن حاجة البلاد تصبح عملية البيع مربحة ومفيدة من حيث الـمبدأ والـمضمون، فهي تخفف من كساد فائض الإنتاج القومي وتنشط حركة الإنتاج الاقتصادي ودورة العمل داخل البلاد، وتتيح الـحصول على كمية من العملة الصعبة تزيد في قوتها الـمالية إذا كان الدفع نقداً، أو الـحصول مقايضة على مواد خام وسلع حيوية ومهمة بالنسبة إليها، أو أخيراً الـحصول بالـمقابل على خدمات مختلفة سياسية أو عسكرية أو غيرها مـما تقتضيها ضرورات الـمصلحة القومية..
إذا كانت السلع الـمباعة من الثروات الطبيعية القابلة للنفاذ، مواد طاقة ومواد أولية ومواد خام صرفة ومواد خام مصنعة جزئيا ومعادن، إلخ..) تصبح عملية البيع خاسرة ومضرة من حيث الـمبدأ والـمضمون، لقابلية هذه الـمواد للنفاذ مع الوقت وخطورة ذلك على مستقبل الأمة ومعيشة أجيالها لاحقاً. فإذا كان الـمقصود من البيع الـحصول على منتوجات أو سلع عادية أو على النقد الصعب أو السيولة النقدية يكون الأمر مثل (مقايضة الـحديد بالقضامي). بائسة جداً هذه التجارة التعيسة لأنها علاوة على أنها تخفض مخزون الاحتياط القومي من الـمواد الأولية، تعطي الدولة الشارية لهذه الـمواد فرص تنشيط إقتصادها الإنتاجي الداخلي وتوسيع دائرة تسويقية الـخارجية على حساب مصلحة الدولة البائعة. ولا يعود مبرراً مثل هذا البيع إلا في الـحالات الـحيوية الضرورية القصوى التي قد يتهدد فيها الـمصير القومي أو في الـحالات الـخاصة والـجزئية الـمرتبطة بخطط النهوض القومي الأساسية..
إذا كانت «السلع الـمباعة» خدمات (سياحية، ترانزیت، نقل وأساطيل تـجارية، مركز مالي أو مصرفي، سوق حرة، قواعد عسكرية، موقف سياسي أو تبعية معينة .. الخ..) تصبح اللعبة دقيقة وخطيرة جدا وتختلف العواقب تبعا لكل حالة:
أ. فهي مربحة ومفيدة في حالة النقل بالأساطيل التجارية وتـجلب سيولة نقدية بالعملات الصعبة ولا تعرض البلاد ولا هي تعرض للأخطار في زمن السلم.
ب. وهي مربحة أيضا ومفيدة في حالة السياحة والترانزيت والـمركز الـمالي. الـمصرفي والسوق الـحرة، وتـجلب سيولة نقدية بالعملات الصعبة وتتيح تنشيط الاقتصاد الداخلي الزراعي والصناعي على السواء. لكن الأمر يستلزم تـحفظا دقيقا وواعيا نظراً لـجملة محاذير خطيرة قد تقلب النتائج رأسا على عقب: منها أن هذا القطاع من الـخدمات يستلزم بنية تـحتية معينة ومتطورة إذا نـمت أو كبرت بغیر ضبط أو توجيه قومي مركزي، تستطيع أن تطغى على حساب قطاعي الصناعة والزراعة وتهدد بالتالي الـمنحى الإنتاجي للاقتصاد القومي. كما أنها تستلزم لتستمر وتزدهر، إذا كانت حالة البلاد تقتضي هذا القطاع الاقتصادي، حصانة قومية راسخة ووطيدة، أي دولة قوية وجيش قوي وحالة سلم أهلي إجتماعی وقومي ثابتة، ونظام حكم ساهر ومدبّر وواع ومرن لا يعرّض البلاد إلى أزمات داخلية أو هزات خارجية، وسياسة خارجية محايدة مدعمة بـمعاهدات وصداقات وأحلاف دولية متعددة، وأن لا تكون الدولة في حالة عداء أو حرب ظاهرية أو ضمنية مع أي طرف في العالم..
نظراً لنقاط الضعف العديدة التي تـحكم مفاصل هذا القطاع، لا تستطيع كل الدول تأمين شروط نـجاحه، بل أصبح مألوفاً أن نرى العديد من الدول، الصغيرة خصوصاً، بدأت بتشجيع هذا القطاع الـمغري بثماره الأولى وانتهت مع مجتمعاتها بدفع الثمن غالياً، حاصدة خللاً في نظامها الاقتصادي والاجتماعي وتبعية اقتصادية وسياسية وثقافية وحتى عسكرية، وتقهقراً لا ينفك مستمراً على غالبية مستوياتها..
ج. أما إذا كانت الـخدمات الـمباعة قواعد عسكرية أو غيرها أو مواقف تبعية مختلفة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها فالعواقب خطيرة ووخيمة جداً ولا تـحتمل التأويل والتبرير لأنها تبدأ بإلغاء السيادة القومية وتنتهي بدق أسافين الذل والـجوع والفناء لهذه الأمـم..
ميزان التجارة القومية
وهكذا نرى أن الربح والـخسارة لا يقاسان إذن بالرقم الـحسابي الـمالي فقط في محصلة ميزان التجارة الـخارجية. بل أن الـميزان التجاري للدولة يقاس في الـمفهوم القومي بالشكل الـحسابي الـخارجي وبالـمضمون الاستراتيجي القومي، ونستطيع أن نـميز بالتالي أربع فئات في ميزان التجارة القومية:
1- میزان تـجاري عاجز شكلاً وعاجز مضموناً.
2- ميزان تـجاري رابح شكلاً ورابح مضموناً.
3- میزان تجـاري عاجز شكلاً ورابح مضموناً.
4- میزان تـجاري رابح شكلاً وعاجز مضموناً.
إن الـميزان التجاري القومي الـمطلوب هو الـميزان التجاري الـمتوازن شكلاً ومضموناً وهو ما عبّرنا عنه في البداية بتجارة متوازنة وملتزمة قومياً. غير أن أفضل حالة هي التي يستطيع فيها الـميزان القومي التجاري أن يكون رابحاً شكلاً ورابحاً مضموناً وهذا ما سنعالـجه في الفقرة التالية. من الواضح بالـمقارنة إن دول العالم العربي هي أحوج ما تكون إلى التقيد بالـمفهوم القومي للتجارة. إن ثرواتها تنهب منها أمام أعين الدنيا وشهادة التاريخ ولعنة الأجيال القادمة..
القوة المالية
(تحقيق سيولة نقدية فاعلة بالعملة الصعبة)
في البداية دخل النقد عالم الاقتصاد كوسيلة تـجارية للمقايضة من حيث استعماله معياراً للتقييم عاماً أو مشتركاً بين سلع مختلفة.. وتطور في مرحلة ثانية، فامتلك قيمة إضافية هي قيمة إنتاجية مخزّنة رمزياً فيه.
تتألف القيمة الإنتاجية من الـمنتوج زائد جهد إنساني متعدد ومتراكم، (وقد يكون الـمنتوج سلعة منتجة أو مادة مستخرجة أو قائمة بذاتها).
وهكذا يـمكن صرف النقد إلى معادلاته، أي تـحويله إلى قيمة إنتاجية، أي إلى منتوجات وإلى عمل ونشاط إنساني منتج.
وتطور النقد في مرحلة ثالثة فامتلك علاوة على ما ذكرنا قیمة جديدة خاصة به، قيمة مالية قائمة بحد ذاتها، قیمة قابلة للتقييم الـمتغير، أي قابلة للازدياد والانخفاض، وأصبح من خلال تعدد العملات قابلاً للتداول التجاري مثل أية سلعة أخری ضمن آليات متعددة يدخل فيها مبدأ سوق العرض والطلب..
في الواقع لا يوجد اكتفاء ذاتي مطلق عند أية دولة في العالم مهما كبرت أو عظمت، إن الدولة التي تـمارس على نفسها سياسة الإنعزال والإنغلاق الـمستمر، سوف تتقدم عليها الدول الأخرى وتتجاوزها حضارياً. من هنا حاجة كل دولة للتعامل والتعاطي مع الدول الأخرى، وضرورة أن تـملك قدرة على التحرك الـخارجي الفاعل وقدرة على الضغط على الأمـم الأخرى عند اللزوم.
إن من يـملك سيولة بالعملة الصعبة (نقد مرتفع الثمن) يـملك في الوقت نفسه قوة تـحويل هذه السيولة الـمالية إلى منتوجات وأعمال إنسانية في بلاد أخرى..
تعمل الدول القوية والـمتفوقة في العالم على تـحقيق فائض مالي في میزان تجارتها الـخارجية. أي تعمل لامتلاك قوة مالية بالسيولة النقدية الصعبة. يتم لهذه الدول
تـحقيق هذا الأمر عن طريق معطيات اقتصادها الذاتية وحركته في السوق الدولية من جهة، أو من جهة ثانية عن طريق دخول ميدان التجارة العالـمية بسلع ومنتوجات الآخرين (عملیات الـمونوبول التجاري التي قد تتناول مواد مختلفة مثل القطن أو النفط أو الزيوت النباتية أو القمح أو الـمعادن، أو الأخشاب أو منتوجات مصنعة بواسطة الشركات الـمتعددة الـجنسية..) أو من جهة ثالثة عن طريق بورصات العملات الأجنبية وتغيّر قيمة النقد وتـجارة العملات في البنوك والـمصارف، أو من جهة رابعة عن طريق الضغط والاستعمار الـمباشر لدول وشعوب أخرى..
عند الأمـم الـمتفوقة تتوزع ملكية السيولة على طرفين هما: الأفراد والأغنياء أصحاب الـمؤسسات الاقتصادية الـخاصة من جهة، والدولة صاحبة كل الـمؤسسات السياسية والإدارية العامة من جهة ثانية. أما من يـملك حق تـحريك السيولة الـمالية من بين هذين الطرفين فهو الدولة القومية أولاً ثم الأفراد الأغنياء من خلال توجيه الدولة وإشرافها ثانياً.
إن السيولة الـمالية هي ثروة قومية تـملكها الأمة من حيث الـمبدأ، ولا يجوز تـحريكها واستعمالها إلا بـما يخدم مصالـحها. ينتج عن هذا الـمفهوم القومي أن الأفراد الـمالكين ثروات نقدية سائلة أو ثروات غير منقولة، هم في الـحقيقة قوامون على هذه الثروات من أجل إدارتها وحسن تنميتها في حدود الـمصلحة القومية وتـحت توجيه الدولة القومية وإشرافها.
میادین تـحريك السيولة الـمالية
وأهداف هذا التحريك
تنقسم هذه الـميادين إلى داخلية في قلب البلاد وإلى خارجية مع العالم الـخارجي، وتتوزع الأهداف أيضاً تبعاً للميادين.
- على المستوى الداخلي:
أهم هذه الأهداف هي:
أ. تـجميع الرساميل الوطنية (رؤوس أموال وطنية) لاستخدامها في الدرجة الأولى في بناء وتطوير وتنمية الصناعة والزراعة، أي لتنشيط القطاع الـمنتج من الإقتصاد القومي.
ب. تخصيص قسم من السيولة الفائضة في مشاريع التنمية الإقتصادية وإنشاء وتطوير البني الإقتصادية التحتية للبلاد: كهرباء، ماء، مواصلات، مرافق عامة، جر مياه، تلفون، سكك حديد وطرق ملاحة داخلية وخارجية..
ج. تخصيص قسم من السيولة الفائضة في مشاريع التنمية العلمية: مدارس، معاهد، كليات، وجامعات ومراكز أبحاث وتخطيط..
د. تخصيص قسم من السيولة الفائضة في مشاريع التنمية الدفاعية للبلاد: إعداد الـجيوش وتدريبها وتزويدها بـما يتناسب من الأسلحة وإنشاء الـمعاهد العسكرية، وبناء الـمصانع الـحربية وكل ما له علاقة بالدفاع عن الأمن القومي للبلاد..
ه. تخصيص قسم من السيولة الفائضة في مشاريع التنمية الاجتماعية والصحية وكل ما له علاقة بتحسين مستوى عيش الـمواطن وتطويره صحياً وعقلياً ومادياً وثقافياً وتربوياً.. الخ..
و. تخصيص قسم من السيولة الفائضة حيوية طارئة: مثل نقص في الإنتاج أو الـمؤن، كوارث طبيعية أو غير طبيعية، أمراض وأوبئة، خلل إقتصادي، خلل اجتماعي، مجاعة، جفاف، حروب أهلية أو خارجية سلبيات ظروف دولية معينة على البلاد الخ ..
ز. تخصيص قسم من السيولة الفائضة، لتطوير مؤسسات الدولة وتـحديثها (مكننة وإدارة وتدريب فنيين ...)
ح. تخصيص قسم من السيولة الفائضة، وفي الدرجة الأخيرة، لقطاع الـخدمات والسياحة، إذا كانت شروط النجاح وشروط الـحصانة القومية متوفرة..
- على المستوى الخارجي:
أهم هذه الأهداف هي:
1. مواجهة أعباء طارئة خارجية: حروب مفروضة من الـخارج عسكرية أو اقتصادية.
2. تنفيذ مشاريع قومية ضرورية مثل تغطية حروب قومية (تـحرير البلاد) أو ذات طابع استراتيجي قومي تتعلق بالـحفاظ على الـمصالح القومية الـحيوية وأبعادها عن الـخطر (حروب احترازية، استباقية، أو وقائية، أو حروب مصالح..) أو تغطية مشاريع سياسية أو إقتصادية مرتبطة بالـمصالح الإستراتيجية العليا للأمة..
3. تغطية نفقات ومصاريف الدولة في الـخارج مثل الـمصاريف الدبلوماسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية والإعلامية والسياسية...
4. تقديم مساعدات إلى دول حليفة أو صديقة أو إلى تنظيمات وحركات متعاونة..
5. تغطية الـمشتريات الـخارجية للأمة نقداً عندما لا تتوفر وسائط الدفع الأخرى.
6. الدخول في عمليات مالية دولية تـجارية أو إقتصادية على أنواعها (شركات تأمين، اتصالات، نقل، سياحة، خدمات...)
7. توظيف مالي في مشاريع صناعية خاصة أو مشتركة في بلدان أجنبية، خصوصاً في عالم الشركات الـمتعددة الـجنسية...
8. إنشاء بنوك ومصارف خارجية أو الـمساهمة في إنشائها في بلدان متوفر فيها ضمان الرأسمال وشروط الـمردودية الـجيدة، الأمر الذي يتيح تشغيل الـمال والـحصول على الربح وتبييض بعض الأموال وإقامة علاقات ضاغطة في البلاد الـمضيفة ويسهل نصب كمائن الديون.
نصب كمائن الديون
تخصيص قسم من السيولة الـمالية بالعملة الصعبة لإقراض بعض الدول وإيقاعها تـحت ضغوط الديون.
هذا الأسلوب هو من أخطر الأساليب التي تستعملها الدول الكبرى والقوية للهيمنة على الدول الأخرى وإخضاعها لسياساتها ومآربها.
في الواقع إن غالبية دول العالم الثالث أصبحت حالياً مديونة للدول الكبرى مباشرة أو بالـمواربة للبنك الدولي، بعشرات الـمليارات من الدولارات، بل إن البعض منها تـحسب دیونه بـمئات الـمليارات وهي في تزايد مستمر تبعاً لـمبدأ الفائدة الـمركبة ..
تعمد الدول القوية والغنية إلى إعطاء الدول الضعيفة، خصوصاً الغنية بالثروات الطبيعية أو التي هي ذات فائدة استراتيجية، قروضاً كبيرة تفوق قدرتها على التسديد، بحجة مساعدتها على النهوض وتنفيذ مشاريع إنـمائية فيها. ويتم الأمر من خلال حكام مشبوهين أو قصيري النظر يأخذون القروض لصرفها على مشاريع وهمية اعتباطية غير مـمنهجة اقتصادياً أو على مشاريع ذات مردودية إنتاجية أو تثميرية ضعيفة. كما قد يتم الأمر من خلال إيقاع الدولة الـمستهدفة في مآزق سياسية أو إجتماعية أو اقتصادية أو خصوصا عسكرية مع الدول الـمجاورة، بحيث تضطر إلى الاستدانة واستهلاك القروض لتسديد أثمان السلاح وبناء بعض ما هدمته الـحرب.
عندئذ تبدأ الدول الدائمة بـمطالبة الدولة الضحية بالتسديد وتهديدها إذا لم تفعل باتخاذ تدابير ضدها تبدأ من العقوبات السياسية والاقتصادية وصولاً إلى التدخل العسكري الـمباشر.
أمام هذا الأمر تصبح الـخيارات أمام حكومة الدولة الـمستدينة قليلة وصعبة، ويضيق هامش حركتها في الـمناورة، فتلجأ إلى التسوية الـمقرونة بشروط الدولة الدائمة لتأجيل الإستيفاء أو تقسيطه. وتبدأ بعد ذلك بالسير على سلم التراجعات والتنازلات فالـخضوع والتبعية إذا كان الهدف الـمقصود من وراء ذلك سياسياً، أو الإذعان الاقتصادي إذا كان الهدف الـمقصود إقتصادياً، كأن تضطر مرغمة على سبيل الـمثال إلى الالتزام ببيع الدولة الدائنة أو حليفتها صنفاً أو أصنافاً محددة من إنتاجها أو من ثرواتها الطبيعية لفترة من الزمن بأسعار مجحفة في آليتها ومضمونها.
وهكذا كانت الدول الـمديونة تعقد صفقات بيع النفط أو الغاز أو القطن أو البن أو النحاس أو غيرها من الـمواد للدول الدائنة على امتداد خمس سنوات أو عشر أو أكثر تبعاً لكمية الدين وشروط التسديد... وكانت الـمفارقة الغريبة تبجج حكومات الدول البائعة أمام شعوبها هذه «الصفقات التاريخية» التي استطاعت بواسطتها تسويق الإنتاج لـمدة طويلة..!!
الـخلاصة
نتبين مـما تقدم أن الاقتصاد القومي يستوجب ضرورة قيام الدولة القومية الواحدة على كل التراب القومي، وضرورة إشراف هذه الدولة على كامل نشاطات الاقتصاد وتوجيهه بـما يخدم الـخطط والـمصالح القومية، دون أن يعني ذلك ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج.
وهكذا لا يستطيع الاقتصاد القومي نظراً لطبيعته وأهدافه أن يكون إقتصاداً بالـمفهوم الـماركسي الاشتراكي، ولا أن يكون أمـمياً بالـمفهوم الرأسمالي الليبرالي، ولا أمـمياً بالـمفهوم الديني الإنساني العام. هو اقتصاد لا يـمكنه في حال من الأحوال أن يكون اقتصاداً طبقياً أو فئوياً أو فردياً لـخدمة طبقة أو فئة اجتماعية أو فرد، ولا يستطيع أن يكون إقتصاداً حراً مشرعاً مفتوحاً على الـجهات الأربع. ولا يستطيع أن يكون إقتصاداً مغلقاً أو محدداً وثابتاً بالـمفهوم الديني الأصولي التشريعي الـمحدد الثابت.
لا يستطيع عمل الاقتصاد القومي أن يكون مقصوراً على زمان محدد، لأنه ينطلق من الـماضي ويعمل للحاضر والـمستقبل. ولا أن يكون مقصوراً لـخدمة جيل واحد من الأمة أي لبشر محددين في الزمان والـمكان، لأنه مسؤول أيضا عن الأمة ككل في وجودها واستمرارها، أي مسؤول عن مستقبلها ومستقبل أجيالها التي لم تولد بعد.
لا يستطيع الإقتصاد القومي أيضا أن يكون اقتصاداً منغلقاً عن باقي العالم، لأنه يخدم أمة، والأمـم لا تعيش وتنمو بالإنغلاق والإنعزال، بل بالتفاعل الداخلي فيها وبالتفاعل الـخارجي مع باقي الأمـم..
الإقتصاد القومي هو في حقيقته إقتصاد معني بكل الـمتحد الإجتماعي الـخاص بأمة، ينطلق من الـماضي ويشيد للحاضر ويؤسس للمستقبل..
أخيراً ما هي بنية الإقتصاد القومي وما هي علاقات هذه البنية بـملكية وسائل الإنتاج وبصيغة توزيع الأرباح والثروات في الـمجتمع، وما هي العلاقات التي تربط هذه الأمور الثلاثة بالدولة القومية ومؤسساتها وما هي الآليات التي تـحكم الـحركة بين هذه الأطراف الأربعة ؟؟ هذه الـمواضيع الـمهمة نتركها إلى دراسات أخرى..
إن العالم العربي لا يزال غير واع لطبيعة نشاط الإقتصاد القومي وأهدافه داخل الـمتحد الاجتماعي، وغير ملتزم بالـخطوط الأساسية التي تـحكم حركة هذا الإقتصاد في الصراع الدولي ...
[1] هذا البحث فصل من كتاب بعنوان:
«فلسفة الاقتصاد القومي الاجتماعي» للدكتور علي نعمة، صادر عن «دار فواصل»، بيروت 2021، الطبعة الأولى.