أيها العمال والفلاحون السوريون،
يا أصحاب الفنون والـحرف،
أيها الـمنتجون علماً وفكراً وغلالاً وصناعة،
أنتم أوردة الـحياة وشرايين القوة في جسد الأمة السورية الـحي!
أنتم الأمـة خلقـاً وإنتـاجـاً وتشييـداً! ولكـن خـلقكـم منـدثـر وإنتـاجكم مبعثر وعمرانكم مهدم في الوضع اللاقومي اجتماعي الذي ساد البلاد قروناً عديدة قبل ظهور النهضة القومية الاجتماعية!
ما أعظمكم تعملون نهاراً وليلاً تصنعون الآلات التي تزيد الإنتاج الصناعي، وتـحرثون الأرض وتزيدون الإنتاج الزراعي، وتبدعون البدائع وتخططون الـخطط للتمدن والـحياة الـجيدة!
وما أعظم صبركم على الرأسمالي الذي يحوّل الآلات التي تصنعونها بصبركم ومهارتكم ضدكم، ينتزع سلاحكم من أيديكم ويردّه ضدكم، وما أشد صبركم على الإقطاعي يجمع الـخيرات التي تنتجونها بعرق جباهكم، ليحتكرها ويحرمكم حق الـحياة، وما أعظم جلدكم تـجاه السياسي الشخصي الذي يصير شارعاً تـجارياً يبيع نتاج فنونكم وحرفكم للشركات الأجنبية الرأسمال التي تقيم سلطانها الاستعماري في أرضكم!
وما أحقر الـحياة التي تـحيونها بالكدح والشقاء، الأمراض تساوركم والإعياء يلازمكم والازدراء يحدق بكم فكأنكم عبء على الـحياة والـحياة تفيض من درّ معاولكم ومطارقكم!
هذه هي حالكم: تنشئون الـخير ليتمتع به الإقطاعي من دونكم أنتم، وأنتم معظم الشعب، وتبنون وتصنعون ليتاجر ببنيانكم وصناعتكم الرأسمالي النهم، وتشيّدون العظمة لتجازوا بالـحقارة. إنها حال يجب أن يوضع لها حد وأن تتغير!
من هذه النقطة الانطلاقيـة أبتدئ البحث في كيفيـة وضع حد للحالة السيئة وإيجاد حالة جديدة تـحل محلها. وكثيرون هم الذين يريدون، في هذه الأيام، أن يهتموا بالعمال والـمزارعيـن في الدرجة الأولى، وأن يعملوا على تغيير حالهم، ولكنهم ليسوا كلهم مدفوعين بدافع واحد. ليس جميع الذين يتقدمون لـمعالـجة شؤون العمال والفلاحيـن يتقدمون مدفوعيـن بأنين هذا الشعب وشقائه، فكثير منهم هم من الذين «يعرفون من أين تؤكل الكتف». فليس أنين الشعب دافعاً لهم للاهتمام بشؤون العمال والـمزارعيـن، بل يدفعهم إلى ذلك العد وحساب الأرقام وبكلمة أخرى، إنّ اهتمامهم هو بكثرة العمال والفلاحين وكسب هذه الكثرة لهم وليس بقضايا الشعب ومشاكل حياة العمال والـمزارعين. إنهم لم يشقوا شقاء الشعب ولذلك لا يفهمون هذا الشقاء، ولم يحيوا حياة القضايا القومية ولذلك لا يفهمونها. إنهم يعيشون عيش القضايا الـخصوصية - الـمنافع والـمآرب، فلا يدفعهم إلى العمل والاهتمام إلا أسباب ذلك العيش ورغباته، فقضايا العمال والفلاحين وأصحاب الفنون والـحرف هي واسطة لقضاياهم الـخصوصية، فهي عندهم كقضايا القرويين عند الـمرشّحين للنيابة يهتمّون ليكسبوا أصوات القرويين، وأصحاب الـمآرب الـخصوصية يهتمون بالعمال والـمزارعيـن وأصحاب الـحرف والفنون ليكسبوا أصواتهم أو تأييدهم وليصيروا من أصحاب النفوذ السياسي بواسطتهم!
وتهتـم دول اليـوم بقضـايـا العمـال والـمزارعيـن وأرباب الفنون والـحرف في بلادنا. وإحدى هذه الدول تتخصص بالاهتمام بالعمال في جميع الأمـم والدول متبنية قضيـة العمال في العالم كله، والدول الأخـرى تتدخل الآن في قضايا العمال في الدول والأمـم جميعها مقاومة لتدخّل الدولة الأولى. ليست الدول أقل استغلالاً لقضايا الـجماعات والطبقات من الأفراد الرأسماليين والإقطاعيين. وإنه ليمكن القول إنّ الإقطاع الاقتصادي السياسي والرأسمالية الـمجحفة قد صارا دولييـن، فقد حلّت بعض الدول في موارد العالم ومواده الأولية محل العائلات الإقطاعية في موارد الأمة ومواد الوطن الأولية ومحل الرأسمالي الفردي بالنسبة إلى الإنتاج والأسواق الإنترناسيونية.
تـحتم هذه الـحقيقة وجوب وعي العمال والـمزارعين لقوميتهم ووحدة حقوق أمتهم ووحدة مصيرها. لوحدة موارد شعبهم الطبيعية ووحدة إنتاجهم القومي، كمية ونوعية وقيمة. ويجب أن يعلم العمال السوريون في جميع الدول السورية أنّ العمال في الدول الإقطاعية والرأسمالية الإنترناسيونية، هم عمال إقطاعيون ورأسماليون إنترناسيونياً. فليست حكومة العمال في فرنسة أو بريطانية العظمى أقل تـمسكاً بـموارد الإمبراطورية من الـحكومات الـمحافظة! وليست الشيوعية عينها سوى إقطاعية عمالية سيـاسية إنترناسيونية تزاحم الإقطاعيات الإنترناسيونية الأخرى، وتنازعها النفوذ والاستيلاء على الـمواد الأولية في العالم!
الشيوعيون الإنترناسيونيون أنفسهم، القائلون باللاقومية واللاوطنية، من لانن (لينيـن) وترطسكي إلى ستاليـن وتشيتشرين وملطوف، اضطروا إلى اعتماد أمتهم الروسية في صراعهم الطبقي، ولم تنجح الشيوعية إلا بكونها قومية روسية وإنترناسيونية صقلبية[1]، وفي الانشقاق النهائي بين الشيوعية الترطسكية والشيوعية الستالينية تغلبت هذه بقوميتها على تلك بعالـميتها! ولكن الإنترناسيونية بقيت عنصراً عاملاً في الشيوعية الروسية التوسعية لتبقى موسكو الـمرجع الإنترناسيوني لـجميع الفروع الشيوعية في العالم، سواء أكانت الـمؤسسة الـمسكوبية تدعى كومنتيرن[2] أو كومنفرم[3]!
إنّ ما يسيّـر الشيـوعيـة اليـوم في جميـع الأمـم والـدول هو مقررات موسكو الروسية، ومهما قيل عن اشتراك مندوبيـن شيوعييـن وعمالييـن من أمـم أخرى في مقررات الكومنترن أو الكومنفرم، فهذا الاشتراك لا يخرج عن كونه مـماثلاً لاشتراك الدول الصغرى في منظمة الأمـم الـمتحدة أو في سابقتها جمعية أو رابطة الأمـم، أو مـماثلاً لاشتراك جزائرييـن وسنغالييـن في البرلـمان الفرنسي، وإعطائهم عضوية الدولة الفرنسية. فالقوي يسيطر على الضعيف في جميع هذه الأشكال السياسية ويقوده إلى ما يريد. والإرادة الشيوعية الروسية هي التي تقرر وتفرض وجهة نظرها على الـحركات الشيوعية في جميع أنحاء العالم.
تتشابه الإقطاعية الشيوعية السياسية الإنترناسيونية والاستعمارية الرأسمالية الاقتصادية الإنترناسيونية في الأهداف والنتائج: الاثنتان ترميان إلى الاحتفاظ بتفوقهما وسيطرتهما الإنترناسيونييـن تـجاه الأمـم الأقل عدداً وقوة وموارد، والاثنتان تقتطعان أو تستعمران الأمـم التي ليس لها من القوة الذاتية ما يـمكنها من حفظ استقلالها في شؤونها وأهدافها. الإقطاعية الشيوعية تنادي بالإنترناسيونية وتهديـم القومية والوطنية، والاستعمارية الرأسمالية تنادي أيضاً بالإنترناسيونية والسلام العالـمي الدائم والدولة العالـمية، وهدف الاثنتين السيطرة الـمطلقة النهائية على شؤون العالم ومنع الأمـم الـمؤهلة للنهوض والارتقاء وبلوغ القوة الفاعلة من إدراك غايتها ومنازعتها السيطرة على موارد تلك الأمتم وعلى مواد العالم الأولية.
ليست الشيوعية حركة ذات أهداف اقتصادية اجتماعية. إنها اليوم حركة ذات أهداف سياسية في الـمنازعات الإنترناسيونية تسخّر الأحزاب الشيوعية في العالم لتحقيق أهداف روسية الشيوعية في نزاعها مع ألـمانية الفاشستية أو الاشتراكية القومية أولاً، ومع بريطانية وأميركانية الرأسماليتين، أخيراً. فالصراع الذي يقوم به الشيوعيون في سورية وفي جميع الأمـم مقادين وموجهين بتعليمات موسكو، هو صراع لم يعطِ العمال في هذه الأمـم أية فائدة اجتماعية في حين أنه نصر روسية الشيوعية وأعطاها السيطرة على أمـم بعضها كان تـحرر من السيطرة الروسية سابقاً، وبعضها لم يكن تـحت هذه السيطرة.
أيها العمال والفلاحون السوريون،
إنّ الدعـوة التي توجههـا الشيوعيـة إليكم لتنبذوا قوميتكم وتنكـروا وطنكم، هي دعـوة إليكم للتنازل عن سيادتكم عن الـموارد عينها التي لا يـمكن تأميـن خيركم إلا بحفظها واسترجاع ما فقد منها وزيادتها، فلا يـمكننا أن ننهض إلا بإنتاج عظيم ولا يـمكننا أن ننتج بلا موارد للإنتاج، وبلادنا بلاد غنية بـمواردها خصبة بأرضها ولكن انعدام الوعـي القومـي في شعبنـا أفقدنـا معظم مـواد أرضنا الأولية الهامّة، فهناك بترول الـموصل ومنطقة الـجزيرة وبترول النقب السوري، وهناك أملاح البحر الـميت التي وضع اليهود أيديهم عليها، وهناك أراضي كيليكية والإسكندرونة وفلسطيـن الـخصبة التي انتزعت من السيادة السورية. وجميع هذه الـمواد الأولية هي ضرورية لإنشاء صناعـاتنـا وزرع مزروعـاتنـا وإنتاج ثروتنا القوميـة التي لا يـمكننا بلوغ الرفـاه والـخير العميم بتجريدنا منها.
إنّ توزيع القلَّة والفقر بالتساوي، لا ينقذنا من الإعياء والوهن والشقاء مهما كان في هذا التوزيع من العدل. فالقومية والـموارد الوطنية هي أساس اجتماعيتنا، وإنّ ما ينقذنا من الإعياء والوهن والشقاء هو قوميتنا الاجتماعية. هو وضع مواردنا تـحت سيادتنا فيكون لنا الإنتاج العظيم بعملنا، ويكون لنا الـخير والهناء بتوزيع الإنتاج القومي الاجتماعي توزيعاً عادلاً.
إنّ صراعنا القومي الاجتماعي، أيها العمال والـمزارعون، هو صراع مزدوج. إنه صراع ضد الإقطاعي والرأسمالي الـمتواطئين الـمتحالفين مع الإقطاع والرأسمال الإنترناسيونيين، وضد الإقطاعية الشيوعية السياسية والاستعمارية الرأسمالية الاقتصادية اللتين تـحرماننا حق التقدم الاقتصادي بـمحاولتهما تسخير مجهودنا لأغراضهما.
لا يـمكننا أن نحل قضية العاطلين عن العمل بقانون ضمانة اجتماعية يضمن لنا بعض الـحقوق القليلة، ولكنه لا يضمن لنا مواردنا الطبيعية ولا حق العمل. فالعاطلون عن العمل هم عمال ويجب أن يجدوا عملاً وأن يقوموا بنصيبهم من الإنتاج، ولكن كيف يجدون العمل وأين وقد سهّل الإقطاعيون والرأسماليون الـمتواطئون للإقطاعية والرأسمـاليـة الأجنبيتيـن التسلـط على مـواردنـا الطبيعيـة ونـزع حقنـا في استثمـارها لـمصلحتنا وإيجاد العمل فيها لألوف وألوف من عمالنا العاطلين عن العمل؟
وماذا يفيد عمالنا الانضمام إلى الشيوعية الروسية التي تستخدمهم وقوداً في حربها السياسية ضد بريطانية العمالية وأميركانية الرأسمالية فيكون صراعهم وقفاً على أهدافها هي وتكون نتيجة صراعهم لها هي؟
أيها العمال والـمزارعون السوريون،
إنّ أول حق من حقوقكم الطبيعية والاجتماعية هو حق العمل والإنتاج. وبدون وصولكم إلى هذا الـحق تبقى مسألة الأجور وقوانين العمل وقوانين الضمانة الاجتماعية مسألة وهمية، فقوانين العمل والضمانة الاجتماعية لا تـحل مشكلة البطالة ولا مشكلة الفقر العام. والتنظيم الشيوعي للحرب بين الصقالبة[4] والأنكلوسكسون[5] لا يحل هاتيـن الـمشكلتيـن، فهما لا تـحلان إلا بـمبدأ حق العمل الذي أقرته التعاليم القومية الاجتماعيـة. وحق العمل يعني حقنا في مواردنا - في أرضنا ونباتها ومعـادنها. والشيوعية التي توافق على خروج أرضنا من أيدينا إلى اليهود ولا تفرّق بين عمال سوريين، يتساقطون بالـمرض والفقر والبطالة والـحرمان، وعمال يهود يغتصبون موارد العمال السوريين - الشيوعية التي توافق على هذا الظلم بحجة أنّ العمال سواء عندها لا فرق بين سورييهم ويهودييهم، وتقول للعمال السوريين إنّ أهم قضية ليست قضية وطنهم وموارد عملهم وحياتهم، بل قضية النزاع بين الـجبهة الصقلبية والـجبهة الأنكلوسكسونية هذه الشيوعية الـخرقاء هي مبدأ مـمخرق وشعوذة كبيرة، فهي لا تؤمّن لكـم، أيهـا الـمنتجـون السـوريـون، حــق العمل، بل تسمح بتجريدكم منه ثم تستغل نقمتكم وتسخركم لأغراض دولتها الكبرى!
لا يعطيكم حق العمل غير قوميتكم الاجتماعية لأنها تعطيكم أرضكم وخيراتها، ولا ينقذكم من الذل والشقاء ومن التسخير لـما ليس من مصلحتكم الـحقيقية إلا الـحركة القومية الاجتماعية.
إنّ الـحركة القومية الاجتماعية تعمل وتـحارب لتأمين الأرض السورية ووحدة مواردها لكم، وإعطائكم حق العمل وحق النصيب منه.
القومية الاجتماعية تعني توزيع غنى لا توزيع فقر. فاطلبوا العدل الاجتماعي في غنى النهضة القومية الاجتماعية!
أيها الـمنتجون القوميون الاجتماعيون،
إنّ القضية القومية الاجتماعية هي قضيتكم. هي تؤمن لكم وحدتكم القومية وعدم تسخيرها للأغراض الأجنبية، وتؤمن لكم الأرض وخيراتها، وتؤمن لكم العدل الاجتماعي بإعطائكم حقوقكم في العمل وفي نصيبه في نهضة صناعية - زراعية - فنية تـجعل وطنكم يفيض خيراً وصحة.
إنّ الـحركة القومية الاجتماعية هي حركتكم أنتم، أيها الـمنتجون، لأنّ الدولة القومية الاجتماعية لا تعترف بغيركم البطّالين والـمستغلي أتعابكم.
تعالوا نكن يداً واحدة عاملة ومحاربة لننال حقوقنا الـمهضومة التي هضمها الرأسمالي الـجشع والإقطاعـي النهم وهضمتها الإقطاعية الشيوعية والرأسمالية الاستعمارية.
نحن لا نريد حقوقنا منّة من إقطاعي أو رأسمالي. إننا نريدها استحقاقاً بعملنا وحربنا!
أنبذوا الشعوذة والتدجيل! إطرحوا عنكم الرأسماليين الـمتاجرين بأتعابكم الذين يترأسون جمعياتكم ونقاباتكم بواسطة خونة، قضيتكم القومية الاجتماعية! إنزعوا عن رقابكم سيطرة الإقطاعيين الذين يتظاهرون بالـمطالبة بحقوقكم ليبعثروا مجهودكم! أقصوا الشيوعيين الذين يستغلون سوء حالكم ليسخّروكم لـحرب ليست حربكم!
كونوا قوميين اجتماعيين وحاربوا في سبيل قضيتكم القومية الاجتماعية التي تـحرركم من الإقطاعية والرأسمالية الوطنية ومن الإقطاعية والرأسمالية الإنترناسيونية!
آمنوا واعملوا وحاربوا، تُنصروا!
[1] الصقالبة: هم الشعوب السلافية الـمنحدرة من الفرع الشرقي للشعوب الهندو أوروبية، والـمنتشرة في أوروبة الشرقية والوسطى.
[2] كومنترن: الـمركز الإداري للحركة الشيوعية الأنترنسيونية، صدر قرار حله عن اللجنة التنفيذية للمؤتـمر الشيوعي الأمـمي الثالث (أيار 1943).
[3] الكومنفورم: هيكلية أنترنسيونية بديلة عن الكومنترن، على شكل مكتب استعلامات لتبادل الـخبرات والتعاون والـمعلومات بين الأحزاب الشيوعية، حل رسمياً عام 1956.
[4] الصقالبة: غالبية الشعوب التي كان يتألف منها الإتـحاد السوفياتي السابق.
[5] الأنغلوسكسون: غالبية الشعوب التي تتألف منها الولايات الـمتحدة الأميركية ويريطانية.