(بالنظر إلى موجة الاستياء والـجدل والـمعارضة التي أثارها توقيع الـحكومة اللبنانية للاتفاقية الـمالية مع فرنسة وتـمنّع الـحكومة الشامية عن ذلك، وإلى قلق الرأي العام على مصير العلاقات الاقتصادية بين لبنان والشام في حال استمرار حكومة لبنان على توقيع الاتفاقية من قبل مجلس النواب، وبالنظر إلى بنود الاتفاقية الـمتعلقة بـمصالح فرنسة في لبنان، توجَّه مندوبنا إلى الإدارة الـمركزية للحزب القومي الاجتماعي وحصل على موعد مقابلة مع زعيم الـحركة القومية الاجتماعية.
وقد وجّه مندوبنا الأسئلة التالية إلى حضرة الزعيم فأجاب حضرته عليها كما هو منشور هنا):
س: هل تعدّون اتفاقية النقد بين لبنان والشام التي وقّعها، بالنيابة عن الـحكومة اللبنانية، وزير الـخارجية الأستاذ حميد فرنـجية، تصفية صحيحة للعلاقات الـمالية بين لبنان وفرنسة؟
ج: الـحقيقة أنّ الأصوب تسمية الاتفاقية الـمالية الـمذكورة اتفاقية تـجديد علاقات مالية ـ اقتصادية ـ سياسية بفرنسة، لا اتفاقية تصفية. فالاتفاقية الـمذكورة اشتملت على تثبيت امتيازات اقتصادية لفرنسة. فهي من جهة تثبّت امتيازات الشركات التجارية الفرنسية والشركات التي كل أسهمها أو بعضها فرنسية، خصوصاً الشركات التي اكتسبت أوضاعاً وامتيازات بشكل «حقوق» في عهد الانتداب الفرنسي، وهكذا يستمر حرمان الشعب اللبناني من مصالـحه وموارده التي صارت في أيدي الشركات الفرنسية الـمذكورة. ومن جهة أخرى تكتسب اتفاقية النقد مفعول معاهدة تـجارية تربط تبادلنا الـخارجي وحركة تصديرنا بـمصلحة فرنسة وما تفرضه تلك الـمصلحة.
إنّ الـمعاهدة الـمذكورة تـجعل لبنان، اقتصادياً وسياسياً، منطقة نفوذ فرنسي، أي منطقـة انتـداب اقتصادي ـ سياسي لا ينقصه من امتيازاته وفاعليته القديـمة إلا الاحتلال العسكري.
وقد تكون الاتفاقية الـمالية سوّيت برضى بريطانية الـمهتمة اليوم بإنشاء جبهة أوروبة الغربية ضد التوسع الروسي. فبريطانية لم تنسَ أنها، عند زحفها على منطقة الانتداب الفرنسي من سورية في الـحرب، وعدت فرنسة «باحترام تقدم مصالـحها على مصالح غيرها» في هذه الـمنطقة. وفرنسة لم تتنازل قط عن فكرة العودة إلى هذه البلاد بطريقة من الطرق. إنّ هذه النقطة ضرورية لفهم معنى ارتباط لبنان الـجديد بفرنسة بواسطة اتفاقية النقد.
س: ما رأيكم في تأييد الـخبراء الـمصريين اتفاقية النقد؟
ج: إنّ الـخبـراء الـمصرييـن ينظـرون إلى الاتفاقيـة من زاويـة مصلحـة مصـر ومركزها في مؤسسة الـجامعة العربية، فلا قيمة تقنية صحيحة لتصاريح الـخبراء الـمذكورين في صدد الاتفاقية.
س: إذا اعتبرت الاتفاقية نافذة بتصديقها في الـمجلس فما نتيجتها وتأثيرها في العلاقات الـمالية والاقتصادية مع الشام؟
ج: إنّ ارتباط لبنان نهائياً، بواسطة الاتفاقية الـمذكورة، بنطاق الفرنك الفرنسي، وعدم ارتباط الشام به سيؤدي حتماً إلى القطيعة الـمالية وقطع الدورة الاقتصادية الداخلية بين لبنان والشام. وهذه الـحالة ستجعل لبنان تـحت رحمة الـمصالح الفرنسية والـمعاملات مع فرنسة. وحينئذٍ تصبح مظاهر الاستقلال السياسي وهمية كما كان وهمياً «استقلال لبنان» في زمن الانتداب، الذي لم يكن في الـحقيقة سوى انفصال إداري تـحت مركزية الإدارة الفرنسية.
س: إذا انقطعت الدورة الاقتصادية بين لبنان والشام فما هو في رأيكم الأساس الاقتصادي الذي يـمكن أن تقوم عليه الدولة اللبنانية؟
ج: إنه لـمن الصعب جداً إيجاد أساس اقتصادي حقيقي للدولة اللبنانية خارج الدورة الاقتصادية السورية. فإذا حدثت قطيعة اقتصادية بين لبنان والشام كما بين لبنان وفلسطين، فإن الاقتصادات اللبنانية تصاب بضربة عظيمة لا يـمكن إحصاء كل نتائجها.
إنّ الـمولعيـن بالـخيالات وغير الـمسؤوليـن عن مصير الشعب اللبناني يتغنون بإيجاد سويسرة ثانية من لبنان، من حيث الاصطياف ومن حيث تثبيت الاستقلال سياسياً على أساس الـحياد. إنّ مسألة تـحويل الـمصايف اللبنانية إلى مصايف من طراز سويسرة في أبنيتها وطرقها وجنائنها وساحاتها هي مسألة لا يـمكن حلها بـمقالة في جريدة أو بقصيدة على منبر. إنّ ما تـحتاج إليه تلك العملية يفوق مرات عديدة ما هو في إمكان الشعب اللبناني القيام به مادياً. وما تتطلبه عملية تـحويل الـمصايف من رأسمال ووقت يجعلها عملية غير قابلة التحقيق بإمكانات لبنانية. وعدا ذلك فإن تـحويل الأبنية والطرقات والـجنائن إلى طراز سويسري لا يكفي لـجعل لبنان من طراز سويسرة، إذ تبقى نفسية الشعب اللبناني وعاداته الاجتماعية التي تـحتاج إلى أن تصير مثل نفسية الشعب السويسري وعاداته لتتمكن من جذب الأوروبيين والأميركيين إليها.
وقد سمعت من يتكلم عن تـحويل لبنان إلى مرفأ حر للتجارة. إنّ تنفيذ مشروع من هذا النوع قد يعطي بعض النتائج للحكومة ولكنه لا يعطي الشعب اللبناني أية نتيجة لتحسين اقتصادياته، إذ يصبح لبنان مستودعاً كبيراً للشركات الأجنبية ومحل استثمار للرأسمال الأجنبي بلا منازع.
س: يقول وزير الـخارجية اللبنانية إنّ نص الاتفاقية الذي نشر ليس النص الأخير فما رأيكم؟
ج: إذا لم يكن النص الذي دفع للنشر هو نص الاتفاقية الأخير الذي وُقِّع فأول واجب على الوزير أو الوزارة اللبنانية كلها هو إعطاء النص الذي وُقع للنشر بلا إبطاء. إنّ كتمان الشروط يكون أثناء الـمفاوضات لا بعدها. أما بعد انتهاء الـمفاوضات وتوقيع الاتفاقية فلا يجوز أصولاً، ولا يحسن إبقاء نص الاتفاقية مكتوماً عن الشعب الذي تتناول الاتفاقية مصالـحه ومستقبله. ومهما يكن من شيء فلست أعتقد أنّ النص الأخير الذي يعنيه حضرة وزير الـخارجية يختلف اختلافاً جوهرياً عن النص الذي نشر، بدليل أنّ حضرة رئيس الوزارة أدلى ببيان رسمي في الـمجلس النيابي عن الاتفاقية بعد تسليمها للنشر ولم يشر إلى أي اختلاف جوهري بين النص الذي نشر والنص الذي يقول وزير الـخارجية إنه الأخير الصحيح.
س: مـا قولكـم في بعض الفئـات التي رحبـت بالاتفاقيـة وهاجمت الذين يهاجمونها؟
ج: إنّ لبعض الفئات علاقات سياسية وثقافية واضحة بفرنسة فهي ترى الأمور بـمنظار السياسة والـمصالح الفرنسية لا بـمنظار الـمصالح اللبنانية الصحيحة. فلو سئل الفرنسيون أنفسهم الدفاع عن الاتفاقية، لـما قالوا في هذا الصدد شيئاً أحسن من الذي قاله الـمثقفون في النظرة والـمصالح الفرنسية.
إنّ الـمصالح الاقتصادية هي أساس كل تقدم ثقافي واجتماعي. والاتفاقية التي نحن في صددها تضر بالـمصالح الاقتصادية اللبنانية ضرراً فادحاً، وتقيد حرية الـمصالح اللبنانية تقييداً خطراً. ولست أرى في بعض الذين حبَّذوا الاتفاقية في لبنان عن حسن نية إلا نظراً إلى الأمور الاقتصادية من ناحية سياسية ضيقة.
ثم إنّ هنالك نظـرة الرأسمـال الـخصـوصـي في لبنـان والشام إلى الأمـور الاقتصادية. وقد تكون مصلحة الرأسمال الـخصوصي هي التي تؤيد الاتفاقية في لبنان وترفضها في الشام.