جنيف - الأهرام - الإتفاقية بين البنك السوري والـحكومة الشامية، وإن كانت لا تختلف في الكثير من أحكامها عن الاتفاقية التي أبرمها البنك مع حكومة لبنان، إلا أنها تفضلها من جهات كثيرة، فهي قبل كل شيء تقرر مبدأً جديداً بالنسبة للعملة، تـجعل النقد الشامي مستقلاً لا عن الفرنك بل عن العملة اللبنانية.
هذا ملخص ما جاء في برقية نشرتها الأهرام ونقلناها أمس كما نقلتها جميع الصحف الشامية واللبنانية. وفي هذه البرقية مغزى كبير يكمن فيه خطر قومي بعيد الـمدى. فلم تكتفِ السياسة الكتلوية من محاولة إقامة حواجز جمركية بين لبنان والشام، أو على الأقل فصل الإدارات الـجمركية السورية بين لبنانية وشامية، حتى فاجأتنا هذه السياسة عينها بـمحاولة أخرى، هي جعل النقد الشامي مستقلاً عن النقد اللبناني، وإحلال الدينار الشامي وقيمته 200 فرنك، محل الليرة السورية الـحاضرة، وبذلك تنفتح ثغرة واسعة في مظاهر الوحدة بين جزأين سوريين.
الـحقيقة أنّ انقلاب السياسة الكتلوية من سياسة اتـحادية، قبل الـحكم، إلى سياسة انفصالية بعد الـحكم، لـمّما يثير الاستغراب إثارة مـمزوجة بلمس الفشل والإخفاق اللذين منيت بهما «الكتلة الوطنية» في الـمحافظة على سلامة الوطن السوري، والـمصلحة القومية للأمة السورية. فثمن الـمعاهدة الهزيلة[1]، بعد ضياع الإسكندرونة وتفكك لواء الـجزيرة، وانحلال الـمقاطعات السورية الأخرى، وقانون الأقليات، ونظام الـمحافظات، والانفصال الـجمركي، قد كان فاحشاً جداً، فكيف به بعد هذا الـمبدأ الغريب الذي يجعل النقد الشامي مستقلاً عن العملة اللبنانية؟
إنّ استقلال النقد الشامي عن النقد اللبناني، عدا أنه يزيد الفوارق القومية بين الداخل
والساحل، فهو يضر ضرراً كبيراً باقتصاديات البلاد الواحدة، ويعرقل الإمكانيات التجارية، ويقيم الصعوبات أمام انتعاش الوطن وازدهاره.
إنّ «الكتلـة الوطنية»، عوضاً عن أن تسعى في سياستها إلى استقلال العملة السورية عن أي نقد آخر وإيجاد نقد خاص يقوم به مصرف قومي، نراها تسعى لاستقلالها عن العملة اللبنانية، وفي ذلك دليل على فقدان الاتـجاه القومي، وانعدام فكرة الوحدة الاقتصادية في العمل السياسي الكتلوي.
وبعد هذا كله، وبعد الـمفاجآت الأخرى التي نتوقعها فيما بعد، يبدو للأعمى، فضلاً عن الـمبصر، أنّ السياسـة الكتلوية قد فشلت فشلاً مريعاً ونهائياً. ولا يـمكن بحال من الأحوال أن تستطيع الـمحافظة على السيادة القومية وعلى مصلحة الأمة وحقوقها في الـحياة.