عقد الـمجلس النيابي جلسته الـخاصة بالإصغاء إلى البيان الوزاري الذي تتقدم به الـحكومة الائتلافية الـجديدة لتحصل على رضى الـمجلس وثقته. وقد تلا معالي رئيس الوزارة برنامج حكومته الذي «قطعت الـحكومة عهداً على نفسها بإنفاذه»، وطلب منح وزارته الثقة بناءً على هذا البرنامج. وقد نشرت النهضة النص الكامل لبرنامج الوزارة الائتلافية في عدد أول أمس.
إنّ انتفاء طور الانتخابات النيابية وإتْباع الائتلاف النيابي بائتلاف حكومي قد أمّنا إيجاد الصفاء الضروري لابتداء عهد إنشائي يثبت أساس الـحكم الوطني. وهذا التأمين الذي يسمح للحكومة بالانصراف إلى الأعمال الإنشائية هو نفسه يسمح للصحافة وغيرها من الـمؤسسات الشعبية بالاشتراك في العمل على تثبيت الـحكم الوطني وتـمكين أساس الدولة.
ولا مشاحة في أنّ تثبيت أساس السيادة القومية يتم بإيجاد سياسة اقتصادية مستمدة من حاجة الشعب وموارد البلاد وأسباب ثروتها ووضع خطة سياسية إنترناسيونية توجه مصلحة البلاد الـخارجية توجيهاً صحيحاً، وتقرير سياسة إدارية تفي بشروط الكفاءة وتخفف عن الـمكلفين بهظ تكاليف الـموظفين، وتأمين أسباب الاستقلال القضائي وتنزيه القضاء عن التحزبات حتى يأخذ العدل مجراه، فلا يُظلم الأبرياء ويُرهق الشعب من تبادل الظلم. فإن أساس الـحكم الوطني يكون في الشعب الـحر الذي لا يعوّد القهر ولا تسد دونه أبواب التطور.
على هذا الأساس يكون على الصحافة والـمؤسسات الأخرى إبداء رأيها في برامج الـحكومة ومشاريعها وانتقادها انتقاد الـمشارك في مسؤوليات الـحكم الـمنبثق من الشعب.
تناول البيان الوزاري الذي تقدمت به الـحكومة الائتلافية مقدمة استغرقت أربع فقرات منه جاء فيها أنّ تأليف الوزارة بشكلها الائتلافي تـمّ بناء على النّية الـحسنة في تـجنب الـمشادة القديـمة العتيقة في الـمجلس وبقصد السماح للحكومة والـمجلس معاً بالعمل الـمفيد. وتلا ذلك إشارة إلى أعباء الـحكم الـمتولدة من انتقال البلاد من عهد انتداب إلى عهد معاهدة.
يبتدىء البيان الوزاري بالـموازنة وفيه إشارة إلى أنّ تأخيرها عن الـموعد الـمحدد لها كان ناشئاً عن الأعمال الانتخابية التي استغرقت أوقات الـحكومة بكاملها. زد على ذلك هبوط النقد وتوقع انتهاء مفاوضات الـمصالح الـمشتركة. وتعد الـحكومة بإجهاد النفس للإسراع في إعداد الـموازنة وطرحها على الـمجلس في أول فرصة.
وفي مقدمة الأمور التي ستهتم بها الـحكومة «تكثير موارد الـخزانة بـما تبذله من الـجهد.»
وإذا كان هنالك مجال واسع لقبول تأخير الـموازنة بناءً على صعوبات «دولة فتية» فإن مسألة تكثير موارد الـخزانة تستوقف النظر وتتطلب شيئاً من البحث. فالعبارة الواردة في البيان الوزاري لا تفيد شيئاً ثابتاً يطمئن له الفكر. إذ الواضح من هذه العبارة الـمقتبسة فوق، أنّ السياسة التي ستتبعها الـحكومة لتكثير موارد الـخزينة هي سياسة «بذل الـجهد» وبذل الـجهد لا يعيّن طريقة تكثير موارد الـخزانة.
ولكن الكلام الآتي بعد هذه العبارة وفي الفقرة عينها يشير إلى سلفة خمسة وعشرين مليون فرنك تـمّ الاتفاق عليها مع مصرف سورية ولبنان بـمناسبة تـجديد امتيازه. وإنّ هذا القرض سيصرف في مشاريع الري. ولسنا ندري إذا كان ذكر القرض الـمذكور يشير إلى أنّ سياسة القروض ستكون في مقدمة الأمور التي يبذل الـجهد لـجعلها من الـموارد الـجديدة للخزانة. ويلاحظ القارىء من وقائع الـجلسة أنّ هذه النقطة الهامة لم تكن سبباً للاستيضاح والنقاش في الـمجلس.
يأتي بعد ما تقدم، الإشارة إلى مواصلة الـمفاوضات لإنهاء قضية الـمصالح الـمشتركة بـما يضمن حقوق لبنان ويبقي صلات الودّ «مشدودة الأواصر مع القطر الشقيق سورية»، وإلى العناية بتنظيم قوى الدفاع الوطني «متى حان الوقت»، والعناية الـخاصة بقضية الـمهاجرين.
وبعد هذه القضايا يجيء دور السياسة الـخارجية. فتقول الـحكومة إنّ مهمتها ستكون مبنية على أساس الصداقة والتعاون وتبادل الـمنافع. وهذه العبارة كلها لا تعيّن أي اتـجاه سياسي اقتصادي خارجي.
وفي الشؤون الداخلية تعد الـحكومة «بالقيام بكل إصلاح ضروري إدخاله على إدارتها العامة وقوانينها السائرة وأنظمتها الـمختلفة حسبما يرشدها إليه واقع الـحال»، وتضنّ الـحكومة علينا بـمثال واحد من هذا الإصلاح وبقاعدة واحدة من قواعده الأساسية.
وتعد الـحكومة أيضاً بالسعي «لتحسين الـحالة الزراعية وتكثير مواردها» ولعقد اتفاقات تـجارية مع «بقية الدول التي تود الاتفاق معها على أساس تبادل الـمنافع والـمعاملة بالـمثل». «ومن أقصى أماني الـحكومة الاهتمام بتشجيع السياحة والاصطياف».
وتقول الـحكومة إنها ستبذل جهدها لتعميم الـمعارف وستعنى بصيانة الصحة العامة مع الإشارة إلى نوع هذه العناية.
ويختم البيان الوزاري بتقدير موقف فرنسة والاعتراف بفضل الـمفوض السامي في تـحقيق الأماني اللبنانية.
ولو كان البيان الوزاري خطاب عرش، بدلاً من أن يكون برنامج حكومة، لـما تصدينا له ببعض النقد الذي نرجو أن يساعد على توخي الوجهة العملية في الأمور.
الواقع أنّ البيان الوزاري قد دل على نيات الـحكومة الـحسنة أكثر مـما اشتمل على برنامج يدعو إلى البحث. وهو من هذه الـجهة لا يختلف كثيراً عن نوع البيانات السابقة.
ومع ذلك فإننا إذا كنا نشير إلى مواطن الضعف الفنية فلا بد لنا من التنويه ببعض الـمسائل العملية الواردة في هذا البيان. فإن مسألة مشروع الري تكون غرضاً عملياً محسوساً تُشكر الـحكومة عليه. وكذلك مسألة الـمهاجرين والاصطياف.
وسننتظر مشاريع الـحكومة في باقي نواحي العمل.