الرفيق العزيز إبراهيم طنوس
وصل إليّ منك في الـمدة الأخيرة، ثلاثة كتب:
واحد مؤرخ في 16 يناير/كانون الثاني وثانٍ مؤرخ في 19 يناير/كانون الثاني الـماضي، وثالث مؤرخ في 10 فبراير/شباط الـجاري، وهو الأخير وقد تسلّمته أمس، ونظراً للتطورات السريعة، رأيت أن أكتب إليك بواسطة البريد الـجوي.
في السادس من هذا الشهر، بينما أعبر شارعاً من شوارع هذه الـمدينة، حدث لي حادث إذ داهمتني سيارة مسرعة وصدمتني صدمة قوية وكادت تـجعل الأمر يصل إلى نتائج سيئة، ولكن جسمي الـمرن وحضور ذهني ورباطة جأشي أوقفت الـحادث عند حد صدمة وإصابة برضوض سليمة أبقتني في الفراش نحو ثلاثة أو أربعة أيام.
وكان من وراء ذلك تأخر أعمال العدد 14 من الزوبعة وتوجيهات كنت على أهبة إرسالها إلى الرفيق وليم [بحليس] في سان باولو بشأن سورية الـجديدة. فلما عدت إلى مزاولة أعمالي وكتبت إلى الرفيق بحليس، إذا بي أتلقى، في اليوم الثاني، كتاباً من الرفيق إلياس فاخوري يخبرني فيه أنّ الرفيق بحليس سافر فجأة إلى مينس لـخبر ورده من أهله أنّ ابنه الوحيد قد توفي، فاغتممت كثيراً وتألـمت لـمصاب الرفيق بحليس الذي حلّ به وهو في بدء توسيع أعمال جهاده وأخذ أعمال جديدة كبيرة على نفسه. ولم أدرِ إلى أين أكتب إليه في الـحال، إذ إنّ الأخبار منه لم تطلعني على مكان عائلته، هل هو الـمكان الأول أم هل هو الـمكان الذي كانت وردتني أخبار بقرب انتقاله إليه؟ وحتى الآن لست أدري أين مقر الرفيق بحليس ولا أعرف شيئاً عن كيفية وقوع الـمصاب.
وإني أتصور أنه سيكون مؤلـماً جداً للرفيق وليم أن يكون هنالك ما يحمل على إجازة الاعتقاد بأنّ وفاة ابنه كانت بسبب غيابه عن الـمنزل.
الزوبعة: تتقدم رويداً ولكنها لا تزال تـحتاج إلى مناصرة فعالة. ولم أذكر لك من قبل أنّ جالية الأرجنتيـن أقل ثقافة وأكثر تفرقاً من جالية البرازيل، وقد يكون من كل جالية سورية أخرى. وطرق التدجيل السياسي والاجتماعي هنا هي أحط من الطرق الـمستعملة في أي مكان آخر. وهذا الانحطاط يظهر بصورة خاصة في هذه الـمدينة، العاصمة، التي تتمركز فيها الأعمـال والـحركات مع ذلك فالـحركة القومية تتقدم والزوبعة تزداد انتشاراً، وإن يكن ببطء.
أما أسباب انحجاب أعداد الزوبعة منذ مدة عنكم وتقطّع وصولها، فالأرجح أنها أسباب تناولت كل جهات خارج الأرجنتيـن. وقد كان ظن أخي إدوار أنّ السبب هو عرقلة الـحكومة البرازيلية دخول الـمنشورات والـمطبوعات الأجنبية. ولكن بعد التحقيق هنا الذي فتحته بعد وقوفي على أخبار الانحجاب تبيـّن أنّ هنالك سبباً جوهرياً مصدره الـمكلف السابق بوضع الـجريدة في دائرة البريد تامة أجرة الإرسال.
فقد أخذت إفادة من دائرة تسلّم الـمطبوعات في إدارة البريد أطلعتني على أنه كان يحصل نقص في ما يجب دفعه على الأعداد الـمرسلة إلى الـخارج. فكانت دائرة التوزيع تهمل الأعداد وتتلفها. وسأهتم بتنظيم هذه الناحية، ومتى قدم الرفيق [جبران] مسوح غداً من توكومان، حيث كان مدة ثلاثة أشهر تقريباً عند عائلته، وإني أنتظر وصوله غداً، جعلته يهتم بأمر جعل التوزيع على قاعدة صحيحة. وحينئذٍ لا يبقى مانع، من جهة إدارة البريد، من وصول الأعداد إلى أصحابها في خارج الأرجنتيـن. وهذا الأمر ضروري لتصل الأفكار التوجيهية والإيضاحات اللازمة عن موقف الـحركة القومية من الأحداث السياسية وغيرها إلى القومييـن والرأي العام.
سورية الـجديدة: بعد نشوء الزوبعة وتـحسينها وتولية الرفيق مسوح إدارتها في علاقاتها الرسمية والـخارجية ووضع الـحجز على الأموال العائدة من الاشتراكات في جميع فروع الـحزب في الـمهجر، أدرك الرفيقان فؤاد وتوفيق بندقي أنه لا يـمكنهما الوقوف في وجه إدارة الـحزب والتصرف بالـجريدة على مسؤوليته (أي مسؤولية الـحزب) وعلى هواهما، كما كانا قد أخذا يفعلان وأدركا، فوق ذلك، أنّ عدم كف أيديهما والإذعـان لإرادة الـحزب سيؤدي إلى خسارتهما الأكيدة.
فأرسلا يعرضان «التنازل عن ملكية الـجريـدة» أو «تـحويل ملكيتها» إلى الـحزب. فلم أقبـل هذا الاستعمال، لأنّ الـجريـدة هي في الأصل ملك للحزب والرفيقان بندقي ليسا سوى شريكيـن مضاربيـن، لهما نصيب معيّن من الأرباح لقاء وضعهما رأسمالاً معيّناً دون أن يكون لهما، أي تدخل في إدارة الـجريدة أو سياستها. ولكنهما قدّرا قوّتهما الـمادية فوق ما يجب وتوهّما أنهما، بهذه القوة، يتمكنان من السيطرة على الـجريدة وسياستها.
فأدى ذلك إلى الأزمة الـمعروفة. التي انتهت بأني قبلت «انسحابهما من الشراكة» وجعل الـمسؤولية الـمالية أيضاً على الـحزب. وبناءً عليه كتبت إلى الرفيق وليم [بحليس] الذي كان مهتماً بأمر الـجريدة وضرورة إصدارهـا أستقدمـه إلى سان باولو، ففعل وكان من وراء ذلك عودة سورية الـجديدة إلى الصدور.
قرأت ملاحظاتك على مشروع الأسهم. وأعتقد أنّ الرفيق بحليس لم يقصد منه عملية توظيف مال بصورة تـجارية بحتة. ولذلك قصره على القومييـن والـمناصرين بحرارة. وإذا كان لا بد من النظر في الثقة الـمالية فأعتقد أنه يـمكن الوصول إلى حلّ لهذه الـمسألة. ففي سان باولو من هو صاحب ثقة تـجارية كبيرة كالرفيق فؤاد لطف الله الذي هو صناعي معروف وله مركز اجتماعي معتبر. وهو الآن عماد الـجريدة الأول. وإذا أمكنك درس الـمسألة عن كثب كان ذلك حسناً، وإني أوافق على ما فكرته بصدد الـمنفّذ الرفيق [نـجيب] العسراوي وقيامه بزيارة سان باولو. فإنّ زيارته تكون مفيدة من عدة وجوه. وأعتقد أني كنت، من قبل، كتبت إليه ليبدي رأيه في مسألة سورية الـجديدة.
الـحركة هناك: أعتقد أنّ الكتاب الذي ورد الرفيق العسراوي علم بوصوله هو كتاب إداري مسهب، وفيه ملاحظـات على التعيينـات التي أجـراها ووجوب التقيد بخلاصة النظام التي أرسلتها إليه. ومعه تبليغات بتعييـن الأفراد الذين اختارهم ليعاونوه في إدارة أعمال الـمنفذية، ما عداك أنت للناموسية ريثما يصير بتٌّ في مسألة مناسبة قيامك عليها. وبتعيينك والرفيق بحليس مذياعيـن عاميـن.
وفي الأسبوع الـماضي وضعت له كتاباً في البريد الـجوي. وهو جواب على كتاب وردني منه مؤخراً.
مقالاتك: كنت قد أعطيت الـمدير السابق لـ سورية الـجديدة تعليمات خطية واضحة باعتبارك والرفيق جبران مسوح كاتبيـن من درجة أولى توضع مقالاتكما الدراسية والتحليلية تـحت «رأي سورية الـجديدة» حيـن لا تكون هنالك مقالات شبه رسمية من الـمراجع العليا (الزعيم أو عمدة الإذاعة أو العمد الآخرون أو الـمكتب السياسي).
وكنت أتكدر كثيراً حين كنت أجد مقالات قيّمة لك جديرة بأن تكون في باب «رأي سورية الـجديدة» وأحياناً في صدر هذا الباب، موضوعة في صفحـة ثنوية، في حين توضع في الباب الرئيسي مقالات معوجة مثـل «الإليـاذة السوريـة»(1) وغيرهـا التي أرجّـح أنها من قلم فؤاد بنـدقـي الذي كـان أيـضاً يضع مقـالات «افتتـاحيـة» في الصفحـة الأولـى ويضع مقـالات الزعيـم بعد مقالاتـه في العـامـودين الأخيرين من الصفحة الأولى!!
ليس من الضروري أن تكون كل مقالاتك دراسية أو تعليقات هامّة على مجرى الأمور. ولكن ما يكون من هذا النوع يجدر أن يوضع تـحت «رأي سورية الـجديدة».
وسيكون التناوب بينك وبين وليم في هذا الباب، ثم أرى سياق كتابات الرفيق العسراوي. فأنتم في البرازيل يجب أن تقوموا بأعباء سورية الـجديدة. ومتى وجدت فرصة فإني أنا أيضاً أكتب بعض مقـالات لها. ولكن الزوبعـة تـحتاج أكثـر لأنها تـحت إشرافـي هنا. وأما الرفيـق مسـوح فهو الوحيد الذي يـمكن الزوبعة أن تعتمد على كتاباته، ما عدا الزعيم. وهو كاتب له أسلوب شخصي له علاقة وثيقة بسليقته. ولكنه لا يحسن أن يكون كاتباً سياسياً أو محللاً فلسفياً. فهو محلل عملي شعبي قبل كل شيء، ولكن له إدراك جيد وشعور قوي.
جنون الـخلود: أشرت على الرفيـق وليم بنقـل هذه الـمقـالات إلى سورية الـجديدة ليعمّ انتشارها وللتعويض عن الأعداد الكثيرة من الزوبعة التي لم تصل إلى القراء في الـمهاجر الأخرى، وفيها حلقات هامّة من هذه السلسلة الدراسية.
وليم في سان باولو: إنّ وجود الرفيق بحليس في سان باولو ضروري لازم للحركة. والـمدة القصيرة التي صرفها هناك أعطت نتائج حسنة. وأرجو ألا يـمنعه مصابه عن العودة إلى سان باولو. نحن نتألم ولكننا لا نرتد.
جريدة في مينس: أطلعني الرفيق الـمنفّذ العسراوي على مشروع إصدار جريدة في مينس. وفي كتابي الأخير إلى الـمنفّذ أشرت عليه بالتريث، لأنه لا يحسن توزيع مجهوداتنا وإمكانياتنا فتنتهي أعمالنا إلى الشلل. فيجب تثبيت مركز سورية الـجديدة أولاً. وهنالك مسألة الزوبعة التي يجب أن تعدّ ذات مسؤولية مشتركة عامة بين القومييـن.
أتـمنى أن يكون الرفيق بحليساً صبوراً على الـمكاره جلوداً على الأعمال وعسى أن تكون والعائلة بخير. ولتحيى سورية.
بعد: أخبار منفذية مينس وما ذكرته لي من مسعى ونتائج سرّتني جداً. وأخبرك أنّ أخبار منفذية الـمكسيك تدل على تـجديد النشاط. وقد وردتني منها نسخة قديـمة من الدستور قبل طبعه، وسأنتهز أول فرصة لطبعه ثانية وإرسال نسخ حيث تدعو الـحاجة. وأخبرك أيضاً أنّ الأميـن فخري معلوف قد تعيّـن مؤخراً منفّذاً عاماً لفرع الولايات المتحدة، ومتى فرغ من أطروحة الدكتوراه في الفلسفة أرجّح أن يصير وكيل مكتب عبر الـحدود.
(1) نشرت في سورية الـجديدة، العدد 81، 31/8/1940.