رفيقي العزيز نـجيب العسراوي،
وفاءً بوعدي إياك في الكتاب الرسمي الـموجّه إليك فيما يختص بالـمعاملات النظامية، أكتب إليك الآن في صدد مقالك «نحن...».
الـمقال، في مجمله، يحمل خصائص طائفة من الـمقالات من نوعه. هو يـمثّل نوعاً معيناً من التفكير السياسي البحت، الناشئ في بيئة دينية معينة، هو التفكير الديني الإسلامي في الشؤون السياسية. ويظهر هذا التفكير بصورة بارزة في آخر الـمقال حيث تتكلم على «الأقلية» وتقول «بانقيادها إلينا»، فأخرجت الأقلية الدينية «منا» وجعلتها على هامش القومية. وهذا ضد القومية الصحيحة التي لا تعرف أكثرية وأقلية. فنحن يجب ألا نقرر شيئاً بناءً على أكثرية دينية وأقلية دينية.
والأقلية التي هي منا وتشعر «أننا» نقودها بالقوة لا «تنقاد» إلينا. ومع أنه صحيح أنّ الأقلية الـمعنية في الـمقال لا تـحب الأجنبي لأنه «أظرف»، فليس صحيحاً أنها تـحبه لأنه «أقوى». وإنّ عدة قرون من السيطرة الدينية على هذه الأقلية الدينية ضمن الدولة، قد برهنت لنا أنها لم تأنس «إلينا» ولا يـمكن أن تأنس عن طريق القوة الـمرغمة لها. والطريقة الوحيدة التي نربح بها حب هذه الأقلية هي طريقة مبادىء الـحزب السوري القومي التي تؤمن جميع السورييـن على حقوقهم الـمدنية والسياسية في الدولة بدون أي فارق ديني أو إتني، باستثناء اليهود. بهذه الطريقة فقط أمكن ويـمكن ربح الـموارنة وغيرهم من الطوائف الـمسيحية، وربح الدروز، وربح الشيعة والعلوييـن، وغيرهم من الطوائف الإسلامية. فنحن لا نكون قد قررنا شيئاً أساسياً ثابتاً حيـن نكون «نحن» الأكثرية الدينية قد اجتمعت لنفسها وأجمعت على فرض إرادتها على «غيرنا» الأقلية.
في الفقرة الأولى من الـمقال إدغام لـحقائق تاريخية بصورة تشوش ذهن الدارس، فأنت قد جمعت في العرب كل الذين جرى اصطلاح جمهور من العلماء في التاريخ واللغات على القول إنهم صدروا عن البقعة أو الإقليم الذي يسمى الآن العُربة أو بلاد العرب. وهذا الـمذهب السياسي في العلم يقابل الـمذهب السياسي في العلم الذي يحاول رد اللبنانييـن إلى العرق الفينيقي، لأنّ الفينيقييـن أقاموا على الشاطىء، واقتطعوا الأرز من لبنان، وبنوا بعض الهياكل فيه. والاستمرار في هذه الـمذاهب لا يوصلنا إلى إدراك حقيقة من نحن في مزيجنا ومزاجنا وتركيبنا الاجتماعي - الاقتصادي ونفسيتنا.
في الـمقال عبارات يـمكن أن تـحسب في عداد الـمذاهب الرجعية، وقد تكون وضعتها من غير تدقيق كقولك «نحن تركنا تعاليمنا القومية فوقعنا في هاوية الذل والـخنوع»، فأية تعاليم قومية تعني، وما هي هذه «التعاليم»، وما هي فلسفتها، ومن هم الذين كانوا متمسكيـن بها، وكيف «تركناها»؟
إنّ فكرك ينجلي عن رأي واضح وشعور قومي صحيح حيـن تقول «نحن يلزمنا مدارس وطنية وعلوم قومية وجمعيات فدائية تؤدب الـخونة من أبناء البلاد، الخ. نحن يلزمنا لـخلاصنا من نير العبودية شبان أقوياء يشعرون بالـمسؤولية الوطنية، ويقومون بتنفيذ برنامج وطني لا هوادة فيه ولا دبلوماسية نفاق. نحن يلزمنا رجال إذا ائتمنوا على أسرار الأمة لا يفشونها ببضعة شلنات وفرنكات (ولا بغير ذلك). نحن يلزمنا قيادة شريفة مخلصة في سرها وعلانيتها.»
هنا الفكر السوري الصحيح الـمتحرر من قيود الصوفية واللاحسية. هذا هو التفكير الصحيح الذي يدرك الواقع ويعالج الـمحسوس. فإذا أضفنا إلى هذا التفكير مبادىء النهضة السورية القومية ونظام حركتها وجميع حقائقها الروحية والـمادية، خرجنا باتـجاه نحو هدف واضح وقصد خالص وفي هذا الـخروج سر النجاح.
إني أكتب إليك بالصراحة التي تعودتها، والتي لا أعرف غيرها طريقاً إلى قلوب رفقائي القومييـن، والتي لا أريد غيرها خطة في خطابي لبني أمتي. وإني مسرور جداً بعبارتك القائلة بنفي «دبلوماسية النفاق» من تفاهمنا القومي. وهذا التفكير واضح أهنئك عليه وأحبه فيك.
يـمكنك طلب شرح الـمبادىء من سان باولو. وسأرسل إليك من هنا ما عندي. وهو قليل. وعسى أن أتـمكن من طبع ما يجب تـجديد طبعه.
وعسى أن أقرأ لك قريباً ما يزيد القوة الدافعة في الـحركة السورية القومية. ولك سلامي القومي. ولتحيى سورية.