إلى حضرة الـمنفذ العام لـمنفذية البرازيل
سان باولو، البرازيل
حضرة الـمنفّذ العام الـمحترم،
كتبت إليكم كتاباً خصوصياً من القاهرة وأرسلت مع الكتاب صكاً على الـمصرف قيمته ثلاثة كُنط لتقبضوه وتـحوّلوه إليّ عملة أميركانية أو بريطانية فأتـمنى أن يكون كتابي الـمذكور وصل إليكم.
كان جمهور القومييـن الـمستقبليـن، يوم وصولي إلى بيروت، عظيماً جداً، فقد قُدِّر العدد بنحو أربعيـن إلى خمسيـن ألفاً. وقد احتشد الـمستقبلون أولاً في منطقة الـمطار ثم انتقل إلى ضاحية الغبيرة حيث خاطبت القومييـن الاجتماعييـن خطاباً لا بد من أن يكون وصل إليكم لأنه أرسل بالطيارة. وقد كان غيظ الـحكومة من ضخامة الـحشد عظيماً، وكانت قد اتخذت قراراً بـمنع جموع القومييـن الاجتماعييـن من السير في شوارع بيروت متذرعة بحجة أنه قد يجري صدام مع الشيوعييـن، وهي حجة باطلة، ولكن إدارة الـحزب قبلت القرار تـجنباً لأي اصطدام مع الـحكومة يوم وصول الزعيم. فجرى الاستقبال بنظام بديع وانتهى بدون حادث واحد مؤسف.
لم يكن في خطاب الزعيم ولا في الاستقبال ما يثير أو يسبب قلقاً. ولكن السياسة الفرنسية التي لا تزال لها مراكز خفية في البلاد وعمال أمثال أصحاب «الفلانـج» («الكتائب»)، رأت وجوب فعل شيء ضد الزعيم شخصياً فعقد اجتماع سري في دار الـجزويت حضره الأب بوني إيـمار وناموس السفارة الفرنسية وبيير الـجميل رئيس «الفلانـج» وإلياس ربابي من أركان «الفلانـج» وبعض الـمطارنة. وبعد هذا الاجتماع صدرت جريدة العمل لسان حال «الفلانـج» وفيها كتابات تـحريضية ضد الزعيم وخطابه. والظاهر أنّ بعض رجال الـحكومة دخلوا في الاتفاق ضد الزعيم فحالـما صدرت جريدة العمل بحملتها صدرت تعليمات إلى مدير الأمن العام بوجوب «استدعاء الزعيم واستجوابه في صدد خطابه»!
والظاهر أنّ التعليمات كانت مشددة بقدر ما هي النية سيئة. فأرسل مدير الأمن العام إلى بيت الأميـن الـجزيل الاحترام نعمة ثابت يطلبني للقدوم إليه، وكانت الساعة نحو العاشرة ونصف ليلاً! كأنّ هنالك جريـمة يجب الإسراع في تعقّب الـمتهم بها! فكان جواب الأميـن ثابت أنّ الزعيم في بيته وأنه لا يذهب لإيقاظه وهو يستغرب الأمر.
فطلب منه الذهاب بنفسه إلى الدائرة فذهب، فطلب منه القدوم مع الزعيم نحو الساعة التاسعة من اليوم التالي. ولـمّا عاد الأميـن ثابت وجد مأموري التحري باقيـن أمام داره وبقي اثنان منهما عند الـمدخل إلى صباح اليوم التالي!
في تلك الليلة كنت خارج بيروت برفقة الأميـن جورج عبدالـمسيح والرفيق الدكتور كريم عزقول. فبلغني الـخبر ليلاً، وكان الرأي متفقاً على أنّ هنالك نية سيئة ضدي، إذ ليس من الـمألوف أو الـمقبول أن ترسل إدارة الأمن العام مأموري تـحري لطلب قدوم شخصية أو رجلاً ذا منزلة اجتماعية وسياسية ليلاً إلا لأمر خطير مستعجل ولـمسؤولية واضحة.
وتقرر أن لا ألبّي طلب إدارة الأمن العام مهما كلّف الأمر إذ لا جريـمة هنالك ولا مسؤولية. فاتخذت مقراً في الـجبل في منطقة قومية اجتماعية حصينة مسلحة ووضعت خطة الهجوم على صحيفة العمل وتشكيلة «الفلانـج» الـمجبولة بالـخيانة والـملتوتة بالدسائس على النهضة القومية الاجتماعية. فما كاد يصدر العدد الأول من [صدى] النهضة بالـحملة على الوسيلتيـن الأجنبيتيـن الـمذكورتيـن حتى انعكس الرأي في الأوساط الـمسممة وغير الـمطّلعة ضد تينك الوسيلتيـن وابتدأ الرأي العام يتحسس موقفنا الصحيح فمالت إلينا أوساط كانت حتى هذا الوقت بعيدة عنا أو معادية كالأوساط الـمحمدية وأوساط الـمسيحييـن الـمغشوشيـن بـمظاهر «الفلانـج» وأساليب السياسة الفرنسية التي تسيّر تلك الـمشكلة الـمصطنعة.
وقد أثار موقفي حماس القومييـن الاجتماعييـن في جميع الـمناطق وكثير منهم أخذوا يتواردون على الـمركز لإظهار استعدادهم للقيام بكل حركة وكل عمل مهما كان عنيفاً وخطيراً. وفي أوساط الشام وشرق الأردن ظهر اهتمام بأمر الـحزب القومي الاجتماعي وموقفه الـحاضر يزيد على كل ما عرف من اهتمام سابق. ولو كانت لنا الوسائل الـمادية اللازمة لكانت الـحالة أفضل ما يكون لقيامنا بعمل حاسم وإنقاذ الأمة من الرجعييـن والنفعييـن والإقطاعييـن ومن جميع أسباب نكبتها وانحطاطها.
مع كل ذلك فموقف الـحزب ومعنوياته متينة وفي ارتفاع. والـحكومة يضعف مركزها يوماً بعد يوم ولكنها قابضة على موارد الدولة ورجالها يستخدمون هذه الـموارد لأغراضهم. وبلغني أنّ السيد رياض الصلح قد اشترى أملاكاً في مصر وقد كان قبل تولّيه الوزارة رازحاً تـحت الديون ولا فلس في جيبه.
قد أعّد مركز الـحزب، بناءً على طلبي، قسيمات الأسهم الـجديدة لـجريدة ومطبعة [صدى] النهضة. وقد رأيت أن يُرسل إليكم منها ما تبلغ قيمته خمسة وعشرين ألف ليرة سورية أو ما يوازي مئتيـن وخمسيـن كنط لتوزع في البرازيل ويجمع بدلها بأسرع ما يـمكن والقسيمات ترسل إليكم صحبة هذا الكتاب.
في الوقت عينه أفيدكم أنه يحسن أن يُرسل إليَّ ما جمع عندكم من تبرعات. وليكن عنوان الغلاف باسم: السيد حسن الطويل - بعقليـن، الشوف، الـجمهورية اللبنانية وتكون الرسالة في غلاف داخلي باسمي. السرعة في هذا الوقت مفيدة جداً.
لا حاجة لأن أوصيكم بوجوب بذل الهمة في جمع مال أسهم الـجريدة والـمطبعة فالـحاجة ماسّة ووجود الـمطبعة ضروري.
تتبلغون مع هذا الكتاب مرسوم تـحويل منفذية سان باولو إلى منفذية عامة للبرازيل. فأودّ أن تضاعفوا مجهودكم وأن تضبطوا الأمور بدقة. أرجو لكم التوفيق. ولكم ولـجميع الرفقاء العامليـن سلامي القومي ولتحيى سورية.