إلى الرفيق وليم بحليس،
الـمنفّذ العام لـمنفذية سان باولو، البرازيل
سان باولو - البرازيل
أيها الرفيق العزيز،
حالـما تسلمت كتابك الـمؤرخ في 28 أغسطس/آب الـماضي الـحامل خبر وصول الرفيق فكتور كلارجي وسؤال تعليمات وتوجيهات فيما يتعلق بقرب زيارة قرينة رئيس الـجمهورية اللبنانية للبرازيل - الزيارة التي ألغيت فيما بعد - أرسلت إليك كتاباً بالبريد الـجوي على عنوان الرفيق جورج بندقي، شارع ايتوبي، والظاهر أنه لم يصل إليك، وكنت قد أرسلت إليك كتاباً آخر بواسطة الصديق جبرائيل يافث فوصل. إنّ استنتاجي مـما تقدم هو: أنه يترجّح وجود لائحة بأسماء وعنوانات في إدارة البريد، تتلف أو تفتح جميع الرسائل الواردة إليها ولا توصل، ويترجح عندي أنّ صندوق البريد الذي لشقيقي وإسمه وإسم جورج بندقي وعنوانه وإسمك أنت واقعة في هذه الـحالة، والذي أراه أن يراجع كل واحد منكم إدارة البريد ويستوضح عن سبب عدم وصول رسائله الـمتكررة إليه ويحتج على حرمانه من حقوق الـمراسلة.
ثم إني تسلمت جوابك على كتابي الـمرسل إليك بواسطة الصديق يافث وهو خلو من التاريخ، وقد وضعت عليه، استنتاجاً من روسم البريد، تاريخ 46/9/6 ولكنك تقول في كتابك الأخير، الذي وصل إليّ بواسطة إبن الرفيق بشارة الذي سيصير رفيقاً معنا قريباً، إنّ الكتاب السابق موضوع في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، أي الشهر العاشر. ووقفت منه على ما جرى في القنصلية اللبنانية في سان باولو وغير ذلك. وجاء كتابك الأخير الـمسهب الوارد بطريقة خصوصية الـمذكور آنفاً، الـمؤرخ في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الـماضي، ووقفت منه على التفاصيل الـمتعلقة بـموقف الوزير السودا من أمر سفري وجواز سفري الـمتفقة مع ما وردني من الصديق يافث نفسه.
القنصل فتح الله: مع إنه من معارفي في الوطن فإنّ معرفتي به كانت سطحية جـداً. إذ هو قريب لبعض أصدقائي ولم يكن لي معه أي حديث خصوصي. ومـما ظهر لي منه في بوينُس آيرس أنه «برجوازي» ميال إلى العظمة وهو يظن أنه في السلك السياسي الدبلوماسي ويرى وظيفته منصباً عظيم الشأن. وفي أول التقاء به هنا حين كنت في زيارة السفير أخبرني أنه كان أحد الـمدافعيـن عن الشيوعييـن ضد القومييـن الاجتماعييـن في عواقب حوادث تظاهرة 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 ومع أنه حاول ترقيع الـمسألة أمامي فأمره لم يخْلُ من مغزى، ويلوح لي الآن أنه أتتني بعض الـمعلومات الأولية عن هذا الشخص وأنا بعد في بيروت ومفادها أنه ذو علاقة بالشيوعييـن. وأمره وأمر قنصليته لا يهماننا الآن لا فيما يختص بجواز سفري ولا في أي أمر آخر.
الوزير السودا: أعرف أمره جيداً، وهو أيضاً لا يهمنا من هذه الناحية، ولذلك لم أهتم بالكتابة إليه في صدد جواز سفري. هو رجل طائفي، انفصالي، استغلالي. وقد رافق البطريرك الـماروني إلى إيطالية سنة 1936، وهناك اتفقا مع الطليان على موافقة السياسة الإيطالية، وبعد عودتهما ألقى البطريرك خطابه السياسي، الذي أوجب ردي عليه، والذي قال فيه: «وهذه إيطالية، أنـجح دول العالم». أما السودا فقد أصدر من جديد جريدة الراية ووقفها على الدعاوة لإيطالية وخدمة أغراضها السياسية، وكانت برقياتها كلها مستقاة من شركة «استفاني» الإيطالية وظهرت فيها دلائل الـمال الإيطالي. ولم يطل أمرها حتى عطّلتها الـمفوضية الفرنسية ومنعت عودتها إلى الصدور. ومن جهة أخرى حاول إيجاد تشكيلات من الشبيبة وتقليد تشكيلات حزبنا من جهة وتشكيلات الفاشييـن الطليان الأحداث، فأوجد فرقاً قليلة هزيلة أطلق عليها إسم «السبّاقة اللبنانية» وأراد الاستناد إليها لإنشاء حركة سياسية فحاول إنشاء «الـجبهة اللبنانية» وجعل «سباقته» وشخصه مركزها ومحورها فأخفق كل الإخفاق واندثرت حركاته، وبقي شخصاً لا مركز سياسي له إلى أن انتدبه الأستاذ بشارة الـخوري، رئيس الـجمهورية اللبنانية، للوزارة في البرازيل وألـحقه بالسلك الدبلوماسي.
لا حاجة للتدخل مع السودا في أمر سفري. فأنا لا يزال معي جواز سفري القديـم والقنصلية الفرنسية هنا لا تزال تقوم بـمعاملة أوراق السفر. وفوق ذلك قريباً يصل الوزير الـمفوض للأرجنتيـن الصحافي جبران التويني، الذي لي به معرفة أحسن، والذي يظهر أنّ موقفه أخذ يـميل إلى الـحزب أكثر فأكثر. وقد تسلمت منفذية بوينُس آيرس كتاباً من مكتب عبر الـحدود وفيه خبر أنّ الـحزب يقيم مأدبة على شرف الوزير الـمفوض للأرجنتيـن، وإلى ذلك يضاف أنّ الأستاذ تويني هو والد الرفيقيـن غسان ووليد التويني، والأول منهما شغلوظائف عالية في الـحزب وهو الآن مفوض مكتب عبر الـحدود في أميركانية، بدلاً من الرفيق الـموقّف الآن فخري معلوف الذي يظهر أنّ طارئاً طرأ على عقله أو نفسيته فألقى بكليّته في أحضان الـمذهب الكاثوليكي وصار همه الدفاع عن كنيسة الـمسيح الكاثوليكية الـجامعة وعن عصمة البابا «ضد قوى الإلـحاد»! وطلب خلاص النفس من الهلاك بواسطة الـمسيح. وقد حزنت كثيراً لهذا الانحطاط الذي طرأ على رفيق كان في مقدمة مفكري حركتنا الناشئيـن.
عودة الزعيم إلى الوطن: باتت قريبة وقد انتقلت نهائياً إلى بوينُس آيرس، وهنا أنا أسعى بلا توانٍ لإتـمام الـمعاملات اللازمة. تبقى مسألة نفقات السفر الذي أرجّح أنه سيكون بالطيارة. وسأجتهد في الـحصول على ترخيص بالنزول في البرازيل لـمدة أسبوعيـن، فإذا لم أوفق أقطع التذكرة رأساً إلى أوروبة ويـمكن أن تـجتمعوا بي الوقت الذي تبقاه الطيارة هناك أو في الوطن أو بواسطة مكتب عبر الـحدود، وفي هذه الـحالة قد أحتاج للمال هنا، أو أن تشتروا أنتم هناك تذكرة السفر لي من هنا إلى مصر، إذا أمكن، أو إلى أوروبة، البرتغال أو إسبانية أو إيطالية أو إنكلترة أو أية نقطة فيها اتصال بخط جوي جيد إلى مصر. فإذا وجب ذلك أو كان الأوفق أطلب منكم القيام به (هذه الـمعلومات تبقى مكتومة).
فؤاد وجودته: أخذت علماً بـما قلته لي عن الرفيق فؤاد لطف الله وعن جودته. إنه أحسن من غيره من الأغنياء الذين يطلبون الـمجد والعلو بالـمال. وإني آسف جداً لأني لم أتـمكن من صرف مدة من الوقت في سان باولو، لأضع أمام العناصر الصالـحة مسؤولياتها الصريحة تـجاه الـمبادىء القومية والقيم الفكرية والعملية وتـجاه النظام الذي يظهر أن لا قيمة له عند الكثيرين. وإني أجد أنه سيصعب كثيراً فهم قولي: «إنه لا يوجد في الـحزب السوري القومي الاجتماعي طبقات أغنياء وفقراء ومتوسطيـن، وإنّ الـجيد في الـحزب هو ذاك الذي يعمل بـموجب القَسَم الذي أدّاه ويخدم حزبه الذي يـمثل قضية أمته بكل ما أوتيه من مقدرة والذي يؤدي حق القيم في الـحزب وحق النظام وحق العمل.» والرفيق فؤاد لطف الله أريَحي وذو اندفاع ذاتي لـما يختار هو أن يندفع فيه، ولكن ذلك لا يوازي عندنا فضائل النظام والقيام بالواجب. فنحن لا نريد أن نستندي الأكف ونستنجد الأشخاص بقدر ما نريد تعليم أبناء الأمة واجباتهم العقائدية والنظامية والعملية.
تشير عليّ، أيها الرفيق، أن أكتب إليه، وكنت أفضّل لو أنك حثثته على الكتابة إلى زعيمه، الذي بقي نحو سبع سنوات يتخبط في هذه البيئة الـمنحطة الأخلاق بلا أعوان، وحيثما التفتَ ورأى بصيص نور وجد أشخاصاً يريدون منه أن يصرف قواه في الاهتمام بهم وآرائهم بدلاً من أن ينصرف إلى معالـجة قضية الأمة وتخطيط السياسات وحلّ قضايا الفكر الأساسية. هم يطلبون من الزعيم كتابات، وكتابات، وكتابات، كلها في مسائل شخصية فردية، أما قضايا الأمة الكبرى الاجتماعية والاقتصادية والـخلقية والثقافية والأدبية وغيرها فهذه لا حاجة إلى فكر الزعيم فيها، فيكفي الزعيم أن يحظى بقبضة آراء من كل واحد منهم ويعمل بها ليقود الأمة إلى طريق الهدى.
إنّ الـمناصرين لهم محلهم في تقدير الـحزب، وكل واحد منهم ينال التقدير الذي يستحقه بواسطة مؤسسات الـحزب الـمختصة. ولكن هنالك فرقاً عظيماً بين درجة الـمناصرين، الغيورين، الأريحييـن ورتبة الرفقاء القومييـن الاجتماعييـن العامليـن الـمنظميـن. وإني أودّ لفؤاد أن يكون من هؤلاء لا من أولئك.
إنّ النهضة السورية القومية الاجتماعية قد أعوزها الـمال، ولا يزال يعوزها، ولكنها رغم عوزها الـمالي تشق طريقها بآلام ألوف الرفقاء والرفيقات وجراحهم وتسير دائماً إلى فوق، إلى قمة الـمجد. ولا يستوي عندنا الـمال والتضحية.
العمل النظامي في سان باولو: أخبرتني أنكم قد عدتـم إلى شيء من العمل النظامي، وأنك زرت مديرية سنطس وأعدت تنظيمها، وأنك نظّمت مديرية سان باولو، فسررت كثيراً بذلك. وإني أترقب الفرص التي تـمكّن مكتب الزعيم ومكتب عبر الـحدود من العودة إلى استعمال الـمراسلات الإدارية الرسمية ومخاطبتك «بحضرة الـمنفّذ العام لـمنفذية سان باولو». إنّ العمل السوري القومي الاجتماعي في البرازيل لم يجرِ على الـمنهاج النظامي التّام وظلت فاعلة فيه روحية الصداقات والصحبة الشخصية أكثر من روحية العقيدة والنظام، ولذلك يلاحظ هناك مظهر تهدّم للقيم النظامية الـجميلة وتهدّل في النفوس والأعمال. فإذا تـمكنت أن أوجَد بينكم ولو بضعة أيام حاولت هزكم وتنبيهكم إلى ما أنتم في غفلة عنه. وإذا لم يـمكن فسيأتيكم من دوائر الإذاعة والداخلية والثقافة ما ينبّهكم.
أعضاء مفصولون: أخذت علماً بـمعلوماتك عن الأعضاء الـمهمليـن: توما توما، سليم يوسف الـمعلوف، إلياس بخعازي.
تبلّغوا أنّ الأعضاء المذكورين قد فصلوا ونزعت عنهم كل صفة وكل علاقة بالـحزب السوري القومي الاجتماعي.
أكتفي الآن بـما تقدم وقد مضى أكثر مـما يجب على انتظار السيدة روجينا عفيش العائدة غداً إلى سان باولو بالطيارة لقدومي إليها حاملاً هذا الكتاب الذي تلطفتْ وعرضت أن تـحمله إلى سان باولو بنفسها ليصل إليك.
سلامي القومي لك وللرفقاء العامليـن. ولتحيى سورية.
بعـد: سيحتاج الفرع هنا إلى عدة نسخ من تاريخ سورية للرفيق إدوار [سعاده] الذي هو جيد ضمن حدوده، وإن كانت تنقصه معلومات حديثة تغيّر طابع بعض الـحوادث وقيمتهـا.
عنواني في بوينُس آيرس ما هو على الغلاف وخصوصي:
Paraguay 402
Buenos Aires
Rep. Argentina