إلى الأميـن الـجزيل الاحترام نعمة ثابت
الـمركز - بيروت
رفيقي الحبيب الأمين،
تسلمت من عدة أيام كتابك الأخير الذي كتبته «ولم يـمرّ على انتهاء جلسة الـمجلس الأعلى التي خصصت لدرس موضوع عودتي أكثر من ساعتيـن» والذي جاء خلواً من التاريخ ويرجّح، على ما يظهر من روسم البريد أنه صادر في 5 أغسطس/آب الـماضي. وكنت حين تسلمته على أهبة السفر لزيارة مديرية خوخوي فتابعت سفري واجتمعت بالرفقاء هناك وأطلعتهم على عزمي على السفر بسرعة فاهتموا بفعل ما يقدرون عليه إفرادياً لتسهيل مهمة تصفية أعمالي واشترى من قدر منهم شيئاً معتدلاً.
حين عودتي انصرفت إلى تهيئة ما يلزم من الـمواد لإكمال عدد الزوبعة القادم وإعطاء توجيهات لـمنفذية بوينُس آيرس. وبينما أنا أهتم بالكتابة إليك وردتني بعض مراسلات من البرازيل ومن منفذية أميركانية، فرأيت الكتابة إلى البرازيل وإخبارهم بعزمي على السفر بأسرع ما يـمكن وتكليفهم الاشتراك في الـمجهود لإجراء الـمعاملات اللازمة ومخابرة قنصل لبنان في سان باولو في صدد جواز سفري واتخاذ تدابير والقيام بأعمال أخرى. في رسالة الـمنفّذ العام لسان باولو إليّ، الرفيق وليم بحليس (عكار) الأخيرة، أخبرني عن وصول الرفيق فيكتور كلارجي، مدير مديرية كفرشيما سابقاً، وتبلغه منه بعض التعليمات الـمتعلقة بزيارة قرينة رئيس الـجمهورية اللبنانية للبرازيل، والـمنفّذ العام يقول إنه لم يلتقِ بالرفيق كلارجي، الذي بـرح سـان باولو بسرعة إلى ولاية ماطو قروسو على أمل أن يعود بعد وقت قصير وحينذاك يتوقع أن يتسلم منه تعليمات أخرى خصوصية قال إنه يحملها للمنفّذ العام. وقد وضعت أمس كتاباً بالبريد الـجوي لـمنفّذ سان باولو، البرازيل، أعطيه التوجيهات اللازمة لكيفية استقبال قرينة رئيس جمهورية لبنان وأعتقد أنه يجب أن يتسلم الكتاب الـمذكور بعد غد.
عودتي: ما كان يجب أن يُقطع الاتصال بي من جهة الـمركز كل الـمدة بين أوائل مايو/أيار الـماضي وأوائل أغسطس/آب الأخير، أي مدة ثلاثة أشهر ثمينة. فقد كان يجب على الـمركز، وعلى الأقل، على مكتب عبر الـحدود إخباري بتسلّم رسائلي الأخيرة إليه وبالـحاجة إلى انتظار انتهاء الأزمة الوزارية في لبنان وعودة رئيس الـجمهورية من سفرتيه. فإنّ هذا الانقطاع الطويل حملني على تقدير أمور أخرى غير انتظار النتائج الـمذكورة وأخّر جزمي بالتصفية الـمستعجلة لأعمالي لعدم وجود وضوح حول موقف الـحكومة اللبنانية من أمر عودتي، الذي رأت إدارة الـحزب معالـجته بواسطة الـمذكرة التي قدّمت إلى وزير الـمالية الأستاذ إميل لـحود. ولـمّا طال أمر الانقطاع بتّ أحسب حساباً للجاسوسية، ولم يخطر في بالي أنّ الانقطاع يبقى كل هذه الـمدة اختياراً. وحملني حسابي على إرسال رسائل وأخبار بواسطة عدة فروع، خصوصاً بعد أن تسلمت منفذية بوينُس آيرس كتاباً من رئاسة مكتب عبر الـحدود يقول إنّ الـمكتب لم يتسلم مني خبراً عما أرسل إليّ من مفكرات ومنشورات، فقدّرت أنّ ذلك إشعار بأنّ رسائلي الأخيرة إلى مكتب عبر الـحدود لم تصل إليه، وزاد في بلبالي ما كان من أمر طرد موره لي وعزام وغيرهما وحسبت أنه قد يكون جرى تأثير في روحية عصام وموقفه.
إنّ الاتصال بالزعيم قد تأخر كثيراً من الأول وأظن أنّ الاتصال بـمنفذية أفريقية الغربية الذي ظل موجوداً كان يـمكنه تأميـن الاتصال بالزعيم، وكان يوجد اتصال سابق مع الرفيقة إملي حلبي فكان يـمكن تـجربة كتاب بنفس الأسلوب وعلى العنوان عينه. ولست أريد بهذه الـملاحظة غير الإشارة إلى الوقت الثميـن الذي ضاع في مدة تقارب السنتيـن أو السنة، على الأقل كان يـمكن خلالها تهيئة جميع الأمور وكان يرجّح أن أكون معكم قبل هذا الوقت أو نحوه.
ولو كان كتابك الأخير ورد من قبل كنت الآن علمت ما كان يـمكن الاعتماد عليه بواسطة التمثيل اللبناني القنصلي والدبلوماسي في البرازيل. وبهذه الـمناسبة أقول إني كنت في بوينُس آيرس في أوائل يونيو/حزيران الـماضي وبقيت عشرة أيام، تقريباً، هناك. وكان ذلك الوقت وقت تسلّم رئيس جمهورية الأرجنتيـن، الـجنرال بيرون، منصب الرئاسة. وقدم بوينُس آيرس قبلي بنحو يومين وزير لبنان الـمفوض في البرازيل الأستاذ يوسف السودا تصحبه قرينته وناموس السفارة السيد خياط (كفرشيما) والقنصل اللبناني في سان باولو (البرازيل) السيد محمد فتح الله (وليس السيد ملحم تلحوق كما تقول في كتابك). وكانت منفذية بوينُس آيرس قد سبقت وزارت الوزير باسم «الـحزب السوري القومي الاجتماعي» فاستقبلها، وبهذه الـمناسبة أطلعته الـمنفذية على قرب قدومي وأخذت موعداً لسلامي عليه، فاجتمعت به وعرفت الناموس خياط لأول مرة أما القنصل لسان باولو، السيد محمد فتح الله، فهو أحد معارفي القدماء بواسطة أصدقاء لي من بيت الغندور. دام اجتماعي بالوزير نحو ساعة ونصف.
وبعد يوميـن كان القنصل السيد فتح الله على الغداء معي في بيت حماتي وأولادها، وكان معنا على الغداء الـمنفّذ العام لبوينُس آيرس الرفيق خليل الشيخ والصديق جبرائيل يافث الذي اتفق وجوده في بوينُس آيرس قادماً من سان باولو، البرازيل، لأشغال تـجارية. ولم يكفِ الوقت لتناول مسائل خاصة وكنت ظننت أني سأجتمع بالوزير والقنصل مرة أخرى فلم يتسنّ ذلك.
حالـما تسلمت كتابك قررت الإسراع في تصفية أعمالي، إما ببيع الـمحل أو بتقويضه، وإني جادٌّ في التقويض بقدر الـمستطاع، بينما يجري البحث عن مرشح للابتياع. ولا بد من التعرض لـخسارة لأنه يجب تصفية أهم الأمور التي فيها عقود ومسؤوليات كبيرة بسرعة حتى إذا بقي شيء ووجب سفري في الـحال - وإني أراه واجباً - لا يبقى على زوجتي من الـمسؤوليات إلا ما في استطاعتها حمله بلا قلق. وفي كل حال لا يحسن أن تبقى هنا زوجتي بعد سفري إلا وقتاً قصيراً. فالبيئة هنا غريبة وإن كان يوجد تـحسّن قليل في حالة الـحزب في توكومان.
بعد نحو خمسة عشر يوماً يكون لدي شيء جديد من الـمعلومات عن إمكانيات سفري وأعتقد أنّ الصعوبة الأهم هي مسألة التحرر من كل علاقة تـجارية وحينئذٍ تهون مسألة معاملات السفر، ويحتمل أن أقدر على التحرك نحو أواسط نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
إنّ القنصلية الفرنسية في بوينُس آيرس لا تزال تقوم بـمعاملات الـجوازات للسورييـن إلى أن يصل قناصل لبنانيون وشاميون ويـمكن اعتمادها لإجراء معاملتي.
الرفيق غسان تويني: بعد تقديـم هذا الرفيق تقريره عن حالة الوطن وحالة الـحزب وعن الرفيق الـموقّف فخري معلوف الذي كلّفته بتقديـمه، بادلته رسائل متعددة عرضت فيها لبعض الـمسائل التي رأيت توجيه فكره إليها وبعض الأغلاط والتعابير الغامضة نوعاً الـمستعملة حديثاً من قِبل بعض الـمسؤوليـن الـجدد، وبصورة خاصة من قِبل عميد الثقافة والفنون الـجميلة الرفيق فايز صايغ في «بيانه الأساسي» الـمقدم إلى الـمجلس الأعلى وفي فاتـحة العدد الأول من مجلة الثقافة. فعدّل الرفيق تويني لهجته في بعض الأمور ودافع في أمور أخرى بعناد شديد وبتشبث ببعض اعتبارات. ولـمّا كان أخبرني في كتابه الأخير الوارد من بضعة أيام أنه نقل إلى العميد صايغ بعض ملاحظاتي في صدد بعض مسائل عمدة الثقافة ونهجها الـخاص رأيت أن أطلعك باختصار على نوع الـموضوع وأهم نقاطه.
تقرير الرفيق تويني: إبتدأ الرفيق تويني تقريره من زمن حكم الـمحكمة العسكرية الفرنسية، وهو الزمن الذي طلبت منه الابتداء به فوصف الـمحاكمة والأحكام والسجون والعمل في أثناء السجن، وتدرّج في سرد الـحوادث إلى «الرخصة بالـحزب القومي». ثم تناول في فصل خاص «الـحالة السياسية العامة في البلاد السورية»، وفي فصل آخر حالة الـحزب الداخلية، وفي آخر حالته الـخارجية ثم سياسته العامة ثم «عودة الزعيم».
لاحظت في فصل حالة الـحزب الداخلية أنّ الرفيق تويني استنتج استنتاجات غير مبنية على معرفة بنشأة الـحزب وظروفها وبتاريخ نشوء الـحزب وعهد عمله الأول. من ذلك قوله:
«لقد عُرف الـحزب في الـماضي بالتشديد الـمتطرف على العقيدة، حتى أنه في بعض الأحيان تـحوّل هذا التشديد إلى تـحجر أكاديـمي جعل الـحزب في موقف سلبي من السياسة القائمة بدلاً من إشراكه في هذه السياسة والتميّز عنها بوجود الأساس العقائدي كمبدأ تـحاكم هذه السياسة بالنسبة إليه وكغاية يسعى إليها. وإزاء هذا الوضع وبالنظر للظروف السياسية التي لم تكن، في توجيهها الظاهري، موافقة للعقيدة القومية، اتـجه الـحزب نحو اتباع نهج جديد، هو تطبيق عملي لـمبادئه، فأحلّ العمل السياسي الـمجرّد مكان الـجدل العقائدي، وبالتالي تـحلّى بالـمرونة، وتـمكن بذلك من الاشتراك الـمباشر في الـحياة السياسية العامة والعمل على إصلاحها من ضمنها، الخ.»
إلى أن يقول:
«كما أنّ هذا التحجر الأكاديـمي صرف حيوية الأعضاء في الأبحاث النظرية حول طبيعة الأمة ووجودها وغير ذلك، بدلاً من النشاط الـخلاق الذي يُدخل العقيدة إلى النفوس والعقول كأساس ضمني للنهضة الإصلاحية والثقافية التي يقوم بها الـحزب.»
فكرت في هذه التحليلات والتعليلات ورأيت فيها شططاً كبيراً وبداءة تولّد اعتبارات ناتـجة عن جهل بعض الـحقائق وعن غلط في الاستنتاج والتقدير. ورأيت ضرورة إصلاح هذه الاستنتاجات والاعتقادات الـمخالفة للحقيقة ووضع حد لها قبل أن يتسع انتشارها وتكوّن مشكلة نفسية خطرة ومشكلة سياسية داخلية معقدة. فلما أجبت الرفيق غسان تويني على تقريره متدحت دقة تصنيفه وشمول مواضيعه وإتقان وصفه لـحالة البلاد السياسية والـحالات السياسية الإنترناسيونية وقلت في هذا الصدد، في جوابي الـمؤرخ في 26 مايو/أيار الـماضي:
«إنّ جميع القضايا التنظيمية والإدارية والسياسية التي ذكرت في التقرير ستجد تـحليل الزعيم وتعليله لها وحلولها في الـخطاب الذي يوجهه الزعيم إلى الـمجلس الأعلى في أول جلسة يحضرها الزعيم بعد عودته وتكون مخصصة لسماع هذا الـخطاب، وفي الـخطاب الذي يلقيه الزعيم بعد عودته في اجتماع حزبي عام يعيّـن خصيصاً لهذه الغاية أو يوجهه الزعيم إلى مجموع الـحزب.»
ثم تطرقت إلى ما ورد في وصف الرفيق تويني لـحالة الـحزب الداخلية من تـحليلات واستنتاجات فقلت، في صدد كلامه عن «تشديد الـحزب الـمتطرف، في الـماضي، على العقيدة» وما عناه من «التحجر الأكاديـمي»:
«إني أرى في هذا التحليل غلطاً في التقدير والاستنتاج، ناشئاً عن عدم العناية بدرس نشوء الـحزب السوري القومي الاجتماعي والكيفية التي نشأ فيها والظروف الـمحيطة بتلك النشأة. والظاهر أنّ مؤسسات الـحزب الثقافية والإذاعية والسياسية لم تُعنَ العناية اللازمة بهذه الناحية الهامّة من الثقافة الـحزبية، أو لم تسمح لها الظروف بتوجيه العناية إليها. وإني لعلى يقيـن من أنّ دراسة صحيحة لتاريخ نشوء الـحزب السوري القومي الاجتماعي تؤدي حتماً إلى تعديل الآراء الـمتقدمة الواردة في تقريرك، التي يحتمل أن تكون آراء شخصية بحتة مـما تستنتجه من ملاحظاتك الـخصوصية، ويحتمل أن تكون آراء مشتركة بين عدد من أشخاص الإدارة الـمركزية الـجدد الذين لم يشتركوا في اختبارات الـحزب الأولى لعهد نشأته. ويشجع على أخذ الاحتمال الثاني بعين الاعتبار ما يلاحظ في تعابير بعض الـمسؤوليـن الـجدد من صفة «الاستنباط» أو «التجديد» كما في فاتـحة نشرة عمدة الثقافة و«بيان عميد الثقافة والفنون الـجميلة الأساسي» مـما يحمل على الظن أنّ العميد يتوخى نهجاً جديداً غير الذي كان قبل تولّيه العمدة. فكل قول من هذا النوع يحتاج إلى تدقيق كثير وإعادة نظر ودرس تفاصيل عهد نشوء الـحزب السوري القومي الاجتماعي وفلسفة عقيدته وخطوطه الأساسية، وإلا اضطررنا للدخول في سلسلة اختبارات «للاستنباطات» و«التجديدات» التي يأتي بها الـمنتدبون الـجدد للمسؤوليات الـمركزية الذين لم يجتازوا امتحاناً في تاريخ الـحزب ووحدة سياسته وإدارته واستمرارهما.»
وبعد ذلك شرحت للرفيق تويني شيئاً من نشوء الـحزب وكيفية نشوئه وموضع العقيدة من هذا النشوء وأهميتها، إذ فيها «تتجسد شخصية الأمة الاجتماعية وبالتالي شخصيتها الـحقوقية التي تعيّـن ليس فقط ماهيتها، بل حقوقها ومصالـحها الرئيسية والـحيوية التي تريد الاحتفاظ بها والدفاع عنها واسترجاع ما سلب منها، الخ.»
ووصفت له بعض حالة الـحزب الأولى وكيف داهمته الاعتقالات الأولى وكيف هوجمت عقيدته وحاجة القومييـن الاجتماعييـن إلى أسلحة الفكر للدفاع عنها، وما تلا ذلك.
في 20 يونيو/حزيران الـماضي أجاب الرفيق تويني على كتابي وقال إنّ الفكرة التي أبداها لم تكن سوى «سوء تعبير من قِبله» وإنه يعترف بغلطه وإنّ اطّلاعه على نشوء الـحزب السوري القومي وبداية عهده جاء متأخراً، وإنه لم يقصد التقليل من أهمية العقيدة. وبعد شرح استدراكي لوجهة نظره الـمذكورة فوق، أورد الفقرة التالية:
«هذه بعض النقاط التي رأيت أنّ عليّ إبداءها للزعيم، حول ملاحظاته، أرجو قبولها، مع العلم بأنّ ما أبديته في تقريري بهذا الصدد - حسب مقدمة التقرير - لا يربط بالنهاية أحداً سواي، وقد لا يعبّر سوى عن رأيي الشخصي، الذي أتـحمل مسؤوليته وحدي. كما أنّ بحث هذه النقطة الآن لم يعد له أهميته الأولى بعد تـمام الاتصال الـمباشر وانتهاء مهمتي كمفوض اتصال.»
نظراً لدرجة ثقافة الرفيق غسان تويني وللوظائف الهامّة التي شغلها في الـمركز، على الرغم من حداثة عهده، ولـحسن ذكائه وما يتجلى فيه من إخلاص للغاية القومية الاجتماعية الأخيرة، رأيت أن أهتم به وأعتني بتثقيف نظرياته وآرائه القومية والنظامية. فلما قرأت الفقرة الأخيرة الـمتقدمة وجدت أنه جعل النقطة الدراسية التحليلية لتاريخ الـحزب السياسي متعلقة بشؤون مهمته أكثر مـما هي مختصة بدرجة معارفه الشخصية في الشؤون السياسية وأطوار الـحركة السورية القومية الاجتماعية الأولى، فأحببت رفع الدرجة الـمذكورة وإكساب آرائه العمق والرصانة الضرورييـن للمسؤوليات العالية وإعداده أكثر لهذه الـمسؤوليات وللاشتراك بـمقدرة أكثر فيها.
فكتبت إليه في 9 يوليو/تـموز الـماضي وتناولت ما ورد في رسالته في 20 يونيو/حزيران «عملاً بقاعدة التدقيق الشديد في الـمسائل العقائدية والفكرية مع الرفقاء الـمؤهلين لتناول شؤون الفكر العليا» و«لأني أرى فيه الاستعداد لوعي هذه القواعد والقضايا الهامّة، ولأني أحب أن أنشّط فيه هذه الناحية الضرورية للعمل السياسي العالي» وبعد أن أبديت له لـمحة عن نشأة الـحزب وظروفها وأشخاصها وأوضحت له أنّ نقص الـمعرفة في هذه الناحية ينعكس على فهم «سياسة الـحزب» وخططه السياسية الأولى، وأنّ النقص في العناية بها الظاهر في الـمظاهر الفكرية الـجديدة في أوساط الـحزب العليا هو ما يجعل لعبارته التي كانت موضوع ملاحظاتي قيمة التعبير عن «آراء مشتركة بيـن عدد من أشخاص الإدارة الـمركزية الـجدد» ثم قلت:
«في رسالتي الـماضية أشرت إلى ما لاحظته في فاتـحة نشرة عمدة الثقافة وفي «بيان عميد الثقافة والفنون الـجميلة الأساسي». وقد دافعت في كتابك الأخير عن عمدة الثقافة في صدد هذه الـملاحظة. ومع أنّ ملاحظتي على بعض تصريحات هذه العمدة مع ملاحظتي على عبارتك الأولى ليست ناشئة عن «خشيتي» من نهج عميد الثقافة والفنون الـجميلة ونهجك، فلا بد من ضبط هذا النهج بالـملاحظات والتوجيهات، حرصاً على كمال الـحقيقة واستقامة بنائها ورسوخ أساسها وعلى شمول الفكر في أساس نهضتنا ووحدة حقيقتها ووحدة غايتها العظمى. وبعد فإني أعرف الرفيق فايز صايغ شخصياً وقد وجّهته بنفسي لدرس العلوم السياسية والاجتماعية، وأعرف أمانته وإخلاصه، كما أنه لا شك عندي بأمانتك وإخلاصك. ولكي لا يبقى كلامي عرضة لتأويلات غير متفقة تـماماً مع ما يُقصد به أرى أن أعرض لـما رأيت أن ألاحظ عليه في تصريحات حضرة عميد الثقافة والفنون الـجميلة:
في الصفحة الأولى من العدد الأول من نشرة عمدة الثقافة والفنون الـجميلة: وتـحت عنوان «إلى القارىء» يقول حضرة العميد: «بقي أن نشير إلى أنّ هذه النشرة - وهي مشروع من مشاريع عمدة الثقافة - تنطبق عليها سياسة العميد الأساسية، تلك السياسة الـمعبّر عنها في بيانه الأساسي الـمصدّر به هذا العدد: وبصورة خاصة فيما يتعلق بالـمفكرين خارج الـحزب... إنّ العمدة يسرّها أن ترحّب بكل مفكر مخلص يودّ أن يشترك في أداء رسالتها الثقافية، وتضمن له في نشرتها منبراً حراً للتعبير عن فكره أو فنه.» هذه التصريحات مدعومة بـما ورد في الفقرة الأولى من باب «مبادىء أساسية في سياسة هذه العمدة» من بيان العميد الأساسي: «فالعمدة - إخلاصاً منها للمسؤولية الـمطلقة تـجاه القيم العليا وحرصاً منها على مصلحة الأمة التي تخدمها - لن تسمح باعتبارات خارجة عن نطاق قيم الـحق والـخير والـجمال، أن تتدخل في شؤون إنتاج ثقافي يتوخّى التعبير عن الـحق والـخير والـجمال! وستترك هذه القيم تفرض نفسها وتوجيهها بحرّية!» في هذا الكلام وهذه التصريحات مواضع للنظر تدعو إلى التدقيق والـملاحظة. وقد علّقت عليها فور قراءتي لها بـما يأتي: «في هذا الكلام صبغة شخصية فردية قوية لم تأخذ بعين الاعتبار نشأة العمدة ووجود الفكرة الثقافية الأساسية في العقيدة القومية الاجتماعية وشرحها. وهذه النزعة الفردية البارزة تـجعل العمدة مستندة، في الأساس، إلى «بيان العميد الأساسي وسياسته الأساسية» لا إلى الغاية الأساسية من إنشاء «عمدة الثقافة» وإكسابها صفة مؤسسة من مؤسسات الـمنظمة السورية القومية الاجتماعية، الأساسية. وبالنتيجة نرى العمدة تستغني، بـموجب استنادها إلى «سياسة العميد الأساسية الـمعبّر عنها في بيانه الأساسي» عن اعتبار نفسها منفّذة لإرادة الـحزب العليا العامة في الثقافة ومحققة الفكرة الثقافية الـموجودة في تعاليم النهضة ومتكلمة باسم الـحزب في الشؤون الثقافية، وعن الـحاجة إلى ذكر ذلك وإظهار هذه الصفة، خصوصاً فيما يختص بـما هو خارج نطاق الـحزب ومن هم خارجه من مفكرين. بل نرى، علاوة على ذلك، أنّ العميد جعل مسؤولية العمدة الأساسية «الـمطلقة» تـجاه «القيم العليا» وحرصها «على مصلحة الأمة التي تخدمها» بالاستناد إلى «الـمسؤولية الـمطلقة تـجاه القيم العليا» لا تـجاه العقيدة القومية ولا تـجاه غاية الـحزب من إنشاء عمدة الثقافة، باعتبار أنّ العقيدة القومية وغاية الـمنظمة القومية الاجتماعية تشتملان تصريحاً أو تضميناً على «الـمسؤولية الـمطلقة» تـجاه القيم العليا، وباعتبار أنّ سياسة عمدة الثقافة وأهدافها منبثقة من سياسة الـمنظمة العليا وأهدافها الأساسية وجزء من هذه السياسة وهذه الأهداف. فلو أنّ العمدة قالت في فاتـحة نشرتها: «إنّ العمدة يسرّها أن تعلن أنّ الغاية الثقافية للمنظمة القومية الاجتماعية تـجعلها ترحّب باسم هذه الـمنظمة بكل مفكر مخلص يود أن يشترك في أداء رسالة النهضة القومية الاجتماعية، الثقافية، وتضمن له، الخ.»
بدلاً من قولها «إنّ العمدة يسرّها أن ترحّب بكل مفكر مخلص يود أن يشترك في أداء رسالتها الثقافية، الخ.» ولو أنّ العميد قال في «بيانه الأساسي»: «فالعمدة - إخلاصاً منها للإرادة العليا التي أوجدتها وللتعاليم السامية التي بعثت النهضة القومية الاجتماعية ولغاية الـمنظمة القومية الاجتماعية من وجودها وشعوراً منها بالقيم العليا الـمتضمنة في تعاليم نهضتنا وبـمصلحة الأمة التي تقوم الـمنظمة كلها بخدمتها، الخ.» بدلاً من عبارته الأصلية، لكان أقرب إلى الـحقيقة والصواب.»
هذا كان تعليقي الأول وهو ليس كل ما ألاحظه وأريد قوله في صدد هذا «البيان الأساسي» وأسلوبه ونسقه. فقد استوقفت نظري عدة عبارات في البيان الـمذكور منها هذه العبارة:
«لن تسمح (العمدة) باعتبارات خارجة عن نطاق قيم الـحق والـخير والـجمال، أن تتدخل في شؤون إنتاج ثقافي يتوخى التعبير عن الـحق والـخير والـجمال!» فما هو الداعي لهذه العبارة، ومن أين ينتظر أن يأتي «التدخل في شؤون إنتاج ثقافي»، وما هو «نطاق قيم الـحق والـخير والـجمال» الذي تريد العمدة أن تـحميه ببيانها الأساسي وسياسة عميدها، وما هي مقاييس هذه القيم وموازينها؟ هل هي شيء راجع إلى استبداد العميد أم هي مستمدة من تعاليم النهضة وغايتها؟ وإذا كان الوجه الأول هو الصواب، أي أنّ العميد هو مرجع مقاييس الـحق والـخير والـجمال، فما يكون رأي الرفيق فايز صايغ حين يتولى هو مهمة أخرى ويعهد إلى رفيق آخر القيام على عمدة الثقافة ويضع بياناً آخر غير بيانه ويستعمل مقاييس وموازين للحق والـخير والـجمال غير مقاييسه وموازينه؟ وما هي «رسالة عمدة الثقافة» هل هي رسالة خاصة بها أم هي رسالة مقررة من قبل، أُوجدت لها وكلّفت بإدائها؟»
وواضح من هذا الشرح وما تلاه في كتابي إلى الرفيق تويني أني لا أرى دستورية انفراد عمدة الثقافة أو أية عمدة أخرى بـمسؤوليات كلية غير مندمجة في وحدة الإدارة كلها في هذه الـمسؤوليات. وأعتقد أنّ الـمجلس الأعلى ومجلس العمد، فضلاً عن الزعيم، يشتركان في سرور عمدة الثقافة بالترحيب بكل مفكر مخلص يودّ أن يشترك في أداء رسالة النهضة كلها وليس رسالة عمدة الثقافة وحدها، أي أنّ رسالة عمدة الثقافة هي رسالة الـمنظمة مترجمة بتفكير العميد أو غيره مـما يقرر ويأخذ مجراه على مسؤولية الـمنظمة كلها تـجاه القيم العليا وليس على مسؤولية عمدة الثقافة وحدها، أما العمدة فتأتي مسؤوليتها الدستورية الهيولية الـمحسوسة في الدرجة الأولى قبل مسؤوليتها الـمناقبية الشخصية تـجاه القيم الـمذكورة.
وكان الرفيق غسان تويني قد وصف لي غرضه من القدوم إلى أميركانية وما يتوخاه من الدرس في جامعاتها، بطلب مني، وذلك في كتابه الـمؤرخ في 20 يونيو/حزيران الـمذكور. وفي ختام ذاك الكتاب يقول:
«وهكذا، فإني أسعى، كما سعيت أثناء دراستي السابقة في بيروت بعد انضمامي إلى الـحزب، لأن أقارب مثال الطالب القومي الذي، وقد نذر نفسه لـخدمة قضية بلاده بوعي وإخلاص، وخدمة الإنسانية من خلالها، يتناول العلم وفي نفسه تقدير لـمسؤوليته في بناء وطنه، سواء في اختيار الـمواضيع التي تؤهله للقيام بهذه الـمسؤولية أم في عجنه مادة دروسه الـمطلقة مع فهم لـمشاكل بلاده وحاجاتها وتربية نفسه في روح هذه البلاد وتراثها ومصالـحها - على أن لا يعني هذا تعصباً على الـحق والـخير والـجمال أينما وجدت لأسباب تخرج عن نطاقها، ولا قياس الـحق والـخير والـجمال بغير قيمها الـمجرّدة، الخ.»
فأخبرته أني أجد تشابهاً كثيراً، إذا لم أقل متابعة تامة، بين ما أورده الرفيق فايز صايغ في باب «مبادىء أساسية في سياسة عمدة الثقافة» وعبارته التحفظية أو الاحتياطية في ختام كتابه الـمشار إليه. وسألته عن الداعي لهذه الاحتياطات والشروط ولفت نظره إلى الـمبدأ السابع من مبادىء نهضتنا الأساسية وشرحه وزدت:
«أيـمكن أو يجوز أن نعتقد أنّ تأسيس استقلالنا الروحي وإيجاد مثلنا العليا في نظرتنا القومية الاجتماعية إلى الـحق والـخير والـجمال سيعمياننا عن معرفة الـحق والـخير والـجمال أينما وجدت؟»
وقلت أيضاً:
«أيجوز أن نعتقد أنّ الـحق والـخير والـجمال تـحتاج إلى تـجرّدنا من نفسيتنا الأصلية ومن نظرتنا إلى الـحياة والكون ومن مُثُلنا العليا الراسخة في نفوسنا، لندركها؟ وأية فائدة لنا من ربح العالم كله وخسارة نفسنا؟ وماذا تعني بالـحقيقة هذه التعميمات والـمطلقات؟ وأي حق أو خير أو جمال يخشى أن «نتعصب عليه؟» أهو حق الأرنب في رعاية الكلأ والبقول أم حق الأسد في افتراس الغزال؟ وإذا وجدنا أنا وأنت، في قفر أو برية بعيدة وكنا نتضور جوعاً ومرّ بنا غزال نافر يتبعه نـمر أو ببر خاطف وكانت معنا بندقية فأي حق هو الـحق الـمطلق، حق الغزال في السلامة أم حق السبع في الفريسة أم حقنا نحن في السبع والفريسة معاً؟»
ثم وضعت له هذه العبارة: «إنّ وعينا لقوميتنا ونفسيتنا الأصلية وتولّد نظرتنا إلى الـحياة والكون والفن وحصول مثلنا العليا السامية الـجميلة هي خير ضامن لقيم الـحق والـخير والـجمال الـمطلقة والـمقيدة والـمجرّدة والـمصاحَبَة.»
في كتاب الرفيق تويني الـمؤرخ في 23 يوليو/تـموز 1946 الذي كان جواباً على كتابي السابق في تاريخ 9 يوليو/تـموز، قال هذا الرفيق:
«وإذا ما بدا تطرّف من قِبل العميد صايغ في التشديد على صفة أو سياسة خاصة للعمدة، فذلك يعود إلى وضع العمدة الـخاص واختلافها النوعي عن سائر العمدات، وإلى كونها لم تشغل سابقاً بل كانت أعمالها إذ ذاك تؤسس تأسيساً يكاد يكون كلياً. كما أنه قد يكون للأحوال الإدارية التي كان يوجد فيها الـحزب عند وضع البيان، والتي قد يكون العميد وغيره اعتبرها غير مرضية، تأثير في هذا التطرف، كما قد يكون لفلسفة الرفيق صايغ تأثيرها أيضاً.»
فعدت في كتاب تالٍ مني إلى الرفيق تويني مؤرخ في 4 أغسطس/آب وواقع في سبع عشر صفحة أو ورقة، إلى الـموضوع الذي وجدت الرفيق الـمذكور متردداً في قبول ملاحظاتي الواضحة في صدده، وأسهبت في شرح الـمسؤوليات الدستورية الإدارية والـمسؤوليات الـمناقبية الشخصية، وأبنت للرفيق تويني أنه لا ينطبق على الـحقيقة قوله إنّ أعمال عمدة الثقافة كانت حين صار الرفيق فايز صايغ عميدها «تؤسس تأسيساً يكاد يكون كلياً»، فذكرت له ابتداء العمل الثقافي بإنشاء «الندوة الثقافية» واستمرارها سنتيـن.
ولـمّا كان الرفيق تويني شرح لي الـمقصود من العبارات التحفظية في صدد الـحق والـخير والـجمال عدت إلى هذه النقطة وأسهبت في ملاحظاتي عليها. وقلت فيما قلت:
«وقفت على شرحك لتحفّظك في قوميتك «للحق والـخير والـجمال» الـمشترك في الـمعنى مع احتياطات عمدة الثقافة في هذا الصدد. والذي أراه بعد النظر في الأسباب الباعثة على التحفظات والاحتياطات الـمذكورة أنّ هذه التحفظات والاحتياطات العامة غير موفقة من الوجهة العقائدية. وموضع عدم التوفيق في تعميم إطلاق قيم الـحق والـخير والـجمال الذاتية، وهذا التعميم يتجاوز كثيراً حدود رفض «الشوفينية» الذي أعلنه الزعيم ويكوّن في الأخير خطراً نفسياً (سيكولوجياً) على العقيدة القومية الاجتماعية في نفوس الكثيرين. فالـحق والـخير والـجمال من حيث هي قيم مطلقة لا وجود لها، في الواقع، في العالم الإنساني إلا حيث ينتفي تنوّع النظر أو تنوع الـمصالح وتصادمها. ولـمّا لم تكن هذه القيم مادية فلا يـمكن أن يكون لها تـحديد واحد في العالم.»
وبعد القاعدة الـمتقدمة وضعت القاعدة الآتية:
«كل حق وكل خير وكل جمال، لكي يصح أن تكون قيماً عليا، حقيقية، مطلقة عندنا، يجب أن تخضع لشرط رؤيتنا إياها كذلك، أو لاشتراكنا في رؤيتها كذلك، وإلا تعرّضنا لفقدان نظرتنا الشخصية الـخاصة.»
وشرحت كيف أنّ التحفظات التي أثارت هذا البحث تضعف الثقة بصحة نظرتنا الشخصية إلى الـحق والـخير والـجمال، وشددت على خطر هذه الـمطلقات، خصوصاً في الكيفية والقرائن التي وضع عميد الثقافة عبارته فيها حتى قد يبدو أنها تـحفظية ضد عوامل من داخل الـحزب، وفي قرائن عبارة الرفيق تويني التي يعلن فيها حذره من أن يكون في قوميته أي «تعصب على الـحق والـخير والـجمال.»
ويشتد خطر عبارة عميد الثقافة بكونها ضمّنت «بيانه الأساسي» وفي قرائن تظهر عمدة الثقافة كأنها منفردة وحدها في صيانة «الـحق والـخير والـجمال» من تدخّل قد يكون من داخل الـحزب كما قد يكون من خارجه فيهيىء النفوس لضعف الثقة والإيـمان.
في كتاب أخير إلى الرفيق غسان تويني مؤرخ في 28 أغسطس/آب الـماضي يقول: «أخبر الزعيم أني قد نقلت سابقاً إلى العميد صايغ، بصورة شخصية لا رسمية شيئاً من بحث الزعيم معي حول عمدة الثقافة» فلمته على القيام بذلك من غير استئذاني. ثم أفهمته أنّ ملاحظاتي في هذه النقطة الدستورية الإدارية لا تتعلق بـمسألة شخصية فكرية روحية «وهذه الـملاحظات لا تقلل مقدار ذرّة تقديري لشخصية الرفيق الـحبيب الـمجاهد فايز صايغ، ولإنتاجه الثقافي الذي يستحق كل ثناء، وللحيوية العظيمة التي يبديها، وللأعمال الأساسية الـخطيرة التي يقوم بها، وللفكر الدقيق الذي يبديه في معالـجة القضايا.»
إنّ اهتمامي بهذه الـمظاهر الفكرية - الروحية الـجديدة كبُر على نسبة ما رأيت من التوافق في بعض التعابير أو الآراء الذي يحتمل أن يقسم الـحزب مع الأيام إلى «أصحاب النظرة الـجديدة» و«أصحاب النظرة القديـمة» فعدا عن تصريحات العميد صايغ وآراء الرفيق التويني في «تشديد الـحزب سابقاً، الـمتطرف، على العقيدة وتـحجّره الأكاديـمي» إلى أن «تـحلّى بالـمرونة» مؤخراً، يوجد تصريحات منها للرفيق أسد الأشقر الذي كتب إليّ بعد أن تسلّم مني كتاب تعزية بشقيقه الـمنسنيور بطرس. وفي كتابه يقول: «في إحدى جلسات الـمجلس الأعلى دافعت عن برنامجي الإذاعي الـجديد القائل باستعمال الأساليب الـمداورة التي تقوم على العمل لتحرير الفرد من كل العوامل الداخلية والـخارجية التخريبية، الخ...» إلى أن يقول: «قلت للمجلس الأعلى، إنّ القومية السورية تكاد تـمسي عند القومييـن وثناً يعبدونه، ونحن لسنا عبّاد أوثان بل رجال إصلاح» ثم يقول «رفض الـمجلس الأعلى أولاً قبول نظريتي وقالت أكثرية الأعضاء: إنّ الغاية من الـحزب هي تثبيت القومية السورية. فقلت أنا: إنّ الغاية من الـحزب هي إصلاح حياة الشعب السوري الاجتماعية والاقتصادية والسياسية سواء أثبتت القومية السورية أم لم تثبت» فكتبت إليه في هذا الصدد، بتاريخ 2 أغسطس/آب، قائلاً في عُرْض الكلام:
«ما قلته للمجلس الأعلى الـموقر أو لأعضائه وما قاله لك الـمجلس الأعلى جواباً على سؤالك، كما رويت لي في كتابك، لا يكوّن النقطة التي يجب أن يتركز عليها البحث في سياسة الـحزب العملية من الناحية السياسية والإذاعية. أما قضية غرض الـحزب الأخير فأمر مفروغ منه واختلاف الأشكال الكلامية لا يـمكن أن يغيّر شيئاً من حقيقته فقولك «إنّ الغاية من الـحزب هي إصلاح حياة الشعب السوري الاجتماعية والاقتصادية والسياسية» لا يختلف عن قول أكثرية أعضاء الـمجلس الأعلى الـموقر «إنّ الغاية من الـحزب هي تثبيت القومية السورية» بل هو يكمله وما رأيته من خلاف فهو في اللفظ وفي جزئية الـمعنى لا في الـمعنى كله لأنّ قولك «إصلاح حياة الشعب السوري» يفترض وجود «الشعب السوري» ووعيه لوجوده الذي هو في الـحقيقة «تثبيت القومية السورية»
ثم قلت:
«وأما باقي عبارة كلامك للمجلس الأعلى الـموقر «سواء تثبت القومية السورية أم لم تثبت» فخطأ كبير نظرياً وعملياً ومن الـمناقضات التي لا تدل على صحة نظر في الـمسائل الأساسية الـحقوقية والسياسية.»
في كتابه الـمذكور يقول الرفيق أسد الأشقر:
«عندما أرجع بفكري أدراج الـمراحل التي قطعها الـحزب وأفترض: لو كان الزعيم أسس في لبنان 1932 «حزب الإصلاح اللبناني» وفي سورية «حزب الإصلاح السوري» وسيّر الـحزبيـن في انسجام واتـجاه متوافقيـن ماذا كان حدث؟ أجيب نفسي: كان الزعيم اليوم زعيم لبنان بدون منازع، وكان الزعيم اليوم موجّه السياسة العربية العامة في «جامعة الدول العربية». إنّ الزعيم كان على صواب علمياً وعقائدياً وفلسفياً ولكنه لم يكن ناجحاً سياسياً وإذاعياً.»
فأجبته على هذا الكلام:
«لو كان الزعيم أسس «حزب الإصلاح اللبناني» في لبنان و«حزب الإصلاح السوري» في الشام لكان الزعيم غير ما هو، وكان واحداً مثل كثيرين غيره يفكرون هذا التفكير الـمختص بالسياسات الصغرى، ويحاولون كل يوم هذه الـمحاولات، ويبعدون بعداً سحيقاً عن إنشاء نهضة أمة بأسرها مهما بلغوا من مراكز الـحكم ومهما أطالوا الـجلوس والكلام في «جامعة الدول العربية».»
أعطيك هذه الـمعلومات، أيها الأميـن الـحبيب، لتقف على بعض ما دار في مراسلات الاتصال بالزعيم.
تسلمت كتاب رئيس مكتب عبر الـحدود الـمؤرخ في 10 أغسطس/آب وقصاصات [صدى] النهضة والصور الـمرسلة معه.
في البريد التالي أضع كتاباً للرفيق أكرم حوراني الذي كان فتر في عمله النظامي وظل حاراً في عقيدته والعمل لها.
حالـما تسلمت برقية الرفيق رئيس الـمكتب بطلب رسالة من الزعيم إلى اجتماع القومييـن في الشوير في 25 أغسطس/آب كتبت رسالة وأرسلتها بالبريد الـجوي فأرجو أن تكون وصلت.
سأكتب إلى الرفيق رئيس مكتب عبر الـحدود في صدد طبع كتاب الصراع الفكري في الأدب السوري وأرسل إليه تصحيح أغلاط وتعديل بعض عبارات.
أسفت كثيـراً لوفـاة الرفيـق الدكتـور فـؤاد راسـي والرفيـق كريـم خـوري فـلا امّحي ذكرهما.
سلامي القومي لك وللبيت، ولأعضاء الـمجلس الأعلى الـموقر، ولأعضاء مجلس العمد، ولـجميع الرفقاء العامليـن ولتحيى سورية.